رغم خبرات الأندية الأدبية في تنفيذ الفعاليات، وجدارتها في تقديم الندوات، وتنسيق الملتقيات، إضافةً لوفرة الميزانيات، وتوفّر المقرات، وتنوّع أقسام جمعية الثقافة والفنون المؤهلة بكوادرها وخبراتها، إلا أن وزارة الثقافة ارتأت إسناد فعالياتها للقطاع الخاص القائم على التسويق، المُكلف مالياً، والربحي بطبعه، وقليل الخبرة بالشأن الثقافي، وشهد الوسط الثقافي خلال أيام مضت تنفيذ القطاع الخاص فعاليات منها معتزل الكتابة، وأسبوع أدب الطفل، ما أثار التساؤلات حول أسباب تجاهل مؤسسات رسمية قائمة والاستعاضة عنها بمؤسسات ربحية، أو قطاع ثالث تطوّعي، وتحفظ القائمون على الأندية والجمعيات على الإهمال والصدود الملحوظ، ويؤكد رئيس النادي الأدبي في منطقة الباحة الشاعر حسن الزهراني أنه توقّع وغيره من المثقفين، أن وزارة الثقافة بهيئاتها وجمعياتها ستأتي بما لم تأتِ به الأندية الأدبية وجمعيات الثقافة خصوصاً إثر الانتقادات المكثفة الموجهة للأندية والجمعيات ونشاطاتها التي كانت تملأ الساحة الثقافية في المملكة وينتظرها المثقفون العرب بكل شغف، وقال «فوجئنا بأن ما تقوم به الوزارة هي ذات الفعاليات سواء الأمسيات أو الملتقيات، وغالباً بالأسماء ذاتها». وأضاف: «من العجيب أن تقام فعاليات بجوار الأندية الأدبية والجمعيات في المناطق ويدفع عليها للشركات المنفذة مبالغ عالية في حين أن الأندية والجمعيات تجاوزت معظم هذه النشاطات كمّاً وكيفاً وهي قادرة على تنفيذ هذه الفعاليات وتحت إشراف الوزارة مع الفرق الكبير سواء في الجودة بحكم الخبرة أو المبالغ المصروفة». ولفت الزهراني إلى أن المنتظر في هذه المرحلة وفي ظل الرؤية الوطنية المباركة أن يكون هناك تكامل يحقق أهداف الرؤية بأقصر الطرق، إلا أنه لم يقع ما توقعنا، وضرب أمثلة بمعتزل الكتابة، وأسبوع الطفل الأدبي، الذي كان التواصل بخصوصه مستمراً منذ البدء مع المسؤول في الوزارة والمشرفة من الشركة، مؤكداً أنه لم يبخل عليهم بشيء واقترح عليهم أن يؤجل إلى فصل الربيع، فلم يستجيبوا، كونهم -كما فهم- مكلفين بالتنفيذ فحسب.
ويرى الزهراني أن المبالغ التى تصرف للشركات لتنفيذ مثل هذه الفعاليات الأولى بها الأندية والجمعيات فهي أدرى بالمجتمع والبيئة ولديها كل الإمكانات لتنفذها.
فيما أوضح رئيس النادي الأدبي الثقافي في محافظة جدة الدكتور عبدالله عويقل السلمي، أن الأندية تتكئ على مقومين يمكّنانها من تنفيذ أي فعالية، وهما: البنية التحتية، والخبرة التراكمية بالمشهد الثقافي، التي تمكّن من القدرة على تذليل العوائق، وترشيد النفقات، وإدارة الفعالية، وقال: «ربما تعاني الأندية من حالة صدود من جهة وعدم جرأتها على المبادرة بطلب تبني فعاليات الوزارة»، فيما أبدى مدير فرع جمعية الثقافة والفنون في منطقة الباحة علي خميس البيضاني استغرابه كون هيئة الأدب والنشر لم تعقد من الأساس شراكات مع فروع الجمعية، علماً بأن القائمين على الهيئة وكل الهيئات يعلمون الاحترافية والخبرة الكبيرة لجمعيات الثقافة والفنون في إدارة وتفعيل المشهد الثقافي والفني وجاهزية المقرات إضافة لكسبها ثقة المثقف والفنان والمستفيد، وقال: إن قال قائل هناك توجه أوسع لتصدير الثقافة المحلية للعالمية فهذا التوجه ندعمه ونشجعه كلنا إلا أن إهمال المنبع والمدرسة المحلية يضعف هذا الهدف السامي الكبير من جانب، ومن جانب آخر المتابع والمستفيد عندما يقرأ الأهداف الاستراتيجية للهيئات من دعم المحتوى وتطوير القدرات ورفع الوعي يتأكد أن هناك حلقة مفقودة في آلية التنفيذ وخطة العمل ربما خلقتها سرعة التحول وضخامة الهدف الرئيس ورغبة القائمين على الفعاليات تنفيذها بأساليب وطرق جديدة، ولن أقول غير تقليدية؛ لأننا لم نرَ شيئاً غير تقليدي إلى الآن، وأضاف: لو دُعمت المؤسسات القائمة التي تعمل من عشرات الأعوام بمخصصات متواضعة جداً ولا تحقق اليسير من أهدافها لخرجنا بمنجز مختلف، وتطلّع أن تبادر هيئات الوزارة لشراكات مع فروع الجمعية العربية السعودية للثقافة والفنون في مناطق عدة، لمدة عام فقط، ومن ثم تقييم التجربة، لتلحظ الفارق.
