حدد خبراء إستراتيجيون ومختصون في الشأن الروسي، سيناريوهات رد موسكو المنتظر على العملية العسكرية التي قامت بها أوكرانيا في عملية «شبكة العنكبوت».
وأوضح الخبراء أن الرد الروسي سيحمل عدة خطوات وتوقيتات، منها ما هو حالي، ومنها ما سيتحدد حسب التحقيقات الهادفة للتأكد من ماهية أجهزة الاستخبارات الواقفة وراء هذا الهجوم، سواء كانت بريطانية أو أوروبية أو أمريكية، ليتم تفعيل «العقيدة النووية الروسية» بضرب الدول المتورطة في عمقها.
وكان الأول من يونيو قد شهد استهداف قواعد جوية في عمق روسيا، إذ ضربت أكثر من 100 طائرة مسيّرة أوكرانية قواعد جوية في عمق روسيا، مستهدفةً قاذفات بعيدة المدى قادرة على حمل رؤوس نووية، ووصفت أوكرانيا الهجوم بأنه أحد أكثر العمليات تعقيداً وجرأة منذ بدء الحرب، خصوصاً أنه نُفذ على بعد آلاف الكيلومترات من جبهات القتال.
ومثّل الهجوم تحولاً في قدرات كييف الهجومية، إذ زعمت أنها استهدفت أكثر من 40 قاذفة، أي حوالى ثلث أسطول القاذفات الإستراتيجية الروسية، التي «تضررت أو دُمرت» في هجوم الأحد، ومن بينها قاذفات إستراتيجية قادرة على حمل صواريخ نووية.
فيما تقول موسكو إن الهجوم تسبّب في اشتعال نيران في عدد من الطائرات في قاعدتين بإقليم إيركوتسك في سيبيريا ومقاطعة مورمانسك في الشمال، وأكّدت أن الحرائق أُخمدت.
وأكدت وزارة الدفاع الروسية وقوع الهجمات في خمس مناطق روسية؛ مورمانسك، وإيركوتسك، وإيفانوفو، وريازان، وأمور، لكنها ذكرت أن الطائرات تضررت فقط في مورمانسك وإيركوتسك، بينما تم صد الهجمات في مواقع أخرى.
وفي صور نُشرت بعد الهجوم بوقت قصير، يُمكن رؤية رئيس جهاز الأمن الأوكراني (SBU) فاسيل ماليوك، وهو ينظر إلى خريطة أقمار صناعية للمطارات، حيث يُمكن تحديد القواعد في المواقع التي حددتها روسيا بوضوح.
بداية التخطيط للعملية
قال ماليوك إن الطائرات المسيّرة هُرّبت إلى روسيا داخل كبائن خشبية مُركّبة على ظهور شاحنات، ومُخبأة أسفل أسقف قابلة للفصل يُتحكّم بها عن بُعد.
ثمّ، على ما يبدو، تمّ نقل الشاحنات إلى مواقع قريبة من القواعد الجوية بواسطة سائقين لم يكونوا على دراية بحمولتها، ثمّ أُطلقت الطائرات المسيّرة ووُجّهت نحو أهدافها.
تُظهر مقاطع فيديو مُتداولة على الإنترنت طائرات مسيّرة تخرج من سقف إحدى المركبات المُشاركة. وقال أحد سائقي الشاحنات، في مقابلة مع وكالة الأنباء الروسية الرسمية «ريا نوفوستي»، إنه وسائقين آخرين حاولوا إسقاط طائرات مسيّرة تنطلق من شاحنة بالحجارة.
وقال: «كانت في مؤخرة الشاحنة، وقمنا بإلقاء الحجارة لمنعها من الطيران، ولإبقائها مُثبّتة في مكانها». ووفقاً لتقارير غير مؤكدة نشرتها قناة «بازا» الروسية -المعروفة بصلاتها بالأجهزة الأمنية- على «تيليغرام» فقد روى سائقو الشاحنات التي انطلقت منها الطائرات المسيّرة قصصاً متشابهة عن حجز رجال أعمال لهم لتوصيل كبائن خشبية في مواقع مختلفة في أنحاء روسيا.
وقال بعضهم إنهم تلقوا تعليمات إضافية عبر الهاتف حول أماكن توقيف الشاحنات، وعندما فعلوا ذلك، صُدموا لرؤية الطائرات المسيّرة تنطلق منها.
