الثقافة و الفن
تجربة الحياة في إسلام أباد: من معرفة قديمة إلى معايشة
حياة حطت قدمي في إسلام أباد قبل عام
لم أكن أتوقع أنني سأهاجر إلى آخر الأرض. كان في الهواء شيء مألوف، وفي الوجوه ظلّ معرفة قديمة. لقد عرفنا الباكستانيين منذ طفولتنا في السعودية: عمالاً مهرة، أطباء ومهندسين، معلمين وتجاراً، وسائقي حافلات ومسؤولي صيانة.
عرفناهم قبل أن نعرف الغرافيك، شركاء رزق وجيرة وصلاة وصلاح. كانوا ينهضون مع الفجر إلى أعمالهم بجدٍّ صبور، وابتسامة تشبه دعاء الأمهات. لذلك، لم تكن الغربة في باكستان غربة قلب، كانت فقط انتقالاً من معرفة قديمة إلى معايشة أجمل.
إسلام أباد مدينة ترتب الخضرة على مهل
إسلام أباد مدينة ترتب نفسها بالحرف الأخضر: ممارات مشجرة، هواء نظيف، أنساب هادئة للشوارع، وجبال مارغلا تشرف كأنها أمٌّ تسدل ظلّها على أبنائها. بعد أمطار المساء، يفوح التراب هنا برائحة تشبه بدايات جديدة، ومن مصلّى صغير إلى مسجد الملك فيصل فيصل المهيب -الذي يحمل اسم ملك أحب باكستان وأحبته- تشعر بأن الروح وجدت مرساها.
على ضفاف البحيرات، وفي الأسواق الليلية، ترى مزيجاً رائعاً من التنظيم والدفع؛ نظام يستقبل إنسانيتك، ودفع يحفّز مكانك. أهل البلد.. ضيافة تتقن لغات القلوب، تحتاج إلى قاموس كي تفهم باكستانياً يقول لك وهو يمدّ لك كوب الشاي: «خوش آمدید».
الضيافة هنا (مهما نوازي) ليست عادة اجتماعية فحسب؛ إنها فلسفة عيش. يفرحون بالضيف كما يفرح الربيع بمطرٍ موعود، ويتقبلون الآخر بلا تكلّف، كأن التنوع جزء من تكوينهم.
في المدارس والجامعات والمقاهي
وفي الأسواق والحدائق، يدهشك هذا المزاج الاجتماعي الذي يجمع بين الوقار واللطافة، بين المحافَظة والانفتاح، بين الفخر بالتقاليد والقدرة على الإصغاء للجديد.
مدنٌ تتكامل.. تاريخ يعمل للمستقبل مثلما تكتشفها كلما استعطت الرحلة: لا تهور بحدائقها ومساجدها وتاريخها الثقافي الذي لا يكلّ؛ كراتشي بدفء بحرها وإيقاعها الاقتصادي الصاخب؛ بيشاور بأبوابها على التاريخ؛ كويته بصلافة الجبال وسوات، جليجت، وهونزة بديعات الطبيعة الطبيع.