الباحث المغربي مولاي أحمد صابر، يقول، إن البعض يقول بالاجتهاد ولا يعمل به، وهي الفئة الغالبة، وآخرين ينظرون إلى الاجتهاد نظرة حضارية، نتيجة وعيهم بالتغيرات الثقافية والاجتماعية ذات الطابع العالمي التي صاحبت القرن العشرين وما بعده، ويراها تغيرات ذات أثر بليغ على موضوع الاجتهاد من جهة طبيعة الإشكالات والقضايا التي تتطلب الأخذ باجتهاد ينسجم ويتوافق مع السياق الاجتماعي والثقافي، ويتميز بنظم ومؤسسات وقوانين عالمية ومواثيق دولية منظمة لطبيعة العلاقة بين الدول والأمم، وعدّ الاجتهاد من هذا المنظور حالة اجتماعية وحضارية، فالانتفاع بثمراته وفوائده متوقف على مقدمات ضرورية، منها الخروج من التفكير من منطلق الثنائيات من قبيل (أصالة – معاصرة/ علمانية – أسلمة/…) والانفتاح على روح العصر بنفس نقدي، واستيعاب التراث في سياقه التاريخي.
وعزا مشكلة تقلّص الاجتهاد، وقلة المجتهدين إلى تقلص دائرة الاهتمام والاشتغال بمختلف العلوم، فضلاً عن اتساع التيار الذي لم يتبنَّ الاجتهاد بشكل حضاري، وهو تيار يجمع بين الاتجاه التوفيقي، والقطيعة مع التراث، واستحداث مصطلحات ومفاهيم بديلة عن الاجتهاد من قبيل المعاصرة والتحديث والتجديد، وعدّه استبدالاً جيداً من جهة الانفتاح على روح العصر، وسلبياً من جهة القطيعة مع مفهوم الاجتهاد بوصفه مفهوماً حضارياً، مشيراً إلى أن هذا التيار الفكري في أغلبه تلقى تكويناً عصرياً في الفلسفة والعلوم الإنسانية، وبالتالي لا يفكر داخل سياق مدونة الفقه وأصول الفقه، واشتغل بشكل كبير على قضايا فكرية تتعلق بسؤال تَبْيئة واستيعاب مختلف القضايا والأفكار في الفكر والفلسفة الغربية والفلسفة الإسلامية. ولفت إلى أن موضوع الاجتهاد ينبغي النظر إليه بمعزل عن ثنائية الأصالة والمعاصرة، فالقائلون بالأصالة همهم يدور حول امتلاك وضبط مختلف متون معارف العلوم الشرعية كما هي في مضامينها مع تغييرات طفيفة، لا تخرج عن مدارتها الكبرى، فهي بالنسبة لهم بوعي أو بدونه تعبّر عن الدين وليست وجهاً من وجوه فهم الفكرة الدينية، والحقيقة أن مختلف المضامين المعرفية ينبغي قراءتها وفهمها وفق سياقاتها التاريخية والمعرفية، بدل نزعها من سياقتها وإسقاطها على الواقع الذي نحياه اليوم وهو واقع مخالف. ويرى، أن القائلين بالمعاصرة، يدورون حول سؤال مفاده كيف نحيا ونعيش حضارة العصر؟ وهو سؤال معرفي تترتب على الإجابات عنه اتجاهات معرفية متعددة.
وتساءل: هل المعاصرة تعني الانخراط في كل ما يعود للعصر الحديث، والقطيعة مع كل ما هو أصيل؟ ويجيب بأن الإقبال على هذه الخطوة سيترتب عليه الارتماء في أحضان تفكير الآخر، دون وعي بمقدمة وبدايات المعاصرة، التي لم تتقاطع مع كثير من مقومات الأصالة، ويمكن أن نسعى نحو المعاصرة دون أن نفرط في ما هو أصيل، وهذه خطوة ينبغي أن تتحاشى السقوط في دائرة التوفيق ما بين الأصيل والمعاصر دون خلق ولا إبداع، فالمعاصرة في جزء هي وعي بالذات وبالآخر، وهي مسألة تتحقق مع النقد والإبداع والاجتهاد.
وأضاف، أن المجتمعات التي يتقدمها العلم والمعرفة والسؤال، حالها يكون أفضل بكثير من المجتمعات التي لا تولي اعتباراً للمعرفة ولسؤال البحث العلمي، فالتنمية في مختلف المجالات تقترن بالعلم والمعرفة، وإلا فإنها ستكون تنمية مغشوشة جسداً دون روح، وتابعة مستوردة ولا قدرة لها على الإبداع وعلى تجديد ذاتها، لأنها تفتقد القدرة على الإمساك بمختلف المعلومات اكتشافاً واستيعاباً وإبداعاً وتجديداً، مؤكداً أن أهل الاجتهاد والابتكار في مختلف مجالات المعرفة، يجدون عناية بأفكارهم ومخترعاتهم النظرية منها والعملية، والتقنية منها وغير التقنية، في المجتمعات التي تعلي من قيمة الاجتهاد، بينما المجتمعات التي لا تولي قيمة للاجتهاد تنظر لمختلف الأفكار ومشاريع الاختراع على أنها هامش.