أكدت دراسة أكاديمية أنّ استخدام مفهوم الأمية الأكاديمية يُقابل بالرفض من قبل الأكاديميين؛ لأنهم يرون في استخدام هذا المصطلح، وتوظيفه، ليشمل هذه النخبة العلية امتهاناً كبيراً لهذه الفئة التي تجسّد أرستقراطية المعرفة، ووجاهة امتلاك الحكمة، واحتكار عطاءات العلم والثقافة.
وأبانت الدارسة البحثية التي صدرت في كتاب عام 2021م ضمن سلسلة إصدارات الاستكتاب عن مركز دراسات الخليج والجزيرة العربية في الكويت تحت عنوان «الأمية الثقافية في الفضاء الجامعي العربي.. مكاشفات نقدية في الجوانب الخفيّة للحياة الجامعية» لمؤلفه الأستاذ الدكتور علي أسعد وطفة أنّ تداول مفهوم الأمية الثقافية في الجامعات العربية أمر غير مشروع بالنسبة للأستاذ الجماعي وقد يثير حفيظة هذه الطبقة ولا سيما أهل الفخار والجهل فيها.
وتساءل المؤلف في الفصل الثاني من الكتاب الذي خصصه لمناقشة مفهوم الأمية الأكاديمية.. من الأمية الثقافية إلى الأمية الأكاديمية: لماذا يخشى بعض الأكاديميين استخدام مفهوم الأمية الأكاديمية في سياق بحث علمي مع أنّ وسائط التواصل الاجتماعي تفيض بأطنان من التغريدات والمقالات حول فساد الأكاديمي؟
وأضاف: حضور الثقافة الأكاديمية في شخص الأكاديمي يؤدي إلى تقليص ظاهرة الأمية الأكاديمية، وتدمير بنيتها، وفي المقابل يشكل نموّ الأمية الأكاديمية تدميراً منظماً وممنهجاً للثقافة الأكاديمية في حاملها المثقف الأكاديمي.
مؤشرات المثقف الأكاديمي
الدراسة أبرزت عشرين مؤشراً حيوياً يمكن للأكاديمي في الجامعات العربية أن يمتلكها، ليحظى بصفة المثقف الأكاديمي، ومنها إتقان لغته العربية، ولغة أجنبية أخرى، والتعمق في التخصص، وسعة الاطلاع، والمشاركة السنوية في الأبحاث والدراسات والندوات والمؤتمرات، والترجمة من وإلى، والمواظبة على القراءة والاطلاع، وممارسة دور ثقافي، إضافة إلى الأمانة العلمية، والاهتمام بالقضايا المجتمعية والفكرية، وأن يحمل الأكاديمي رسالة تنويرية.
الدراسة لفتت إلى أنّ الحضور الطاغي للأمية الأكاديمية يمكنه التدرج في المستوى بتدرج حضور وغياب السمات الثقافية العشرين التي ذكرها المؤلف في كتابه، وأنّ غياب عنصر واحد من العناصر السابقة قد يؤدي إلى غياب مجموعة العناصر الأخرى بطريقة تفاضلية تفرضها المنهجية الخوارزمية، واستشهد المؤلف بالأكاديمي غير المنتج وغير المبدع في مجال اختصاصه، وأنّ ذلك يعني أنه لا يمكنه أن يكون مبدعاً في أي مجال فكري آخر.
الأمية الأكاديمية أوسع من الأمية الثقافية
الدراسة عرّفت الأمية الأكاديمية في الوسط الجامعي بأنها عدم قدرة أعضاء الهيئة التدريسية على التفاعل الفكري الإنساني في الوسط الأكاديمي الذي يترافق عملياً بعدمية الإنتاج العلمي، وغياب إمكانات التفاعل والتخاطب بين الذات والآخر في الوسط الأكاديمي وفي محيطه الخارجي، كما تعني عدم القدرة على مواكبة مستجدات المعرفة الإنسانية الحية في مختلف جوانب الحياة الإنسانية وعدم القدرة على التجاوب المعرفي والأخلاقي مع معطيات الحضارة ومنجزاتها الإنسانية. وتمثل هذه الأمية نسقاً من سمات التصلب الفكري والجمود العقائدي وهيمنة اللامبالاة وضيق الأفق مع ضعف وتيرة الإنجازات العلمية في ميدان التخصص وغياب الإبداع في المجال الثقافي والمعرفي العام. وأكدت الدراسة أنّ الأمية الأكاديمية أوسع من الأمية الثقافية وأكثر شمولاً وأعظم تعقيداً؛ لأنّ الأمية الأكاديمية تشتمل على الأمية الثقافية في الوسط الأكاديمي وتتجاوزها، وعليه فالأمية الثقافية في الوسط الأكاديمي أكثر تعقيداً من هذه التي توجد خارجه ووجه الاختلاف أنّ الأمية الأكاديمية تضيف إلى الأمية الثقافية جموداً علمياً وجهلاً بمقومات الحياة الأكاديمية وضعفاً في مستوى ممارسة الحياة الأكاديمية معرفياً وعلمياً وإنتاجياً في الجامعة.
على سبيل المثال: الأستاذ الجامعي الذي لا يتقن لغته العربية كتابة ونطقاً يعاني من الأمية الأكاديمية في أخطر مؤشراتها، وبالتالي لا يمكن لمن لا يتقن لغته الأم أن يتقن لغة أجنبية أخرى، وغياب القدرة على استخدام اللغة يشكل دالة على غياب القدرة على تقديم المحاضرات والكتابة والإبداع، وكذلك فإنّ غياب الإنتاجية العلمية يشكل أحد وجوه هذه الأمية الذي يستقطب ضعفاً ثقافياً ووهناً معرفياً.
وقد تجتمع في الأستاذ مؤشرات عدة، مثل: ضعف القدرة على استخدام اللغة الأم، وضعف الإنتاج العلمي، وعدم الاطلاع على مستجدات الاختصاص العلمي، وعدم الاطلاع على القضايا الحيوية في المجتمع والمشاركة في نقدها وغياب الروح النقدية وعدم القدرة على التجديد والإبداع في ميدانه.
إنتاج الجهل والأمية
خلصت الدراسة إلى أنّ الأمية الأكاديمية تنتج العطالة الثقافية التي عرّفها المؤلف بأنها عدم قدرة الأكاديمي على أداء دور حيوي ثقافي أو معرفي في مؤسسته الجامعية حيث يعمل، أو في مجتمعه من خلال الإنتاج والإبداع العلميين، وعليه فلا غرابة أن تخرّج جامعاتنا في هذه لأجواء طلبة سيئي التأهيل؛ لأنّها -كما يقول جامعات- اغترابية مغتربة استلابية مستلبة منتجة للجهل والأمية، والفاعلون فيها أيضاً منتجون للجهل.