Connect with us

ثقافة وفن

نيتشه وحكمة اللغة

عادة ما تجترح الفلسفة لغةً جادةً وحازمةً تصف من خلالها آراءً شديدة التعقيد تتطلب لإدراكها ذهناً يقظاً ولباً نابهاً

عادة ما تجترح الفلسفة لغةً جادةً وحازمةً تصف من خلالها آراءً شديدة التعقيد تتطلب لإدراكها ذهناً يقظاً ولباً نابهاً يزن مقدار خطواته داخل النص ويشعر بمواضعها، وهما السمة والمطلب اللذان خلقا فجوةً شاسعةً بين القارئ وكتب الفلسفة يلزم تجسيرها مزيجاً لغوياً لم يتأت للكثير من الفلاسفة.

بيد أن هناك من مُنح إلى جانب جسامة أفكاره وجرأتها مهارة الكشف عنها وبراعة وصفها فتدفقت آراؤه عبر لغة آسرة تجتمع فيها الجِدة والرشاقة.

يأتي في مقدمة هؤلاء الفيلسوف الألماني فريدريك نيتشه؛ الذي لا أخال أن أحداً استطاع أن يَعبر بأفكاره من غياهب الحياة إلى عقل المتلقي كما فعل، بيد أن للغة نيتشه الفارهة ما تخفيه خلف أرديتها البراقة، إذ إن تبايناً حاداً بين ما يبدو عليه من خلال آرائه الفلسفية وبين ما يصفه لنا ما وُثق من سيرته يبدو جلياً وواضحاً.

فإذا ما تجاوزنا ذكاءه وألمعيته إلى رؤية ما يخفيه وجه متجهم بشاربين عريضين وعينين ثاقبتين «كان قادراً على شطر غرفة إلى نصفين بكلمات قليلة» كما ترى المؤرخة السويسرية ومراسلة فريدريك نيتشه ورفيقته الثقافية «ميتا فون ساليس» فثمة رجل هش واهن استطاع من خلال نثره الباذخ والصلب أن يبدو قوياً وتطلعياً وثاقب الرؤية.

فعدا عن أن رؤية نيتشه ذاتها كانت مليئة بالكثير من النقاط العمياء وزاخرة بتناقض نسبي فقد كانت مغايرة لما كان عليه، فالألماني الذي كان يقدس القوة والغريزة ويرى فيهما جوهر الحياة عاش بجسد خائر آيل للسقوط يهيمن عليه السقم فلا يكاد يحمله.

بدأ ذلك منذ سنيه الأولى وظل ملتصقاً به حتى أفضى إلى اختلاج عصبي ونوبات قاتلة من الصداع انتهت به إلى الجنون، ووفقاً لذلك فإن ما أبقى عليه فاعلاً وأفسح له المجال لمزاولة نشاطه هو نقيض ما يؤمن تماماً، وهو على تماس مباشر ببنى اجتماعية كان يرى أنها تحد من قدرات الفرد وترجئ تحقيقه لتطلعاته وبلوغ ما يصبو إليه فيما كانت تمنحه مناخاً آهلاً بالإخاء ومؤَازراً للنجاح استطاع من خلاله أن يزاول شكوكه ويطرح تساؤلاته ليصل إلى نظريته، كما كانت إزاء مبدعين كثر.

ولا ريب في أن رأييه المناوئين للمرأة والنفعية، على حد سواء، يأتيان في ذات السياق، فقد ظل محيطاً نفسه بالكثير من النساء اللواتي أقمن جسده المتهاوي والمترع بالنتوءات وجعلنه متماسكاً في حين كان متحيزاً ضد ما رأينه تحرراً لهن، كما كان إزاء انبهارهن بآرائه ورفاه شعورهن صورةً حيةً ليس للنفعية، فحسب بل لاتكالية واعتماد ظلا قائمين حتى وفاته.

هذا التضاد الفض والهشاشة الصارخة كانا يتواريان خلف جبال اللغة الصلبة التي كانت تظهره قوياً وصلداً، ما يدل على أن تجاوز فخاخ لغوية كهذه وكشف حيل قد تودي بنا إلى منزلق الفهم الخاطئ يتأتى من خلال معرفة السياق المادي لأي نص أو رأي وهو ما يمنحنا القدرة على اقتفاء أثرهما حتى رؤيتهما بوضوح.

فاللغة ترث اللغة خواصها الجوهرية عن الحيز الذي تشكلت فيه وتحمل سماته ويعبق جوهرها بأكثر مما نراه على ظاهرها، وقد اعتادت أن تزاول حكمتها الخاصة وتبدي لنا ما يعيننا على رؤية العقل الذي صدرت عنه بجلاء.

اختلالات دقيقة لا تُكاد تُرى في نسيج النص كتلك النتوءات الضئيلة التي تظهر على سطح خلية أسفل عدسة مجهرية لعالم أحياء تشي أيضاً بالاختلاجات والبواعث النفسية والرواسب العالقة في لا وعي الكاتب.

