تتجه الأنظار إلى مدينة جدة السعودية التي تشهد انطلاق محادثات رسمية منفصلة اليوم (الإثنين) بين وفدين روسي وأوكراني، في محاولة جديدة لوقف الحرب المستمرة منذ ثلاثة أعوام تقريباً.
وتأتي هذه الخطوة في وقت تتصاعد العمليات العسكرية، وتبادل الضربات بين الجانبين، ما يعكس الحاجة الملحّة لهدنة إنسانية واستقرار إقليمي.
ويُنتظر أن يجتمع الليلة الوفدان الأمريكي والأوكراني، تمهيداً للقاء رسمي مع الوفد الروسي اليوم، وسط أجواء من الحذر والأمل المشوب بالتحديات.
وأكد المفاوض الروسي عضو مجلس الاتحاد غريغوري كاراسين، في تصريحات لقناة «زفيزدا» التابعة لوزارة الدفاع الروسية، أن الوفد الروسي يتوجه إلى جدة بروح إيجابية، معرباً عن أمله في تحقيق تقدم ملموس خلال الاجتماعات.
ويرافقه في المباحثات مستشار جهاز الأمن الفيدرالي سيرغي بيسيدا، في تمثيل نادر لمفاوضين من خارج مؤسسات صنع القرار التقليدية في موسكو.
من جانبه، أبدى الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي استعداده للمشاركة في المحادثات، فيما أشار مسؤول دبلوماسي أوكراني، إلى أن كييف تأمل التوصل إلى اتفاق أوّلي يوقف الهجمات المتبادلة على منشآت الطاقة والبنية التحتية، خصوصاً في البحر الأسود.
بدوره قال وزير خارجية أوكرانيا أندريه سيبيها، إن بلاده تسعى إلى السلام أكثر من أي دولة أخرى في العالم، وتعمل مع الشركاء الأمريكيين والأوروبيين لتحقيقه.
وكان الرئيس الأمريكي دونالد ترمب أدلى بتصريحات لافتة قبيل انطلاق المحادثات، وقال في منشور على شبكته «تروث سوشال»: «لا أحد في العالم سيتمكن من إيقاف بوتين إلا أنا»، مشيراً إلى علاقاته الجيدة مع كل من بوتين وزيلينسكي. ووصف النقاشات الجارية بشأن أوكرانيا بـ«العقلانية جداً». وأكد رغبته في إنهاء القتال وتقليل الخسائر البشرية.
من جانبه قال المبعوث الأمريكي للشرق الأوسط ستيف ويتكوف، لقناة «فوكس نيوز»: «أشعر أن الرئيس الروسي يريد السلام فعلاً. وقد تم إحراز تقدم كبير الأسبوع الماضي، وأعتقد أننا سنشهد اليوم في السعودية تقدماً ملموساً لإنهاء الحرب».
من جانبه شدّد المتحدث باسم الرئاسة الروسية دميتري بيسكوف، على أن «هذا موضوع معقد للغاية، ويتطلب الكثير من العمل. لسنا سوى في بداية هذا المسار»، مضيفاً أن المفاوضات مع الولايات المتحدة في السعودية اليوم ستكون «صعبة» وأن «التركيز الرئيسي» لموسكو سيكون على استئناف محتمل لاتفاق نقل الحبوب بشكل آمن في البحر الأسود.
وتواجه مفاوضات جدة عدة عقبات رئيسية تشمل تفاصيل وقف إطلاق النار، إذ يسعى الطرفان لتحديد مواقع حيوية مثل محطات الطاقة ومستودعات النفط، لتكون خارج نطاق الضربات. كما تطالب روسيا بضمانات لحماية أسطولها في البحر الأسود، في حين تطالب أوكرانيا بحماية شاملة لبنيتها التحتية.
كذلك الضمانات الأمنية والعلاقة بحلف الناتو، إذ تصرّ كييف على ضمانات أمنية غربية، تشمل إنشاء قواعد تدريب عسكري داخل أوكرانيا، وهو ما ترفضه موسكو رفضاً قاطعاً، إضافة الى قضية الأراضي المحتلة، إذ ترفض أوكرانيا الاعتراف بسيطرة روسيا على نحو 20% من أراضيها، بينما تشير بعض المصادر إلى إمكانية قبول خطوط المواجهة الحالية كحدود فعلية مؤقتة، دون حسم وضع المناطق المحتلة نهائياً.
وفي حين تسعى موسكو إلى هدنة قصيرة الأمد لإعادة ترتيب صفوفها، تخشى كييف وحلفاؤها من محاولة روسية لاستعادة نفوذها التقليدي في أوكرانيا على المدى البعيد.
ويأمل المراقبون أن تشكّل محادثات جدة نقطة تحوّل في مسار الأزمة، رغم التعقيدات السياسية والعسكرية، وسيُنظر إلى الدور السعودي كوسيط فاعل، في واحد من أكثر النزاعات العالمية تعقيداً في العصر الحديث.
وأشادت عدة دول كان آخرها فرنسا وبريطانيا، بدور السعودية المهم في استضافة الحوار الأمريكي الروسي، ورعايتها المباحثات الخاصة بحلّ الأزمة الأوكرانية.
جاء ذلك خلال اتصالين هاتفيين تلقاهما ولي العهد رئيس مجلس الوزراء الأمير محمد بن سلمان، من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، ورئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر.