طاولة ومقعد وقفل محطم لا تنتبه لها الأعين، لا يشعر بهذه التفاصيل الصغيرة إلا عين خبيرة تطوف بمسارح الجريمة لتلتقط كل شيء لضبط الأدلة والقرائن في عمل متسارع لكشف الحقيقة وضبط الجناة عبر أحدث الوسائل التقنية ومواجهتهم بالحقيقة القاطعة غير القابلة للشك أو التضليل.
يشهد العالم تقدما متسارعا في مجال تقنية المعلومات واستخدامها وترتب على ذلك ظهور أنواع جديدة من الجرائم السيبرانية اجتاحت العالم وهي عابرة للحدود غير مقيدة بعنصري الزمان ولا المكان. وأسهمت التقنية الحديثة في تغيير أساليب ارتكاب الجرائم، وألقت مسؤولية ضخمة على خبراء الأدلة الجنائية الذين يعملون في سعي متواصل على جمع الأدلة
الشعب الأربع
شعبة فحص الهواتف، فحص أجهزة الحواسب المكتبية والمحمولة، وفحص كاميرات المراقبة والتصوير الفوتوغرافي، والصيانة.
ويتولى قسم الصيانة استقبال الدليل الإلكتروني بعد تحريزه من الجهة المُرسِلة ثم صيانته وتغيير القطع واستخراج معلوماته كافة عبر أجهزة تقنية وبرامج متعددة لكشف المحتوى مع استعادة المحذوفات وإظهارها، ليصبح من السهل كشف الجريمة الإلكترونية في ظل التقنية والتدريب والكوادر الأمنية الوطنية المؤهلة. وتمتلك إدارات الأدلة الجنائية قدرات كبيرة لتحديد أسباب الوفاة ونوع الإصابة والسلاح المستخدم وفحص التزييف والأصوات والصور والكشف عن المتفجرات، وذلك عن طريق فحوص المقارنة المجهرية للمقاذيف والظروف الفارغة في مكان الحادث مع عينات اختبارية تؤخذ من الأسلحة وتحديد مسافة الإطلاق بالاستناد على انتشار البارود على جسم المصاب أو ملابسه وكذلك تحديد اتجاه الإطلاق على الأجسام الثابتة. وتعد وحدة تحقيق الشخصية من أهم الشعب في الأدلة الجنائية ويتفرع عنها مختبرات البصمات، معامل التصوير الجنائي، و(وحدة أبحاث التزييف والتزوير)، وتعمل الوحدة على أجهزة علمية عالية الدقة لفحص المستندات والوثائق، وفحص العملات المشتبه في تزييفها، وآثار الآلات التي ترتكب بها الجرائم، وهناك وحدة معاينة مسرح الحادث، ووحدة المختبرات الجنائية، ويتفرع عنها مختبر السموم والمخدرات، ومختبر الفحوص الحيوية، ومختبر الفحوص الوراثية (DNA)، ومختبر الكيمياء والطب الشرعي.
فحص الأصوات والتوقيعات
المدير السابق للأدلة الجنائية بشرطة جدة الخبير الأمني العميد متقاعد صالح زويد الغامدي، أكد لـ«عكاظ»، أن الأدلة الجنائية التي انضمت للأمن العام، 1396هـ، تتولى معالجة الجوانب الفنية للحوادث والتعامل مع الآثار والمخلفات الناتجة عن ارتكابها وفحصها باستخدام الوسائل الحديثة للتوصل للنتائج والإثباتات الدقيقة، ما يساعد رجال التحقيق والقضاء على أداء مهامهم وأعمالهم بكفاءة عالية. فمثلاً إدارة الفحوص الفنية للتزييف والتزوير مختصة بإجراء الفحوص الفنية على الوثائق والمستندات والمحررات الرسمية والعرفية والكشف عن التزييف والتزوير ومقارنة الصوت، كما تضم إدارة الفحوص عددا من الشعب تشمل شعبة فحص الخطوط والتوقيع، وتتولى دراسة الخطوط اليدوية المستخدم فيها مختلف أنواع مواد الكتابة وأدواتها للوصول إلى المميزات الفردية للكاتب ونسبة الخطوط إلى الأشخاص الصادرة عنهم ودراسة التوقيعات وتحديد علاقتها بأصحابها.
وتعمل شعبة فحص الأموال على فحص العملات الورقية والمعدنية المحلية والأجنبية وغيرها من المطبوعات أو المسكوكات الرسمية مثل طوابع البريد والطوابع المالية، وبيان ما إذا كانت صحيحة أو مزيفة وتحديد أوجه تزييفها.
فحص ومقارنة
شعبة تحليل البصمة الصوتية إحدى أهم الشعب في الأدلة الجنائية وتعمل على فحص ومقارنة الأصوات البشرية وإجراء التسجيلات الفنية اللازمة للمقارنة الفنية لجميع القضايا الأمنية والجنائية المهمة مثل قضايا مكافحة الإرهاب والتهديدات والبلاغات الكاذبة والاحتيالات المالية والابتزاز، وتحسين وفلترة المواد الصوتية المسجل بها ضجيج بكافة أنواعه وفحص المواد الصوتية المضافة أو المحذوفة المسجلة على أي نوع من وسائط التسجيل المختلفة.
فيما تقوم شعبة فحص الصور -طبقا للعميد المتقاعد الغامدي- بمقارنة الصور بإعطاء الرأي الفني ومقارنة الصور المتوفرة قديمة أو مزورة مع الأشخاص المراد مقارنة صورهم الحالية معهم وإصدار التقارير الفنية الخاصة بما يتوصل إليه من نتائج وتحليلات لمقارنة الصور.
