بالنسبة للعديد من الناس في جميع أنحاء العالم، قد تكون بكين مجرد عاصمة للصين ومدينة تذخر بثراء تراثها التاريخي والثقافي.
لكن بالنسبة للعديد من الصينيين، هي رمز دائم للألعاب الأولمبية – المدينة الأولى في العالم التي استضافت كل من الألعاب الأولمبية الصيفية والشتوية. إنها تحافظ على الروح الأولمبية وتمضي بالحلم الأولمبي قدما.
أسرع وأنظف وأكثر خبرة
جاء شيوى شين لأول مرة إلى بكين عندما كان يبلغ من العمر 18 عاما في عام 1997 للالتحاق بالدراسة في جامعة بكين للدراسات الأجنبية.
يتذكر قائلا «كان انطباعي الأول أن هناك الكثير من الفرص في بكين، خاصة بالنسبة لطالب تعلم اللغة مثلي».
تخصص شيوى في اللغة السويدية. وفي صيف عام 2001، عندما كانت المدينة بأكملها في حالة من النشوة بعد فوزها باستضافة أولمبياد 2008، تخرج شيوى من الجامعة.
ساعد إجمالي 74615 متطوعا من 98 دولة ومنطقة في تنظيم دورة الألعاب الأولمبية لعام 2008، بمن فيهم شيوى، الذي قدم خدمة الترجمة لفريق السويد في القرية الأولمبية. لقد شاهد العديد من المسابقات خلال الألعاب، والتقى رياضيين مشهورين حتى أنه التقط صورة مع الراحل كوبي براينت.
كانت تلك الأيام أياما سعيدة مليئة بالنشاط، وترتسم على وجه شيوى دائما ابتسامة كبيرة وهو يتحدث عن تجربته في بكين 2008. بعد الألعاب الأولمبية، قام بزيارة الملاعب مرة أخرى لأغراض مختلفة، كانت آخرها زيارة لساحة ووكسونغ، التي استضافت مباريات كرة السلة في ذلك الوقت، لحضور حفل موسيقي.
وكما شهد تطور بكين حيث توسعت شبكة النقل العام وأصبحت المدينة أنظف.
الآن أصبح شيوى متطوعا أولمبيا للمرة الثانية. وقال «إن استضافة مدينتي لأولمبياد ثانية بعد أكثر من عشرة أعوام أمر لا يصدق، وأنا محظوظ لأنني أصبحت متطوعا في كلا الحدثين».
تضم الألعاب الأولمبية والبارالمبية الشتوية لعام 2022، 27 ألف و12 ألف متطوع على التوالي، تم اختيارهم من بين أكثر من مليون مرشح.
رأى شيوى العديد من الوجوه الشابة في فريق المتطوعين. قال «شعرت برؤية نفسي في عام 2008».
أثناء قيادته للسيارة على طرق بكين، وجد شيوى بعض علامات حارات الطريق التي كانت مخصصة لأولمبياد 2008 لا تزال موجودة، فيما وُضعت بالفعل في بعض الأقسام الأخرى، لافتات لحارة الطريق الخاصة لعام 2022.
«في السنوات الـ14 الماضية، تطورت تكنولوجيا الاتصالات في بلدنا بسرعة، ما جعل الاتصال أسهل. تتمتع الصين بخبرة أكبر في استضافة الأحداث الكبرى، وأنا على يقين بأن الخدمة التي يقدمها المتطوعين ستكون أفضل هذه المرة».
من الفخامة إلى الاستدامة
في الوقت الذي ينهمك فيه شيوى في تعلم مصطلحات الألعاب الرياضة الشتوية، ينتظر لي جيو لين إجراء اختبار في المركز البيضاوي الوطني للتزلج السريع، الذي يطلق عليه اسم «الشريط الجليدي». وكان لي كبير المهندسين في عمليه بنائه.
يقع المركز البيضاوي في شمال بكين، على بعد حوالي 3.5 كم من الاستاد الوطني، المعروف أيضا باسم «عش الطائر»، حيث قدم حفل افتتاح أولمبياد بكين 2008 الثقافة الصينية للعالم منذ 14 عاما.
عندما أصبح لي مهندسا في استاد عش الطائر في عام 2003، كان عمره 35 عاما.
يعُرف الاستاد الذي تبلغ سعته 80 ألف متفرج بأنه أكبر هيكل فولاذي في العالم.
وقال إن «بناء استاد بكين الوطني أطلق حقبة جديدة في صناعة البناء بالصين وجذب مجموعة متنوعة من الابتكارات، تم تحديث العديد منها في السنوات التالية وتطبيقها على المركز البيضاوي الوطني للتزلج السريع».
يتم استخدام ستة من الملاعب من أولمبياد 2008 في دورة الألعاب الشتوية 2022 سعيا لخفض التكاليف. والشريط الجليدي هو المكان الوحيد للرياضات الجليدية الذي تم بناؤه من الصفر خصيصا لدورة الألعاب الأولمبية الشتوية لعام 2022.
