بين الأزقة الضيقة المتبقية في حي النكاسة.. ثمة حكايات كثيرة لواحد من أكبر وأقدم المناطق العشوائية بمكة المكرمة. في هذا المكان من الأرض تضيق الممرات وتتعرج كأنها توحي بأن المنطقة لن تقودك إلى الأفضل بل إن مصيرك سيكون في «برحة» مليئة بالنفايات أو في «زقاق» مغلق لا ينفذ.
في «النكاسة» تحيط بك المباني التي قامت دون تصريح ولا رخصة بناء، واحتضنت بين جدرانها العديد من مخالفي نظام الإقامة والعمل بل ومرتكبي الجرائم وأرباب السوابق والهاربين من العدالة، ناهيك عن الخطر الذي يتربص بالسكان حال حدوث حرائق محتملة في أسطح المنازل التي تحولت إلى مستودعات لتخزين الأثاث والكراتين والمفروشات فأصبحت الأسطح مصدر خطر في كل وقت. «عكاظ» جالت هناك ورصدت اللحظات الأخيرة لأيقونة العشوائيات في مكة المكرمة (حي النكاسة).
منذ أن أعلنت الهيئة الملكية لمكة المكرمة والمشاعر المقدسة بالتعاون مع عدد من الجهات المعنية، انطلاق أعمال الإزالة في حي النكاسة والوضع يختلف عما كان قبله، وكانت البداية عندما أنزلت الجهات المختصة والشركات المتعهدة كتلها الاسمنتية لتغلق الحي كاملا وتطلق شرارة التطوير في تلك المنطقة التي تشبعت بالبناء العشوائي والمظاهر السلبية.
ومنذ أن بدأت الآلات والجرافات الضخمة في التهام كتل الأسمنت المخالفة والمتكتلة أضحت الحركة لا تهدأ في الحي، شاحنات تحمل الأثاث وتنقله خارج الحي وأضحى ذلك منظرا مألوفا، والمحلات والأسواق العشوائية التي كانت تعج بالعمالة المخالفة والبضائع الفاسدة أمست خاوية على عروشها وتركت أبوابها مشرعة تتلاعب بها الرياح وكأنها تخبر أن زمن المخالفة انتهى وحان وقت التصحيح.
رصدت «عكاظ» عددا من البيوت التي اشتركت وربطت بينها الكابلات وتعتمد كلها على عداد كهرباء واحد في سرقة علنية، وأنابيب مياه امتدت من عداد واحد إلى أكثر من بيت لتصبح تكلفة المنزل مقسمة على 10. وفي منظر ينبئ عن كم المخالفات هنا كانت مدارس غير نظامية ودور للتدريس نشأت في قمم تلك الجبال دون رقابة أو متابعة ولا يعلم أحد ما كان يقدم فيها من تعليم ولا ما يطرح فيها من أفكار.
في تلك الشوارع وبعد أن هدأ الضجيج تستطيع ترى التصاقات البيوت تمكن المطلوبين وأرباب السوابق من الهروب والمناورة والاختباء، بإمكانك مشاهدة كيف أن المنازل تفتح أبوابا بينها ليتنقل سكانها في الخفاء دون أن يغادروها.
الآن وبعد أن انتهت «النكاسة» وأصبحت ضرباً من الماضي.. ها هو وجه مكة المكرمة يتخلص من إحدى البقع التي شوهت منظرها طيلة عقود من الزمان، ولتنطلق على إثر ذلك عمليات التطهير والتطوير.
يشار إلى أن هذه الخطوة التي أقدمت عليها الهيئة الملكية لمكة المكرمة وأمانة العاصمة المقدسة أسفرت عن إزالة أكثر من 870 عقارا على مساحة تتجاوز 52.421 مترا مربعا من إجمالي المساحة المراد إزالتها المكونة من 226.780 مترا مربعا حتى وقت إعداد هذا التقرير.
«عداد» واحد لأكثر من بيت