في الـ25 من الشهر القادم، ستنطلق مجدداً الجولة الدستورية الـ9 بين طرفي المعارضة والنظام من أجل التوصل إلى مقاربة دستورية جديدة من شأنها أن تطوي صفحة من الخلاف الجانبي للأزمة السورية، ونقول الجانبي؛ لأن الخلاف بين الطرفين لا يتوقف فقط عند القضية الدستورية، وإنما هناك جوانب أخرى لا يمكن أن تنتهي الأزمة السورية من دونها مثل اللاجئين والمعتقلين وقضايا سياسية أخرى.
وعلى الرغم من التوافق على القرار الأممي 22254 وعلى استمرار المسار الدستوري رغم محاولات النظام التملص من هذا المسار، إلا أن شيئاً لم يحدث على مدار 8 جولات دستورية في جنيف برعاية المبعوث الأممي للأزمة السورية غير بيدرسون وحضور دولي خصوصاً أمريكي وروسي.
ومع كل المحاولات الإقليمية والدولية من أجل دفع المسار الدستوري، إلا أن النظام السوري في كل مرة يضع العراقيل أمام أي محاولة تقدم، وقد قال هذا الأمر صراحة المبعوث الأممي للأزمة السورية غير بيدرسون إن التقدم بطيء على المسار الدستوري إلا أن الاستمرار مهم جدّاً حتى لا تدخل الأزمة السورية في أرشيف الأمم المتحدة وتزول من قائمة النزاعات الدولية.
يجادل تيار واسع من المعارضة السورية بعدمية التوصل إلى حل مع النظام السوري حول التوصل إلى حل سياسي عبر مسار اللجنة الدستورية، ويستند هذا التيار إلى أن النظام السوري لم يقدم منذ بداية الأزمة في العام 2011 أية تنازلات سياسية وهو في أضعف الحالات العسكرية على الأرض، فكيف الآن والأزمة السورية تذيلت قائمة الاهتمامات الدولية، إلا أن هذا التيار في الوقت ذاته لا يقدم بدائل للحالة السورية الراكدة اليوم، فهو في كثير من الأحيان تيار معطل يعيش على بدايات الأزمة السورية التي تطالب بإزاحة الأسد من السلطة، وهو الأمر الذي غاب عن أجندة العديد من الدول. التيار الثاني؛ هو التيار الذي يعتقد أنه لا يمكن الوقوف مكتوف الأيدي أمام حالة التراخي الدولي حول سورية، ولا بد من العمل على إبقاء الملف السوري على طاولة الاهتمام الدولي، خصوصاً في ظل التجاذبات الدولية حول الحرب الروسية في أوكرانيا، وبين هذين التوجهين، تبقى الأزمة السورية غير محسومة على مستوى المعارضة السورية.
كلا الطرفين لديهما مبررات منطقية وواقعية، ولكن في حالة التهرب من مسار اللجنة الدستورية، فإن النظام السوري سيكون أكثر ارتياحاً لهذا الخيار، خصوصاً أن روسيا منخرطة جداً في هذا المسار، وهي تضغط على النظام السوري سياسياً من أجل التوصل إلى حل سياسي وفق قرار مجلس الأمن 2245، وبالتالي فإن ترك النظام السوري وحيداً من دون ضغوطات دولية من شأنه أن يطوي الملف السوري في أروقة الأمم المتحدة، وتبقى المسألة السورية مجرد وجهة نظر دولية غير مطالبة بالحل السياسي.
إن النظام السوري منذ بداية الأزمة كان يستغل التباينات الدولية، وهذا كان عنصراً مهماً في استمرار النظام منذ بداية الأزمة، هنا يمكن القول إن التمسك بالمسار الدستوري هو الحل الأخير، وربما يكون الوحيد لإبقاء الملف السوري على الطاولة الدولية، وكل الاعتراضات على هذا المسار يمكن أن تكون محقة، لكنها غير مجدية.