Connect with us

ثقافة وفن

البدر «أنسن العاطفة» و«حلّق بالوطن» وحدّث الأغنية

أنجز مهندس الكلمة الأمير الشاعر بدر بن عبدالمحسن، تجربة متكاملة بالكلمة واللون من خلال القصيدة الغنائية المُطعّمة

أنجز مهندس الكلمة الأمير الشاعر بدر بن عبدالمحسن، تجربة متكاملة بالكلمة واللون من خلال القصيدة الغنائية المُطعّمة بروح حداثية، نقلت الأغنية المحلية من وصفيتها وتقليديتها الكلاسيكية إلى فضاء أرحب؛ لتجري على اللسان العربي من المحيط إلى الخليج بانسيابية وكأنها أغنية كل وطن وكل إنسان.

لم يقتحم البدر ميدان الشعر (عادة الفنان المرهف الحس) بالثقة المفرطة في النجاح والقبول، بل كان وجلاً وهو يعتمد التجريب، بتفكيك النص العامودي إلى التفعيلة، ويُدخل من الجُمل العادية ما يجعلها أكثر فتنة وتغدو غير عادية «ليت الشوارع تجمع اثنين صُدفة»، فالحساسية من التحديث يعده التقليديون اعتداءً سافراً على قناعات راسخة.

حلّق بالوطن فوق هام السُّحب

ظلّت أغنية (وطني الحبيب) للراحل طلال مداح، متسيّدة المشهد الغنائي الوطني، فإذا بالبدر يحلّق به (فوق هام السُّحب)، وتغدو أغنية الوطن الأكثر شعبية داخل المملكة وخارجها وفي كل محافلها، ولا خلاف على أن البدر جعل الوطن معشوقاً لكل أفراد المجتمع بمخاطبة وجدان الناس بما يعرفه عن حبهم وتعلقهم بأرضهم ووفائهم لقادتهم، وكانت الأوبريتات شاهداً حيّاً على صدق إحساس الشاعر منذ أوبريت (الله البادي) عام 1410هـ.، مروراً بأوبريت الجنادرية (وقفة حق) عام 1412هـ (1992م) وأوبريت مهرجان الجنادرية 14 (فارس التوحيد) عام 1419هـ (1999م). وأوبريت مهرجان الجنادرية 24 (وطن الشموس) عام 1430هـ (2009م). وأوبريت مهرجان الجنادرية 32 (أئمة وملوك) عام 1439هـ (2018م). إلى أوبريت (مملكة الحب والسلام) في حفل تدشين رؤية وزارة الثقافة عام 1440هـ (2019م).

المرأة ليست جسداً في قصيدة البدر

ولم تكن (المرأة) في قصيدة البدر جسداً يحتضن نهم شوق عابر، بل هي الإنسانة وشريكة الحياة والعمر، وقدم العاشق بصورة مغايرة، وخطب ود الأنثى بحسّ مرهف (حبيبتي ردي سلامي للهوى)، و«حبيتها حبيبتي يا حلم/‏‏ ياللي أعرفك اسم/‏‏ وجو تصوره الحروف وأتخيله»، وإن اقتحم منطقة بجرأة، فلا يتجاوز مفردات (ريانة العود)، و«هلي الجدايل ظللي عن الشمس/‏‏ وداري جبيني عن لهيب السموم».