تخبرنا اللغة في مناسبات عديدة أن المغزى لا يتبدى من خلال بريقها الظاهر ولا يظهر عبر اتساق جملها، بل يسكن مناطق سحيقة في أعماقها، ويظل كامناً في أغوارها إلى جوار الكثير من القصص العتيقة حتى نلتقط حفيف أنفاسه ونتمكن من استدراجه، كما تخبرنا أن المعنى هو خليط من الأفكار التي تشكلت في لاوعي الكاتب والآلام التي لجأت إلى منطقة غامضة في عقله وبقيت متوارية تلتف على ذاتها وتنشد الظهور بشكل مغاير لما هي عليه وبتَمثل لكيان آخر.

قد يعزى ذلك إلى مهادنة اللغة لكبرياء الكاتب وقابليتها الاستجابة لرغبته، لكن المنطق يفترض تماهياً لا نهائياً وامتزاجاً تاماً بين الرأي والسيرة تقع مهمة إبرازه على كاهل اللغة، كما يفترض القارئ قبل أن يُدخل أفكاراً وافدة إلى تيار وعيه.

إن الدهشة التي تعترينا إزاء نص ما لا تنطوي على براعة الكاتب في صياغة أفكاره فحسب، بل تتجاوز ذلك إلى قدرة اللغة ذاتها على امتصاص اللحظة وإعادة إنتاجها وفق أنظمتها وقوانينها واستطاعتها فهم إيماءاته وإلتقاط أفكاره على نحو حاذق ودقيق يطال حتى تلك التي تشكلت بمنأى عن إرادته وأختبأت في لا شعوره منذ أمد بعيد ولم يعد لها صلة مباشرة بواقعه،

تجسيد خفي لصور يتعذر محوها تعبر من خلال إيماءة غير متعمدة، تبدأ كيرقة شفيفة ثم تتشكل ككائنات غير مرئية أسفل الطبقة الرقيقة لجمل الكاتب وتبقى كامنة وعصية، تمارس حيلها وتنصب فخاخها، بيد أن معرفة السياق المادي للنص وتفرسا متأنيا لمعالم اللغة يمنحاننا القدرة على التقاط وميضها واقتفاء أثره ومن ثم رؤيتها بوضوح، فليس ثم أقدر من اللغة على منحنا الاتساع الذي نحتاجه لنحكم على الأفكار التي تتدفق من خلالها.

Continue Reading

ثقافة وفن

«كل الجميلات عملوا كده».. شمس البارودي تتبرأ من أدوارها الجريئة

تبرأت الفنانة المعتزلة شمس البارودي في تصريح عبر حسابها على «فيسبوك» من جميع أعمالها، وقالت إنها ندمت وكانت تتمنى

تبرأت الفنانة المعتزلة شمس البارودي في تصريح عبر حسابها على «فيسبوك» من جميع أعمالها، وقالت إنها ندمت وكانت تتمنى ألا تقدم مثل هذه الأدوار، معربة عن استيائها من فكرة توجيه انتقادات لها بالرغم من تقديم العديد من فنانات جيلها أدواراً مشابهة.

وكتبت شمس البارودي عبر «فيسبوك»: «أنا عملت أفلام كل ممثلات السينما المصرية الجميلات عملوها، وعملتها مع كبار المخرجين مش في الخفاء، وصُرحت من الرقابة، انتو كده بتهاجموا كل الفنانات اللي عملوا أدوار مشابهة، وكان عمري لا يتعدى 37 عاماً».

وعبّرت شمس البارودي عن استيائها من انتقاد أدوارها الجريئة بالرغم من تقديم فنانات أخريات تلك الأدوار: «كثير من الفنانات الجميلات شكلاً -حتى من اعتزلن- بعضهن قدمن أدواراً مشابهة، ما هجمتوش ليه الوسط كله، بلاش نفاق».

وقالت:«أنا شخصياً اعتزلت وتبرأت من أدوار مع كبار المخرجين كنت أتمنى ألا أقدمها».

أخبار ذات صلة

اعتزال شمس البارودي

اعتزلت شمس البارودى في وقت شهرتها وشبابها بعد أداء العمرة 1982، وقررت الابتعاد عن الأضواء والتفرغ للعبادة ولأسرتها، وتزوجت الفنان الراحل حسن يوسف وأنجبت منه أبناءها الأربعة، ورفضت كل عروض العودة للأضواء من جديد.

