اشرأبت أعناق الحجيج وتوحدت قلوبهم في مشهد عظيم ملبين لله تعالى على جبل الرحمة بمشعر عرفات، وارتفعت أياديهم بالتضرع طلباً للمغفرة والرحمة قبل صلاتهم الظهر والعصر قصراً وجمعاً بأذانٍ وإقامتين، ودعوا بما تيسر لهم تأسياً بسنة خير البشر محمد عليه الصلاة والسلام.
وكانت قوافل حجاج بيت الله الحرام توافدت مع إشراقة الصباح إلى صعيد عرفات الطاهر مفعمين بأجواء إيمانية يغمرها الخشوع والسكينة، وتحفُّهم العناية الإلهية ملبّين متضرعين داعين الله عز وجل أن يمنَّ عليهم بالعفو والمغفرة والرحمة والعتق من النار.
وكانت جموع غفيرة من حجاج بيت الله الحرام توافدت منذ وقت مبكر إلى مسجد نمرة في مشعر عرفات لأداء صلاتي الظهر والعصر والاستماع لخطبة عرفة، التّي ألقاها إمام وخطيب المسجد الحرام الشيخ الدكتور صالح بن حميد، ودعا إلى الالتزام بالأنظمة والتعليمات والتوجيهات المنظمة للحج، مبيناً أن الالتزام جزء من تحقيق مقاصد الشريعة وهو واجب ديني وأخلاقي وسلوك حضاري يعبر عن روح التعاون والانضباط ويؤدي إلى سهولة أداء المناسك دون عناء أو مشقة.
وأضاف بن حميد أن ما توليه القيادة من عناية واهتمام بعمارة الحرمين والمشاعر المقدسة وما تقدمه لحجاج بيت الله وعماره وزواره وقاصديه من رعاية وعناية قد مكن من أداء مناسك الحج بأمن وطمأنينة ويسر.
ودعا الحجاج وجموع المسلمين إلى تقوى الله عز وجل وصولاً إلى العاقبة الحميدة والفوز في الدنيا والآخرة، كما حث حجاج بيت الله الحرام على اغتنام الفضل العظيم خلال وقوفهم بمشعر عرفات، والإكثار من الثناء على الله وذكره وشكره، والاجتهاد في الدعاء فيوم عرفة من مواطن إجابة الدعاء.
وحث المسلمين على التعاون على البر وعلى تقوى الله بفعل أوامره وترك مناهيه فإن الله يحب المتقين وجعل العاقبة للتقوى.
وأشار إلى أن صلة الأرحام وبر الوالدين وقول الصدق وطيب اللفظ والوفاء بالعقود والعهود وحسن الأخلاق من الإيمان، وكذلك الصبر على البلاء والشكر عند النعماء والاستغفار والتوبة إلى الله من الإيمان.
وتابع أن الإيمان بالله يتضمن الإيمان به رباً وخالقاً ومدبراً، وكذلك الإيمان بالملائكة من الإيمان، أما الإسلام فهو شهادة أن لا إله إلا والله وأن محمداً رسول الله، وإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج البيت لمن استطاع إليه سبيلا.
وامتلأت جنبات المسجد، الذي تبلغ مساحته 110 آلاف متر مربع، والساحات المحيطة به التي تبلغ مساحتها 8 آلاف متر مربع بضيوف الرحمن.
وشهد المسجد تنفيذ مشاريع تطويرية نوعية، من أبرزها مشروع تخفيض الإجهاد الحراري للساحة الخلفية، وذلك بتركيب (19) مظلة تعمل على خفض درجة الحرارة بمعدل (10) درجات مئوية، إلى جانب دهان الأرضيات بمادة عاكسة لأشعة الشمس، ونُفذ مشروع تهيئة وتلطيف الساحات المحيطة عبر تركيب وتشغيل (117) مروحة ضباب متصلة بمضخات مياه عالية الضغط وشبكات توزيع، تعمل على خفض درجات الحرارة بمعدل (9) درجات مئوية.
ونُفذ مشروع التهوية والتكييف بتحديث نظام التحكم، الذي يتيح مراقبة مستويات ثاني أكسيد الكربون، وتشغيل وحدات التكييف، ووحدات تنقية الهواء التي تتيح تجدد الهواء داخل المسجد مرتين في الساعة بنسبة (100%)، إلى جانب التحكم في مضخات المياه، ما يسهم في رفع كفاءة التشغيل وتوفير هواء نقي يمنح الحجاج بيئة صحية لأداء مناسكهم بكل يسر وطمأنينة.
وضمن العناية بالخدمات الصحية، رُكبت (70) وحدة تبريد مياه، تبلغ سعة كل وحدة ألف لتر في الساعة تخدم نحو (2000) حاج في الساعة، ليبلغ إجمالي ما تخدمه البرادات (140) ألف حاج في الساعة، ويشمل العمل مشروع ترميم شامل لمسجد نمرة، تضمن معالجة (5,800) متر طولي من فواصل التمدد، واستبدال العزلين الحراري والمائي، وتحديث الأرضيات والدهانات، وتركيب وحدات إنارة (LED)، وتحديث اللوحات الكهربائية ونظام تصريف الأمطار، إلى جانب رفع كفاءة التشغيل والصيانة.
واستُكملت أعمال التطوير بتركيب نظام صوتيات متقدم وكاميرات مراقبة أمنية، ضمن منظومة متكاملة لتعزيز الأمن والسلامة داخل المسجد، إضافة إلى تنظيم البوابات والمداخل لضمان انسيابية الحركة، ويبلغ إجمالي عدد الأبواب (72) باباً، وتولت تنفيذ هذه المهمات فرق إشرافية وخدمية تباشر أعمالها لتقديم أرقى الخدمات لضيوف الرحمن.
وواكبت قوافل ضيوف الرحمن إلى مشعر عرفات الطاهر متابعة أمنية مباشرة لأفراد من مختلف القطاعات الأمنية التي أحاطت طرق المركبات ودروب المشاة لتنظيمهم حسب خطط تصعيد وتفويج الحجيج، إلى جانب إرشادهم وتأمين السلامة اللازمة لهم لتأمين الانسيابية والمرونة بالحركة.
وبجاهزية تامة لمختلف القطاعات الحكومية العاملة في خدمة الحجاج توفرت في مختلف أنحاء المشعر الخدمات الطبية والإسعافية والتموينية، وما يحتاج إليه ضيوف الرحمن،
كما باشر رجال قوات الأمن عمليات تنظيم حركة السير ومساعدة ضيوف الرحمن، فيما جاب سماء المشعر طيران الأمن لمتابعة انتقال الحجيج.