Connect with us

السياسة

عوض الأسمري: رحل والدي قبل ولادتي.. أتسحّر من بقايا الفطور

يجمع البروفيسور عوض الأسمري، بين أصالة اعتداده بأهله وناسه، وجسارة الحديث عن طفولة تجلّلت باليُتم، وحضارية الحديث

يجمع البروفيسور عوض الأسمري، بين أصالة اعتداده بأهله وناسه، وجسارة الحديث عن طفولة تجلّلت باليُتم، وحضارية الحديث عن الذات، بكل تواضع غير متكلّف، ما يعزز في ذهن محاوره الشخصية التكاملية التي يخصُّ الله بها من يشاء من عباده، وبين سيرة مكان وزمان يرويها لنا الإنسان وننقلها لكم من مسامرتنا الرمضانية مع ضيفنا:

وُلدت في سبت تنومة

• بداية، متى وأين وُلدت وترعرعت؟

•• والدي تُوفي وأنا في بطن والدتي في الشهر السابع من الحمل، وهذا ما دفع والدتي إلى الذهاب إلى بيت والدها، عوض بن طلّه الشهري، في سبت تنومة، حيث وُلدت هناك في عام 1959، في فصل الصيف، كما ذكرت لي والدتي، يوافق عام ١٣٧٩هـ وبقيت في منزل جدّي قرابة سنة تقريباً، وبعدها تزوجت والدتي من رجل من حوراء، من بني منبح، وهو ليس قريباً من بيت والدي أو جدي (رحمهم الله جميعاً)، حيث إن بيت والدي وجدي كان في قرية خُرص في بلّسمر.

عشت مع والدتي وزوجها، الرجل الطيّب الكريم مسفر بن علي بن غانم الأسمري من حوراء (رحمه الله).

• سيرتك العلمية والمناصب التي تقلدتها؟

•• الابتدائية: في حوراء بلّسمر، والمتوسطة في بلّسمر، والثانوية في ثانوية اليمامة بالرياض، وأكملت الثالث الثانوي في ثانوية أبها، وحصلت على بكالوريوس في الهندسة الكهربائية من جامعة الرياض (حالياً جامعة الملك سعود)، بعد حصولي على البكالوريوس، عُيّنت معيداً في الجامعة نفسها وعملت لمدة سنة، ثم ابتُعثت إلى خارج المملكة للدراسة في جامعة أوهايو ستيت في كولومبوس، وهي جامعة حكومية مرموقة، أكملت درجة الماجستير والدكتوراه في جامعة توليدو في أوهايو، عُدت بعد ذلك إلى المملكة بعد إنهاء الدكتوراه وعُينت أستاذاً مساعداً في الجامعة عام 1412هـ، حصلت على درجة أستاذ مشارك عام 1416هـ، ثم حصلت على درجة أستاذ (بروفيسور) عام 1422هـ تقريباً وعملت مستشاراً لعدة جهات حكومية وخاصة.

وكنت عضواً في مجلس الشورى لمدة أربع سنوات، وقبل انتهاء فترة مجلس الشورى بشهرين تقريباً، تم تعييني رئيساً لجامعة شقراء، حيث أكملت الفترة المقررة.

رمضان صعب في الخارج

• قضيت رمضان في القرية، وفي المدينة، وفي خارج المملكة، ما الفرق بينها؟ وأيها تُفضّل؟

•• الصيام خارج المملكة كان صعباً جداً، خصوصاً مع طول النهار في الصيف، حيث تغرب الشمس الساعة 9 مساء، والإمساك يكون حوالى الساعة 3 فجراً، ما يجعل فترة الليل قصيرة جداً، بالرغم من الصعوبة، كان اجتماع المسلمين في المسجد لصلاة التراويح لحظة مميزة، حيث كانوا يأتون من أماكن متفرقة، ما أضفى على التجربة روحانية خاصة.

