Connect with us

ثقافة وفن

نشيدُ الإنسانية «متشائل»

لم ألمس تفاؤلاً كبيراً، ولا تفاعلاً إيجابياً، ولا ترحاباً واسعاً بيوم الشعر، من شعراء ونقاد، يقايسون بين حال الشعر

لم ألمس تفاؤلاً كبيراً، ولا تفاعلاً إيجابياً، ولا ترحاباً واسعاً بيوم الشعر، من شعراء ونقاد، يقايسون بين حال الشعر العربي وبين واقع الأمة العربية، ويوازنون بين وضع الإنسان الاجتماعي والاقتصادي وبين الذائقة المتعبة باليومي والاستهلاكي، فيم لم يخل الفضاء العروبي من فعاليات شعرية وثقافية وأماسٍ إلا أن نشيد الإنسانية الأول بدا لنا متشائلاً في يوم عرسه العالمي.

ويؤكد الناقد الأكاديمي الدكتور أيمن بكر أن من حق كل الناس أن يظنوا في أنفسهم القدرة على الشعر. فيما سمحت وسائل التواصل بإضفاء قيمة زائدة وزائفة على كثير من الكتابات النيئة التي تلصق نفسها بالشعر والقصة والرواية، برغم أنه يصعب إدخالها في دائرة الأدب بالأساس. ما يعزز أهمية دور النقد. وأضاف؛ الناقد الأدبي في الثقافات العربية يعاني الأمرَّين بسبب ظاهرة أدب مواقع التواصل، وبسبب غزارة المنشور شعرا وسردا. ويرى بكر أن المؤسسات الجامعية المختصة بكل ما لها من إمكانات يجب أن تسهم في الحراك النقدي بصورة منظمة، على الأقل لتغطية الأدب الإقليمي المحيط بكل جامعة، إذ إن النقد المبدع هو الحل الوحيد لإجراء عملية فرز (أدبي/‏ جمالي) منظمة تفصل الإبداع الحقيقي عن هذا السيل من الكتابات التي تدّعي الشعر أو تطمح لأن تقترفه. لافتاً إلى أن النقد المعمق هو السبيل الوحيد لصنع جدل حقيقي في وعي الكتاب حول تجاربهم، وهو ما سيساعدهم على مراجعة ما يكتبون والتأني في عملية النشر. وأوضح الناقد العريق الصلة بالشعر أن هذا الكلام لا يريد التعميم وتصوير المشهد الشعري العربي بصورة قاتمة، كون هناك أجيال من الشعراء الحقيقيين على طول الثقافات العربية وعرضها، إلا أن حضور هذه الأجيال في المشهد مشوش بسبب فوضى النشر وأدب مواقع التواصل المنزوع الأدب، وعدّه التشوش الذي يحبط الكثير من الشعراء المجددين المبدعين.

فيما عدّ الشاعر المغربي حسن نجمي الشعر؛ نشيد الإنسانية الأول؛ ويرى أن الشعر بخير، وأن الشِّعر ليس بخير! ويذهب إلى تقييم الشعر كتابةً وممارسة وأفقاً ليس بمستوى واحد عند المعنيين به، في الوطن العربي والعالم، وتساءل؛ من أي موقع وزاوية ننظر ونتحدث؟ ويجيب؛ هناك من يراه في أزمة خانقة بسبب زحف فنون عدة حوله واستحواذها على حصة كبيرة من جمهور الشعر، وهناك من يراه في موقع الريادة والصدارة وأنا منهم، وتحفظ نجمي على من يضع الفنون في مضمار منافسة على السبق، كون الجمال يتكامل، إلا أن الشِّعر يبقى لغة العشق، واليومي، من الفقد إلى الفرح، مؤكداً أنه لم ولن ينتهي زمنه، بحكم أنه سبق الكتابة والفنون، ويرى أن التفضيل والتنازع من الإشهار الإعلامي، والمخاصمات التي لا تدرك عمق الوشائج التي تربط بين مختلف التجليّات.

فيما قال الناقد يوسفة رزوقة؛ زمن الشعر انتهى؛ كرهتُ صناعة لي: الشعر، ما الشعر؟: ذريعة عاطل عن زرع لغم في مدينة «إن أو أخواتها».. ما الشعر؟ فن الانصراف عن الحياة وتركها، من ثم، للحمقى وهم، مع أنهم حمقى، تحبهم البلاد: أئمة أو مرسلين من السماء وحاملي قدر البلاد، وأضاف؛ الشعر؟ لا يجدي.. البلاد تؤجل التلويح بالسيف.. تحب سياسة الإرجاء وهي تحبهم، مع أنها مطعونة في القلب من خلف، وليس لناسها الميؤوس من أحلامهم إلا الرضى بالدُّونِ: ناس كلهم دونٌ.

ولم يخف أنه كره الشعر ليس لأنه شعر. بل كره الناس ليس لأنهم ناس.. كرهتهما لأنهما فقط ليسا كما اشتهت الطبيعة، وهي في وحم، معا.. لا شعر، لا ناس ولا رأس تفكر في بلاد كالتي كانت هنا وتبعثرت من سوف يجمعها، هنا والآن؟ – لا أحد.

وزاد ؛ كرهت الشعر.. لم أكره سواه الشعر! ما الشعر؟.