الطفولة وبراءة عاطفة شاعر

تتأكد براءة شاعرية بدر بن عبدالمحسن وهو الذي جعل من طفلته التي تركض تحت المطر صورة غنائية، وكأنها لوحة بانورامية، أو شاشة تنقل الحدث «يا طفلة تحت المطر.. تركض وأتبعها بنظ/‏‏ تركض تبي الباب البعيد/‏‏ تضحك على الثوب الجديد/‏‏ ابتل وابتل الشعر». ويرى الناقد الدكتور إبراهيم الشتوي في كتابه (مسارب ضوء البدر) أن الأمير بدر بن عبدالمحسن «من أهم رواد النص الشعري الحديث، وأحد المغامرين، والمغيرين في ملامح القصيدة الشعبية الحديثة». لافتاً إلى أن نصوص البدر «مشوبة بالشوق، ومضمخة بالحنين والشكوى، ومضيئة بفوانيس الفكرة المشعة التي تنور شوارع قلوب العشق وتلطف حلم الزمان الآتي بنسمة تثير الواس والأنفاس». وعن خصائص مفرداته الشعرية قال: «عمقها، وجمالها الفني في الجرس والإيقاع، ودلالته على المعنى الرمزي والانفعالي، والترادف والتضاد والإيحاء والخيال، والتي من خلال هذه العوامل، أوصل لنا البدر لغته الشعرية، بأسلوبه وثقافته وفلسفته، التي تؤهله لاختيار مفرداته المناسبة، لرسم الصورة الشعرية، عن طريق الاستعارة والانزياح والتشبيه، خصوصاً وأنه استثمر تقنية البناء القصصي في نصوصه، لينمو الحدث، متدرجاً بالفكرة، ومستخدماً أساليب القصة، من حيث تقنية السرد والحبكة، لتؤسس مع الصورة الشعرية التي عن طريقها يستطيع التقاط صور جزئية غير مترابطة، ليربطها بأسلوبه الفني، عن طريق تقنية المونتاج، لنظفر بصورة كلية. وكأننا أمام فيلم سينمائي، مستفيداً من تلك الثقافة، التي منحته القدرة على التجديد والتجريب والابتكار، متجاوزاً المنجز الشعري القديم، وكل ما يحمله من تقريرية ومباشرة، من خلال الرؤية الداخلية، والخارجية الذاتية». فيما عدّه الشاعر محمد جبر الحربي شاعراً مشى دربه خطوة.. خطوة، إلى أن بنى بيننا وبينه جسراً من القصائد العظيمة كأشجار فارعةٍ ثمارُها نائيةٌ دانية.. وأضاف: مرتْ قصائد بدر بن عبدالمحسن كجمال الفصول، كستائر منتقاةٍ بحرصٍ، لا لتحجبَ النور، بل لتوزِّعَه بحكمةٍ داخل البيوتِ والصدور، كما يوزع (موزارت) نغمات البيانو بفرح عبر التاريخ.. إنَّ في كل قصيدة روحاً، وفي كل روح نبضاً، وفي كل نبض كلمة تسكن القلب وتبقى.. كشلال ضوءٍ يمر على عين طفلٍ.. والتفاتةٍ لنافذة».

وعن ثيمات أغنيات البدر يذهب الناقد طامي السميري إلى أن السلام ثيمة كبرى في نصوص البدر، التي حضرت مع محمد عبده في (يا حابس النور)، (سلم علي ينجلي همك)، ثم في (ردي سلامي)؛ «ردي سلامي للهوى/‏‏ عذب السلام»، ومع عبدالمجيد عبدالله في (تخيل)، (سلم أبرد السلام)، ومع علي عبدالكريم في (سلام يا رمش)؛ «سلام يا باهي الخد/‏‏ سلام يا ذبح القلوب الخلية/‏‏ أنعم من النسمة على الخد/‏‏ وأغلى سلام لو ترده علي». إضافة لثيمة الفراق، التي وردت في أغنية (أبعتذر)؛ «والله عليم يا أحلى العيون/‏‏ إن الفراق جزا الفراق/‏‏ أبجمع أوراق السنين وأودعك/‏‏ كان الفراق اللي تبين، الله معك»، وفي أغنية (الرسائل وليلة كانت الفرقا)، وفي أغنية («مرتني الدنيا)؛ عشاق ليلة وتفارقوا/‏‏ وصاروا بعيد»، وفي أغنية (تخير)؛ «أنا ما أشير بالفرقا، ولا أحدك على المقعاد»، وثيمة العيون السود المرتبطة دائماً بالليل، التي حضرت في أغنية (حق العيون السود السمع والطاعة)، وفي أغنية (الرسايل) لمحمد عبده «دمعة العين الكحيلة»، وفي أغنية (صابني) لطلال مداح (صابني بالهوى سهم العيون).

