لثلاثة أشهر متواصلة، تشهد جبهات غزة وجنوب لبنان هدوءاً مشوباً بالتوتر، فرضته «هدنة هشة» جاءت نتيجة اتفاقين منفصلين، أُبرما في الفترة الانتقالية بين انتخاب دونالد ترمب رئيساً للولايات المتحدة وتسلمه مهماته رسمياً.
الاتفاق الأول مع حماس، والثاني مع حزب الله؛ ما أدى إلى تهدئة مؤقتة حدّت من التصعيد الكبير، لكن ذلك لم يضع حداً للحرب فعلياً، فلا تزال القوات الإسرائيلية منتشرة داخل قطاع غزة، خصوصاً في ممر فيلادلفيا ونتساريم، كما تواصل الاحتفاظ بمواقع عسكرية في خمس نقاط حدودية داخل لبنان، في الوقت نفسه، لم تتوقف الغارات الإسرائيلية وعمليات استهداف من تبقى من قادة حزب الله، الأمر الذي يُبقي التوتر قائماً على الجبهتين.
لقد تعددت التفسيرات لهذه الهدنة، فهناك من يرى أنها جاءت لإتاحة الفرصة للإدارة الأمريكية الجديدة لترتيب أولوياتها، فيما يعتقد آخرون أنها مرتبطة بتغيير القيادة العسكرية الإسرائيلية، إذ تولى إيال زامير منصب رئيس الأركان خلفاً لهرتسي هاليفي المستقيل، بعدما وصل الجيش الإسرائيلي إلى مرحلة دقيقة، فهو يعاني من إرهاق كبير، انعكس في توقيع آلاف الجنود على عرائض ترفض العودة إلى القتال في غزة.
لذلك، تقع على زامير مسؤولية كبيرة في إعادة هيكلة قدرات الجيش، وصياغة عقيدته القتالية، واستعادة ثقة الشارع الإسرائيلي، كما ستكون القرارات التي سيتخذها في المرحلة القادمة محورية، سواءً في غزة أو على الجبهة اللبنانية، حيث تدور التساؤلات في لبنان حول مدى قدرة الأطراف المعنية في الحفاظ على قواعد الاشتباك الجديدة التي فرضتها إسرائيل بعد الحرب، خصوصاً أن تل أبيب تسعى إلى ضمان عدم تمكين حزب الله من استعادة قواته وترميم بنيته العسكرية.
تصعيد عسكري وسياسي
الهدنة، التي يفترض أن تستمر حتى نهاية رمضان وعيد الفصح اليهودي، تبدو أكثر هشاشة من أي وقت مضى، بعدما رفعت إسرائيل من مستوى التأهب السياسي والعسكري إلى أقصى حد.
على الصعيد العسكري، وتزامناً مع تصريح زامير أثناء تسلمه منصبه، الذي توعّد فيه بالقول: «إن المهمة الموكلة إليّ من اليوم واضحة.. قيادة الجيش الإسرائيلي إلى النصر، سأطارد أعدائي وألحق بهم، ولن أعود حتى يُهزموا»، استدعى الجيش الإسرائيلي ما يقارب 400 ألف جندي احتياط، في خطوة تعكس استعداده لاحتمال اندلاع مواجهة على عدة جبهات، كما عزز قدراته الهجومية بعد وصول شحنات أسلحة أمريكية متطورة.
بالتوازي مع ذلك، كثفت إسرائيل عملياتها داخل العمق السوري، مما زاد من سخونة المشهد الإقليمي، خصوصاً مع تصاعد التوتر مع إيران وحزب الله، حيث أبدت طهران موقفاً متصلباّ، رافضة أي حديث عن مفاوضات مع الولايات المتحدة، مما يفاقم حالة الاحتقان ويغذّي احتمالات التصعيد.
على الصعيد السياسي، تعتمد إسرائيل بالتنسيق مع واشنطن نهجاً جديداً يهدف إلى فرض ضغوط مكثفة على حركة حماس لدفعها نحو تقديم تنازلات جوهرية، وتبرز ملامح هذه الضغوط في عدة خيارات:
التفاوض على المرحلة الثانية وفق شروط إسرائيلية واضحة، تتضمن ترحيل قيادات حركتي حماس والجهاد الإسلامي إلى دولة ثالثة، وتمديد المرحلة الأولى من الاتفاق خلال شهر رمضان، مقابل إطلاق المزيد من الأسرى الإسرائيليين على دفعات، مما يمنح لإسرائيل وقتاً لاستنزاف ورقة الأسرى وتقليص تأثيرها على القرارات المستقبلية، أو استئناف الحرب، على أن تكون أكثر فتكاً من سابقتها، وبدعم أمريكي غير محدود.
تحديات إضافية على طاولة زامير
إلى جانب غزة، يواجه رئيس الأركان الجديد تحديات أخرى لا تقل أهمية؛ أبرزها الجبهة اللبنانية والجبهة السورية.
فيما يخص لبنان، تؤكد معلومات دبلوماسية أن زامير سيطلب من المؤسسة السياسية الإسرائيلية العمل على تغيير الموقف الأمريكي من مسألة البقاء في لبنان، أو التكيّف مع الموعد المحدد للانسحاب دون تعقيدات، أما الجبهة السورية، فهي لا تقل تعقيداً.
وسط هذه التطورات المتسارعة، يبقى السؤال: هل نحن أمام تمديد غير معلن للهدنة، أم أن الحسابات المتشابكة ستدفع كل الأطراف نحو جولة جديدة من التصعيد؟