فريضة الحج يؤديها المسلم مرة واحدة في العمر إن استطاع إليه سبيلاً، وأنفقت المملكة المليارات لتهيئة المشاعر المقدسة ليؤدي المسلمون الشعيرة بيسر، كما سخرت كل إمكاناتها لتحقيق هذا الهدف، ووضعت التنظيمات لإنجاح الموسم و راعت الأعداد الهائلة التي تتوافد إلى المشاعر المقدسة من شتى بقاع الأرض لأداء الفريضة في مساحات محددة، ما استلزم سن التنظيمات و القوانين بما يضمن سلامة وأمن الحجاج، ومن أهم الضوابط، نظام تصاريح الحج، الذي وضع لضمان حج مثالي، و الالتزام بالإرشادات والتعليمات التي تضمن أداءً صحيحاً وسلساً وآمناً.
ولم يكن شعار «لا حج بلا تصريح» مجرد شعار يطلق أو عبارات تردد، فكان له الأثر الكبير في إنجاح الحج، كما قضى على كثير من التصرفات و التحايل الذي يعمد إليه البعض في محاولة للالتفاف على الأنظمة، مخالفاً الأوامر والتنظيمات، فيجتهد في محاولة الدخول للمشاعر برغم التأكيدات على أن «الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج».
ومن شروط الحج «الاستطاعة» التي تشمل مفهوم الرحلة والغذاء لتصل إلى المساحة الجغرافية للمشاعر، فضيق جغرافية المكان رغم الجهود المبذولة للتوسعة، تستلزم التنظيمات، فأعداد المسلمين المليارية تستدعي التشدد في تطبيق التعليمات، فلا حج بلا تصريح، ومن يخالف ذلك بحثاً عن مصلحة ذاتية يُزجر ويُمنع ويُعاقب نظامياً.
إن شعار «لا حج بلا تصريح» الذي أطلقته وزارة الداخلية لم يأتِ من فراغ، بل هو نابع من حاجة ملحة لتنظيم حركة الحجاج، وتفادي الزحام الذي قد يؤدي إلى حوادث، أو اختناقات بشرية، فالتصريح لا يُعد مجرد ورقة رسمية، بل وسيلة لضمان أن كل حاج لديه سكن، وخدمة صحية، وإعاشة، ومتابعة أمنية تضمن له أداء مناسكه بأمان وسكينة.
مخالفة شرط التصريح إخلال بالمقاصد الشرعية
طوال الحقب الماضية، ظلت ظاهرة الحج غير النظامي وما تخلفه من افتراش و ظواهر سلبية تشكل هاجساً كبيراً لدى الجهات المختصة، التي عملت على تطويقها، ومعاقبة المتورطين فيها، و أثمرت الجهود عن محاصرة ظاهرة غير النظاميين والافتراش، التي انتهت تماماً وذهبت إلى غير رجعة بفضل الآليات الحاسمة التي وضعتها الجهات المختصة.
وظل المخالفون -طوال الحقب السابقة- يتفننون في ابتداع الطرق والأساليب التي توصلهم إلى مكة والمشاعر المقدسة، وعلى ذات المستوى طورت الأجهزة أساليب عملها في الضبط والملاحقة والحصار ولم يعد بمقدور المخالفين التسلل والعبور، إذ تتصدى لهم القوات الأمنية في كل مكان في الدروب الوعرة، وسفوح الجبال، والطرق غير المطروقة، والبراري، والصحارى.
وشدد مفتي عام المملكة رئيس هيئة كبار العلماء والرئيس العام للبحوث العلمية والإفتاء، الشيخ عبدالعزيز آل الشيخ، على ضرورة الالتزام التام بالتعليمات الصادرة من الجهات المختصة، وفي مقدمتها الحصول على التصريح الرسمي.
وأكّد أن أداء الحج دون تصريح يُعدّ مخالفة شرعية جسيمة، لما فيه من تجاوز للنظام وتعدٍّ على المصلحة العامة، محذراً من أن «مخالفة التعليمات الصادرة من الجهات المعنية للحج تُعدّ مخالفة صريحة لأوامر ولي الأمر ومنافية للشرع المطهر».
وأضاف: «من يُقدم على أداء الحج دون تصريح فإنه يتحمل إثماً شرعياً، لما في ذلك من إضرار بالنظام العام وإخلال بالمقاصد الشرعية التي تحرص على حفظ النظام ومنع الفوضى، وتحقيق مصالح العباد».