أما الصيام في المدينة بالمملكة يشعر الصائم في المملكة بروحانية رمضان الحقيقية، حيث الجميع صائمون، والأجواء العامة تساعد على العبادة منها: أجواء الإفطار، وصلاة التراويح، وتكون مليئة بالروحانية والمشاركة الجماعية، ما يجعل رمضان مختلفاً تماماً عن الصيام في الخارج.

أما الصيام في القرية قديماً: كان الوضع صعباً، حيث كانت الإمكانات محدودة جداً، وكان الإفطار يعتمد غالباً على التمر والفطير المصنوع من البُر، وإذا وُجد السمن كان ذلك أمراً مميزاً، أما حالياً فقد أصبحت القرى متطورة، وأصبحت الحياة فيها أكثر راحة، وأجواؤها أكثر هدوءاً مقارنة بالمدن.

• هل لا تزال لديك علاقة بأصدقاء الطفولة حتى اللحظة؟ ومن تتذكّر منهم؟

•• من زملاء المرحلة الابتدائية في حوراء: الأستاذ عبدالله بن فايز بن عاطف، وناصر بن مداوي الأسمري، وعبيد بن عبدالرحمن المعوك، وعلي بن خزيم بن سرور، وسعيد بن مسفر بن غانم، وعلي بن خلوفة (رحمه الله)، وناصر بن محمد بن عبدالعزيز.

وفي المرحلة المتوسطة: زملائي كانوا من مدرسة عثمان بن عفان المتوسطة، وكان مديرها عبدالله بن عبدالمعين (رحمه الله) الذي كان له دور كبير في دعمي وتشجيعي، وبعض زملائي في المرحلة المتوسطة: سعيد بن ظافر الريدان، وفهران بن القبس (رحمه الله)، والعميد دكتور عبدالعزيز بن عبدالله الخنين، وحسن بن عبدالرحمن آل موسى (أسأل الله له الشفاء العاجل).

دخلت «غرفة الشاي»

• موقف عالق في ذهنك أثّر في حياتك.

•• في السنة الثالثة في كلية الهندسة، لفت تفوقي انتباه أحد الأساتذة في الكلية، وهو البروفيسور محمد علي الشيمي المصري (رحمه الله)، هذا التميز جعل الأستاذ يأخذني بيده إلى غرفة الشاي التي يجتمع فيها أساتذة الكلية. كانت تلك الغرفة مملوءة بقامات الهندسة من مختلف الجنسيات، وكان المكان بالنسبة لي مثل البرج العاجي، حيث كان الأساتذة فيه مثل القادة العسكريين المهابين.

كان من الصعب جداً لأي طالب أن يجرؤ على الذهاب إلى تلك الغرفة، فضلاً عن الدخول إليها والجلوس مع هؤلاء العلماء. ومع ذلك، دخلت المكان الذي كنت أعتبره محظوراً، وكان البروفيسور محمد الشيمي ممسكاً بيدي، وربما لو لم يكن ممسكاً بيدي لوقعت من هيبة المكان وأهله.

عندما دخلنا، قال وهو يشير إليّ بيده الأخرى: «هذا الطالب عوض، طالب نجيب، وسيكون له شأن كبير».

هذه الكلمات أثّرت فيّ بشكل عميق، حيث بَنَت داخلي قصوراً شامخة من الآمال والطموحات العالية، وزادتني ثقة في نفسي وحماساً. كما أنها خففت من الآلام والضغوطات والجروح التي عانيت منها كثيراً في بداية شبابي، والتي كانت تؤلمني طوال فترة دراستي في كلية الهندسة.

أحب المساء كثيراً

• ما برنامجك التلفزيوني المفضّل؟

•• أحب البرامج الثقافية والتاريخية والأدبية، ومن البرنامج التي أتابعها برنامج «الصفر» وبرنامج الليوان، حيث أجد أنها برامج قيمة، فيها مقابلات مميزة، وتعجبني كثيراً، وأتابعها بانتظام وأهتم بها بكل ما تعني الكلمة.

