«الغسالون».. لم يتركوا باباً موصداً إلا وطرقوه بحثاً عن الربح المشبوه، ولإضفاء صفة المشروعية على المتحصلات المالية الناتجة عن نشاطاتهم الإجرامية، فاستخدموا كيانات اقتصادية، أراد ملاكها الربح دون النظر لأي اعتبار لما يقومون به من جرائم فيها سرقة للثروات حصلوا عليها عبر عمليات استثمار أموال غير مشروعة في أوجه مختلفة.
لم تنفك الدول قاطبة، في التحذير من جرائمهم كونها تستقطع من الدخل القومي، وتحدث نزيفاً للاقتصاد لصالح جهات أخرى، ومن مساوئ هذه العمليات تحفيز أصحابها على التهرب من الضرائب المباشرة، وارتفاع معدل التضخم، وإضفاء الشرعية على الأنشطة المشبوهة والجرائم المحرمة كالاتجار بالمخدرات وبالبشر والأسلحة وغيرها من النشاطات المجرمة.
فيما تواجه الجهات المختصة مثل هذه الجرائم بحزم، وتكافحها أنظمة وقوانين صارمة لن يفلت منها مجرم. ووفقاً لتأكيدات النيابة العامة، فإنها ماضية في مكافحة الجرائم الاقتصادية، وتقديم كل من تسوِّل له نفسه المساس بالأمن الاقتصادي والمالي للمحكمة المختصة والمطالبة بالعقوبات المشددة.
حددت النيابة العامة أربع حالات يجوز فيها تخفيف عقوبات مرتكب جريمة غسل الأموال؛ تشمل المبادرة إلى تقديم معلومات تساعد في منع ارتكاب جريمة غسل أموال أخرى أو الحد من آثارها، وتحديد مرتكبي الجريمة الآخرين أو ملاحقتهم قضائياً، والحصول على أدلة، وحرمان الجماعات الإجرامية المنظمة من أموال لا حق لها فيها، أو منعها من السيطرة عليها.
وبينت أن عمليات غسل الأموال تنطوي على إضفاء صفة المشروعية على المتحصلات المالية؛ نتيجة نشاطات إجرامية أو مصدر غير مشروع، وتترتب على ذلك عقوبات مشدّدة.
كيانات خفية وجرائم اقتصادية
شهدت الأيام الماضية الإعلان عن عدد من قضايا غسل الأموال، أبرزها أحكام بالسجن لمقيمَيْن بتهمة الغسل بعد أن كشفت إجراءات التحقيق قيام المتهمَيْن بحيازة أموال تقدر بـ2.480.000 ريال، وإيداعها في حسابات لكيانات تجارية، مخفيين طبيعة الأموال المحولة ومصدرها وملكيتها، وبالتحقق من مصدرها تبين أنها ناتجة عن جرائم ومخالفات لعدد من الأنظمة.
وتم إيقافهما، ورفع الدعوى الجزائية العامة بحقهما أمام المحكمة المختصة، متضمنة الأدلة على اتهامهما، والمطالبة بالعقوبات المقررة نظاماً، وجرى إحالة الكيانات التجارية للجهة المختصة لاتخاذ اللازم بحقهم.
تحويل ملايين للخارج
أكد مصدر مسؤول في النيابة العامة، أن تحقيقات نيابة الجرائم الاقتصادية، انتهت إلى توجيه الاتهام لسعوديين اثنين ووافد من جنسية عربية بغسل الأموال، وأفضت إجراءات التحقيق إلى قيام السعوديين بفتح سجلات لكيانات تجارية، وفتح حسابات بنكية لتلك الكيانات وتسليمها للوافد وتمكينه من التصرف بها، وأسهمت جملة من التحريات المالية على حسابات المتهمين والكيانات التجارية بكشف قيام الوافد بإيداع أموال طائلة وتحويلها لخارج المملكة. وبالتحقق من مصدر الأموال، تبين أنها غير مشروعة المصدر، وأخفوا حقيقتها وجعلها تبدو وكأنها مشروعة المصدر، ليتم إيقاف المتهمين، والادعاء عليهم أمام المحكمة المختصة، وتقديم الأدلة على اتهامهم، وصدر الحكم القضائي المتضمن إدانتهم، وأن الكيانات التجارية غطاء لتحويل الأموال مجهولة المصدر إلى خارج المملكة، والحكم عليهم بالسجن لمدد بلغت 18 سنة، وغرامات بلغت 500 ألف ريال، ومصادرة قيمة مماثلة للأموال التي تمت عليها الجريمة والمتحصلات منها وعائداتها، وإبعاد الوافد عن البلاد بعد انتهاء محكوميته.