التصريح يقلل مخاطر الازدحام والتدافع أكدت هيئة كبار العلماء أن الالتزام باستخراج تصريح الحج والتزام قاصدي المشاعر المقدسة يتفق والمصلحة المطلوبة شرعاً، حيث جاءت الشريعة بتحسين المصالح وتكثيرها ودرء المفاسد وتقليلها، وأوضحت أنه لا يجوز الذهاب إلى الحج دون أخذ تصريح، ويأثم فاعله، ومن لم يتمكن من استخراج التصريح فإنه في حكم عدم المستطيع.
و بينت إن الالتزام باستخراج تصريح الحج مستند إلى ما تقرره الشريعة الإسلامية من التيسير على العباد، في القيام بعبادتهم وشعائرهم ورفع الحرج عنهم، والإلزام باستخراج تصريح الحج إنما جاء بقصد تنظيم عدد الحجاج بما يمكِّن هذه الجموع الكبيرة من أداء هذه الشعيرة بسكينة وسلامة، وهذا مقصد شرعي صحيح تقرره أدلة الشريعة وقواعدها.
وأضافت أن الالتزام باستخراج تصريح الحج والتزام قاصدي المشاعر المقدسة بذلك يتفق والمصلحة المطلوبة شرعاً، ذلك أن الجهات الحكومية المعنية بتنظيم الحج ترسم خطة موسم الحج بجوانبها المتعددة، الأمنية، والصحية، والإيواء والإعاشة، والخدمات الأخرى، وفق الأعداد المصرح لها، وكلما كان عدد الحجاج متوافقا مع المصرح لهم كان ذلك محققاً لجودة الخدمات التي تقدم للحجاج، ويدفع مفاسد عظيمة من الافتراش في الطرقات الذي يعيق تنقلاتهم وتفويجهم وتقليل مخاطر الازدحام والتدافع المؤدية إلى التهلكة.
أبلغوا عنهم
دعت وزارة الداخلية للإبلاغ عن كل من يقوم أو يحاول القيام بنقل مخالفي أنظمة وتعليمات الحج بالاتصال بالرقم 911 في مناطق مكة المكرمة، والمدينة المنورة، والرياض، والشرقية، والرقم 999 في بقية مناطق المملكة.
وشددت على تطبيق غرامة مالية تصل إلى 100 ألف ريالٍ بحق كل من يقوم بنقل حاملي تأشيرات الزيارة، أو يحاول نقلهم؛ بهدف إيصالهم إلى مدينة مكة المكرمة، والمشاعر المقدسة بداية من الأول من شهر ذي القعدة حتى نهاية اليوم الـ 14 من شهر ذي الحجة، ومصادرة وسيلة النقل البري التي يثبت استخدامها في نقل حاملي تأشيرة الزيارة بأنواعها كافة.
وأهابت الوزارة بالجميع الالتزام بأنظمة وتعليمات الحج، التي تهدف إلى المحافظة على أمن وسلامة الحجاج؛ لأداء مناسكهم بيسر وطمأنينة.
لا تعيقوا حركة الطائفين
شدّدت وزارة الحج والعمرة على ضرورة التزام ضيوف الرحمن بالنظام وعدم الافتراش في الممرات والساحات، وذلك حرصاً على سلامتهم وسلامة الآخرين خلال أداء مناسك الحج.
وأكّدت الوزارة أن ظاهرة الافتراش تؤدي إلى صعوبة حركة الطائفين والمصلين، وتأخير وصول الفرق الإسعافية عند الحاجة، وتفاقم حالات التزاحم التي تهدد السلامة العامة.
ودعت الوزارة، الحجاج، إلى التوجّه إلى الفندق أو المخيم عند الحاجة إلى الراحة، مشيرة إلى أن الالتزام بالمكان المخصّص يضمن حجاً أكثر راحة وأماناً.
وأكد أمنيون ومختصون أن العقوبات التي أُعلنت ضد مخالفي أنظمة الحج ساهمت في ترجمة مفهوم صناعة الحج الحقيقي من خلال الحد من الظواهر السلبية والسلوكيات التي تؤثر على قدسية المشاعر، ولا تتوافق مع شعيرة الحج ومن أبرزها الافتراش.
وبين الخبير الأمني اللواء متقاعد سالم المطرفي أن ارتفاع الوتيرة الأمنية والجهود المبذولة ساهم في منع الافتراش عبر منع دخول غير المصرح لهم بالدخول للمشاعر المقدسة، وأسهمت العقوبات في ردع من يعتزم مخالفة أنظمة الحج.
وبين اللواء متقاعد محمد الغامدي أن الحملة التوعوية التي نفذتها وزارة الداخلية أسهمت في ما نشاهده من حج تميز بكل أركانه، فخلت المشاعر من الافتراش وتكاملت الخدمات.