• النوم، الرياضة، القراءة.. أيها له نصيب الأسد من جدولك الرمضاني؟

•• نصيب الأسد للقراءة يأتي بعدها طبعاً النوم ثم بعد ذلك الرياضة لكن ممارسة الرياضة تقريباً أكاد أجزم أنها بإذن الواحد الأحد يومياً عندي برنامج للمشي، كنت مشتركاً في نادٍ لكن ظروفي الخاصة وأعمالي المكتبية وسفراتي أجبرتني فعلا ألتزم برياضة المشي وأحياناً قليلة جداً السباحة.

• هناك من يُكرّس شهر رمضان لقراءة نصوص أساسية في الثقافة الإسلامية، هل من كتب معينة يعيدك إليها رمضان؟

•• أنا في رمضان أحب المساء كثيراً الوقت فيه جيد فأستغل ذلك الوقت في تأليف بعض الكتب العلمية والأدبية والثقافية، قراءتي حقيقة في الغالب أنها معلومات علمية بما يخص علوم المستقبل ولي عدد من المحاضرات وألّفت كتاب في هذا المجال اسمه «علوم المستقبل والتعليم العالي»، وحقيقة رمضان يُعمّق فيك دراسة التاريخ وحُب التاريخ القديم وبما يخص الغزوات والفتوحات الإسلامية، وقرأت بتفصيل شديد ولله الحمد في الدولة السعودية الأولى والثانية والثالثة، وأيضاً عن الملك عبدالعزيز رحمة الله عليه، ولدي كتب كثيرة في مكتبتي وخارج المكتبة بإذن الواحد الأحد سوف تكون من المكتبات التي يُشار لها بالبنان في هذا المجال.

تجربتي في الجامعة و«الشورى»

• طبقك المُفضّل في رمضان على مائدتَي الفطور والسحور؟

•• في الفطور لابُد أن تكون أمامي سمبوسة وشوربة وعصير توت، وفي السحور في الغالب كبسة أو من بقايا الفطور.

• عادة رمضانية تتمنى عودتها؟

•• من العادات التي كنت أحبها كثيراً وهي من العادات القديمة، كان هناك مسجد في القرية وكانت أحوال الناس ليست جيدة، فكان فيه وقف على المسجد وكان فيه عدد من الأشخاص يُحضرون لنا فطور في المسجد صغاراً وكباراً، لأن التمر والفطير الذي يأتي به ذلك الشخص رحمة الله عليه من أجمل وأحسن الأشياء وأنا كنت آنذاك في الرابع الابتدائي، فالحقيقة أتمنى أن تعود تلك الأيام وتلك العادات الجميلة، ويكون فيه فطور جماعي للحي في المسجد وكل يأتي بصحنه.

• قارئ تتأثر اذا استمعت لتلاوته؟

•• الشيخ سعد الغامدي، والشيخ مشاري بن راشد العفاسي، والشيخ عبدالرحمن السديس، والشيخ عبدالباسط عبدالصمد، والشيخ محمد المنشاوي، والشيخ أحمد العجمي.

• بما خرجت من أعمالك في جامعة الملك سعود، «الشورى»، جامعة شقراء؟

•• التجربة في جامعة الملك سعود: تقلّدت فيها عدداً من المناصب أكسبتني خبرة كبيرة في الإدارة، وإدارة الوقت، والتعامل مع فئات متعددة مثل أعضاء هيئة التدريس، والطلاب، والموظفين، والمراجعين.

التجربة في مجلس الشورى: أعتبرها من أجمل مراحل حياتي المهنية، إذ تعاملت مع 150 عضواً، كثير منهم بمثابة جامعات مستقلة في خبراتهم ومعارفهم، أُتيحت لي فرصة دراسة الأنظمة والقوانين، والاطلاع على تقارير الوزارات والمؤسسات المختلفة، رغم أن خلفيتي لم تكن قانونية، فقد كنت جيداً في المجال التقني.