كما يختص قسم تحقيق الشخصية بقراءة البصمات وتصنيفها عبر الحاسب الآلي لتحديد هوية الجاني المجهول أو التعرف على شخصية متوفى أو فتح الحالة الجنائية للمواطنين بغرض التوظيف، والقسم يضم عدداً من التخصصات وهي السوابق وفيه يتم تسجيل وحفظ صحف الأحكام الجنائية وتسجيل السوابق وتحديد الحالة للأشخاص طبقاً للأنظمة واللوائح والقرارات الصادرة، والتوقيع على صحف الحالة الجنائية لطالبي الوظائف والمحكومين والسجناء. وتعمل الشعبة على الاستكشاف وهو الانتقال لمسارح الحوادث المهمة جداً ورفع الآثار ومقارنة الآثار الواردة بالآثار المشتبه بها ومضاهاتها وفحص المستندات من آثار البصمات، ورفع بصمات جثث المتوفين، وتطبيق البصمات الفردية المرفوعة من مسرح الحادث وحفظها بأماكن خاصة للرجوع إليها عند الحاجة.
نفي او إثبات
شعبة التصوير الجنائي تتولى الانتقال لمسارح الحوادث الجنائية لتصوير الآثار وإعداد التقرير المصور الذي يتضمن تصوير آثار البصمات والسجناء والمشتبه بهم، والتصوير السينمائي والفيديو لتمثيل مسرح الحادث وكيفية ارتكاب الجريمة.
وهناك حاسب للبصمات تسجل فيه المعلومات الوصفية لمعاملات المحكومين، فيما تقوم المختبرات الجنائية بإجراء الفحوص المخبرية الكيميائية الحيوية الدقيقة والانتقال لمسارح الحوادث ورفع العينات بالطرق العلمية الصحيحة وتضم أقسام السموم والمخدرات- الكيمياء الجنائية.
ويعد قسم المختبرات الجنائية والفحوص الوراثية في الأدلة الجنائية من أحدث الأقسام وتعمل فيه كوادر سعودية مدربة ومؤهلة من ضباط وضباط صف وأفراد، ويتم فيها تحليل الآثار الحيوية المختلفة في مسارح الحوادث حتى يمكن إظهار السمات الوراثية لمصدر العينة من كمية ضئيلة من المادة الوراثية، وكلما زاد عدد المواقع الوراثية التي يتم الكشف عنها زادت قوة تمييز مصدر العينة بين الناس وزادت قوة نفي أو إثبات العلاقة بين العينات الحيوية المختلفة، علما أنه يتم الكشف عن خمس عشرة سمة وراثية إضافة إلى جنس صاحب العينة (ذكراً أو أنثى).
فحص وتحليل
يشرح الخبير الأمني العميد متقاعد الغامدي، أن الأدلة الجنائية تندرج تحت مسؤولياتها الكيمياء الجنائية وشعبة فحص السموم والمخدرات والفحوص الحيوية والعوامل الوراثية، وشعبة الطب الشرعي التي تتولى فحص وتحليل أي مادة من المواد التي ترد للفحص وتحديد ماهيتها والكشف عن المواد المتفجرة في العينات المرسلة والمرفوعة من مواقع الإنفجارات ومخلفات الحرائق وآثار إطلاق الأسلحة النارية وفحص المواد المجهولة والمشتبه فيها للتعرف عليها وغيرها.
فيما تتولى شعبة الآلات فحص آثار الآلات ومقارنتها مع آثار الأدلة والآلات المقدمة للفحص أو علاقة تلك الأدلة والآلات بأحداث الآثار المرفوعة من مكان الحوادث، وأنواع الآلات الرافعة أو القاصة أو الساحة أو الراضة، وإرشاد المحقق لنوع الأدلة المستخدمة في ارتكاب الجريمة.
ويحل المجهر الإلكتروني كأحد أهم الأجهزة المستخدمة في إدارة الأدلة الجنائية لما له من دور في الكشف على العينات المأخوذة من مسرح الجريمة أو المتهمين، في التعرف إلى الآثار الدقيقة من المواد سواء الدهانات أو الألياف أو أي مواد أخرى.
وتعد قاعدة بيانات الأدلة الجنائية لتوثيق بيانات أرباب السوابق والمجرمين، من أهم الشعب التي تساعد على التعرف إلى كثير من مرتكبي الجرائم في مواقع مختلفة.
الأدلة القولية ورصد ردود الأفعال
أكد المستشار القانوني سيف الحكمي، أن الأدلة الجنائية عدة أنواع؛ فهناك الأدلة المادية وهي التي يتم الحصول عليها حال القيام بتفتيش مسرح الجريمة من بصمات أو موجودات، كما توجد الأدلة القولية؛ وهي الأدلة التي تتمثل بعدة أنواع مختلفة مثل استجواب الشهود والمشتبه بهم، كما توجد الأدلة المعنوية والحصول عليها عن طريق تعقب ردات الفعل التي يقوم فيها الشهود أو حتى المشتبه بهم وذلك عند المواجهة ببعض الأدلة القاطعة التي تثبت البراءة أو تثبت التهمة، كما توجد أدلة غير مباشرة يتم الحصول عليها وفقاً لأقوال الشهود والمشتبه بهم.
وبين الحكمي أن من الوسائل التي يتم الاعتماد عليها في الأدلة الجنائية لمعرفة الجناة هي بصمة الأصبع، الشعر، الحمض النووي (DNA).