أطبقت بعض المفاهيم والمصطلحات على إنسانية المجتمعات، وأحكمت قبضتها على الوعي لتؤجج عاطفة جياشة؛ لتجنح نحو الصراع مع المختلف والمخالف، عملاً بظاهر الأدلّة من النصوص المُقدّسة المُنزلة من إله رحيم.
ولا يدرك البعض أن العودة للأصول مطلب، لا لتعزيز الأصولية، وتوظيف دلالاتها في التكفير والتفجير والإبادة الجسدية اعتماداً على نص له تاريخانية من (أسباب نزول وظروف اقتصادية واجتماعية وحالات بشرية خاصة)، دون مراعاة للتغيرات، والتحولات، وتعاقب القُوى، ولا اعتبارات لطموحات العالم للسلام والسعي الحثيث للتعارف والتعاون والتكامل.
ولعلّ الأصولية ليست إشكالية بذاتها، وإنما الإشكال في الاعتداد بها مرجعيةً للعداء، ومنطلقاً للتجاوز والفجور في الخصومة، وافتعال أسباب الكراهية استناداً لأدلة مقدّسة في الذهن الأصولي المستدل بها، علماً بأنها تحتاج إلى فلترة وفحص لتمييز قطعيها من ظنيّها، وأصيلها من دخيلها، وصحيحها من مكذوبها.
وفي ظل المواقف الأصولية الجامدة، المتهالكة في سبيل فرض إرادتها، وتعميم قراءتها الخاصة على الراهن دون إدراك موضوعي لواقع الحال يحضر الموقف الأخلاقي من النص، في ظل قيام الدول، وترسيم الحدود، وإقامة العلاقات الدبلوماسية، ما يوجب إعادة النظر في تسليمنا المطلق بالتراث، ومحاولة استجلاء وفهم وتفهّم منطلقاته ودوافعه التأسيسية وسياقاته، وتفادي توريطاته في ظل معطيات ظواهر الحياة المعاصرة.
وأرجع المفكر العربي محمود أمين العالِم نجاح حركات الإسلام السياسي الأصولي في نشر دعوتهم والتعبئة في أوساط الشباب وبين الفئات المهنية إلى الأوضاع المترديّة في عالمنا، واستشراء التخلف الاجتماعي، والتباين الاقتصادي، والتمايز الطبقي، والتبعية للرأسمالية، وتفاقم الفساد، والمحسوبية، وفشل المشروع القومي، ورفع الشعار المُجرّد (الإسلام هو الحل) دون تقديم رؤية تنموية شاملة، لافتاً إلى إمكانية استئصال جذور الداء بالمعالجات في إطار مشروع وطني واستراتيجية تجديدية، ووفق قراءة تاريخانية تتلاءم مع مستجدات الحياة ولغة العصر.