هزلت! وليس هنا مجال لائق لهجاء من عاثوا خرابا في مدينة إن أو أخواتها. الحَطّاب يعمل فأسه في رأس من لم يبك بعد..- كون الأنا في صيغة الجمع مجرد كذبة لا أكثر.. الشعراء آخر دفعة منهم نجت من حيث لا تدري بمعجزة وغادرت المجاز وأهله.. أما البقية، في فضاء افتراضي مخيف، فهي في الرمق الأخير من الجحيم ولا عزاء لها، هنا والآن، إلا ذلك الأخْدُودُ في أَصْحابه – ولذي نواس، الجمرة الفصل -ويرى أن على الأنا الأعلى يفرمل، شاخص العينين، سرعته ويقعي خلف ميكانيزمه ويجيء في قطع الغيار يَبُثُّها إحساسه ويلومها لوما شديدا: ما الذي سيقوله الشعر؟.. تصحرت الرؤى وتعفن العقل.

هنا الشعراء في تيه ولا عشاق، إن وجدوا، لشيء اسمه الشعر، ويعيد؛ كرهت الشعر ديوانا لمن لا يؤمنون به أصلا.. كرهت الشعر ما عادت له صلة بمن وصلوا إلى عصر كهذا العصر معطوبين إحساسا ومعرفة وأسلوبا حياتيا.. كرهت الشعر أحمله ويحملني فقط ليقولني كم أنت لست بشاعر أصلا.. كرهت الشعر منظورا إليه بوصفه شعرا وليس بوصفه شيئا مصيريا

كرهت الشعر في وطن بلا جمهور شعر يعشق الشعر الذي لا روح فيه.. كرهت شعرا لا يليق بعصره شكلا ومضمونا.. كرهت الشعر في نقاده لم يوجدوا بعد.. كرهت الشعر بين سياسة وسياسة كلتاهما حبر على ورق.. كرهت الشعر كرها لا مثيل له، كرهت الشعر أنت أنا كلانا شاعر من حيث لا يدري و /‏ أو يدري.. كرهت الشعر تسويفا وسفسطة.. كرهت الشعر بل وكرهت قائله الذي لم يحترمه كدولة عظمى.. كرهت الشعر لم أكرهه في يوم من الأيام.. ما هذا الضباب؟ كرهته متنفسا لا بد منه.. كرهته كرهي لما يجري.. كرهت تورطي فيه.. كرهت ضياع وقتي في محبته.. نعم وكرهته متغيرا لي غير ذي زرع.. كرهت قصيدة لم تجعل امرأة تعيش حياتها شعرا.. كرهت قصيدة عصماء لم يقصد بها شيء.. كرهت قصيدة منذورة للطائر الوَهْمِيّ لم يوجد ليقرأ نفسه فيها.. كرهت الغول والعنقاء لا عنقاء لا غول.. كرهت تورطي في كره هذا العالم الموبوء.. ويضيف؛ لست بشاعر ما لم أخن صفتي وأجلس دونها صنما فأكره منتهى صنميتي فيها.. زمن الشّعر انتهى. ليس غريبا أن نرى الشّعر غريبا ساقطا من قمّة فيه إلى سفح الهنا والآن حيث الدّم يجري والكراهيّة بين الإخوة الأعداء أعلى يداً. وزاد؛ مات الشّعر.: ما جدواه في صحرائنا؟

النّخلة؟ – ماتت والهوى؟ – مات هو الآخر والإنسان؟ – أيضا. لذا فليرحل الشّعر إلى حيث أراد فهو إن مات هنا من حجر يسقط من سقف تداعى للسّقوط فله في غير هذا البيت أهل سيقولون له أهلا و.. سهلا.

وأبدى الشاعر دخيل الخليفة تفاؤله كون الشعر بخير، والشعر العربي حاضر بقوة ويضاهي ويتفوق على الشاعر العالمي بحكم ما أضفاه الرموز، أدونيس، وسعدي يوسف، ومحمود درويش، ومحمد بنيس، وقاسم حداد، ومحمد الثبيتي على القصيدة من روح تجديدية غير منبتة عن جذورها. وأضاف الخليفة «الشعر بخير ما دام هناك شعراء، متفردون في خارطتنا العربية، ويقينا أن الشعر العربي هو الأكثر قدرة على التعبير عن الإنسان وهمومه، وهو الأكثر تعبيرا عن كيمياء الذات، إلا أن الكثرة لا تعني شيئا أمام الكيف أو النوع، على مستوى نصوص الشاعر أو عدد الشعراء». ويرى أن كل شاعر يلاحق الجديد هو رافد مهم للشعر العربي، كون هذا الفن يعيش ويبقى ما دام هناك من يتجاوز ما سبق ويجدد على صعيد اللغة والأسلوب والتفرد، وبرأيي أن المهم دوما هو وجود متلقٍ يناصر الجديد ولا يعاديه ليبقى الشعر بخير وليعيش تجربة تصاعدية.

الشاعر الشهري: اكتمال اللاوعي

كم أهرب منك أيها الشعر، وكم أحاول كتابتك بطرق أخرى، حتى لا أقع تحت طائلة العتب! تعاتبني دائما حين ألجأ، إلى نظمك في جمل وعبارات، تفتقر إلى الروح، وتقدم إلى الناس بوصفها شعرا. يحدث الأمر في كل أشكالك: البيتي، والتفعيلي، والحر، وقصيدة النثر. نحاول نظمك بخبراتنا وحذلقاتنا، ولكنك عصي وعزيز، وتتأبى على الخروج، ما لم تكتمل في لا وعينا، وتأخذ شكلك النهائي. نظم تلو نظم، وغنائيات مغلقة على شعرائها، ونصوص تتباهى بضجيج منبري، لا قصائد تجمع عليها القلوب. أحن عليك وعلي، من هذا النظم، ومن الضخ المتواصل للصور والاستعارات، بلا بؤر شعرية تلم شعث المعاني. كم أهرب منك، وأتهرب من المناسبات، التي تظن أنها تحتفي بك، بينما هي تمعن في جلدك، لتتداوى من آثار سياطها بقية العام! أهرب منك ومنها؛ حتى لا أصنف كساديّ، يتلذذ بتعذيب أجمل الكائنات.