Continue Reading

ثقافة وفن

إبراهيم الحساوي.. النجم الذي تألق خارج بؤرة الضوء

ليس من السهل أن يظل الفنان وفياً لفنه دون أن تسرقه بهرجة الأضواء أو تغريه الطرق السهلة، لكن إبراهيم الحساوي، الذي

ليس من السهل أن يظل الفنان وفياً لفنه دون أن تسرقه بهرجة الأضواء أو تغريه الطرق السهلة، لكن إبراهيم الحساوي، الذي اختير أخيراً شخصية العام في مهرجان الأفلام السعودية، يثبت أن القيمة الحقيقية للفن لا تقاس بعدد العناوين ولا بمساحة الظهور، بل بعمق الأثر وصدق الأداء.

الحساوي، ابن الأحساء، وُلد 1964، وبدأ مسيرته على خشبة المسرح في ثمانينات القرن الماضي، قبل أن يشق طريقه إلى التلفزيون والسينما دون أن يتخلى عن هويته الأصيلة كممثل حقيقي، يحترم النص ويقدّس الدور. هو من أولئك الذين لا يحتاجون إلى «بطولات» شكلية ليثبتوا موهبتهم، إذ تتكئ أعماله على البساطة الظاهرة والعمق الباطن، ويكفي أن تراقب تعبيرات وجهه أو نبرة صوته لتدرك حجم ما يملكه من أدوات.

في السينما، لمع اسمه في أفلام قصيرة وطويلة شارك بها، فكان حاضراً بقوة في المشهد المستقل، متعاوناً مع أبرز مخرجي الموجة السعودية الجديدة، ومضيفاً للأعمال التي شارك فيها طاقة تمثيلية ترفع من قيمة الفيلم لا تقلل منه. أما في التلفزيون، فكانت أدواره غالباً مركّبة، تنبض بالحياة وتعكس تجارب إنسانية صادقة.

تكريم الحساوي، ليس فقط احتفاءً بفنان متمكّن، بل هو أيضاً إنصاف لمسيرة طويلة من العطاء الهادئ، وتأكيد على أن الفن الحقيقي لا يضيع، ولو تأخر الاعتراف به. إنه رمز لجيل زرع كثيراً من دون أن ينتظر التصفيق، وجاء الوقت ليحصد التقدير المستحق.

الحساوي، فنان من طراز نادر، يلمع بصمت ويُبدع بصدق، وها هو اليوم يتقدم نحو واجهة المشهد، لا كطارئ، بل كأحد أعمدته الراسخة.

أخبار ذات صلة

Continue Reading

ثقافة وفن

محمد رمضان… جدل لا ينتهي.. وغضب شمس البارودي يزيد النار اشتعالاً

تحول اسم محمد رمضان، إلى مرادف دائم للجدل الفني والاجتماعي، ليس فقط بسبب أدواره المستفزة أحياناً أو حضوره الصاخب

تحول اسم محمد رمضان، إلى مرادف دائم للجدل الفني والاجتماعي، ليس فقط بسبب أدواره المستفزة أحياناً أو حضوره الصاخب على المسرح والشاشة، بل أيضاً بسبب ردود الأفعال المتصاعدة التي يثيرها من زملائه في الوسط الفني والجمهور على حد سواء. ورغم النجاحات الجماهيرية التي يحققها إلا أن رمضان، لم يسلم من النقد اللاذع، الذي اتخذ هذه المرة منحى شخصياً حين دخل في صدام غير مباشر مع المخرج عمر عبدالعزيز، ليفتح بذلك باباً جديداً من الاشتباك مع أحد رموز الإخراج المصري المعروفين، ويجعل والدته، الفنانة المعتزلة شمس البارودي، تتدخل على نحو نادر للدفاع عن ابنها.

شمس البارودي، التي اختارت الابتعاد عن الأضواء منذ عقود، خرجت عن صمتها لتهاجم محمد رمضان بعنف، معتبرة أنه تجاوز حدود الأدب واللياقة، عندما قلل من شأن ابنها وأعماله، دون أن يسميه صراحة، في معرض رده على انتقادات عبدالعزيز له. وأكدت البارودي، أن ابنها لم «يُطرد من النقابة»، كما زعم البعض، بل استقال بمحض إرادته، مشيرة إلى أن من يتحدث عن القيم عليه أن يراجع محتوى أعماله أولاً.

هذا التدخل من شمس البارودي، أعاد إلى الواجهة قضية استخدام الشهرة كمنبر للإساءة أو تصفية الحسابات، وطرح تساؤلات حول مسؤولية الفنان تجاه تاريخه وتجاه زملائه، خصوصاً حين يكون في موقع التأثير الواسع.

وبينما لا يزال رمضان، يواصل مشواره متحدياً الانتقادات، يبدو أن موجات الغضب المحيطة به بدأت تتجاوز الأطر الفنية، لتصبح جزءاً من مشهد متوتر يثير تساؤلاً جوهرياً: هل يمكن للنجاح وحده أن يبرر كل شيء؟

أخبار ذات صلة

Continue Reading

Trending

جميع الحقوق محفوظة لدى أخبار السعودية © 2022 .