يحيى زريقان: أسس لمستقبل الشعر.. ومواقفه الإنسانية نبراس

أكد الناقد الفني يحيى مفرّح زريقان أن بين البدر وبينه الكثير من المواقف والحوارات منذ عرفه عام 1978م، ويرى أن البدر ظلّ النبيل الوفيّ إلى سفره الأخير لرحلته العلاجية، وكشف موقفين في حياته لا ينساهما أبداً، الأول: عندما كان محرراً فنياً في مجلة اليمامة، واتصل عليه وطلب فزعته، فقال -رحمه الله-: جايك المكتب، فقال يحيى: المكتب طالب عمرك زحمة، ولكن أجيك البيت. فقال: طيب أنا خارج البيت والآن أرجع. فذهب لبيته، وأبلغه أنه بقي عليه صفحتان لم يحررهما. فحرر البدر معه باقي الملحق، ورسم معه الماكيت، وحمل زريقان الصفحات للمطابع، وهذا تأكيد للمؤكد بأنه الفنان الإنسان. وعن الموقف الثاني يقول: تعرضت لضغوط من الإخوان المسلمين، فكان الوحيد الذي وقف معي بدر بن عبدالمحسن الذي أعدّه مؤسساً لمستقبل الشعر.

ولا ريب أن تجربة البدر الحداثية غدت منهجاً ونبراساً فسار على دربه شعراء وكتاب كلمات غنائية، في دلالة على أنها حظيت بالقبول، وتلقتها الذائقة باحترام، ما يؤكد أن البدر كتب بروحه فتسللت لأرواح الناس، لتتبنى مشاعر (بدر) أشعل في ليل اليأس شمعة، ورحل في موسم الورد الذي فضح عطر البساتين.

Continue Reading

ثقافة وفن

المملكة تتسلم رئاسة المؤتمر العام لمنظمة «الألكسو» حتى العام 2026

انطلقت اليوم أعمال اجتماع المؤتمر العام للمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (الألكسو) في دورته الـ27 برئاسة

انطلقت اليوم أعمال اجتماع المؤتمر العام للمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (الألكسو) في دورته الـ27 برئاسة المملكة العربية السعودية التي تستضيف المؤتمر في جدة.

ورحب وزير الثقافة رئيس اللجنة الوطنية للتربية والثقافة والعلوم الأمير بدر بن عبدالله بن فرحان، في كلمة ألقاها نيابة عنه وزير التعليم نائب رئيس اللجنة الوطنية للتربية والثقافة والعلوم يوسف بن عبدالله البنيان، بالوزراء رؤساء اللجان الوطنية للتربية والثقافة والعلوم في الدول العربية، والوفود العربية المشاركة.

وخلال الاجتماع جرت مراسم تسليم جمهورية العراق رئاسة المؤتمر العام في دورته الجديدة 27 للمملكة العربية السعودية، التي تستمر حتى مايو 2026، بعد انتهاء فترة الدورة 26 التي استمرت عامين برئاسة جمهورية العراق.

وألقى يوسف البنيان كلمة قال فيها: «من مدينة التاريخ والتراث والفنون والحضارة الإسلامية، نسعد باستضافة المؤتمر العام للمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (الألكسو) في مدينة جدة، الذي يأتي تتويجاً للجهود الكبيرة التي تقودها المملكة العربية السعودية مع شركائها في المنظمة، في ظل دعم غير محدود من قيادتنا الرشيدة، وانعكاساً للتعاون المثمر الذي يترجم التزامنا جميعاً بتحقيق الأهداف والغايات الإنسانية والتنموية المشتركة».

وأكد دعم المملكة الكامل والثابت للموقف الإنساني والأخوي لقطاع غزة، وذلك ضمن إطار التعاون والتضامن العربي، مشيراً إلى أن هذا الدعم من أولويات المملكة الإنسانية والتنموية، لتعزيز الجهود الإنسانية والإغاثية، كما يعد جزءاً من رؤية المملكة الراسخة في دعم القضايا الإنسانية والإسلامية.

ولفت البنيان النظر إلى أن المنظمة منذ تشرفت المملكة بثقة الدول العربية برئاستها للمجلس التنفيذي نجحت في إنجاز مشاريع وشراكات تفخر بها، مبيناً أنه امتدادا للشراكات المثمرة مع المنظمة يتم تدشين المرصد العربي للترجمة اليوم، ومنظومة بيانات السياسات اللغوية للدول العربية، بشراكة وثيقة بين وزارة الثقافة ومجمع الملك سلمان العالمي للغة العربية و«الألكسو».

