يجمع البروفيسور عوض الأسمري، بين أصالة اعتداده بأهله وناسه، وجسارة الحديث عن طفولة تجلّلت باليُتم، وحضارية الحديث عن الذات، بكل تواضع غير متكلّف، ما يعزز في ذهن محاوره الشخصية التكاملية التي يخصُّ الله بها من يشاء من عباده، وبين سيرة مكان وزمان يرويها لنا الإنسان وننقلها لكم من مسامرتنا الرمضانية مع ضيفنا:
وُلدت في سبت تنومة
• بداية، متى وأين وُلدت وترعرعت؟
•• والدي تُوفي وأنا في بطن والدتي في الشهر السابع من الحمل، وهذا ما دفع والدتي إلى الذهاب إلى بيت والدها، عوض بن طلّه الشهري، في سبت تنومة، حيث وُلدت هناك في عام 1959، في فصل الصيف، كما ذكرت لي والدتي، يوافق عام ١٣٧٩هـ وبقيت في منزل جدّي قرابة سنة تقريباً، وبعدها تزوجت والدتي من رجل من حوراء، من بني منبح، وهو ليس قريباً من بيت والدي أو جدي (رحمهم الله جميعاً)، حيث إن بيت والدي وجدي كان في قرية خُرص في بلّسمر.
عشت مع والدتي وزوجها، الرجل الطيّب الكريم مسفر بن علي بن غانم الأسمري من حوراء (رحمه الله).
• سيرتك العلمية والمناصب التي تقلدتها؟
•• الابتدائية: في حوراء بلّسمر، والمتوسطة في بلّسمر، والثانوية في ثانوية اليمامة بالرياض، وأكملت الثالث الثانوي في ثانوية أبها، وحصلت على بكالوريوس في الهندسة الكهربائية من جامعة الرياض (حالياً جامعة الملك سعود)، بعد حصولي على البكالوريوس، عُيّنت معيداً في الجامعة نفسها وعملت لمدة سنة، ثم ابتُعثت إلى خارج المملكة للدراسة في جامعة أوهايو ستيت في كولومبوس، وهي جامعة حكومية مرموقة، أكملت درجة الماجستير والدكتوراه في جامعة توليدو في أوهايو، عُدت بعد ذلك إلى المملكة بعد إنهاء الدكتوراه وعُينت أستاذاً مساعداً في الجامعة عام 1412هـ، حصلت على درجة أستاذ مشارك عام 1416هـ، ثم حصلت على درجة أستاذ (بروفيسور) عام 1422هـ تقريباً وعملت مستشاراً لعدة جهات حكومية وخاصة.
وكنت عضواً في مجلس الشورى لمدة أربع سنوات، وقبل انتهاء فترة مجلس الشورى بشهرين تقريباً، تم تعييني رئيساً لجامعة شقراء، حيث أكملت الفترة المقررة.
رمضان صعب في الخارج
• قضيت رمضان في القرية، وفي المدينة، وفي خارج المملكة، ما الفرق بينها؟ وأيها تُفضّل؟
•• الصيام خارج المملكة كان صعباً جداً، خصوصاً مع طول النهار في الصيف، حيث تغرب الشمس الساعة 9 مساء، والإمساك يكون حوالى الساعة 3 فجراً، ما يجعل فترة الليل قصيرة جداً، بالرغم من الصعوبة، كان اجتماع المسلمين في المسجد لصلاة التراويح لحظة مميزة، حيث كانوا يأتون من أماكن متفرقة، ما أضفى على التجربة روحانية خاصة.
أما الصيام في المدينة بالمملكة يشعر الصائم في المملكة بروحانية رمضان الحقيقية، حيث الجميع صائمون، والأجواء العامة تساعد على العبادة منها: أجواء الإفطار، وصلاة التراويح، وتكون مليئة بالروحانية والمشاركة الجماعية، ما يجعل رمضان مختلفاً تماماً عن الصيام في الخارج.
أما الصيام في القرية قديماً: كان الوضع صعباً، حيث كانت الإمكانات محدودة جداً، وكان الإفطار يعتمد غالباً على التمر والفطير المصنوع من البُر، وإذا وُجد السمن كان ذلك أمراً مميزاً، أما حالياً فقد أصبحت القرى متطورة، وأصبحت الحياة فيها أكثر راحة، وأجواؤها أكثر هدوءاً مقارنة بالمدن.
• هل لا تزال لديك علاقة بأصدقاء الطفولة حتى اللحظة؟ ومن تتذكّر منهم؟
•• من زملاء المرحلة الابتدائية في حوراء: الأستاذ عبدالله بن فايز بن عاطف، وناصر بن مداوي الأسمري، وعبيد بن عبدالرحمن المعوك، وعلي بن خزيم بن سرور، وسعيد بن مسفر بن غانم، وعلي بن خلوفة (رحمه الله)، وناصر بن محمد بن عبدالعزيز.
