أكثر من منفعة ولا أقل من مكاسب عديدة، خلاصة جولة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان الإقليمية، التي زار فيها 3 عواصم مجاورة. وفي خضم أحداث سياسية
متتابعة ومتراكمة يتبادر إلى أذهان المتابعين على الدوام «من الفائز ومن الخاسر» في السياسة، بينما يتجنب محللون وخبراء الإجابة عن مثل هذه الأسئلة الفضفاضة
التي لا إجابة لها أصلاً في عوالم العلاقات بين الدول. أنهى ولي العهد الأمير محمد بن سلمان جولة إقليمية مرّ فيها على 3 عواصم مجاورة، يجوز لنا القول بعدها «إن الجميع
فائز في جولة ناجحة بكل المقاييس». رؤية محمد بن سلمان التنموية وإدارته للملفات السياسية في بلاده وعلاقاتها مع الدول، تكشف حيزاً كبيراً من كيفية تفكير القائد الذي يريد أن تتسع رقعة ازدهار وتنمية بلاده إلى منطقة كاملة بأسرها تمتلك المقومات اللازمة لعيش نهضة حقيقية. عاد الأمير محمد بن سلمان إلى داره بعد زيارة ثلاثية، خرجت
بما هو مخطط لها من تعزيز للعمق العربي في علاقات المملكة مع مصر والأردن، ورفع مستوى التنسيق المشترك بين الدول قبيل قمة رفيعة المستوى تستضيفها
السعودية بمشاركة 8 دول عربية والولايات المتحدة الأمريكية، وإعادة إحياء جادة للعلاقات السعودية التركية التي شهدت فتوراً في الأعوام الماضية.
الرياض – القاهرة.. «توافق سياسي»
الجولة الإقليمية الأولى لولي العهد خارج محيط الخليج العربي منذ جائحة كورونا، بدأت في مصر، أكثر محطات ولي العهد زيارة منذ تسلمه ولاية العهد، إذ زارها أكثر من 4 مرات في السنوات الخمس الماضية، وسبق ذلك زيارات عدة وزيارات أخرى غير معلنة.
ما تعيشه العلاقات السعودية المصرية في وقتها الراهن هو انعكاس حقيقي لحالة التفاهم والتناغم بين قيادتي البلدين، فعشرات الزيارات المتبادلة من القاهرة إلى نيوم ومن الرياض إلى شرم الشيخ تجسّد وضعاً عاماً من «التوافق السياسي» قلما يتكرر في عالم اليوم.
وإلى أبعد من المواقف السياسية المشتركة، كسر التعاون الاقتصادي بين البلدين أسقف الحدود القصوى التي وصل إليها التبادل التجاري في تاريخ العلاقات بين الرياض والقاهرة، إذ وصل حجم التبادل التجاري إلى نحو 54 مليار ريال عام 2021، كأعلى قيمة له تاريخياً، محققاً نمواً بنسبة 87% مقارنة بعام 2020.
وتعتزم الرياض قيادة استثمارات في مصر تبلغ قيمتها 30 مليار دولار؛ تأكيداً على الفرص النوعية التي تزخر بها أرض الكنانة، ودفعاً لعجلة التنمية والتوظيف في البلاد.
دعم سعودي مستمر للنشامى
وفي الأردن، منذ أن وطأت قدم الأمير محمد بن سلمان أرض العاصمة الأردنية عمّان، لخصت اللحظات الأولى للعناق الحار من العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني وولي عهده الأمير الحسين لضيفهما الكبير، معاني العلاقة السعودية الأردنية، قاطعة الطريق على من يحاول التشويش بين البلدين. الحفاوة الكبيرة التي شهدت عليها شوارع العاصمة عمّان قبيل وأثناء تواجد ولي العهد، كانت بمثابة عنوان عريض يرسم تفاصيل الاهتمام الرسمي والشعبي بالزيارة السعودية المهمة للبلد العربي الذي لم تهزه عواصف أزمة داخلية عابرة بين الأسرة الهاشمية. التوافق السعودي الأردني الذي ظهر جلياً في الزيارة من خلال الجلسات الرسمية التي جمعت وفدي البلدين، يعكس اهتمام قيادة البلدين بالعلاقة التي تجمع الرياض وعمّان وبعدها العربي؛ نظراً للدور السعودي المؤثر عالمياً وإسلامياً وعربياً، والدور المهم الذي تلعبه الأردن في محورها الإقليمي ودور الوصاية الهاشمية التاريخية على المقدسات الإسلامية والمسيحية بالقدس في حماية المقدسات والحفاظ على هويتها العربية الإسلامية والمسيحية. ويبرهن الدعم السعودي المستمر للأشقاء في الأردن على حرص الرياض على مؤازرة عمّان في مواجهة جميع التحديات، لاسيما الاقتصادية والمالية، وسبق أن بادرت في 2019 إلى إيداع 334 مليون دولار في البنك المركزي الأردني.