كما أكد البنيان دعم المملكة العربية السعودية لترشيح الدكتور خالد عنان مرشح مصر لمنصب مدير عام منظمة اليونسكو، وهو المرشح العربي الوحيد لهذا المنصب، حيث تعد المملكة هذا الترشيح فرصة مهمة لتعزيز الدور العربي في خدمة القطاعات الثقافية والتعليمية والعلمية على المستوى الدولي، كما حث بقية الدول الأعضاء في المنظمة على دعم مرشح مصر لهذا المنصب المهم، مؤملاً أن يكون هذا الدعم جماعياً ومتبادلاً لتعزيز الحضور العربي في المشهد الدولي.

واختتم البنيان الكلمة بتثمين جهود الدول العربية في دعم الألكسو، ومد جسور التواصل لتحقيق الأهداف الإقليمية المشتركة، كما أعاد الترحيب مجدداً بضيوف المملكة في عروس البحر الأحمر، وتمنى لهم تحقيق الأهداف المرجوة في هذه الاستضافة.

وخلال أعمال المؤتمر ألقى وزير التربية العراقي -رئيس الدورة الـ26- الدكتور إبراهيم الجبوري كلمة سلط فيها الضوء على المنجزات المتحققة في الدورة السابقة، والبرامج المتنوعة الرامية إلى مد جسور الحوار والتعاون بين الثقافة العربية ومثيلاتها الأخريات من جميع أنحاء العالم.

من جهته، استهل مدير عام المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (الألكسو) الدكتور محمد ولد أعمر كلمته بشكر خادم الحرمين الشريفين، وولي عهده الأمين على استضافة المؤتمر العام في مدينة جدة، مؤملاً أن تكون هذه الدورة محطة بارزة للعمل الذي يعزز دور ومكانة المنظمة لتواصل رسالتها بكل كفاءة واقتدار.

وقدم الشكر لوزير الثقافة رئيس اللجنة الوطنية للتربية والثقافة والعلوم على ترؤسه الدورة السابعة والعشرين للمؤتمر العام، وتوفير الظروف الملائمة لعقدها، كما عرض أبرز البرامج والمبادرات والمشاريع التي نفذتها المنظمة بين الدورتين 26 – 27 للمؤتمر العام مع المنظمات العالمية مثل منظمة اليونسكو، وأعمال القمة العربية في جمهورية الجزائر، والقمة الفرنكفونية، والمؤتمر الثالث عشر لوزراء التربية والتعليم العرب في الرباط، والمؤتمر الدولي لتعليم الكبار أيضاً في المغرب.

وأشار الدكتور محمد ولد أعمر إلى أن «الألكسو» تعاونت مع وزارة التربية التونسية واليونسكو واليونسيف، ومجلس أوروبا، والبنك الدولي، بحضور أعضاء السلك الدبلوماسي، ومشاركة نحو 250 شخصية ذات خبرة في المجال لعقد المؤتمر الأول حول الفاقد التعليمي الذي يهدف لتنسيق الجهود الإقليمية والدولية للبحث في القضايا التربوية ذات الاهتمام المشترك، ومواصلة جهود المنظمة في معالجة قضايا الهدر المدرسي والتسرب من التعليم.

وفي كلمة الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط التي ألقتها المشرفة على قسم المنظمات العربية في جامعة الدول العربية الدكتورة علا البدر، أكدت أهمية التعاون العربي في الارتقاء بالثقافة والتراث والعلوم، ودعم الجهود الرامية إلى دعم قضايا الثقافة والتنسيق المشترك بين الدول العربية الأعضاء لرفع مستوى الموارد البشرية في البلاد العربية، والنهوض بأسباب التطوير التربوي والثقافي والعلمي والبيئي والاتصالي فيها.