Continue Reading

ثقافة وفن

الشاعر علي عكور: مؤسف أن يتصدَّر المشهد الأدبي الأقل قيمة !

الحديث مع الشاعر علي عكور في الكتابة الإبداعية حديث ممتع، وممتدّ، له آراؤه الخاصة التي يتمثلها في كتابته الأدبية،

الحديث مع الشاعر علي عكور في الكتابة الإبداعية حديث ممتع، وممتدّ، له آراؤه الخاصة التي يتمثلها في كتابته الأدبية، يعتد كثيراً بتجربته، ويرى أنّه قادر على الاختلاف؛ لأنّ مفاهيمه للكتابة تتغيّر مع الوقت.

لم يولد -كما قال- وإلى جواره من يمتهن أو يحترف الكتابة، ولم يكن الوسط الذي نشأ فيه يُعنى كثيراً بالأدب أو الثقافة بعمومها، ما يتذكره علي أنّه في أواسط عقده الثاني وقع على نسخةٍ من كتاب (المنجد) للويس معلوف، لا يعلم كيف وصلت إليه هذه النسخة العتيقة من الكتاب، لكنه شُغِف بها وبالعوالم التي تَفَتَّحت أمامه في هذا المعجم.

وجد الشاعر علي عكور نفسه ينجذب كالممسوس إلى الأدب بكل ما فيه من سحر وغموض وجلال، لكنّ الشعر العربي أخذه حتى من ألف ليلة وليلة؛ الذي انجذب إلى الشعر المبثوث في ثنايا الكتاب أكثر من السرد رغم عجائبيته وسحره!

الكثير من رحلة الشاعر علي عكور مع الأدب والكتابة الإبداعية في هذا الحوار:

‏ • حدّثنا عن علاقتك بالشعر والأدب بشكل عام.. كيف بدأت؟

•• بدايةً أودّ القول، أنه لم يكن في محيطي من يمتهن أو يحترف الكتابة، ولم يكن الوسط الذي نشأتُ فيه يُعنى كثيراً بالأدب أو الثقافة بعمومها. أتذكر أنني في أواسط العقد الثاني من عمري وقعتُ على نسخةٍ من كتاب (المنجد) للويس معلوف. لست أعرف كيف وصلت إلينا هذه النسخة العتيقة من الكتاب، لكنني شُغِفتُ بها وبالعوالم التي تَفَتَّحت أمامي بعد الاطلاع على هذا المعجم. وشيئاً فشيئاً، وجدت أنني أنجذب كالممسوس إلى هذا العالم الرحب، بكل ما فيه من سحر وغموض وجلال. وأثناء تجوالي في عوالم الأدب أُخِذْتُ بالشعرِ العربي وبإيقاعيّة الجملة الشعرية فيه. حتى عندما وقع بين يديّ كتاب (ألف ليلة وليلة)، لم أنجذب إلى السرد رغم عجائبيته وسحره، بقدر ما انجذبتُ إلى الشعر المبثوث في ثنايا الكتاب. وأتذكر أنني كنت أتجاوز الصفحات وأقلّبها بحثاً عن بيتٍ أو بيتينِ من الشعر.

• لمن تدين بالفضل في الكتابة؟

•• أودّ أن أدين بالفضل إلى أحدٍ ما، لكنني حين أمَرّر بداياتي على الذاكرة، لا أتذكّر أحداً بذاته، آمن بي أو رأى في ما أقوم به بدايات واعدة لمشروع ما. كل ما هنالك أنني كنتُ أتلقى ثناءً عابراً إذا كتبتُ شيئاً جيداً. على أنني لا أقلّل من هذا الثناء، فقد كان ذا أثرٍ كبير في دافعيتي، وديمومة شغفي بالكتابة. هذا فيما يخص البدايات، أما الآن فأنا أدين بالفضل لأسرتي ولزوجتي خاصة، فهي داعم كبير لي على طول هذا الطريق، وتتحمل عن طيب خاطر الأعباء التي يُخلّفها انشغالي بالكتابة وهمومها.

• شاعر كان تأثيره كبيراً عليك.

•• لا يمكن تتبّع الأثر بسهولة في هذا الشأن؛ لأنه غالباً يكونُ قارّاً في اللاوعي. لكن إذا كان السياب يرى أنه تأثر بأبي تمام والشاعرة الإنجليزية إديث سيتول وأنه مزيج منهما، فأنا أرى أنني تأثرت كثيراً بسعدي يوسف ومحمود درويش، وأشعر أنهما يلتقيان بطريقة ما، في الكثرة الكاثرة مما أكتب.

• كيف للشاعر أن يكتب قصيدته وفق رهان المستقبل وليس للحظة التي يعيش فيها؟

•• في الغالب لا توجد كتابة لا يمكن تجاوزها. وما يُعبّر عنك الآن قد تجد أنه لا يُعبّر عنك غداً. أعتقد أن الرهان الحقيقي هو أن نكتب شيئاً يستطيع أن يصمد أمام عجلة الزمن. ربما إحدى الحيل التي يمكن أن نمارسها هي أن نكتب نصوصاً أكثر تجريداً وانعتاقاً من قيود الزمان والمكان، وأن نتخفّف من الكتابة تحت تأثير اللحظة الراهنة والحدث المُعاش.