إعادة تفعيل التنسيق السعودي التركي
أما في العاصمة التركية أنقرة، كان الجميع هناك ينتظر زيارة ولي العهد منذ أسابيع، الرئيس التركي رجب أردوغان الذي ألمح في أكثر من مرة لزيارة مرتقبة للأمير محمد بن سلمان منذ مجيئه إلى جدة في أبريل الماضي، رحب بضيفه السعودي في استقبال رسمي بالقصر الرئاسي على نحو يليق بمكانة القائد السعودي. المباحثات الموسعة التي أجراها ولي العهد وأردوغان دلت على إعادة تفعيل حقيقي لأعمال مجلس التنسيق السعودي التركي، ورفع مستوى التعاون والتنسيق حيال المواضيع ذات الاهتمام المشترك، والعمل على تبادل الخبرات بين المختصين في البلدين.
الزيارة تجيء إحياءً لعهود العلاقات التاريخية وتعزيزاً لها على المستويات كافة بين البلدين، بعد زيارة أردوغان للمملكة التي عكست استشعاره للدور القيادي للمملكة في العالم الإسلامي ومكانتها العالمية.
ويعود تاريخ العلاقات الدبلوماسية بين الرياض وأنقرة إلى العام 1929، إثر توقيع اتفاقية الصداقة والتعاون بين البلدين في العام السابق له، وقد توطدت العلاقات الثنائية عبر الزيارات المتبادلة بين قادة البلدين، وكانت أولاها زيارة الملك فيصل -الأمير حينذاك- تركيا في العام 1932 في طريق عودته من رحلة أوروبية، وزيارته الثانية لها بعد أن أصبح ملكاً في العام 1966.
الوفد السعودي.. وزراء التحول وخبراء السياسة
ضم الوفد المصاحب لولي العهد من وزراء ورجال الحكومة قائمة طويلة من المسؤولين الذين عُرفوا بقيادتهم الحذقة لملفات شائكة، وأظهرت القائمة المصاحبة لولي العهد تنوعاً في رجال الحكومة بين الاقتصاد والسياسة والدفاع والاستثمار والشباب. وحضر وزير الطاقة الأمير عبدالعزيز بن سلمان في الرحلة الثلاثية لارتباط حقيبته الوزارية بمشروعات مهمة في مصر والأردن تتمثل في الربط الكهربائي مع الدولتين. وكان حضور الوزراء الشباب الذين يتسنمون حقائب وزارية حساسة لافتاً في الوفد المرافق، إذ تواجد وزير الداخلية الأمير عبدالعزيز بن سعود بن نايف، ووزير الحرس الوطني الأمير عبدالله بن بندر، ووزير الدولة الأمير تركي بن محمد بن فهد، ووزير الرياضة الأمير عبدالعزيز بن تركي الفيصل. ولم يكن ليغيب عن الرحلة وزير الخارجية الأمير فيصل بن فرحان نظراً لأهميتها في مرحلية المنطقة وأولوية الحضور.
وفي جانب اقتصادي لا يقل أهمية عن السياسة، كان حضور وزير التجارة وزير الإعلام المكلف ماجد القصبي، ووزير الاستثمار خالد الفالح حيوياً في كل عاصمة، إذ رافق تواجدهما حراك نوعي لمجالس الأعمال المشتركة واللقاءات الثنائية بين ممثلي القطاع الخاص في كل بلد. وسجل وزير الحج والعمرة توفيق الربيعة حضوره بين الوزراء المرافقين في وقت تستعد فيه المملكة لاستقبال ضيوف الرحمن مجدداً في موسم الحج لهذا العام برقم مليوني غاب عن المشاعر المقدسة في العامين الماضيين.