في حين أكد رئيس وفد المملكة العربية السعودية نائب وزير التعليم الدكتور أحمد بن محمد السديري أن عقد اجتماعي «الألكسو» في مدينة جدة يتزامن مع ازدياد في دور المؤسسات الوطنية السعودية لدعم أعمال «الألكسو»، حيث تجاوز عدد المبادرات السعودية 45 مبادرة، في مشهد يعكس اهتمام المملكة العربية السعودية وإيمانها بأهمية العمل مع المنظمات الدولية ومحيطها الإقليمي.

وأشار إلى أن العلاقة بين المملكة العربية السعودية ومنظمة «الألكسو» تمتد إلى 54 عاماً من تأسيس المنظمة، مؤكداً أنها شهدت أخيراً نشاطاً ملحوظاً بعدد من الأنشطة ذات العلاقة بعمل المنظمة، في حين تعمل المنظمة في نطاق جامعة الدول العربية، ومع اللجان الوطنية في الدول العربية كافة، في كل ما يخدم مجتمعاتها على المستويين المحلي والإقليمي والوصول إلى العمل التشاركي والتكاملي في مجالات التربية والثقافة والعلوم من خلال تقديم المبادرات النوعية والشراكات القيمة مع مختلف القطاعات والجهات ذات العلاقة لرفع المستوى الثقافي بين أجزاء الوطن العربي.

وحملت كلمات رؤساء الوفود العربية عدة مضامين في أهمية دعم القضية الفلسطينية، وإدانة واستنكار ما يتعرض له الشعب الفلسطيني من تهجير، وما تشهده الآثار الفلسطينية من تدمير، كما تناول المؤتمر أهمية دعم الثقافة والتربية والابتكار والعلوم في الوطن العربي، كما شهدت مداخلات ورؤى عددٍ كبيرٍ من مسؤولي الثقافة في العالم العربي، سواء حضوريًا أو عن بُعد، في إطار تعزيز حوار عالمي حول دور الثقافة والتربية والعلوم في التنمية المستدامة بالوطن العربي.

Continue Reading

ثقافة وفن

احذر أن ينكسر قلبك

«أصبحت أتحدث عن (فلسفة الحياة) فيستمع لي الساهرون بإعجاب.. كنت متأكداً أني أقول أي كلام.. ولكن الشهرة تحول الغباء

«أصبحت أتحدث عن (فلسفة الحياة) فيستمع لي الساهرون بإعجاب.. كنت متأكداً أني أقول أي كلام.. ولكن الشهرة تحول الغباء إلى ذكاء.. والجهل إلى علم.. والسخف إلى حكمة.. وقلة الأدب إلى ظرف وخفة دم».

(عبدالله باجبير)

العنوان هو لأحد كتب الكاتب السعودي عبدالله باجبير الذي كتب لسنوات طويلة عبر زاويته (قهوة الصباح) في صحيفة الشرق الأوسط، وله عدة مؤلفات منها: (قل لي.. من أنت)، (احذر أن ينكسر قلبك)، (صداع كوني اسمه الحب)، (من أجل عينيك)، (حوار مع امرأة مجهولة)، (خلف الأبواب الموصدة)، (الفلوس والحب)، و(قلت وقالوا).

تتميز مؤلفاته بأنها مجموعة مقالات قصيرة عن الحياة تبدو في ظاهرها وكأنها كتبت للمرأة وعن المرأة، لكنها في حقيقتها كتبت لنا جميعاً.

جمع عبدالله باجبير في كتاباته بين الفلسفة والأدب وعلم النفس والسخرية أحياناً.

تتميز تلك الكتب بأنها صديق مذهل للقراءة البسيطة غير المرهقة للذهن، لكنها وجبة مشبعة لقضاء وقت ممتع في عالم القراءة، كذلك هي رفيق أكثر من رائع في أوقات الانتظار والسفر والمقاهي.

قضيت بصحبة تلك الكتب أوقاتاً لا تنسى مبحراً معها وفيها، ومستمتعاً بتلك اللغة البسيطة العميقة التي كتبت بها.

لم ينل عبدالله باجبير ما يستحق، ولم تنل كتبه ما تستحق من الانتشار، ولا أدري هل يعود السبب للكاتب نفسه أم لدار النشر أم للقارئ نفسه، لكنها حقاً لم تنل مكانتها المستحقة.

