أجمعت صحيفة «نيويورك تايمز» ومؤسسة «بلومبيرغ» الأمريكيتان (الخميس) على أن الرئيس الأمريكي جو بايدن، الذي يصل إلى جدة (الجمعة)، في نطاق أول جولة يقوم بها في الشرق الأوسط منذ توليه رئاسة الولايات المتحدة، اكتشف أن ولي عهد السعودية الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز شخص لا يمكن تجاوزه. وذكرت «بلومبيرغ» أنه على رغم تعهد بايدن بـ«إعادة توجيه» العلاقات الأمريكية مع السعودية؛ فإن الأمير محمد بن سلمان هو الذي يملك النفوذ لتحديد الوجهة التي ينبغي أن تمضي إعادة التوجية صوبها. وأوضحت «نيويورك تايمز» أن بايدن اكتشف، مع سيل المشكلات التي وجد نفسه غارقاً فيها، جرّاء الغزو الروسي لأوكرانيا، وتبعاته على أسعار النفط، والاعتقاد بأن إيران ماضية في توسيع نطاق قدراتها النووية، أن عليه أن يواجه الحقيقة المتمثلة في أن السبيل الأوحد لذلك لا بد أن يمرّ عبر الأمير محمد بن سلمان. ورأت الصحيفة أن الصور التي ستلتقط للرئيس بايدن وهو يحل ضيفاً على السعودية ستكون تأكيداً لمكانة الأمير محمد بن سلمان، في قيادة أهم بلد في الشرق الأوسط. كما أنها ستمثل تعزيزاً لرؤية ولي العهد السعودي لبلاده ومكانها المهم في العالم. ونوّهت «نيويورك تايمز» بالإجراءات الإصلاحية الكبيرة التي نجح الأمير محمد بن سلمان في تحقيقها، خصوصاً في ما يتعلق بتحسين وضع المرأة السعودية، وإصلاح هياكل منظومة الإدارة الحكومية السعودية، والانفتاح الكبير على صعيد صناعة الترفيه، والسياحة، والرياضة.
وأضافت أن الأمير محمد بن سلمان يواجه مهمات شاقة لتحقيق التنويع الذي ينشده في الاقتصاد السعودي، بمبعدة عن الاعتماد على النفط وحده؛ لكن ارتفاع أسعار النفط الذي نجم عن الحرب في أوكرانيا أتاح للمملكة فوائض مالية ضخمة، جعلت صندوق الثروة السيادية السعودي قادراً على التوسّع في استثماراته الخارجية. وأشارت إلى أن السعوديين كانت لهم تظلماتهم من السياسات الأمريكية في المنطقة، خصوصاً قيام واشنطن بالتفاوض مع إيران، وهي تدرك أن إيران هي التي توفّر التمويل والتسليح لمليشيا الحوثي في اليمن، التي تستخدم الصواريخ والمسيّرات الإيرانية المفخخة في شن هجمات على مدن السعودية ومنشآتها النفطية. كما أن واشنطن لم تعرب عن تقديرها للجهود الكبيرة التي بذلها ولي العهد السعودي لتفادي نزاع إقليمي بين إيران والسعودية، من خلال موافقته على الدخول في حوار مع إيران من خلال وساطة عراقية في بغداد. وأشارت صحيفة «نيويورك تايمز» إلى أن الأمير محمد بن سلمان سُئل، في مقابلة أجرتها معه مجلة «ذا أتلانتك» في أبريل الماضي، عما إذا كان بايدن قد أساء فهمه؛ فردّ ولي العهد بالقول: ببساطة لا يهمني الأمر. واعتبرت أن إعلان السعودية أن الرئيس بايدن وولي العهد السعودي سيجريان «محادثات رسمية»، خلال لقائهما في جدة، يعني ببساطة أن بايدن سيجد زعيماً سعودياً يعرف جيداً أن لديه شيئاً تحتاج إليه الولايات المتحدة، وهو يريد شيئاً في المقابل. ورجّحت الباحثة في مؤسسة كارنجي للسلام الدولي ياسمين فاروق أن ذلك قد يشمل ضمانات أمنية رسمية، أو تعاوناً في مجالات غير النفط. وأضافت: السعوديون يريدون أن يُعامَلوا باعتبارهم شريكاً للولايات المتحدة. وشركاء الولايات المتحدة يتحدثون اليوم إلى الولايات المتحدة ليس بشأن الأمن والنفط وحدهما، بل بشأن التكنولوجيا، والمناخ، والطاقة. وزادت أنه على رغم أن تحقق تعاون من ذلك القبيل قد يستغرق وقتاً، إلا أن زيارة بايدن للسعودية تمثل انتصاراً يرقى إلى اعتباره «ظَفَرَاً» للأمير محمد بن سلمان.
ومن جانبها؛ رأت «بلومبيرغ» أنه بعد ما أحدثه الغزو الروسي لأوكرانيا من تغيّرات في أسواق الطاقة العالمية، بدا واضحاً منذ أشهر عدة أن ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان ليس شخصاً يمكن لرئيس الولايات المتحدة أن يتفاداه، في سياق مسعاه الهادف لمكافحة ارتفاع أسعار النفط، وعزل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. وأشارت إلى أن زيارة بايدن للسعودية سبقتها جهود دبلوماسية مكوكية، هدفت لرأب ما شاب التحالف بين الرياض وواشنطن منذ تنصيب بايدن رئيساً. وأضافت «بلومبيرغ» أنه بدلاً من أن تكون زيارة بايدن عرضاً للنفوذ الأمريكي، فهي ستعكس التحولات في دينامية الوضع؛ إذ بينما يكتوي اقتصاد الولايات المتحدة بارتفاع أسعار الطاقة، تحقق المملكة العربية السعودية مليار دولار يومياً من مبيعات نفطها الخام.
وأوضحت «بلومبيرغ» أن المسؤولين السعوديين يقولون إن الجانب الأكثر أهمية في زيارة بايدن للمملكة هو رمزيتها، أي أنها ستضع حداً فاصلاً بين الماضي وضرورة المضي قدماً لتجاوزه. ونسبت إلى مسؤول حكومي سعودي قوله إن خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز وولي عهده الأمير محمد بن سلمان يريدان ببساطة أن تعيد الولايات المتحدة تأكيد التزامها الأمني تجاه المنطقة. ونقلت «بلومبيرغ» عن الباحثة بمؤسسة كارنجي للسلام الدولي ياسمين فاروق قولها إن الإدارات الأمريكية السابقة أخفقت في ملاحظة أن الحسابات السياسية السعودية تغيرت؛ «إنها تعتقد أنها يمكن أن تتعامل مع المملكة العربية السعودية اليوم كما كانت تتعامل مع الإدارات السعودية السابقة، وتحصل على ما تريد. إنك تتعامل اليوم مع بلد لا يشعر بأنه مَدينٌ لك بأي شيء».