التجربة في جامعة شقراء: عند تسلّمي رئاسة الجامعة، كنت أمتلك خبرات متنوعة (إدارية، أكاديمية، بحثية، وإستراتيجية)، ومن خلالها عملت على وضع وتنفيذ إستراتيجية جامعة شقراء، وتمكنت من تحقيق الأهداف التي وضعتها، والشاهد على هذا الإنجاز أمير منطقة الرياض الأمير فيصل بن بندر، وهذا النجاح لم يكن ممكناً دون العمل المتواصل والدؤوب، إلى درجة أنني في بعض الأيام كنت أنام من 4 إلى 6 ساعات فقط بسبب حجم العمل والمسؤوليات.

• من هو الشخص الذي تتذكره في كل رمضان؟

•• نتذكر الأشخاص الذين كانوا يصومون معنا والآن أصبحوا تحت اللحود رحمة الله عليهم.

• بيت شعر حاضر في ذهنك وتردده دائماً؟

•• هذا البيت يزيدني صبراً ودائماً أتذكره وأردده منذُ أن كنت في الصف الثاني ثانوي:

لا تحسَب المجدَ تمرا أنتَ آكلُه *** لن تبلغَ المجدَ حتى تلعَق الصَّبِرا

طالب أكثر شقاءً.. أكثر تعلماً

• ما رأيكم في جودة التعليم الجامعي اليوم مقارنة بالماضي؟

•• صعب الحكم لأن الوسائل التعليمية الحالية تختلف عن الوسائل التعليمية السابقة، كان التعليم في السابق يعتمد على مراجع محددة فيجعل الطالب أكثر شقاء لكنه أكثر علماً وأكثر تمكُّناً، لأنه يبحث في المكتبات والكتب ويشقى.

أما في الوقت الحالي أصبح الحمد لله مصادر معلومات جيدة مثل ChatGPT أيضاً أي ورقة علمية تراها تستطيع الحصول عليها لكن الفرق بين الماضي والحاضر لابد أنك تعمل بسرعة وإتقان فالماضي تعمل بإتقان والسرعة ليست مهمة لأن نمو العلوم في مجالات معينة بطيء لكن الوقت الحالي الذي كان يأخذ شهراً للبحث يأخذ دقائق الآن، أيضاً يوجد شيء جديد سوف يكون موجوداً في القريب العاجل و«قوقل» مهتمة في هذا الأمر وهو الكمبيوتر الكمي بمعنى الأبحاث التي كانت تأخذ دقائق الآن تأخذ جزءاً من الثانية مع هذا الكمبيوتر العظيم.

• هل لا تزال لكم إسهامات في المجال الأكاديمي أو الاستشاري بعد التقاعد؟

•• نعم، لكن التقاعد ساعدني في لمّ أمور سابقة تأخرت في إنتاجها، كتب علمية وكتب تاريخية وكتب ثقافية، وأيضاً هناك استشارات من جهات علمية تعليمية أكاديمية، وأيضاً استشارات لبعض الجامعات الأهلية، ومشاركات بسيطة في محاضرات وبعض المواد وبحث بسيط أيضاً نشتغل عليه أنا وبعض الزملاء في عدة جامعات.

أخبار ذات صلة

السياسة

تعليم جازان يعزز الأمن السيبراني بـ«لا تفتح لهم باب»

اختُتمت فعاليات ملتقى التوعية بالأمن السيبراني «لا تفتح لهم باب» والمعرض المصاحب في محطته الثامنة، والذي استضافته

اختُتمت فعاليات ملتقى التوعية بالأمن السيبراني «لا تفتح لهم باب» والمعرض المصاحب في محطته الثامنة، والذي استضافته الإدارة العامة للتعليم بمنطقة جازان بمركز الأمير سلطان الحضاري، برعاية مساعد وزير التعليم للتطوير والتحول المهندس مرهف بن محمد المدني، وحضور المدير العام للتعليم بالمنطقة ملهي بن حسن عقدي.

وأكد مساعد وزير التعليم للتطوير والتحول خلال الملتقى أن الأمن السيبراني أصبح ضرورة لجميع المؤسسات والجهات الحكومية لضمان حماية البنية الرقمية واستمرارية الأعمال بكفاءة وأمان، مشيراً إلى أن وزارة التعليم وبتوجيه من وزير التعليم تولي هذا الجانب اهتماماً كبيراً لتعزيز الوعي وتطبيق أفضل الممارسات الآمنة داخل المجتمع التعليمي.