تعهدت بكين 2022 بتقديم ألعاب خضراء ومستدامة ومنخفضة الكربون، لذلك كان على لي وفريقه معالجة سلسلة من المشكلات الفنية لتقليل استخدام الفولاذ. يتميز الشريط الجليدي باحتوائه على أوسع تصميم كامل للجليد في آسيا، بمساحة جليدية تبلغ 12000 متر مربع. ويُستخدم فيه مبرد ثاني أكسيد الكربون لصنع الثلج، وهو أكثر المبردات الطبيعية صداقة للبيئة وتستخدم في صناعة الثلج، بهدف تقليل الضرر الذي يلحق بطبقة الأوزون.
في فريق لي، عمل حوالي ثلث الأشخاص المشاركين، شأنهم شانه، في أعمال البناء لكل من الألعاب الصيفية والشتوية.
وقال إن «الملاعب الأولمبية أظهرت قوة أمة في عصور معينة»، مضيفا أن «استاد عش الطائر أبهر الزائرين بفخامته، فيما عكس الشريط الجليدي الجديد الخصائص الجديدة في التنمية: وهي الاستدامة.»
وأضاف مبتسما «إنه لشرف لي أن أشارك في بناء كليهما».
بداية حلم
سيكون المتزلج السابق يو يونغ جون بين الجمهور عندما تبدأ حركة التزلج السريع الأولمبية على المضمار القصير هذا الأسبوع في صالة العاصمة للألعاب الرياضية.
بدأ الحائز على الميدالية الذهبية في كأس العالم، ممارسة رياضة التزلج على المضمار القصير في عام 2001 عندما فازت بكين باستضافة دورة الألعاب الصيفية لعام 2008.
قال يو «أتذكر جيدا احتفالات الناس حينها»، مضيفا «أدركت أن الألعاب الأولمبية هي أهم مرحلة للرياضيين وحلمت بالمنافسة هناك ذات يوم».
في السنوات التالية، شهد التحضير لأولمبياد 2008 حتى أضاءت البصمات العملاقة الـ29 التي رسمتها الألعاب النارية سماء بكين في ليلة صيفية لتعلن إنطلاق المهرجان الرياضي الذي طال انتظاره.
أثارت أولمبياد 2008 شغف الناس العاديين بالرياضة.
في العام التالي، أي في عام 2009، قام فريق التزلج السريع الوطني الصيني للمضمار القصير باختيار يو ضمن الفريق. حصل على المركز الثاني في سباق 1000 متر في كأس العالم في كيبيك في موسم 2010/2011، وفاز بميداليات ذهبية في سباق التتابع 5000 متر مع زملائه في بطولتي كأس العالم 2011/2012 في شانغهاي وناغويا.
ولكن عندما بدأ أن كل شيء يسير في الاتجاه الصحيح، تعرض لإصابات. غاب عن أولمبياد سوتشي عام 2014 وتقاعد.
لكن حلمه الأولمبي يعيش في شكل آخر.
بعد أن أمضى عامين في التعلم في الخارج، انتقل إلى مقاطعة يونان بجنوب الصين للترويج للرياضات الشتوية، وقام بإنشاء فريق للتزلج على المضمار القصير بالمقاطعة. عاد يو إلى بكين وعُين مساعدا لمدرب المنتخب الوطني في 2018.
في عام 2020، انضم إلى نادٍ للتزلج في حي يانتشينغ ببكين يطلق عليه اسم منغتشييوان، وهو ما يعني «بداية الحلم». وأعطى دروسا لطلاب المدارس الابتدائية والمتوسطة في النادي وساعد في تدريب فرق مدرسية.
كما يقوم بتدريب 16 متدربا يسعون لتحقيق حلمهم الرياضي، تماما كما فعل من قبل.
عاد يو بالذاكرة إلى الوراء قائلا «في جيلنا، كان معظم المتزلجين على المضمار القصير من شمال شرق الصين حيث كانت الرياضات الشتوية شائعة». لكن المتدربين الذين يقوم بتدريبهم جاءوا من أجزاء مختلفة من البلاد، بما في ذلك مقاطعات جنوبية غربية دافئة مثل يونان وسيشوان.
كان الطلاب والمتدربون، الذين تدربوا على يديه، من بين 346 مليون صيني شاركوا في أنشطة الرياضات الشتوية منذ نجاح بكين في استضافة دورة الألعاب الأولمبية الشتوية لعام 2022 في عام 2015، وفقا لما ذكرته مصلحة الإحصاءات الوطنية الصينية.
يوجد في الصين الآن 654 حلبة للتزلج على الجليد، بزيادة قدرها 317 في المائة عن عام 2015. ووصل عدد منتجعات التزلج المغلقة والمكشوفة إلى 803، بارتفاع عن 568 منتجع في عام 2015.
قال يو إنه يتوقع أن تصبح يانتشينغ قاعدة للتزلج على المضمار القصير في الصين.
يأمل يو أن يتمكن طلابه ذات يوم، كما كان يحلم في طفولته، من التزلج في الساحة الأولمبية. لكنه يود أيضا أن يرى احتضان المزيد من الناس للرياضات الشتوية. «أتمنى أن تكون الألعاب الشتوية بداية حلمهم».