وفي المرحلة المتوسطة: زملائي كانوا من مدرسة عثمان بن عفان المتوسطة، وكان مديرها عبدالله بن عبدالمعين (رحمه الله) الذي كان له دور كبير في دعمي وتشجيعي، وبعض زملائي في المرحلة المتوسطة: سعيد بن ظافر الريدان، وفهران بن القبس (رحمه الله)، والعميد دكتور عبدالعزيز بن عبدالله الخنين، وحسن بن عبدالرحمن آل موسى (أسأل الله له الشفاء العاجل).
دخلت «غرفة الشاي»
• موقف عالق في ذهنك أثّر في حياتك.
•• في السنة الثالثة في كلية الهندسة، لفت تفوقي انتباه أحد الأساتذة في الكلية، وهو البروفيسور محمد علي الشيمي المصري (رحمه الله)، هذا التميز جعل الأستاذ يأخذني بيده إلى غرفة الشاي التي يجتمع فيها أساتذة الكلية. كانت تلك الغرفة مملوءة بقامات الهندسة من مختلف الجنسيات، وكان المكان بالنسبة لي مثل البرج العاجي، حيث كان الأساتذة فيه مثل القادة العسكريين المهابين.
كان من الصعب جداً لأي طالب أن يجرؤ على الذهاب إلى تلك الغرفة، فضلاً عن الدخول إليها والجلوس مع هؤلاء العلماء. ومع ذلك، دخلت المكان الذي كنت أعتبره محظوراً، وكان البروفيسور محمد الشيمي ممسكاً بيدي، وربما لو لم يكن ممسكاً بيدي لوقعت من هيبة المكان وأهله.
عندما دخلنا، قال وهو يشير إليّ بيده الأخرى: «هذا الطالب عوض، طالب نجيب، وسيكون له شأن كبير».
هذه الكلمات أثّرت فيّ بشكل عميق، حيث بَنَت داخلي قصوراً شامخة من الآمال والطموحات العالية، وزادتني ثقة في نفسي وحماساً. كما أنها خففت من الآلام والضغوطات والجروح التي عانيت منها كثيراً في بداية شبابي، والتي كانت تؤلمني طوال فترة دراستي في كلية الهندسة.
أحب المساء كثيراً
• ما برنامجك التلفزيوني المفضّل؟
•• أحب البرامج الثقافية والتاريخية والأدبية، ومن البرنامج التي أتابعها برنامج «الصفر» وبرنامج الليوان، حيث أجد أنها برامج قيمة، فيها مقابلات مميزة، وتعجبني كثيراً، وأتابعها بانتظام وأهتم بها بكل ما تعني الكلمة.
• النوم، الرياضة، القراءة.. أيها له نصيب الأسد من جدولك الرمضاني؟
•• نصيب الأسد للقراءة يأتي بعدها طبعاً النوم ثم بعد ذلك الرياضة لكن ممارسة الرياضة تقريباً أكاد أجزم أنها بإذن الواحد الأحد يومياً عندي برنامج للمشي، كنت مشتركاً في نادٍ لكن ظروفي الخاصة وأعمالي المكتبية وسفراتي أجبرتني فعلا ألتزم برياضة المشي وأحياناً قليلة جداً السباحة.
• هناك من يُكرّس شهر رمضان لقراءة نصوص أساسية في الثقافة الإسلامية، هل من كتب معينة يعيدك إليها رمضان؟
•• أنا في رمضان أحب المساء كثيراً الوقت فيه جيد فأستغل ذلك الوقت في تأليف بعض الكتب العلمية والأدبية والثقافية، قراءتي حقيقة في الغالب أنها معلومات علمية بما يخص علوم المستقبل ولي عدد من المحاضرات وألّفت كتاب في هذا المجال اسمه «علوم المستقبل والتعليم العالي»، وحقيقة رمضان يُعمّق فيك دراسة التاريخ وحُب التاريخ القديم وبما يخص الغزوات والفتوحات الإسلامية، وقرأت بتفصيل شديد ولله الحمد في الدولة السعودية الأولى والثانية والثالثة، وأيضاً عن الملك عبدالعزيز رحمة الله عليه، ولدي كتب كثيرة في مكتبتي وخارج المكتبة بإذن الواحد الأحد سوف تكون من المكتبات التي يُشار لها بالبنان في هذا المجال.
تجربتي في الجامعة و«الشورى»
• طبقك المُفضّل في رمضان على مائدتَي الفطور والسحور؟
•• في الفطور لابُد أن تكون أمامي سمبوسة وشوربة وعصير توت، وفي السحور في الغالب كبسة أو من بقايا الفطور.