أكتب عن عبدالله باجبير وعن كتبه من باب الوفاء لكل تلك الأوقات الجميلة التي قضيتها بصحبة ما كتب، وأجد أنني أحد القراء الذين استمتعوا واستفادوا ومضوا دون تدوين كلمة شكر تليق بالكاتب وكتبه.

أتمنى أن تجد هذه الإضاءة البسيطة الطريق إلى قارئ يبحث عن كتب خفيفة لطيفة يبدأ بها في عالم القراءة أو يعود بها إلى عالم القراءة إذا كان منقطعاً عنها أو إلى قارئ محترف يبحث عن وجبات خفيفة يستمتع بها بين الوجبات الدسمة التي ترهق العقل والفكر.

Continue Reading

ثقافة وفن

المَعَرِّي بين التاريخ ورواية الشايجي

هل تظن أنك تعرف شخص أبي العلاء المعري أو المتنبي أو غيرهما من أعلام التاريخ الثقافي حق المعرفة بعد أن قرأت سيرهم

هل تظن أنك تعرف شخص أبي العلاء المعري أو المتنبي أو غيرهما من أعلام التاريخ الثقافي حق المعرفة بعد أن قرأت سيرهم وما كتبوا وما كُتب عنهم أو معظمه؟ أحسب ذلك وهماً كبيراً! فنحن غالباً نشترك مع كتاب التاريخ في اختراع شخصياته. يقول طه حسين واصفا هذه الإشكالية: «وإنه لمن الغرور أن يقرأ أحدنا شعر الشاعر أو نثر الناثر، حتى إذا امتلأت نفسه بما قرأ أو بالعواطف والخواطر التي يثيرها فيها ما قرأ، فأملى ذلك أو سجله في كتاب، ظن أنه صور الشاعر كما كان، أو درسه كما ينبغي أن يدرس، على حين أنه لم يصور إلا نفسه، ولم يعرض على الناس إلا ما اضطرب فيها من الخواطر والآراء».

بحسب طه حسين، نحن نشترك جميعا في صنع صورة الشخصية التاريخية بما نكتب عنها ونتأول من إنتاجها وأخبارها، عاكسين أنفسنا بأكثر مما نقتنص من الشخصية التاريخية، وفي العمل الروائي الذي يتوسل بالتاريخ أو يتخذ بعض أحداثه قناعاً، يقع الكاتب في إشكالية صعبة يلخصها السؤال التالي: من منكما يستخدم الآخر؟ هل بإمكانك استخدام التاريخ بتحكم كامل في عمل فني، سواء أكان رواية أو فيلماً سينمائياً أو مسلسلاً تلفزيونياً؟ هل تثق بأن التاريخ ليس هو من يستخدم قدراتك وطاقاتك الفنية ليعيد إنتاج نسخته الشائعة؟ أم أن الأمر منزلة بين المنزلتين؟

الخيارات في الرواية المعاصرة واضحة، أكثرها شيوعاً هو السقوط في حبائل أيديولوجيا عميقة الوجود في وعي الكاتب، ما يجعل المهيمن على نصه هو إعادة إنتاج رواية التاريخ طبقاً لمنظور تلك الأيديولوجيا ومصالحها. في هذا الخيار تختلف قدرات الكتَّاب بين مجتهد في فهم نسخة التاريخ التي يعرف، وتوظيف زواياها لإنتاج نص مشوق ممتع، وبين مكتفٍ باستعادة وقائع تاريخية من فترات يغلفها السحر، بسبب غرائبية الأحداث واختلاف معادلات الواقع الثقافي ساعتها عما نعيش اليوم. في الحالتين السابقتين لا يبدو الكاتب مستخدِماً للتاريخ بقدر ما يبدو أن التاريخ يستخدم الكاتب ليعيد إنتاج نفسه. الخيار الثاني هو استخدام التاريخ وعدم السماح لبنياته السردية وشخصياته المبجلة ذات الغلاف الأسطوري بأن تملك عليك إرادتك السردية لتعيد إنتاج عوالمها التي يكسوها عبق سحري، فارضة ظلالها على رؤاك وتصوراتك وتخييلاتك للشخوص والأحداث جميعاً إلا في حدود ضيقة تخدم ما تريد. الخيار الأخير متعب جداً؛ إذ يعني أولاً أن تكون روائياً موهوباً صاحب مشروع ينتمي لك وللحظتك التاريخية، ما يتضمن أن تجهد نفسك طوال الوقت لكي تفهم انحيازاتك الشخصية، ثم لتحلل توجهات الروايات التاريخية التي استقرت في ثقافتك، قبل أن تبدأ في المحاولة الخطرة لاستخدام مادة التاريخ في صنع نص إبداعي، وهذا تحديداً ما أحسب أن رواية (فتنة الغفران) للروائي الكويتي حمود الشايجي تقوم به.