• الملاحظ أنّ هناك إصدارات متشابهة في الشعر والقصة لشعراء وكتاب قصّة، وإن تعددت عناوينها، لكنّ التجربة لم تختلف.. ما تأثير هذا على الإبداع والقارئ كذلك؟

•• صحيح، هذا أمر ملاحظ. هناك من يصدر عشرة دواوين، وعند قراءتها لا تجد اختلافاً بينها، لا من حيث الثيمات ولا من حيث طريقة التناول، لتفاجأ أن هذه الدواوين العشرة هي في الحقيقة ديوان واحد طويل. الكاتب أو الشاعر الذي لا يتجدد يخاطر بمقروئيته ويخسر رهانه الشخصي. إما أن تقول شيئاً جديداً أو شيئاً مألوفاً بطريقة جديدة، لكن لا تقل الشيء نفسه بالطريقة نفسها، حتى لا تعطي فكرة أنك لا تأخذ مشروعك بما يستحق من جدية واهتمام.

• تنادي بأهمية تصدّر الأدب الجاد والأصيل المنصات.. أولاً: من يحدد ماهية الأدب الجاد؟ ثانياً: هل المرحلة تساعد في أن يتصدّر الأدب أيّاً كان المنصات التي كثرت وكثر مستخدموها والمؤثرون فيها؟

•• النقّاد والقرّاء النوعيّون، هم من يحددون ماهيّة الأدب الجاد ويُعلون من قيمته. مؤسف أن يتصدر المشهد الأدبي الأقل قيمة، بينما يبقى الأدب الأصيل في الهامش. في الأخير نحن مسؤولون عن تصدير ثقافتنا، وما نتداوله ونجعل له الصدارة في منصاتنا ومشهدنا، هو ما سيُعبّر عنّا وسيكون عنواننا في النهاية. وبالتالي لنا أن نتساءل بصدق: هل ما صُدِّرَ ويُصَدّر الآن، يُعبّر عن حقيقة وواقع الأدب والثقافة في بلادنا؟

• لديك مشكلة مع المألوف والسائد، وتطالب بسيادة الأدب الفريد والمختلف.. هل لدينا اليوم ذائقة خاصة يمكنها إشباع الذائقة العامة؟

•• يمكن الاتفاق في البدء أن تغيير شروط الكتابة هو في المقابل تغيير لشروط التلقي، وأن كل كتابة أصيلة ومختلفة ستصنع قارئاً مختلفاً. كل كتابة جادّة ستصنع قارئها، وهذا هو الرهان الحقيقي. أما المألوف والسائد فإنّ القارئ مصابٌ بتخمة منه. كل كتابة في المألوف والسائد هي ابنٌ بارٌّ للذاكرة لا للمخيّلة؛ الذاكرة بوصفها مستودعاً لكل ما قرَّ واستقرّ فيها وأخذ مكانه المكين. والمخيّلة بوصفها انفتاحاً على المتجدّد واللانهائي.

• ماذا يعني لك فوزك بالمركز الأول في مسابقة التأليف المسرحي في مسار الشعر؟ وماذا تعني لك كتابة الشعر المسرحي؟

•• سعدت كثيراً بالفوز، سيما أن المسرحية تتحدث عن شخصية أحبها كثيراً: شخصية ابن عربي؛ تلك الشخصية التي عشت معها طيلة ثلاثة أشهر (وهي مدة كتابة العمل)، تجربة روحية وروحانية بالغة الرهافة، فقد استدعت الكتابة عن ابن عربي، العودة إلى قراءة سيرته وأجزاء من أعماله التي حملت جوهر فكره وعمق تجربته الصوفية. وبالانتقال إلى الجزء الثاني من السؤال، أقول إن كتابة الشعر المسرحي عمّقت من مفهومي للشعر وإيماني به وبقدرته على التحرك في مناطق جديدة، يمكن استثمارها على نحو جيد ومثرٍ، إذا ما تعاملنا معها بجدية.

• أما زلت تبحث عن دار نشر تطبع لك ديوانك الجديد دون مقابل مادي تدفعه؟

•• استطعت التواصل مع أكثر من دار، وقد رحبوا بالديوان والتعاون من أجله. لا ضير في كون دور النشر تبحث عن الربح، فهذا من حقها، وهذه هي طبيعة عملها. كل ما أنادي به أن تكون هناك جهة حكومية تشرف عليها وزارة الثقافة، تقوم بطبع الأعمال الجادة التي تعبّر عن حقيقة الأدب السعودي وواقعه.

• جاسم الصحيح قال عنك إنك لست شاعراً عابراً، وإنما شاعر ذو موهبة كبرى تتجاوز المألوف والسائد.. ماذا تعني لك هذه الشهادة؟•• جاسم اسم كبير في المشهد الثقافي وتجربة مرجعية في الشعرية العربية الحديثة، وأن تأتي الشهادة من قامة كقامة جاسم الصحيح لا شك أنها شهادة تدعو للابتهاج والنشوة، إضافة إلى ما تلقيه عليّ من عبء ومسؤولية كبيرة.