• عادة رمضانية تتمنى عودتها؟
•• من العادات التي كنت أحبها كثيراً وهي من العادات القديمة، كان هناك مسجد في القرية وكانت أحوال الناس ليست جيدة، فكان فيه وقف على المسجد وكان فيه عدد من الأشخاص يُحضرون لنا فطور في المسجد صغاراً وكباراً، لأن التمر والفطير الذي يأتي به ذلك الشخص رحمة الله عليه من أجمل وأحسن الأشياء وأنا كنت آنذاك في الرابع الابتدائي، فالحقيقة أتمنى أن تعود تلك الأيام وتلك العادات الجميلة، ويكون فيه فطور جماعي للحي في المسجد وكل يأتي بصحنه.
• قارئ تتأثر اذا استمعت لتلاوته؟
•• الشيخ سعد الغامدي، والشيخ مشاري بن راشد العفاسي، والشيخ عبدالرحمن السديس، والشيخ عبدالباسط عبدالصمد، والشيخ محمد المنشاوي، والشيخ أحمد العجمي.
• بما خرجت من أعمالك في جامعة الملك سعود، «الشورى»، جامعة شقراء؟
•• التجربة في جامعة الملك سعود: تقلّدت فيها عدداً من المناصب أكسبتني خبرة كبيرة في الإدارة، وإدارة الوقت، والتعامل مع فئات متعددة مثل أعضاء هيئة التدريس، والطلاب، والموظفين، والمراجعين.
التجربة في مجلس الشورى: أعتبرها من أجمل مراحل حياتي المهنية، إذ تعاملت مع 150 عضواً، كثير منهم بمثابة جامعات مستقلة في خبراتهم ومعارفهم، أُتيحت لي فرصة دراسة الأنظمة والقوانين، والاطلاع على تقارير الوزارات والمؤسسات المختلفة، رغم أن خلفيتي لم تكن قانونية، فقد كنت جيداً في المجال التقني.
التجربة في جامعة شقراء: عند تسلّمي رئاسة الجامعة، كنت أمتلك خبرات متنوعة (إدارية، أكاديمية، بحثية، وإستراتيجية)، ومن خلالها عملت على وضع وتنفيذ إستراتيجية جامعة شقراء، وتمكنت من تحقيق الأهداف التي وضعتها، والشاهد على هذا الإنجاز أمير منطقة الرياض الأمير فيصل بن بندر، وهذا النجاح لم يكن ممكناً دون العمل المتواصل والدؤوب، إلى درجة أنني في بعض الأيام كنت أنام من 4 إلى 6 ساعات فقط بسبب حجم العمل والمسؤوليات.
• من هو الشخص الذي تتذكره في كل رمضان؟
•• نتذكر الأشخاص الذين كانوا يصومون معنا والآن أصبحوا تحت اللحود رحمة الله عليهم.
• بيت شعر حاضر في ذهنك وتردده دائماً؟
•• هذا البيت يزيدني صبراً ودائماً أتذكره وأردده منذُ أن كنت في الصف الثاني ثانوي:
لا تحسَب المجدَ تمرا أنتَ آكلُه *** لن تبلغَ المجدَ حتى تلعَق الصَّبِرا
طالب أكثر شقاءً.. أكثر تعلماً
• ما رأيكم في جودة التعليم الجامعي اليوم مقارنة بالماضي؟
•• صعب الحكم لأن الوسائل التعليمية الحالية تختلف عن الوسائل التعليمية السابقة، كان التعليم في السابق يعتمد على مراجع محددة فيجعل الطالب أكثر شقاء لكنه أكثر علماً وأكثر تمكُّناً، لأنه يبحث في المكتبات والكتب ويشقى.
أما في الوقت الحالي أصبح الحمد لله مصادر معلومات جيدة مثل ChatGPT أيضاً أي ورقة علمية تراها تستطيع الحصول عليها لكن الفرق بين الماضي والحاضر لابد أنك تعمل بسرعة وإتقان فالماضي تعمل بإتقان والسرعة ليست مهمة لأن نمو العلوم في مجالات معينة بطيء لكن الوقت الحالي الذي كان يأخذ شهراً للبحث يأخذ دقائق الآن، أيضاً يوجد شيء جديد سوف يكون موجوداً في القريب العاجل و«قوقل» مهتمة في هذا الأمر وهو الكمبيوتر الكمي بمعنى الأبحاث التي كانت تأخذ دقائق الآن تأخذ جزءاً من الثانية مع هذا الكمبيوتر العظيم.
• هل لا تزال لكم إسهامات في المجال الأكاديمي أو الاستشاري بعد التقاعد؟
•• نعم، لكن التقاعد ساعدني في لمّ أمور سابقة تأخرت في إنتاجها، كتب علمية وكتب تاريخية وكتب ثقافية، وأيضاً هناك استشارات من جهات علمية تعليمية أكاديمية، وأيضاً استشارات لبعض الجامعات الأهلية، ومشاركات بسيطة في محاضرات وبعض المواد وبحث بسيط أيضاً نشتغل عليه أنا وبعض الزملاء في عدة جامعات.