أرشد السُّبل، وأوضح المسالك، لإقناع البشرية، بتنظيم علاقتهم بخالقهم، تتمثل في اصطفاء الله رسلاً، يتلقون الدِّين من معينه الصافي، ومنبعه العذب، وإيصاله إلى الخلق، ومن يقرأ أخلاق الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، سيعلم علم اليقين أنهم دعاة سلام، متفرعون من أسرة وسلالة واحدة، حملوا للإنسانية حباً لا متسع معه للكراهية، وسلاماً نفسياً واجتماعياً لا يدع مجالاً للقلق، وعدلاً لا يقبل الجور والبغي والظلم، ونجاةً من كل مظان التهلكة، ولو اجتمعت الأمم اليوم على أخلاق الأنبياء، وأجمعت على الاقتداء بهم في تعاملهم لتغيّرت الأفكار والإدارة، والسلوك، فما يجمع هو الأصل النقي، وما يفرّق هو الإضافات المشوشة والمبلبلة للنظر والتوجه. يقرر الأصوليون في قواعدهم (شرع مَنْ قبلنا شرع لنا ما لم يُنسخ) وفي سياق الحديث عن الشهر الكريم (كُتب عليكم الصيامُ كما كُتب على الذين من قبلكم)، فالاتفاق بين الشرائع معقول، كون مصدرها الخالق (شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّىٰ بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَىٰ أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ) وإن جعل لكل أمة شرعةً ومنهاجاً.
ولم يغيّب القرآن الكريم التوراة والإنجيل، باعتبارها كتب النصارى واليهود (ذلك مثلهم في التوراة، ومثلهم في الإنجيل كزرع أخرج شطأه)، كما لم يُغفل صحف إبراهيم وزبور داوود، وقصّ الله على نبينا عليه السلام قصص أجيال من الأنبياء والمرسلين، ما يوحي بهذه اللُحمة والحميمية الأصلية الموجبة للتعاون في ظل المشتركات الإنسانية المسنودة بسير الأنبياء وأخلاقهم.
ويقوم القاسم المشترك بين أتباع الأديان على ما حفظته الكتب المقدسة من التعامل الإنساني للأنبياء، فإذا كان موسى سقى لراعيات الغنم بكل تواضع الكبار، وعيسى قال (ما لا تحب أن يفعل بك فلا تفعله بأحد، وإن لطم أحد خدك الأيمن فأعط الأيسر) وعندما وقف النبي صلى الله عليه وسلم لجنازة، قال الصحابة؛ جنازة يهودي، فردّ مستنكراً؛ أليست نفساً.