• كيف يكون المؤلف الجاد والرصين رأس مال لدور النشر؟

•• تمهيداً للإجابة عن السؤال، لا بد من القول إن الرساميل الرمزية أحياناً تكون أهم وأكثر مردوداً من القيمة المادية. بالنسبة لدور النشر، يُعد الكاتب الجاد رأس مال رمزياً مهمّاً؛ لأنه يبني لها سمعة في الوسط الثقافي. إذا أرادت دور النشر أن تستثمر في سمعتها، فإن أسرع طريقة هي استقطاب كتاب أصحاب مشاريع جادة، مقابل أن تطبع لهم بمبالغ رمزية على الأقل.

• كتبتَ الشعر بأشكاله الثلاثة ومع ذلك ما زلت ترى أنّ الوزن ليس شيئاً جوهرياً في القصيدة.. ما البديل من وجهة نظرك؟

•• نعم الوزن ليس شيئاً جوهريّاً في الشعر. ونحن حين نقول الوزن نقصد بطبيعة الحال الأوزان التي أقرها الخليل بن أحمد. الحقيقة أن الأوزان جزء من الإيقاع، أو بمعنى آخر، هي إحدى إمكانات الإيقاع وليس الإمكانية الوحيدة، وما دامت إحدى تجليات الإيقاع وليس التجلي الوحيد، فمعنى ذلك أن الإيقاع أعم وأشمل وأقدم. وعليه فإن الإيقاع هو الجوهري وليس الوزن. والإيقاع يمكن أن يتحقق في قصيدة النثر مثلاً، عبر حركة الأصوات داخل الجملة الشعرية. وهناك حادثة دالة وكاشفة أنهم حتى في القديم كانوا يدركون أن الشعر بما فيه من إيقاع يوجد أيضاً خارج أوزان الخليل، إذ يُروى أن عبدالرحمن بن حسان بن ثابت دخل على أبيه وهو يبكي، وكان حينها طفلاً، فقال له: ما يبكيك؟ فقال: لسعني طائر، فقال: صفه، فقال: كأنه ملتف في بردي حبرة. فصاح حسان: قال ابني الشعر ورب الكعبة. هذه القصة المروية في كتب الأدب تكشف بجلاء أن الشعر أوسع من مجرد الوزن والتفاعيل.

• أنت تقول: لا شيء يسعدني ككتابة الشعر الجيّد.. ما مواصفات الشعر الجيّد؟

•• لا أملك ولا يحق لي ربما الحديث عن الشعر الجيد بإطلاق؛ لأن في هذا ادعاءً كبيراً، لكن يمكن الحديث عما أراه أنا أنه شعر جيد؛ أي في حدود رؤيتي فقط. كل شاعر يكتب الشعر بناءً على ما يعتقد أنه شعر، وعليه فإن الشعر الجيد -كما أراه- خرق لنمطية اللغة وبحث جاد عن اللامرئي في المرئي، ومن مواصفات النص الجيد أن يتقاطع فيه الفكري بالوجداني، وأن يكون نتاج الحالة البرزخية بين الوعي واللاوعي. طبعاً إضافة إلى ضرورة أن يتخلص من المقولات السابقة، وأن يعمل في تضاد مع الذاكرة والثقافة؛ لأنهما يفرضان السائد والمألوف وكل ما هو قارّ في الذهن.

• العودة الملاحظة للشذرات كتابة وطباعة.. إلام تعيدها؟

•• الشذرة في رأيي هي رأس الشعرية. حَشْد كل هذا العالم بمستوياته وتناقضاته ورؤاه في بضع كلمات أمر بالغ الصعوبة على مستوى التكنيك، لكنه مثير وممتع حين تدخله كمساحة للتجريب وتحدي إمكانياتك. أيضاً جزء من اهتمامي بالشذرة يعود إلى افتتاني بالمشهدية وتأمل الفضاءات البصرية واستنطاقها. إضافةً إلى ما في الشذرة من تداخل أجناسي يزيدها ثراءً وغنى. وعلى مستوى آخر أعتقد أن الشذرة بحجمها وبنيتها أكثر تمثيلاً لحياتنا المعاصرة التي أشبه ما تكون بلقطات متتابعة ومنفصلة في فضاء بصري، يجمعها سياق عام. وأخيراً لا أنسى أن منصة (إكس) بما كانت تفرضه من قيود تقنية قد أسست لتجربتي في الكتابة الشذرية وصقلتها.

• الشاعر أحمد السيد عطيف اختلف معك في شكل القصيدة، ورأى أنّ الشكل لا يجعل الكلام جميلاً ومؤثراً.. فيما ترى أنت أنّ الكتابة على نمط القصيدة القديمة تقليد وليس إبداعاً.. هل المشكلة في الشّكل أم في أشياء أخرى؟

•• نعم، كان الحديث في هذه الجزئية عن القصيدة العمودية، وعن كتابتها بصياغة تقليدية مغرقة في القدامة. النقد الحديث على عكس القديم، لا يفصل بين الشكل والمضمون، ولكتابة نص حديث لا بد من تحديث الشكل؛ لأننا لا يمكن أن نتحدث عن مضمون ما بمعزل عن الشكل، إذ إن الشكل يخلق مضمونه أيضاً. طبعاً لا أقصد بتحديث الشكل استبدال القصيدة العمودية بشكل آخر، بل أقصد التحديث من داخل الشكل نفسه. تجديد الصياغة وتحديث الجملة الشعرية ذاتها لتكون قادرة على التعبير عن الرؤى الجديدة.

