يبذل مصرف سورية المركزي جهوداً مكثفة لتتبع وحصر الأموال السورية المجمدة في الخارج، مع إعطاء الأولوية لإصلاح النظام المصرفي ليتماشى مع المعايير الدولية، بهدف تمكين البنوك المحلية من لعب دور فعال في إعادة إعمار البلاد.
جاء ذلك على لسان حاكم المصرف، عبد القادر الحصرية، في تصريحات أدلى بها لـ«الشرق بلومبيرغ» على هامش اجتماعات مجموعة البنك الإسلامي للتنمية في الجزائر.
ويعاني الاقتصاد السوري منذ عقود من تبعات العقوبات الاقتصادية والسياسية التي بدأت في 1979، وفرضت قيوداً شديدة على القطاعات الاقتصادية، ومنعت الوصول إلى التكنولوجيا الحديثة والمعدات اللازمة لتطوير البنية التحتية.
هذه العقوبات، التي شملت تجميد أصول مالية وتشديد القيود التجارية، أدت إلى تدهور القطاعات الصناعية والزراعية والمالية، ما أعاق التنمية وأثقل كاهل المواطنين.
وفي منتصف مايو الجاري 2025، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترمب، خلال زيارته للرياض، رفع العقوبات عن سورية، مشيراً إلى أن القرار جاء استجابة لطلب ولي العهد الأمير محمد بن سلمان.
وبعد أيام، تبعه الاتحاد الأوروبي بقرار مماثل، مع تعهد بدعم جهود إعادة الإعمار.
وأوضح الحصرية أن رفع العقوبات الأمريكية يتطلب إجراءات تنفيذية من الرئيس ترمب، يمكن إتمامها خلال أسابيع، إلى جانب موافقة تشريعية من الكونغرس ومجلس الشيوخ قد تستغرق وقتاً أطول.
أما بالنسبة للاتحاد الأوروبي، فإن رفع العقوبات يتطلب توافق الدول الأعضاء الـ27، مع خطوات مماثلة من بريطانيا وكندا.
ويسعى المصرف المركزي إلى ضمان توافق البنوك السورية، التي تضم 6 بنوك حكومية و15 بنكاً خاصاً، مع المعايير الدولية وقوانين الحوكمة.
وأكد حاكم المصرف السوري أن هذه الإصلاحات تهدف إلى تعزيز قدرة البنوك على دعم مشاريع إعادة الإعمار، من خلال تحسين الشفافية وكفاءة العمليات المصرفية.
كما تعهد المصرف بدعم الشركاء الإستراتيجيين لاستئناف عملياتهم المصرفية في سورية، مشيراً إلى مفاوضات جارية مع بنوك عربية وأجنبية أبدت اهتماماً بالدخول إلى السوق السورية.
ومن المتوقع أن يعزز دخول هذه البنوك المنافسة ويحسن بيئة الأعمال.
وأشار الحصرية إلى أن جهود حصر الأموال المجمدة في الخارج تهدف إلى استعادة الأصول المالية التي ستساهم في تمويل مشاريع التنمية.
وأكد حاكم مصرف سورية أن استعادة عضوية بلاده في مجموعة البنك الإسلامي للتنمية ستتيح استئناف مشاريع متوقفة منذ سحب العضوية خلال النظام السابق.
وتشمل هذه المشاريع قطاعات حيوية مثل التعليم، والأمن الغذائي، والطاقة، مع مناقشات جارية لجدولة الديون المستحقة للبنك.
ويمثل رفع العقوبات انفراجة كبيرة للاقتصاد السوري، إذ سيفتح المجال أمام تدفق الاستثمارات الأجنبية وإعادة ربط سورية بالنظام المالي العالمي.
ومع ذلك، يواجه المصرف المركزي تحديات مثل نقص البيانات الاقتصادية الموثوقة وضعف الثقة في النظام المصرفي.
ويؤكد خبراء اقتصاديون أن نجاح هذه الجهود يتطلب إصلاحات هيكلية شاملة، بما في ذلك تحديث البنية التحتية المصرفية وتعزيز الشفافية.
وتشير التوقعات إلى أن هذه الخطوات قد تمهد الطريق لانتعاش اقتصادي تدريجي، مع تركيز على إعادة بناء البنية التحتية وتحسين مستوى معيشة المواطنين.
ومع دخول بنوك جديدة واستئناف التعاون مع مؤسسات دولية مثل البنك الإسلامي للتنمية، تتزايد الآمال في استعادة الاستقرار الاقتصادي في سورية.