غسل في مستلزمات طبية
أفصح مصدر مسؤول في النيابة العامة، أن تحقيقات نيابة الجرائم الاقتصادية، أسفرت عن ضبط متورطين وجه إليهما الاتهام (مواطن، ووافد من جنسية عربية)، بتهمة غسل الأموال والتستر.
وكشفت إجراءات التحقيق، تمكين المواطن الوافد من مزاولة النشاط التجاري والعمل لحسابه الخاص في نشاط المستلزمات الطبية مقابل أجر شهري، وتمكينه من شراء وبيع الأدوية من الشركات والتعاقد مع الجهات الحكومية والتفاوض مع ملاك العقارات وإيداع وتحويل الأموال للشركات.
وبينت إجراءات التحقيق قيام الوافد بإيداع أكثر من سبعة ملايين ريال وتحويلها لخارج المملكة، وبتفتيش الكيانات التجارية عثر على متحصلات لجريمة غسل الأموال بقيمة ستة ملايين، وخمس بطاقات صراف آلي، وخمسة أختام للكيان التجاري، ودفتري شيكات، وتسعة شيكات موقع عليها على بياض. وأحالت النيابة العامة المتهميْن إلى المحكمة المختصة، وصدر بحقهما حكم يقضي بإدانتهما بما نسب إليهما، وسجن كل واحد منهما أربع سنوات، وبغرامات بلغ مجموعها ستة ملايين ريال، ومصادرة قيمة مماثلة للأموال التي تمت عليها الجريمة والمتحصلات منها وعائداتها، وإبعاد الوافد عن المملكة بعد انتهاء محكوميته.
جريمة بـ 17 ملياراً
أصدرت محكمة الاستئناف في الرياض، حكماً بإدانة 24 متهماً ما بين مواطنين ومقيمين، مثلوا تشكيلاً عصابياً منظماً للقيام بجريمة غسل أموال لمبالغ تقارب 17 مليار ريال، ومعاقبتهم بالسجن لمدد تصل إلى 20 عاماً، لإدانتهم بما نسب إليهم.
وحكمت المحكمة بمنع المواطنين المدانين في القضية من السفر مدداً مماثلة لمحكوميتهم، وإبعاد غير السعوديين بعد انتهاء مدة عقوبتهم، كما حكمت بتغريمهم بغرامات متفاوتة يتجاوز مجموعها 75 مليون ريال، والحكم بمصادرة جميع الأموال محل الجريمة، التي تقدر بمليارات الريالات.
وكان التشكيل العصابي، يقوم بأعماله الجرمية في إطار منظم تحت ستار منشآت تجارية تنوعت بين المصانع والشركات والمؤسسات وكذلك العيادات الطبية، وتنوعت أدوارهم بين ارتكاب جريمة غسل الأموال والاشتراك في هذه الجريمة، وجمع وإيداع الأموال وتحويلها للخارج للقيام بهذه الجريمة، كما أدانت المحكمة عدداً منهم بعدم الإبلاغ عن عمليات غسل الأموال رغم علمهم بها، والاتفاق والمساعدة وتقديم المشورة للقيام بالجريمة، إضافة إلى ارتكاب جريمة الرشوة.
مسابقات مثيرة وجوائز مريبة
أكد الخبير الأمني اللواء متقاعد عبد الله حسن جداوي، أن من أبرز مهمات الإدارة العامة للتحريات المالية في النيابة العامة، إجراء تحليل تشغيلي يستخدم المعلومات المتاحة والمعلومات التي يمكن الحصول عليها لتحديد هوية أهداف معينة، واقتفاء مسار أنشطة أو عمليات محددة، وتحديد روابط بين هذه الأهداف والمتحصلات المحتملة للجريمة أو تمويل الإرهاب أو لغسل الأموال أو الجرائم الأصلية.
