في خضم التنافس المحتدم داخل الملاعب تتجلى أحياناً لحظات لا تُحسم بنتيجة اللقاء بقدر ما تُحسم بفهم الأنظمة وتفسير النصوص، وهذا تماماً ما حدث في احتجاج نادي الوحدة ضد قرار لجنة المسابقات بخصوص تأجيل انطلاقة مباراته أمام نادي النصر؛ بسبب تأخر وسيلة نقل الفريق النصراوي إلى ملعب المباراة.
الواقعة لم تمنع إقامة المباراة ولم تُسجل فيها أي مخالفة فنية أو سلوكية داخل أرض الملعب، ومع ذلك رأى نادي الوحدة أن قبول لجنة المسابقات تأجيل انطلاقة المباراة لدقائق يُعد إخلالاً بعدالة المنافسة ومخالفة تستوجب من وجهة نظره منحه نقاط المباراة كاملة.
الإجراءات الشكلية.. وعودة الموضوع إلى السطح
تقدّم الوحدة باحتجاج رسمي غير أن لجنة الانضباط رفضت الشكوى شكلاً لورودها على نموذج غير محدث لا يتوافق مع الإجراءات الإلكترونية المعتمدة لدى الاتحاد، ولم يتوقف الأمر هنا بل لجأ نادي الوحدة إلى لجنة الاستئناف التي قبلت الطعن شكلياً وأعادت الشكوى إلى اللجنة الابتدائية للنظر في الموضوع لا في الإجراء، لكن حتى مع عودة الملف للنظر في موضوعه تبقى المبررات القانونية لطلب الوحدة ضعيفة وغير مستندة إلى نصوص تمنحه ما يطالب به.
المادة 60 لا تمنح النقاط كما يظن البعض
من المهم التوضيح أن المادة (60) من لائحة الانضباط والأخلاق والتي يستند إليها بعض أنصار الاحتجاج لا تُجيز في أي من فقراتها منح النقاط للطرف الآخر عند تأخر الفريق المنافس عن بداية المباراة، المادة تنظم فقط حالات الامتناع عن اللعب أو عدم الحضور، وتحدد العقوبات بوضوح مثل الغرامة المالية والإقصاء من المسابقة، إلغاء النتائج أو الحرمان من الإعانة المالية لكنها لا تتضمن نصاً صريحاً يمنح الفريق المنافس نقاط المباراة.
والأهم من ذلك، أن العقوبات المذكورة في المادة ذاتها جوازية وليست وجوبية؛ أي أنها متروكة لتقدير اللجنة المختصة بناءً على ظروف الواقعة وجسامتها وهو ما يعني أنه حتى في حال لم تقبل اللجنة عذر النصر فإنها ليست ملزمة بفرض أي عقوبة تلقائية، بل قد ترى أن الظرف طارئ ومقبول من الناحية العملية ولا يستوجب جزاءً وبالتالي، فإن احتجاج الوحدة يطرح من زاويتين: لا نص يمنحه النقاط ولا إلزام قانوني على اللجنة بتطبيق العقوبة أصلاً.
الفرق بين التنظيم والانضباط
وهنا لا بد من التمييز بين ما هو تنظيمي يخص إدارة الجدول الزمني للمباريات، وبين ما هو انضباطي يستوجب عقوبات نصّت عليها اللائحة، المواد ذات الصلة في لائحة الانضباط وتحديداً المادة (60) حول الامتناع والمادة (61) حول عدم الحضور تشترط وجود امتناع صريح أو غياب متعمّد دون مبرر، وهذه المادة تحيل الى العقوبات الوارد في المادة 60، أما في واقعة النصر والوحدة فالفريقان حضرا والمباراة لُعبت ولم يتم رصد أي سلوك يستدعي إلغاء نتيجتها أو اعتبار أحد الطرفين مهزوماً انضباطياً.
موقف النصر.. انضباط واحترام للإجراءات
النصر من جانبه التزم بالإبلاغ وانتظر موافقة اللجنة ولم يخرق النظام ولم يمتنع عن خوض اللقاء، بل شارك في المباراة وفاز بها واستكمل كل إجراءاته بشكل نظامي ولا يمكن لا منطقياً ولا قانونياً أن يُعاقب فريق التزم بالأنظمة لمجرد أن الطرف الآخر يرى في التأخير فرصة للاحتجاج بعد الخسارة.
من الملعب لا من اللائحة تُكسب النقاط
الاحتجاج، وإن بدا مفهوماً من زاوية مشجع متأثر بنتيجة ميدانية إلا أنه يفتقد للأساس القانوني، المنافسات تُكسب في الملعب، أما الحقوق فتُستمد من نصوص اللوائح لا من الانطباعات، وتكييف حالة تأخير بضع دقائق بسبب النقل على أنها مخالفة تُسقط النتيجة هو اجتزاء للنصوص ومحاولة لتوسيع تفسير اللائحة خارج سياقها.
فتح باب الفوضى القانونية
قبول مثل هذا الاحتجاج لا يُعد فقط مخالفة للنظام بل يفتح الباب أمام موجة من الاعتراضات المرتكزة على ظروف طارئة خارجة عن إرادة الأندية ما يُربك المنافسات ويفقدها استقرارها إذا ما تم قبول مثل هذا النوع من التفسيرات، فإن كل حالة تأخير مهما كان مبررها قد تُستخدم أداة قانونية للضغط أو لانتزاع نتائج لم تُحقق ميدانياً، وهذا ضد جوهر المنافسة.
الاحتجاج حق.. لكن النص أحق
من حق كل نادٍ أن يحتج وأن يسلك الوسائل القانونية التي يراها مناسبة للدفاع عن مصالحه، لكن من الواجب أيضاً فهم النصوص كما هي لا تحميلها ما لا تحتمل، فحين يُقرأ النظام كما هو لا كما يُراد له أن يكون تتحقق العدالة وتُصان المنافسة، وتبقى نتائج المباريات في الملعب لا في مكاتب اللجان إلا في حالة الخطأ الجسيم.
عناوين فرعية
– المادة 60 لا تخصم نقاط النصر.
– المبررات القانونية للوحدة ضعيفة.
-لا يمكن معافبة فريق التزم بالأنظمة.