وبين أن الحملة تُعد امتداداً لجهود الوزارة في تعزيز الحماية الرقمية، وتُنفذ بالشراكة بين الإدارة العامة للأمن السيبراني بوزارة التعليم وإدارات التعليم العامة في مختلف المناطق، لنشر ثقافة الوعي والتصدي للتهديدات السيبرانية.

أخبار ذات صلة

من جانبه أكد المدير العام للتعليم بالمنطقة ملهي عقدي أن البيانات والمعلومات الحكومية تُعد ثروة وطنية تستوجب الحماية، وهو ما تحرص عليه القيادة الرشيدة -أيدها الله- عبر خطط إستراتيجية تنفذها وزارة التعليم لتحصين البيئات التعليمية ووسائطها الرقمية.

وشهد الملتقى والمعرض المصاحب له خلال يوميه حضور أكثر من 2700 من منسوبي ومنسوبات التعليم وطلاب وطالبات المدارس وأولياء الأمور وأفراد المجتمع، إلى جانب عدد من المهتمين والمختصين الذين تفاعلوا مع البرامج المقدمة والأنشطة التفاعلية التي تحاكي الهجمات السيبرانية، إضافة إلى ورش عمل وجلسات إرشادية ومسابقات وألعاب تعليمية تهدف إلى ترسيخ مفاهيم الأمن السيبراني في المجتمع التعليمي، وتمكين الأفراد من التعرف على المخاطر السيبرانية والتصدي لها بفعالية.

واختُتم الملتقى بورشة توعوية للأمن السيبراني قدمها الدكتور عبدالله البليهي استعرض فيها أبرز الممارسات الخاطئة في الأمن السيبراني بقطاع التعليم وطرق الوقاية منها.

Continue Reading

السياسة

هل بدأ الغرب ينفُر من إسرائيل ؟

تغيرات حادة تضرب مواقف الغرب تجاه الحرب في غزة. الخطاب الأوروبي يتجاوز الصمت والمواقف الرمادية نحو خطوات تحمل

تغيرات حادة تضرب مواقف الغرب تجاه الحرب في غزة. الخطاب الأوروبي يتجاوز الصمت والمواقف الرمادية نحو خطوات تحمل طابعاً عملياً. ومحاسبة إسرائيل لم تعد مجرد صدى لضغط الشارع أو ارتجاج أمام صور الموت، بل مؤشر على تحول عميق في النظرة إلى شريك كان يُعامل بامتيازات استثنائية.

في هذا السياق، جاءت تحركات أوروبية وأمريكية تحمل إشارات مغايرة.

اجتماع وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي في بروكسل، يوم 20 مايو 2025، حمل مؤشرات على بداية افتراق هادئ عن المسار التقليدي للتعامل مع إسرائيل. للمرة الأولى، طُرحت علناً إمكانية مراجعة اتفاقية الشراكة التجارية بين الطرفين، وهي خطوة ما كانت لتُناقش بهذا العلن لولا التحول العميق في المزاج السياسي الأوروبي. ورغم غياب إجماع كامل، فإن دعم 17 دولة من أصل 27 لهذا الخيار أظهر أن القضية لم تعد مؤجلة. خطوة سياسية تتجاوز بعدها الاقتصادي، وتفتح الباب أمام مشروطية جديدة في العلاقة مع تل أبيب.

تبدل المزاج الأوروبي.. ومصير الشراكة مع إسرائيل

التلويح بتجميد اتفاقية الشراكة، رغم أنه لم يحظَ بإجماع كامل، يمثّل اختراقاً في نمط الخطاب. تصريحات الممثلة العليا للسياسة الخارجية كايا كالاس، كانت حادة: «الشراكة مع إسرائيل لا يمكن أن تستمر إن لم تحترم حقوق الإنسان والمبادئ الديمقراطية».