وأوضح أن لعمليات غسل الأموال آثاراً سلبية؛ أبرزها إضعاف قدرة السلطات على تنفيذ السياسات الاقتصادية بكفاءة، كما تسهم في التضخم وارتفاع المستوى العام للأسعار، وتهديد الاستقرار المالي والمصرفي، واستغلال الأموال المغسولة في تمويل الإرهاب، وعدم خلق فرص عمل حقيقية، ما يؤدي إلى تفاقم مشكلة البطالة، وتدني الأجور للأيدي العاملة، وتدني مستوى المعيشة.
وحذر جداوي، من أساليب غسل الأموال مثل التحويلات المالية التي يتم استغلالها في تمرير عمليات غسل الأموال، ما يستوجب الحذر عند طلب شخصٍ ما تحويل مبلغ مالي من حسابك إلى شخص غير معروف بأي حجة كانت، إذ قد يكون الشخص مشتبهاً فيه لدى الأجهزة المعنية، لذا يجب التنبه والحذر من تحويل أموال إلى أشخاص غير معروفين، فقد يكون ذلك مساهمة في تمرير عملية متصلة بغسل أموال.
وشدد جداوي على ظواهر عدة قد تشير إلى وجود عمليات غسل أموال، منها الثراء المفاجئ دون ميراث أو مشاريع ناجحة، أو ملكيات مفاجئة في الأسهم والعقار، أو ظهور مشاريع صغيرة تقوم بحملة إعلانات غير منطقية وعلى نطاق واسع ومستمر، وظهور مستثمرين مغمورين بأموال ضخمة في أسواق العقار والأنشطة التجارية.
وأبان جداوي، أن من المظاهر المثيرة لشبهات غسل الأموال ظهور المسابقات المثيرة للشبهة لدى بعض المنشآت التجارية، التي يتم فيها توزيع جوائز كبرى لا تضاهي قيمة المشتريات والأرباح التي قد يتحصل عليها من الشراء.
غسل الأموال
المحامي والمستشار القانوني عبدالعزيز بن دبشي بيّن أن عقوبة جريمة غسل الأموال غرامة تصل إلى سبعة ملايين ريال، والسجن لمدة تصل إلى 15 سنة أو بالعقوبتين معاً، ويمنع السعودي المحكوم عليه بعقوبة السجن في جريمة غسل الأموال من السفر خارج المملكة مدة مماثلة لمدة السجن المحكوم عليه بها. ونبه بن دبشي إلى ضرورة الإفصاح عن المصدر الحقيقي للأموال، والغرض الفعلي من العملية عند التعامل مع المؤسسات المالية، إذ إن عدم صحة البيانات يعرض الفرد للمساءلة، وحذر من تسليم الكيانات التجارية للمتورطين في غسل الأموال أو تمكينهم من الحسابات المالية ليقوموا بإدارتها، وبالتالي تحويل الأموال للخارج تحت مسؤولية الكيانات التي تحمل ملاكها المسؤولية كاملة، فالجهل والبحث عن الربح لا يجدي ويستلزم منه تحمل تبعات ما قام به من فعل.
وأكد المحامي بن دبشي على وجود حالات في قضايا غسل الأموال يجري التعامل معها وفقاً للظروف المشددة، ويتم فيها تشديد العقوبة على الجناة؛ من بينها ارتكاب الجاني الجريمة من خلال عصابة منظمة، واستخدام العنف أو الأسلحة في ارتكاب الجريمة، وكذلك استغلال الجاني نفوذ وسلطة الوظيفة العامة، أو التغرير بالنساء والقصر واستغلالهم لتنفيذ جرائم غسل الأموال.
4 حالات تخفف العقوبة
حددت النيابة العامة أربع حالات يجوز فيها تخفيف عقوبات مرتكب جريمة غسل الأموال؛ تشمل المبادرة إلى تقديم معلومات تساعد في منع ارتكاب جريمة غسل أموال أخرى أو الحد من آثارها، وتحديد مرتكبي الجريمة الآخرين أو ملاحقتهم قضائياً، والحصول على أدلة، وحرمان الجماعات الإجرامية المنظمة من أموال لا حق لها فيها، أو منعها من السيطرة عليها.
وبينت أن عمليات غسل الأموال تنطوي على إضفاء صفة المشروعية على المتحصلات المالية؛ نتيجة نشاطات إجرامية أو مصدر غير مشروع، وتترتب على ذلك عقوبات مشدّدة.