السياسة

فيّاض: طبيعة «الهويّة» دفاعيّة ضدّ التهميش والإلغاء

يذهب المفكّر السوري الدكتور حسام الدين فياض، إلى أنّه لا هوية دون لغة وإنتاج فكري، ولا ثقافة ولا حضارة دون هوية

يذهب المفكّر السوري الدكتور حسام الدين فياض، إلى أنّه لا هوية دون لغة وإنتاج فكري، ولا ثقافة ولا حضارة دون هوية ثقافية. مشيراً إلى أنه من الصعب أن تجد تعريفاً متوافقاً عليه لمفهوم الهوية، رغم أنّ الدراسات السوسيولوجية أثبتت أن لكل مجموعة أو أمة خصائص ومميزات اجتماعية، ونفسيّة، ومعيشية، وتاريخية، تعبّر عن كيان ينصهر فيه قوم منسجمون ومتشابهون بتأثير هذه الخصائص والميزات التي تجمعهم.

وأكّد فيّاض أنّ مفهوم الهوية يعاني إشكالات عدة؛ منها صعوبة الحديث عن الهوية، كونه حديث الذات عن نفسها؛ لذا فإن مشاعر الهوية مشاعر دفاعية ضد إرادة السحق التي يبديها الآخر، ولا يمكن فصل الهوية عن الحركية الاجتماعية، وما يجري فيها من تدافع وصراع، يحتّم الجدل حول حدود الهوية في ظلّ السُّلطة والأيديولوجيا.

وأوضح أنّ الهوية الجمعية تستمد ملامح مقوماتها من ثقافة المجتمع، على اعتبار أن الثقافة تشكل المجموع المنسجم والمستمر للمعاني والرموز المكتسبة المشتركة، التي تعمل المجموعة على توصيلها وإعادة إنتاجها من خلال مختلف القنوات التي تنسجها من أجل هذه الغاية.

ويرى أنّ مصطلح الهوية تراثي قديم، معناه أن يكون الشيء هو هو، وليس هو غيره، وهو نقيض الغيرية وربما تكون الغيرية نسبية، وليست كلية لتحدد انحراف الهوية. فهوية الشيء هي ثوابته، التي تتجدد ولا تتغير، وتتجلى وتفصح عن ذاتها، دون أن تخلي مكانها لنقيضها، طالما بقيت الذات على قيد الحياة.

وعدّ فيّاض معنى الهوية خاصّاً بالإنسان والمجتمع، الفرد والمجموعة، وفق منظور إنساني خالص؛ فالإنسان هو الذي ينقسم على نفسه، وهو الذي يشعر بالفارقة أو التعالي أو القسمة بين ما هو كائن وما ينبغي أن يكون، بين الواقع والمثال، وبين الحاضر والماضي، بين الحاضر والمستقبل. وهذا يعني أن الهوية هي إحساس الفرد أو المجموعات بالذات؛ نتيجة وعي الذات بأنها تملك خصائص مميزة معبّرة عن كينونة تميُّزِ شخصٍ عن آخرين وتميزهم عنا، فالطفل الجديد يمتلك هوية ما عند ولادته من خلال اسمه وجنسه وأبوته وأمومته ومواطنته، وهذه الأشياء في كل حال لا تصبح جزءاً من هويته إلا في الوقت الذي يصبح فيه على وعي بها.

ولفت إلى أنه ورغم أن الهوية موضوع ميتافيزيقي، إلا أنها مسألة نفسية وتجربة شعورية، فالإنسان ربما يتطابق مع نفسه أو ينحرف عنها في غيرها. والإنسان الواحد ينقسم إلى قسمين: هوية وغيرية، أو يشعر بالاغتراب إن مالت الهوية إلى غيرها أو انحرفت عن ذاتها. فالاغتراب لفظ فلسفي والانحراف لفظ نفسي. والهوية أن يكون الإنسان هو نفسه متطابقاً مع ذاته. والهوية خاصية للنفس لا للبدن، هي حالة نفسية وليست حالة بدنية.

يمكن لنا تعريف الهوية: بأنها الخصوصية والتميز عن الغير أو مجموعة من المميزات التي يمتلكها الأفراد، وتساهم في جعلهم يحققون صفة التفرد عن غيرهم، وقد تكون هذه المميزات مشتركة بين جماعة من الناس سواءً ضمن المجتمع. أو أنها كل شيءٍ مشترك بين أفراد مجموعة محددة، أو شريحة اجتماعية تساهم في بناء محيط عام لدولة ما، ويتم التعامل مع أولئك الأفراد وفقاً للهوية الخاصة بهم.

وأكد أن الهوية الثقافية والحضارية لأمة من الأمم، هي القدر الثابت، والجوهري، والمشترك من السمات والقسمات العامة، التي تميز حضارة هذه الأمة عن غيرها من الحضارات، التي تجعل للشخصية الوطنية طابعاً، ومنه المنظومة اللغوية الناتجة عن تبلور اجتماعي، والطبيعة الاجتماعية طابع داخلي للمنظومة، ولا توجد حقيقة لسانية خارج الديمومة والجمهور المتكلم. والزمن يأذن للقوى الاجتماعية بممارسة تأثيراتها على اللغة، التي هي العامل الضروري الملازم لكل إنجاز تنموي، وركن أساسي في كل مشروع اقتصادي، وليست مجرد أداة للتعبير يمكن أن نستبدل بها أي أداة تعبيرية أخرى، بل اللغة معيار فعلي يتشيد به الفكر ويستقيم.

مضيفاً: لا هوية دون لغة وإنتاج فكري، ولا ثقافة دون هوية، ولا فكر بغير مؤسسات علمية متينة، ولا علم بغير حرية معرفية، ولا تواصل ولا تأثير إلا بلغة وطنية تضرب جذورها في التاريخ، وتلبي حاجة الحاضر والمستقبل.

أخبار ذات صلة

Trending

Exit mobile version