فيما نُقل عن مسؤولين في بروكسل أن إدراج هذا الملف لم يعد من المحرمات، خصوصاً بعد تقارير حقوقية دولية اتهمت الجيش الإسرائيلي بعرقلة دخول المساعدات واستهداف مدنيين.

دول مثل إسبانيا وإيرلندا وبلجيكا ولوكسمبورغ وسلوفينيا كانت الأكثر وضوحاً، داعية إلى ربط استمرار العلاقات بالمحاسبة الجادة. رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز قال في البرلمان: «لا يمكن للاتحاد الأوروبي أن يكافئ إسرائيل بشراكة اقتصادية فيما تواصل تدمير غزة».

في المقابل، ألمانيا والنمسا ودول أوروبية شرقية دعت إلى الفصل بين السياسة والتجارة. ورغم تحفظها، لم تمنع تمرير رسالة سياسية صريحة: النموذج السابق للعلاقة لم يعد صالحاً.

من لندن، كانت المفاجأة؛ فقد أعلنت الحكومة البريطانية تعليق المفاوضات التجارية مع إسرائيل، في سابقة تعكس شعوراً متنامياً بالإحراج الغربي. وزير الخارجية البريطاني برر القرار بـ«الخطاب المتطرف والمقزز لبعض وزراء الحكومة الإسرائيلية»، داعياً إلى رفع الحصار عن غزة والسماح بدخول المساعدات.

في المحصلة، موقف الدول الـ17 يعكس تشكُّل كتلة أوروبية جديدة بدأت ترى في العلاقة مع إسرائيل عبئاً أخلاقياً لا يمكن الدفاع عنه أمام الرأي العام.

أمريكا تضغط من الظل.. دون نزع الغطاء الإستراتيجي

في واشنطن، لا تزال الضغوط تمارس بصيغة أقل علنية. ورغم استمرار الدعم العسكري، إلا أن إدارة ترمب تواجه مأزقاً متصاعداً مع تفاقم الكارثة الإنسانية في غزة. تقارير في (نيويورك تايمز) و(واشنطن بوست) تحدثت عن رسائل مغلقة تحذر من أن «استمرار العمليات يهدد شكل العلاقة الإستراتيجية».

لكن حدود الضغط واضحة: لا تفكيك للشراكة، بل إعادة ضبطها. فالإدارة الأمريكية، وإن لم تعلن تغييراً جذرياً، تسعى لإعادة هندسة العلاقة دون خسارة موقعها في الملف الإسرائيلي.

إسرائيل ترد.. وتحضر ورقة طوارئ

إسرائيل، بدورها، سارعت إلى رفض أي خطوات أوروبية عقابية، ووصفتها بـ«تجاهل للحقائق الأمنية». وزارة الخارجية الإسرائيلية أعلنت أن تل أبيب ستواجه ما اعتبرته «محاولات عزل»، مؤكدة أنها «لن تتراجع عن حماية مواطنيها».

تسريبات من داخل الخارجية الإسرائيلية تحدثت عن ورقة طوارئ دبلوماسية يجري إعدادها، تتضمن تحركاً نحو بعض الدول الأوروبية لتخفيف أثر هذه النقاشات، واستثمار التحفظ الألماني والنمساوي لصالح تثبيت الشراكة القائمة.

مدريد تتحرك.. ومسار اعتراف بالدولة الفلسطينية؟

في موازاة ذلك، تستعد مدريد لاستضافة اجتماع أوروبي- عربي مشترك لبحث سبل إنهاء الصراع في غزة، وطرح مسألة الاعتراف بالدولة الفلسطينية. هذا الاجتماع لا يبدو تقليدياً، بل يندرج ضمن تصور أوروبي أولي لعقد سياسي جديد في الإقليم، يضع أوروبا في موقع صانع التوازن، لا مجرد شاهد عليه.

التحرك الإسباني يعكس إدراكاً بأن القضية لم تعد ملفاً خارجياً، بل اختبار مباشر لموقع أوروبا على خارطة التأثير.