• لماذا ترى أنّ كتابة قصيدة النثر أصعب من كتابة قصيدة عمودية أو تفعيلة؟

•• السبب في رأيي أن النص العمودي والنص التفعيلي لديهما قوالب إيقاعية جاهزة تجعل من مهمة الخلق الشعري مهمة أقل صعوبة. بينما في قصيدة النثر أنت تعمل في منطقة أقرب ما تكون إلى الشكل الهلامي. قصيدة النثر ملامحها أقل حدة ووضوحاً من الشكلين السابقين، وعليه فإن كتابتها تحمل صعوبة أكبر؛ لأن لكل نصٍّ قالبه الخاص الذي عليك أن تخلقه من العدم.

• كيف يمكن للشاعر أن يكون رائعاً؟

•• يكون كذلك إذا كان أصيلاً؛ أي معبراً عن صوته الخاص، ولحظته الراهنة، ومنغمساً بالكامل في تفاصيل عالمه، طبعاً دون أن يفقد قدرته على الاتصال بالوجود والكون.

• النصوص القصيرة التفعيلية التي كتبتها وترغب في نشرها مرفقة برسوم إبداعية.. ماذا عنها؟

•• هي أربعون نصّاً، تحمل خلاصة تجربتي في كتابة الشذرة الشعرية، وهو تنويعٌ على تجربتي الشعرية عموماً. تعاونت في هذا المشروع مع الرسامة السورية القديرة راما الدقاق. والعمل الآن في مرحلته الأخيرة، وسيُنشر خلال الشهرين القادمين.

Continue Reading

ثقافة وفن

رواء الجصاني يلتقط سيرة عراقيين من ذاكرة «بـراغ»

أصدر رئيس مركز الجواهري الثقافي، رواء الجصاني، كتاباً توثيقياً عن (شخصيات وشؤون ثقافية عراقية في ذاكرة وتاريخ

أصدر رئيس مركز الجواهري الثقافي، رواء الجصاني، كتاباً توثيقياً عن (شخصيات وشؤون ثقافية عراقية في ذاكرة وتاريخ براغ) طيلة 65 عاماً، وتضمن التوثيق 22 عنواناً فرعياً.

وسلّط المصدر الببلوغرافي الضوء على إقامة خال الجصاني الشاعر العربي محمد مهدي الجواهري، في التشيك قرابة 30 عاماً (1961-1991)؛ منها سبعة متصلة (1961-1968)، و كتب الجواهري خلال إقامته في (براغ) نحو 30 قصيدة ومقطوعة؛ عشر منها، وفيها، عن التشيك وجمال وعطاء بلدهم الذي أطال من عمر الجواهري كما يثبت ذلك في قصيدته:

أطلتِ الشوطَ من عمري، اطالَ الله من عمركْ

ولا بلّغتُ بالشرّ، ولا بالسوءِ من خبـركْ..

ألا يا مزهرَ الخلدِ تغنى الدهرُ في وتركْ.

واحتفظ المثقفون التشيك، باعتزاز بذكرى إقامة الجواهري معهم، وهم يدركون تميّزه الشعري، إضافة لكونه رمزاً عراقياً وعربياً، وإنسانياً، وجسراً وطيداً بين ثقافتي البلدين، وتم وضع نصب (معلم) تذكاري له جوار شقته التي عاش فيها أزيد من ربع قرن بمنطقة براغ السادسة.

كما تناول الكتاب، الفنان والمفكر الرائد محمود صبري، ذو العطاءات التشكيلية وصاحب نظرية (واقعية الكم) الذي أقام في براغ فناناً ومفكراً وطنياً، وباحثاً إنسانياً نصف قرن (1963-2013).. وكذلك الباحث والكاتب والمترجم القدير مصطفى عبود الذي أقام بها من أواخر السبعينيات إلى 1985. والكاتب والصحفي شمران الياسري (أبو كاطع) منذ النصف الثاني من السبعينيات إلى عام 1981.. والكاتب والروائي يحيى بابان – جيان، من منتصف الستينيات إلى عام 2023. والفنان الكردي العراقي البارز قادر ديلان؛ الذي أقام وعمل في براغ لنحو عقدين إلى وفاته عام 1999. والباحث الجدير فالح عبد الجبار من عام 1979 إلى 1981.. وبشرى برتو، وذنون أيوب، وفاروق رضاعة، وفيصل السامر، ونوري عبد الرزاق، ومجيد الونداوي، ومهدي الحافظ..

واستعاد الجصاني مسيرة إذاعة براغ العربية، ومن أسهموا فيها، ومنهم: أحمد كريم، وأناهيد بوغوصيان، وحسين العامل، وزاهد محمد، وصادق الصايغ، وعادل مصري، وفائزة حلمي، ومفيد الجزائري، وموسى أسـد، ونضال وصفي طاهر.

كما تناول الجصاني المجلات الثقافية التي صدرت، وكذلك المتخصصة في شؤون سياسية واقتصادية، والسفراء، والدبلوماسيين، وأمسيات شعرية، وندوات أدبية وفكرية، ومعارض فنيّة، وحفلات موسيقية، ومؤلفات وتراجم، وأفلام ومخرجين، ومترجمين ومحررين، وكتب ومكتبات، ومحطات إعلامية، ومركز الجواهري، الذي أطلقه رواء الجصاني والدكتور محمد حسين الأعرجي، والمستعرب التشيكي (يارومير هايسكي)، وبدأ نشاطاته في منتصف عام 2002: و(بابيلون للإعلام والنشر)، كما تناول الكتاب باحثين وأكاديميين وعلماء.

