أكد المفكّر محمد محفوظ، أن نظام العلاقات الداخلية يقوم على ركيزتين أساسيتين: نظام العقد، بما فيه من الحقوق والواجبات التي تنظم العلاقة بين أبناء المجتمع في مختلف دوائرهم ومستوياتهم، وهذا النظام هو الذي يحدد معيار العدالة الاجتماعية وسبل إنجازها، ونظام الرحمة الذي يعطي للعلاقات الاجتماعية بعدها الإنساني والأخلاقي، ويتكفّل بسد الثغرات الناتجة عن التطبيق الحرفي للنظام التعاقدي.
وأوضح، أن المجتمع لا يمكنه أن يعيش بنظام الرحمة دون وجود منظومة قانونية توضح دائرة الحقوق والواجبات، كما أن المجتمع يصاب باليباس الأخلاقي والسلوكي حينما تتراجع قيمة الرحمة في فضائه الاجتماعي، وعليه فإن المجتمع يحتاج إلى القانون، كما يحتاج الرحمة والبعد الإنساني، كون الجوامع المجردة في الكثير من الأمم والشعوب والأوطان لم تتمكن من ضبط خصوصيتها، وصياغة فضاء وهوية مشتركة حقيقية. لذلك فإن المطلوب: ليس الاكتفاء والركون المجرد إلى الجوامع والقيم المجردة التي عادة الناس لا يختلفون حولها. وإنما الأمم والشعوب دائماً هي بحاجة إلى تنمية المصالح المشتركة، وربطها بواقع الحياة اليومية، ليتسنى للجهد الفردي والجمعي المبذول يومياً، أن يعمق ويجذر أسس تشابك المصالح ووحدة المصير.
ويرى، أن المُثل والمبادئ العامة بحاجة دائماً في الإطار الاجتماعي، إلى أن تتسرب إلى تفاصيل الحياة الاجتماعية، وتكون جزءاً من النسيج الاجتماعي، كما أن عملية تنزيلها على الوقائع الاجتماعية المتحركة والمتغيرة دوماً، لا يمكن أن تتم بدون وجود مصالح مشتركة حقيقية، تربط بين كل أطراف المجتمع الواحد.
وذهب إلى أن الوحدات الاجتماعية والوطنية، لا تصنع بالمجردات من الدوافع والبواعث والمسوغات، وإنما تُصنع بالحياة المشتركة على الصعد كافة، وكل ذلك بحاجة إلى تنمية كل العلائق والروابط الاجتماعية بدوائرها المتعددة، والاقتصادية بمستوياتها المختلفة، والإنسانية بآفاقها الرحبة، والثقافية بتفاصيلها ووقائعها اليومية والرمزية. وكل هذا أيضاً بحاجة إلى سياج أخلاقي يتحصن به أفراد المجتمع، قوامه العفو والتسامح واللين والرفق وحسن الظن وما أشبه. وهي قيم ومثل أخلاقية وسلوكية قادرة على امتصاص أخطاء البشر وتشنجاتهم، كما أنها كفيلة بضبط النزعات النفسية والاجتماعية التي قد تساهم في تدمير الحياة المشتركة. وأكد أن الأخلاق الفاضلة والتعامل الحسن والحضاري مع الآخرين، يسهم بشكل مباشر، في نزع الغل والأحقاد من النفوس.
ولفت إلى أن الاختلافات الفكرية والسياسية والثقافية والاجتماعية ليست مبرراً كافياً للخروج من سياق العدالة وممارسة الظلم بحق الآخرين تحت مبرر وعنوان الاختلاف العقدي أو السياسي، وحينما تسند قيمة العدالة بقيمة الرحمة تزول كل الأسباب والمنغصات التي تضر بواقع المجتمع واستقراره. فالتراحم بين الناس بمختلف فئاتهم وشرائحهم هو القادر على سد الكثير من نقاط الضعف والحالات الرخوة في المجتمع.
التراحم بين الناس قادر على سد نقاط الضعف والحالات الرخوة في المجتمع