لنعد إلى أبي العلاء المعري، الذي يمثل هو ومحيطه الثقافي الإشكالي مادة لرواية حمود، حيث يظهر فيها المتنبي وسيف الدولة وآل الوزير المغربي وغيرهم. وسوف أتجنب تمامًا أية محاولة لتلخيص الرواية؛ احتراماً لجهد الكاتب في صناعة المكونات السردية المختلفة لروايته من حبكة زمنية، وشخصيات، وأماكن رسمت بدقة، وتقسيم بنائي يقوم على شذرات حكيٍ تكتمل بالتدريج، كلوحة كبيرة يتم رسمها من الأطراف وصولاً إلى المركز، إضافة إلى إدراك جلي بخطورة تناول المادة التاريخية والسيطرة عليها، كل ذلك يمنع من محاولة التلخيص التي ستمثل جرماً في حق «فتنة الغفران» المنسوجة على مهل.

الهدف من هذا المقال إذن هو موضعة (فتنة الغفران) بوضوح ضمن الروايات التي تستخدم التاريخ لتطرح رؤيتها للعالم، لكن من المهم، أيضاً، توضيح بعض الفنيات التي تتميز بها الرواية وتبرر هذا الحكم. تكسر رواية الشايجي حاجز الرهبة في مواجهة التاريخي المبجل والمخيف، رغم أن الشخصيات التي تدور عنها وحولها الرواية هي من أعلام التاريخ العربي في فترة ملتهبة بالأحداث؛ وهي تفعل ذلك، بدايةً، عبر تقسيم الرواية إلى مقاطع قصيرة، يحمل كل منها اسم الشخصية التي ربما تظهر أكثر من مرة؛ فيتكرر الاسم مضيفاً المزيد عن الشخصية حسب حاجة السرد. الأهم هو الإصرار على استخدام الراوي الداخلي في فصول الرواية كلها؛ ليصبح اللقاء مع الشخصية التاريخية مباشراً عبر نطقها هي، لا عبر وسيط الراوي الخارجي العليم الذي يحافظ على مساحة التخييل والتبجيل في ذهن القارئ. يضعك الراوي الداخلي مباشرة أمام ما يشعره أبو العلاء المعري، مثلاً، بصورة مباشرة وعلى لسانه، وهو ما يمثل اللعبة الرئيسة للرواية التي تحول هؤلاء الأعلام إلى كائنات روائية/‏ إنسانية تقترب من القارئ، بقدر ما تبتعد عن التنميط الأسطوري الذي اكتسبته عبر قرون من التأويل وإعادة التأويل لأعمالها الأدبية وسيرها الذاتية. بعبارة أخرى يخطو حمود بجرأة يحسد عليها نحو اكتشاف ما لم يرد في كتب التاريخ عن المعري، مقرباً إياه للقارئ كإنسان لا كشاعر فيلسوف ابتعدت به روايات المؤرخين وتأويلات نقاد الأدب عن الطبيعة، مقربة إياه إلى النموذج الأسطوري إن سلباً أو إيجاباً، وهو ما تفعله الرواية مع باقي الشخصيات التي تم رسمها بوعي عميق، عبر نسج متأنٍ لأحداث ستمنحك رائحة الزمن الذي تدور فيه، وملمس أشيائه دونما تعدٍّ على أهداف الكاتب أو سيطرته على عالمه.

Continue Reading

Trending

جميع الحقوق محفوظة لدى أخبار السعودية © 2022 .