Continue Reading

ثقافة وفن

«آثارنا حضارة تدلّ علينا»

كادت الآثار التاريخية الأبرز في بلادنا تندثر، في ظل ثقافة تعمدت تغييب الوعي بأهمية التراث والأثر في حياة الشعوب،

كادت الآثار التاريخية الأبرز في بلادنا تندثر، في ظل ثقافة تعمدت تغييب الوعي بأهمية التراث والأثر في حياة الشعوب، ودورها في التنمية الاقتصادية، والتقدير الإنساني، وأبرمت هيئة التراث، مؤخراً، اتفاقية مع الهيئة الوطنية للتراث الثقافي في الصين، للتنقيب عن الآثار بموقع السرين الأثري بمحافظة الليث بمنطقة مكة المكرمة، وتستهدف الاتفاقية التوسع في أعمال التنقيب الأثري الميداني بالمملكة، وتعزيز الشراكات العلمية مع الجامعات والمراكز الدولية المتخصصة في التراث. وتواصل هيئة التراث جهودها لاستكشاف الفرص الممكنة لتحقيق عوائد ثقافية، واقتصادية، واجتماعية من التراث الوطني بما يتماشى مع مستهدفات رؤية السعودية 2030. وسبق أن كشفت (هيئة التراث السعودية) عن اكتشاف أكثر من 1556 موقعاً أثرياً و1900 منشأة حجرية و7600 واجهة صخرية تحتوي على رسوم ونقوش تاريخية في مختلف أرجاء البلاد عقب 72 مشروعاً بحثياً بالشراكة مع عدد من الجامعات والمراكز العلمية المتخصصة في مجال المسح والتنقيب الأثري.

وهنا نطرح محور قضيتنا الأسبوعية حول التراث والآثار؛ من خلال رؤية ثقافية وعلميّة، وإبداعية، مستأنسين برأي عدد من الباحثين المتخصصين، فيرى الأكاديمي الدكتور إبراهيم أبو هادي النعمي أنه حين نتجه إلى الاهتمام بالماضي؛ باعتباره مكتسباً، فإننا نعي تماما أنها «عودة» إلى الخلف في الإطار الإيجابي، إذ تعني تجذير المعرفة واصطحاب تطورها وتشكلاتها في الحقب الزمنية؛ وفق تاريخيّة الزمكان وتأثيره على المنتج الثقافي واستثمارها في الحاضر بكل حمولاته الثقافية والاجتماعية والسياسية. وعدّ ما الدولة بصدد رعايته موروثاً يجمع بين الابستمولوجيا والانطولوجيا وتجلياتهما في الآداب والفنون والطقوس الاجتماعية والتعبير عن الهويّة الثقافية المستمرة والمتغيرة والمتطورة، مؤكداً أهمية دراسة الوجود والكيانات المتعلقة بالآثار والتراث وكيفية تفسيرها في سياق الهوية والتاريخية، فالهوية تسهم في تعزيز شعور الانتماء والاعتزاز بالثقافة المحلية والقيم والتقاليد التي تشكلت عبر العصور؛ ويكون ذلك من خلال الحفاظ على التراث والآثار لضمان رفد الهوية للأجيال القادمة. وأوضح أبو هادي أننا اليوم في المملكة، وعبر برامج الرؤية الملهمة، نرى أن الاهتمام بالتراث المعرفي والمادي؛ باعتباره ذاكرة الأمة وهويتها، يحقق للمواطن السعودي تحسين جودة الحياة والتقدم نحو المستقبل بوعي وثقة المنافس، معتمداً على تاريخ عريض من الحضارات المتتابعة والثقافات المتنوعة التي تتماشى مع توجهات الدولة الحديثة وتعاطيها مع ثقافات العالم؛ كونها لاعباً رئيساً في مجالات الاقتصاد والسياسة والحضور الاجتماعي والثقافي، كل هذا يقودنا نحو بناء مستقبل مستدام مستنداً إلى الماضي، متماهياً مع الحاضر، متطلعاً للمستقبل. ولفت أبو هادي إلى أن الحفاظ على الموروث؛ سواء أكان مادياً أو معرفياً؛ واجب تجاه المجتمعات المحلية والإنسانية، ما يلزمنا بنقله بكل أمانة واحترافية واهتمام تدويناً وتوثيقاً وصيانةً وتمكيناً للبعثات المتخصصة في استكناه أسراره وإتاحة المادي منه للدرس والتنقيب والمعرفي للتدوين والتداول وإعادة انتاج كل ذلك من خلال الفنون بكل أطيافها، مضيفاً بأن المملكة من أغنى دول العالم تراثاً وموروثاً ثقافياً، ويحمل ترابها آثاراً وتاريخاً يعكس حضارات قديمة كان الحفاظ عليه واجباً وطنياً يستوجب تضافر الجهود للعناية به وتحمل مسؤوليته. وقال أبو هادي: «إن فلسفة الحفاظ على التراث تدور حول استدامته والاحتفاظ بتلك الذاكرة الجماعية التي تستعيد تجارب وتحديات المجتمعات السابقة؛ التي هي في حقيقتها جزء من وجودنا، كما أن فهمنا العميق لهذا التراث يساعدنا على تقدير تنوع الثقافات ويعزز الحوار بين الأجيال».

