لبدايات الدُّول، ولتأسيس العواصم، ذكريات خالدة، واجبة التوثيق، ولا أحد ينكر أهمية التوثيق التاريخي عبر الأزمنة والعصور، وتعتني الأمم المتطورة بمنجزات مؤسسيها من خلال المكتبات الخاصة والمراكز والمتاحف، وتكلّف أمهر المتخصصين في مجال التوثيق والتحليل والتمحيص، وتزوّدهم بكل احتياجاتهم الفنية والإدارية، ليؤدوا مهمة التوثيق على أكمل وجه بنقل صورة واقعية وحيّة عن تاريخ البلاد الاقتصادي والتعليمي والسياسي والاجتماعي عبر مراحلها.
ويهدف يوم التأسيس بحضوره السنوي إلى تذكير الأجيال بتاريخه العريق، وتمثّل أدبياته من الكفاح والصبر والتطلع للمستقبل، فالأمم التي لم تقرأ تاريخها أو أنها لم تقرأه بوعي، تتخبط في سلوكياتها ونظرتها للحياة، وتنسى منجز أسلافها، وتتنكر لماضيها فيتنكر المستقبل لها.
والأمم والشعوب التي لم تكترث بتاريخها ولم توثقه بالصورة الموضوعية، لم تحفّز مواطنيها على التقدم والتطور، وظلّت راكدة في محيطها، دون أن تبحر خطوة واحدة إلى الأمام، بل ربما تراجعت وتقهقرت إلى الوراء، وكأنها بلا تاريخ، بينما نجحت الحضارات الفاعلة في استلهام وإلهام زعاماتها تفاصيل أيامها الأولى لتدوّن ضمن إستراتيجياتها وخططها المستقبلية.
ويرى مستشار أمير منطقة القصيم أستاذ التاريخ الدكتور خليفة بن عبدالرحمن المسعود أن ذكرى التأسيس توثيق مطلوب وريادة منتظرة لاستعادة ذكرى حدث سعيد ومهم ومفصلي في حياتنا من شأنه ترسيخ كل المشاعر الإيجابية المرتبطة بهذا الحدث. وعدّ من توفيق الله ونعمه على أبناء هذا الوطن توفّر كم كبير من الإرث التاريخي المشرف لبلادهم يعلي من تاريخ التأسيس باعتباره أول أولوياته، ونتيجة للحرص الكبير على تدقيق ومراجعة تاريخ بلادنا والرد على المغالطات التي كتبت خطأً أو عمداً فأحدثت تغييراً وتشويهاً تم تسليط الضوء على مراكز الإشعاع الحضاري ومحطاته الزمنية في التاريخ السعودي.
ويذهب المسعود إلى أن هناك من يحاول الانتقاص من إمارة الدرعية وقوتها خلال عشرين عاما من حكم المؤسس الإمام محمد بن سعود متجاهلاً حقائق تاريخية تمثلت بجهود ذلك الرجل في وضع أسس الدولة منذ توليه الإمارة، فيما تؤكد المصادر الموثوقة حجم عمله -رحمه الله- على تأسيس مؤسسات الدولة عسكرياً واقتصادياً لتصبح تلك الإمارة الصغيرة دولة مرهوبة الجانب يقصدها الضعيف والمظلوم لطلب الحماية والنصرة، وتخشاها القوى الظالمة التي طالما تحكمت بميزان القوة من قبل، كما أن جيرانها باتوا يطلبون ودها منذ نجاحها بتحقيق الأمن وإقامة علاقات خارجية ناجحة في ظل انفتاحها السياسي والثقافي والعلمي مع جيرانها؛ الأمر الذي مهد لتكون الدرعية موطنا للدعوة الإصلاحية وحامية لها. وعندما تم ذلك تحقق النجاح للدعوة وأصبحت واسعة الانتشار كبيرة النجاح.
وأكد أن من نعم الله على هذا الوطن أن قيض له حكاماً يدركون أهمية التاريخ وتوثيقه في حياة الدول وسيرها، من هنا جاء الأمر الملكي الكريم بتحديد الثاني والعشرين من فبراير ليكون تاريخاً لتأسيس الوطن تحت قيادة آل سعود في حق تاريخي يزيد على ثلاثة قرون يؤكد عراقة حكم هذه الأسرة منذ أن انطلقت مسيرة حكمها المباركة في عام 1727م/1139هـ.
وقال المسعود: «إن خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله- أمر بإصدار هذا الأمر ووضع السياقات في نصابها، إدراكاً منه لأهمية الأمر على الصعيدين السياسي والتاريخي، خصوصاً في ظل ما تشهده المملكة من نهضة تنموية واقتصادية يقودها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، حفظه الله، إذ بات تاريخ الدول العريق وإرثها الثقافي العميق وسيلة لنجاحها الشامل». وأضاف المسعود، لا شك أن لهذا الأمر الملكي أكبر الأثر في تعزيز الانتماء الوطني، لتصبح ذكرى التأسيس يوماً مشهوداً لدى السعوديين إدراكاً منهم لأصالة تاريخ بلادهم وعمقها التاريخي، وليغدو هذا التاريخ مرتبطاً بالذاكرة، ومحفزاً على خدمة الوطن بكل السبل، ويشهد لكل ذلك النجاح الباهر الذي تحقق إثر تفعيل اليوم الوطني وذكرى التوحيد، بعدما كنا نجهل أو نتجاهل تجارب الدول عبر التاريخ في التذكير بأيامنا المشهودة لتكون سبيلنا للنجاحات المنشودة.