أكثر من أربعة عقود، مضت على طرح أول مبادرة سلام بين العرب وإسرائيل، وبقدر ما كانت معاهدة كامب ديفيد بين القاهرة وتل أبيب، 1979، منطلقاً لمصالحة كبرى، تحقق الأمن والتعايش، وكانت محاولة جادة لإنهاء النزاع وحل الصراع العربي الإسرائيلي وتحقيق السلام الدائم في المنطقة؛ لم تنح إسرائيل منحىً إيجابياً يدعو إلى التفاؤل، ولم تبادر بما يثبت حسن نواياها، بل عكّرت منبع ما كان يراه العرب صفو وداد مع «أم الدنيا»، وكانت كلما خطى جيرانها نحوها متراً بمشروع سلام تتراجع للوراء لأمتار عدة.
وبرغم ما أقرته قمة فاس، عام 1981، من شبه إجماع على مقترح فتح قنوات اتصال وتواصل مع تل أبيب؛ إلا أن حكومة إسرائيل، بقيادة مناحيم بيجين، رفضت الخطة ولم تعرها اهتماماً يشير إلى صدق النوايا والتوجهات.
وكانت قمة بيروت العربية عام 2002 أكثر جديّة وصدقيّة في تقديمها مبادرة سلام عربيّة شاملة، وانطلاقاً من اقتناع الدول العربية بأن الحل العسكري للنزاع لم يحقق السلام أو الأمن لأي من الأطراف، طالب مجلس الجامعة إسرائيل بإعادة النظر في سياساتها، وأن تجنح للسلم معلنة أن السلام العادل هو خيارها الإستراتيجي.
وربما لم تشعر إسرائيل ولا الرعاة الأمميون، إلى اليوم، بخطورة تفويت فرص السلام، نظراً لما يترتب عليها من تغذية الوجدان بالعُنف المُتبادل، وتأجيج بؤر الصراع، وترسيخ مشاعر الكراهية، وفقدان الثقة، ما يوجب إعادة النظر في كل المبادرات، وإحياء ما يمكن إحياؤه، وإلا ستشهد المنطقة مزيداً من الصراعات وعدم الاستقرار، ولن يجهض السلام إلا الذين يجنون الثمار من الحروب.