فيما يرى الباحث في العلوم الإنسانية عبدالهادي صالح الشهري أن كل ما هو قابل للاندثار سيندثر ما لم يتم تداركه؛ سواء أكان ذلك في التراث المادي أم غير المادي، مشيراً إلى أنه لا يمكن التعرف على تاريخ البشرية إلا من خلال ما خلفوه من آثار ملموسة أو غير ملموسة؛ واعتبارها هوية تاريخيّة تعكس قيمة الإنسان وحضوره وأمجاده على هذه الأرض.

وأوضح أن في محافظة النماص -على سبيل المثال- الكثير من التراث المادي الذي حاول فيه الأسلاف رفع الهوية الجبلية بكامل تفاصيلها التاريخية والثقافية على حد سواء، كما هو أيضاً على مستوى التراث غير المادي، إذ لا تزال العادات والتقاليد متوارثة إلى يومنا هذا، وتكشف طريقة تعايش الإنسان مع الطبيعة الجبلية التي تشير إليهم وتميزهم عن غيرهم، ولا يمكن للزائر لمحافظة النماص إلا أن يستشعر هيبة الجبال والأودية والشعاب ويشتم رائحة التاريخ وهي تخرج من بين حصونها وقلاعها الكثيرة ويبتهج من ضيافة أهلها الكرام. وأكد الشهري أننا ونحن نتجه جميعاً وفق رؤية السعودية 2030 للحفاظ على هذا الإرث الكبير؛ الذي تمتلكه المملكة في جهاتها الأربع ورفع الوعي بأهمية الحفاظ عليه وعرضه أمام السائح الذي ستدهشه ولا ريب القيمة التاريخية لهذه الأرض والممتدة منذ آلاف الأعوام إلى يومنا هذا، ما يحتّم على الجميع السعي الحثيث نحو المحافظة على كل ما يخلد تاريخ هذه الأرض وتقديم الهوية والحضارة العربية العظيمة للآخر المتشوق لمعرفة تاريخنا وفروعه المتعددة بكل اعتزاز وفخر وجلال.

الذييب: إشراك المواطن في حفظ الآثار ضرورة

فيما ذهب مستشار مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية الدكتور سليمان بن عبدالرحمن الذييب، إلى أن الآثار شاهد على إنجازات أي مجتمع، ولا أبالغ إن قلتُ إن الآثار هي حامل الصبغة الوراثية التي توثق نسب المجتمع بما خلفه من إنجازات، وعلامة الهوية الوطنية، لافتاً إلى أهمية أن يولي المجتمع ليس فقط الاهتمام والرعاية اللازمتين، بل المحافظة على الآثار وجعلها أحد أسس الانطلاق إلى الأمام، موضحاً أن قيادتنا الرشيدة تبنّت -شأن مجتمعات متقدمة- المحافظة على الآثار والاستفادة منها في خططها المستقبلية الواعدة عن طريق استلهامها في قضاياها والاستفادة منها اقتصادياً واجتماعياً ووطنياً، في ظل ما تبذله الجهات المعنية في هذا الجانب ما يخلق تفاؤلاً طيباً في حاضر الوطن ومستقبله.

وأكد الذييب أن دولتنا اعتمدت خططاً للمحافظة على هذا الإرث العظيم والعمل على توظيفه سياحياً وثقافياً واقتصادياً في إطار الاستراتيجية الوطنية للثقافة ورؤية 2030م، مشيراً إلى أنه إذ أخذنا جانب المحافظة على هذه الآثار فإن أبرز ما يجب تبنيه والسعي لتنفيذه هو توثيق هذه المواقع الأثرية والتراثية، وتسجيل المهم منها لدى منظمة اليونسكو باعتباره تراثاً عالمياً، مع ترميم هذه المواقع وتهيئتها بشكل صحيح، إضافة إلى تفعيل البحث العلمي في المؤسسات العلمية المعنية في هذا الأمر، مضيفاً بأن للجانب الاقتصادي دوراً متى ما تم العمل على التهيئة الجيدة للمواقع، وتسهيل الوصول إليها وتحقيق العوامل المساعدة على زيارتها، كي يتمكن الزائر من استنطاق التاريخ من خلالها. وعدّ من الأهمية مراعاة أن تكون هذه المواقع صديقة للبيئة بإمداد هذه المواقع التراثية والأثرية بأحدث وسائل التنمية المستدامة، وحظر استخدام وسائل من شأنها الإضرار بالبيئة. والاستعاضة عنها بالوسائل الحديثة لجذب الزائر، المتمثلة في الذكاء الاصطناعي في مجال الآثار والتقنية الحديثة التي تؤدي دوراً واضحاً في الترويج وتعزيز الاهتمام بها من خلال تقنية المحتوى الرقمي وتطبيقاته المختلفة، وتطوير قدرات الكوادر البشرية الوطنية عن طريق الابتعاث والدورات والمشاركات، مع جهات عالمية ذات خبرة طويلة في هذا الجانب، ومنح هذه الكوادر ثقة تولي مهمات التعامل مع آثار هذا الوطن العريق وتراثه.

ويرى الذييب أن كل هذه الخطط والآمال لا يمكن أن تحقق هدفها المنشود دون إيمان المواطن بهذه الأهمية، فدوره هو الأساس في الحفاظ على الآثار. ودعا الذييب إلى إشراك الجهات ذات العلاقة (المواطن) في الاستفادة الاقتصادية، وتخطيط مستقبل مدينته، وقال: «دون ذلك فمهما صُرفَ وبذل فلن نلمس نتائجه التي نتوخاها».

Continue Reading

Trending

جميع الحقوق محفوظة لدى أخبار السعودية © 2022 .