تداعيات مفتوحة

الأسئلة الكبرى بدأت تُطرح: هل يتحول الاتحاد الأوروبي من لاعب قلق إلى طرف يفرض قواعده؟ وهل تنجح أمريكا في احتواء الأزمة دون إسقاط شريكها؟

هل تملك إسرائيل ما يكفي من الحلفاء لوقف هذا الانزياح في ميزان السياسة الغربية؟

الأسئلة كثيرة، واللحظة أكثر هشاشة مما تبدو. لكن المؤكد أن العلاقة مع إسرائيل لم تعد مقدسة كما كانت، وأن ملامح مساءلة دولية بدأت تتشكل، حتى إن لم تُعلن بكامل ملامحها. ما يجري الآن ليس فقط مساءلة لإسرائيل، بل تبدل مزاج

الوزن الاقتصادي.. والحذر الأوروبي

بلغ إجمالي تجارة السلع بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل عام 2024 نحو 42.6 مليار يورو، شكلت منها الواردات الأوروبية 15.9 مليار يورو. تتصدرها الآلات ومعدات النقل (7 مليارات يورو – 43.9%)، تليها المواد الكيميائية (2.9 مليار يورو – 18%)، والسلع المصنعة الأخرى (1.9 مليار يورو – 12.1%).

الأرقام تعكس تداخلاً اقتصادياً معقداً، لكن المزاج الجديد في بروكسل ولندن يشير إلى أن كفة الأخلاق السياسية بدأت تفرض نفسها، ولو ببطء.

أخبار ذات صلة

Continue Reading

السياسة

بعد رحلة عطاء فريدة.. جدة التعليمية تودّع صانع التميز

بعد أكثر من ثلاثين عاماً من العطاء التربوي والقيادي، يترجّل الدكتور معجب بن جار الله الزهراني عن منصته العملية،

بعد أكثر من ثلاثين عاماً من العطاء التربوي والقيادي، يترجّل الدكتور معجب بن جار الله الزهراني عن منصته العملية، تاركاً خلفه سيرة استثنائية تفيض أثراً في كل زاوية من زوايا التعليم، وإرثاً تربوياً لا يُنسى.

في تعليم جدة، لم يكن مجرد مسؤول، بل كان صوتاً حكيماً ومرجعية تربوية تملأ المكان ثقة وطمأنينة. صمّام أمان يشبه في سَمته نخبة الجيل الذهبي الذي عمل معهم عن قرب من التربويَيْن الراحلين عبدالله الثقفي، وكمال الغامدي رحمهما الله، وأحمد بن علي الزهراني حفظه الله.

الدكتور الزهراني، الحاصل على الدكتوراه في أصول التربية والماجستير في الإدارة التربوية والتخطيط، تنقّل بين مواقع التأثير التربوي: من معلم ومدير، إلى مدير تعليم ومستشار، فمؤسس لمركز التميز، ومحكّم ومدقق معتمد لمعايير الجودة، ومتحدث حاضر في أهم المنتديات التربوية.

عرف عنه حُسن الاستماع، ورهافة التذوق الفني، خصوصاً في دعمه المستمر لمعلمين ومعلمات التربية الفنية، فكان يرى في الفن رسالة لا تقل شأناً عن أي مناهج، ويُجيد الإنصات للريشة كما يُجيد قراءة الأثر. كما كان يُتقن التعامل مع الإعلام والإعلاميين، لأنه كان يعي تماماً دورهم المحوري في إيصال الرسالة التربوية، ويؤمن أن اكتمال العمل لا يتم إلا بتكامل الجهود الإعلامية مع الجهود التعليمية.

أخبار ذات صلة

اليوم، وبينما يطوي صفحة من عمره المهني، يبقى اسمه حاضراً في كل مبادرة أطلقها، وكل خطة كتبها، وكل قائد صاغه فكراً. فالذين يصنعون الفرق لا يُغيبهم التقاعد… بل يخلدهم الأثر.

من الميدان.. نرفع له تحية وفاء، ونكتب اسمه في سجل القامات التي مرت من هنا، فغيّرت، وأثرت، وبقيت.

Continue Reading

Trending

جميع الحقوق محفوظة لدى أخبار السعودية © 2022 .