فيما عدّ الكاتب ناصر العمري برامج أسبوع الطفل الثقافي، والشريك الأدبي والمعتزلات الثقافية، النسخة الأحدث للفعل الثقافي، بكسرها تقليدية الحدث الثقافي برؤى جديدة، ويرى أن المبادرات عملت من جهة على تعزيز دور القطاع الخاص في تقديم الخدمة الثقافية؛ لتحسين جودة الخدمات المقدمة وتقليل تكلفتها، وحفّزت مفاهيم التنوع الثقافي وتعزيز التنمية الثقافية. ويذهب إلى أن المبادرات لطيفة في فكرتها عميقة في تنوعها وقدرتها على اجتراح عناوين واشتغالات ذات عمق حقيقي، ويحسب لها نجاحها في استقطاب أسماء جديدة لتقديم البرامج بناءً على خبراتهم السابقة، مشيراً إلى أن تعزيز دور القطاع الخاص في تقديم الخدمات فعل حضاري وحاجة ملّحة لديمومة الفعل الثقافي وإثراء المشهد بطرح جاد ونوعي، مؤكداً أن الأجمل أن يتقاطع الفعل الثقافي الذي أنتجته هذه المبادرات مع توجهاتنا الحديثة نحو التنمية الثقافية خصوصاً أنها خصصت أسبوعاً أدبياً للطفل فيما اتخذ الشريك الأدبي من تنوع الفنون وتفرد عناوينه منطلقاً لتحقيق الاستدامة من خلال تنويع النشاطات والمشاريع الثقافية، مضيفاً أن تسهيل الاستثمار في الأنشطة الثقافية وتعزيز ربحية القطاع وتمكين المهتمين من الانخراط في الأعمال الثقافية مفاعيل لها دورها في تحقيق أهداف الاستراتيجية الوطنية للثقافة، وأهداف رؤية المملكة 2030. وتطلع أن يحدث دخول القطاع الخاص تنافساً للكيانات الثقافية منها الأندية الأدبية وجمعيات الثقافة، ما ينعكس بالإيجاب على إثراء المشهد الثقافي وصناعة حراكه وطرح كم أكبر من الفعاليات المتنوعة، لافتاً إلى أن الحكم عليها شأن المتلقي من خلال الإقبال على البرامج التي تتقاطع مع ثقافته والتي تحوز على رضاه.
علوان: التعاون مستمر والقطاع الخاص شريك
أوضح رئيس هيئة الأدب والترجمة والنشر الدكتور محمد حسن علوان أن التعاون مع الأندية الأدبية وجمعية الثقافة والفنون مستمر عبر برامج الهيئة المختلفة، وسبّب إسناد الفعل الثقافي والأدبي للقطاع الخاص إلى كون القطاعين الخاص والثالث شريكين أساسيين للهيئة في تعظيم المعروض الثقافي من فعاليات ومبادرات وبرامج وغيرها مما تعمل الهيئة على تحقيقه، فيما تلتزم الهيئة بدورها في التشريع اللازم لقطاعات الأدب والنشر والترجمة، والتمكين الضروري للممارسين في القطاع ليخدموا قطاعاتهم بما يحقق أهدافهم الإبداعية.