وفي منشورٍ على مواقع التواصل الاجتماعي مساء الأحد، قال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، الذي أشرف مباشرةً على العملية، إن 117 طائرة مسيّرة استُخدمت في الهجوم الجريء الذي استغرق التحضير له «عاماً وستة أشهر وتسعة أيام».
وأضاف أن أحد المواقع المستهدفة كان بجوار أحد مكاتب جهاز الأمن الفيدرالي الروسي (FSB).
وأعلنت روسيا أنها اعتقلت أشخاصاً على صلة بالهجوم، على الرغم من أن زيلينسكي صرّح بأن الأشخاص الذين ساعدوا في تسهيل العملية «تم سحبهم من الأراضي الروسية.. وهم الآن بأمان».
وفي منشور على «تيليغرام» تم حذفه الآن، قالت السلطات المحلية من مدينة أوست كوت في منطقة إيركوتسك إنها تبحث عن رجل من مواليد أوكرانيا يبلغ من العمر 37 عاماً في ما يتعلق بالهجوم بطائرة دون طيار على مطار بيلايا العسكري.
طائرات الدرونز
تُظهر الصور التي نشرها جهاز الأمن الأوكراني عشرات الطائرات المسيّرة السوداء الصغيرة مُخبأة بعناية في كبائن خشبية داخل مستودع، وقد حددها مدونون عسكريون روس في تشيليابينسك.
وقال خبير الطائرات المسيّرة المقيم في المملكة المتحدة الدكتور ستيف رايت، لـ«بي بي سي» إن الطائرات المسيّرة المستخدمة لضرب الطائرات الروسية كانت طائرات رباعية المراوح بسيطة تحمل حمولات ثقيلة نسبياً.
وأضاف أن ما جعل هذا الهجوم «استثنائياً للغاية» هو القدرة على تهريبها إلى روسيا ثم إطلاقها والتحكم بها عن بُعد، وهو ما خلص إلى أنه تم تحقيقه من خلال رابط مُرسل عبر قمر صناعي أو الإنترنت. وقال زيلينسكي إن كل طائرة من الطائرات المسيّرة الـ117 التي تم إطلاقها كان لها طيارها الخاص.
وأشار الدكتور رايت أيضاً إلى أن من المرجح أن الطائرات المسيّرة كانت قادرة على التحليق باستخدام نظام تحديد المواقع العالمي (GPS)، ولكنها ربما تكون قد تغلبت أيضاً على إجراءات التشويش الروسية المحلية من خلال توجيهها يدوياً عن بُعد.
ولم تُفصح كييف عن تفاصيل حول منشأ الطائرات المسيّرة، ولكن منذ بداية الحرب، أصبحت أوكرانيا بارعة للغاية في تصنيعها، ومن المحتمل أن تكون تلك المستخدمة في هذه العملية قد صُنعت محلياً.
وصرح زيلينسكي في خطابه المسائي المصور: «لقد تكبدت روسيا خسائر ملموسة للغاية، وهذا مُبرر».
الأهداف
وفقاً لأوكرانيا، فقد أُصيبت 41 قاذفة إستراتيجية، دُمرت 13 منها على الأقل. ولم تؤكد موسكو أي خسائر في الطائرات، باستثناء قولها إن بعض الطائرات تضررت.
وتُظهر مقاطع فيديو طائرات متضررة في قاعدة أولينيغورسك الجوية في مورمانسك وقاعدة بيلايا الجوية في إيركوتسك.
ويُعتقد أن القاذفات الإستراتيجية الحاملة للصواريخ التي استُهدفت في الهجوم هي – من بين طائرات أخرى – من طراز تو-95، وتو-22، وتو-160، سيكون إصلاحها صعباً، ولأن أياً منها لا يزال قيد الإنتاج، فإن استبدالها مستحيل.
وكشفت صور أقمار صناعية رادارية نشرتها شركة كابيلا سبيس عن أربع قاذفات روسية بعيدة المدى على الأقل متضررة أو مدمرة بشدة في قاعدة بيلايا الجوية. ويتطابق هذا مع لقطات طائرة أوكرانية دون طيار تُظهر أيضاً هجوماً على قاذفة من طراز تو-95.
وقال رئيس جهاز الأمن الأوكراني فاسيل ماليوك: «وفقاً لقوانين وأعراف الحرب، حددنا أهدافاً مشروعة تماماً؛ مطارات عسكرية وطائرات تقصف مدننا المسالمة».