استغل التنظيم العالمي للإخوان المسلمين ما جرى في الدول العربية منذ بداية ما يسمى «الربيع العربي» في عام 2011، وشهدت هذه الجماعات بكل أفرعها في المنطقة، نشاطا ملحوظا في مصر وسورية وليبيا ودول أخرى، منهم من تحالف مع تنظيمات إرهابية متطرفة باعتبارهم تحت مظلة واحدة وجذر واحد، ومنهم من اعتلى السلطة بعد أن خدعوا الشعوب أنهم لا يرغبون في الحكم كما حدث في مصر.
لم يدم ربيع الإخوان في المنطقة طويلاً وسرعان ما انهار بسبب كذب هذه الجماعات وخداعها للتيارات السياسية التي تحالفت معهم، ليتبين مشروعهم السلطوي الوصولي الذي انهار بداية في مصر في ثورة يونيو، حيث انتهت صفحة إخوان مصر وإلى الأبد بعد أن ضاق الشعب المصري بتفرد هذه الجماعة بالحكم ومحاولتهم تغيير مصر وتحويلها إلى إمارة متطرفة يحكمها بقايا تنظيمات إرهابية لا تؤمن إلا بالعنف، ليبدأ بعد ذلك خريف الإخوان في سورية وليبيا، ويتراجع دورهم في المشهد السياسي العربي، الأمر الذي أشاع أجواء سياسية إيجابية بعد مرحلة من الحروب والتوترات والأحداث المأساوية التي لحقت بالدول العربية.
آخر تهاوي التجارب الإخوانية في المنطقة، كانت ولا تزال في تونس، حيث تمكن الرئيس قيس سعيد من الإطاحة بهذا البعبع الديني المتأسلم، ليتبين بشكل أو بآخر هشاشة هذه التنظيمات وزيف قوتها، وما كان من كبيرهم راشد الغنوشي إلا الخروج من المشهد بإرادة تونسية شعبية مؤيدة لإجراءات الرئيس سعيد ومسار قانوني أزاح أكبر خطر على تونس وعلى دول الجوار.
تونس التي كانت قبلة الإخوان باعتبارها بداية التحرك العربي نحو الديموقراطية، أصبحت الجحيم بالنسبة إلى الإخوان وإلى راشد الغنوشي الذي انتهت صلاحياته على المستوى الدولي وعلى المستوى التونسي بعد سقوط كل الأكاذيب عن الديموقراطية والحكم المشترك للبلاد.
ظن الإخوان أنهم تحت مظلة الديموقراطية التي أرادوها على مقاسهم، ولم ينظروا إلى مصالح الدولة ما دام التنظيم مطمئناً لوجوده في الحكم، فتعطل عمل البرلمان وانتشر الفساد والمحسوبيات فيما بين التنظيم وعلاقاته السياسية الأخرى، وأصبحت الحكومة شكلية، معتقدين أنهم أقوى من القانون وسلطة الرئيس، لكن شجاعة سعيد كانت كالسيل الذي جرف بقايا ما يسمى «الربيع العربي» لتنطوي صفحة من التغلغل الإخواني في أجهزة الدولة.
وفي سورية، شهدت التغيرات الأخيرة في الطبقة السياسية المعارضة تغييرات أخرى أزاحت شخصيات إخوانية من المشهد بعد إصلاحات سياسية شكلت تحولاً في مسار الائتلاف السوري، وأيضا سقط ركن جديد من أركان التنظيم، ولعل المشهد يتكرر في دول ومواقع أخرى من المنطقة، إذ انتهت الأدوار المناطة بهذا التنظيم على المستوى العالمي.. لتبدأ مرحلة الخريف إلى أجل غير مسمى.
مشكلة الإخوان الكبرى هي عدم القدرة على التأقلم في الدول العربية، ففي الوقت الذي يروج فيه الإخوان إلى مفهوم التعايش المشترك وجدنا أنماطاً سياسية لا تؤمن إلا بالإقصاء كما حدث في مصر، فهم أصحاب أيديولوجية كاذبة مخادعة لا تؤمن بالأوطان بقدر ما تؤمن بالأيديولوجية العابرة للقارات، وهذا أكبر خطر على فكرة بناء الدولة التي تؤمن بالولاء على أساس الجغرافيا والوطنية لا على أساس الاعتقاد الأيديولوجي، والمشكلة الأكبر أنهم يركبون موجة الديموقراطية حين تخدم مصالحهم وحين تطيح بهم الديموقراطية يحشدون الجماهير وقد يذهبون إلى إعلان الحرب والإرهاب على الدولة، فهم لا يؤمنون أبداً بالشراكة الوطنية، إذ يعتبرون أن الدولة من حقهم دون الآخرين!
المعضلة الأخرى، هي حجم الاختراقات الدولية في هذه التنظيمات، فالعديد من قيادات هذه التنظيمات لم تعش في أوطانها، وبالتالي لها ارتباطات خارجية أكثر من ارتباطاتها بالوطن، وهذا يعني بصيغة أو بأخرى أنهم واجهة لدول أخرى تحركهم يميناً أو يساراً حسب أجندات هذه الدول ومصالحها لا حسب مصالح الدول الوطنية، ومن هنا يصعب ويكاد يستحيل إن أمكن القول التعايش مع هذه الأفكار التي من شأنها أن تهدم الأوطان ليس إلا، فالمهمة الحقيقية للإخوان أينما كانوا هي إحداث فجوة وشرخ في المنطقة.
عانت المنطقة خلال الأعوام الماضية من رياح قوية حارة كان الإخوان المحور والدينمو في هذه الرياح، وتكبدت الدول والشعوب خسائر تاريخية بوصول هذه الحركات إلى العمل السياسي، ومنها ما وصل إلى السلطة، لكن رياح السموم انتهت من المنطقة إلى غير رجعة، فالشعوب باتت أيضاً مفكراً سياسياً يدرك أين تكمن مصلحته ومصلحة الوطن.