Connect with us

ثقافة وفن

مقبول العلوي يمنح المهمَلين صوتاً في «تدريبات شاقة على الاستغناء»

برع الكاتب السعودي مقبول العلوي في مجموعته الأخيرة «تدريبات شاقة على الاستغناء»، الصادرة حديثاً عن دار نوفل/‏هاشيت

برع الكاتب السعودي مقبول العلوي في مجموعته الأخيرة «تدريبات شاقة على الاستغناء»، الصادرة حديثاً عن دار نوفل/‏هاشيت أنطوان، وعلى مدى 120 صفحة فقط، في اختزال مواقف تكاد تتكرر في كل بيئة من مجتمعنا العربي، مانحاً مساحة سردية لشخصيات يمكن وصفها بأنها «فئران رمادية»، أي تراها مرة وتنساها على الفور لأن لا شيء مميزاً بها، سوى أنها نماذج مكررة في الحياة. إلا أن العلوي، بقدرته البلاغية والحسية المرهفة نفض عنها غبار الهامش، ليضعها في المتن.

ليست شخصيات العلوي في «تدريبات شاقة على الاستغناء» كلها طيبة، منها الشرير ومنها المحتال ومنها المدّعي. ولكنها شخصيات قد تصادف أيّاً منا: في الحارة، في المدينة، في مكان العمل.. هي حياة كاملة إذن اختزلها العلوي في 14 قصة، تتفاوت في حجمها. بأسلوب سردي ممتع ولغة الحكّاء اللمّاح القابض على التفاصيل، يجوب بنا العلوي من الأحياء البسيطة المحافظة، الى المدرسة إلى المستشفى وصولاً إلى المقبرة. هناك وللمفارقة نقرأ عن العشق الأزلي، وعن معنى الوفاء.

منح العلوي لمجموعته القصصية الأحدث عنوان القصة السادسة. وفيها يسلّم مهمة الحكي لمراهق يروي قصة تعلّقه (وأترابه الآخرين) بامرأة أرملة «ليست من قريتنا». هي غريبة عن القرية وغريبة بأسلوب حياتها وطريقة كلامها وملبسها. ومن هنا كانت محط اهتمام المراهقين المتلصصين على حياتها. الراوي، كمثل غالبية المراهقين في مجتمعنا العربي، يجنح في خياله ولكنه «قابع داخل سجن فرديتي». لقد أتقن الكاتب ببراعة رسم شخصية المراهقين، بجموحهم وفضولهم وتخبّطاتهم، بطلنا يقول «ما زلت أمارس وبإصرار غريب تدريباتي الشاقة على الاستغناء، الاستغناء عن كل شيء، ومن أجل لا شيء.. أعيش على هامش الحياة.. أشيّد بتؤدة جدار أحلامي المحفّزة».

في «ديستوبيا القرى المعزولة»، يكشف الكاتب، هكذا، من دون مواربة، عن مخاوفه. فمن المعروف عن العلوي، تعلّقه بالقرية، في تناقض مع المسار العام المتمثل في ظاهرة النزوح الى المدينة. وفي اختياره لكلمة «ديستوبيا» يجنح العلوي الى أسوأ كوابيسه، حيث تُنزَع عن القرية هويتها البسيطة المتوكّلة الفطرية. في هذه القصة، وهي من جزءين، لا يحيل الكاتب هذه القرى المعزولة الى خراب ولا إلى عالم يتجرّد فيه الإنسان من إنسانيته، وإنما فقط يجعل الطفرة المالية تجتاحها. وهذا كفيل بالنسبة للكاتب، على ما يبدو، أن ينزع عن القرية هويتها، وتتحول من قرية الولي الصالح.. الى قرية الولي.

في قصة «كلمات محذوفة من حديث قصير»، لا شيء كثيراً يحدث. فقط شاب يكتشف في يوم عرسه أن حميه استبدل الفتاة الصغرى التي خطبها بالأخت الكبرى. متوقع طبعاً أن تكون أقل جمالاً. تلك هي القصة باختصار! ولكن العلوي أبدع في توصيف التحوّلات التي طرأت على مشاعر الشاب من غضب جراء وقوعه في الفخ، ثم الخذلان والحزن، ثم تفطّنه إلى «الضعف المستكين خلف توتّرها»؛ أي العروس، ليكتشف بسهولة أن «هذه الفتاة الجالسة أمامي امرأة مُهمَلة تعيش على هامش الحياة مثل روح مهشّمة ملقاة في مستنقع الحياة الموحلة، مجرّد ضحية مثلي».

هي هذه الشخصيات المهملة، ما يمنحها العلوي شأناً، فيفرد مثلاً قصة للأستاذ مجيد، المدرّس البديل الذي يدخل حصة ويعزف الكمان لطلابه قبل أن يطرد من المدرسة. في هذه القصة التي تحمل عنوان «الواقفون على عتبات البهجة» يحكي لنا العلوي الأثر الذي تخلّفه حصة يتيمة وأستاذ مرهف في الطلاب لسنوات تلت.

أما قصة «سردية قصيرة لوداع مبكر»، فيكرّسها العلوي لعمّ الراوي، الغارق في الكتب، والزاهد في الدنيا والمال والجاه، وكان اسمه زاهداً. بينما في «المؤتمر الأدبي»، ينتصر العلوي لـ«كاتب مغمور»، في معركته ضد أفّاق مدّعٍ للثقافة. في حين تحكي قصة «يوم عصيب في حياة الآنسة ريم» غربة هذه الفتاة عن منزلها، فقط بسبب «حنينها» لكتبها. وهكذا يغدو البيت الجديد بارداً خاوياً.. وقبراً.

تُظهر مجموعة «تدريبات شاقة على الاستغناء» تنوعاً في الأساليب السردية والمواضيع، ما يعكس قدرة العلوي على استكشاف عوالم مختلفة وتقديمها بأسلوب جذاب. ولهذا تُعد «تدريبات شاقة على الاستغناء» إضافة قيمة إلى الأدب السعودي المعاصر، إذ تقدم نظرة عميقة ومتنوعة إلى المجتمع السعودي من خلال قصص قصيرة تحمل في طياتها رسائل ومعاني متعددة، تعكس تباين التجارب الإنسانية وتسلط الضوء على قضايا اجتماعية وثقافية مهمة، بينها أيضاً:

أهمّيّة الكتب والهروب إلى القراءة. والليل وما يكشفه السهر من قصص خفيّة. ومهووسٌ يجمع تقارير سرّية عن فتيات الحارة. إضافة إلى مقالة بليغة وبديعة تحاكي لغة القرن التاسع الهجري على طريقة المؤرخ المقريزي.

كلّ هذا وأكثر بين دفّتَي كتابٍ صغير لكن غنيٌّ بما فيه.

وجاء في نبذة الناشر:

– هل سمعتَ من قبل بحصان طروادة؟ فكّرتُ قليلاً وقلتُ:

– لا، وش حصان طروادة ذا؟

بدا متأفِّفاً ونافدَ الصبر من سؤالي. زفرَ الهواءَ من فِيْه بقوّةٍ ثمّ قال بهدوءٍ:

– في الواقع هناك الكثيرُ من أحصنةِ طروادة. هناك حصانُ طروادة خشبيٌّ هائلُ الحجم استخدمه الإغريقُ للاستيلاء على مدينة طروادة، بعدما أخفوا بداخله مجموعةً من الجنود الأشدّاء. أدخلَ سكّان المدينة، من باب الفضول، الحصانَ الخشبيّ داخل أسوار مدينتهم الحصينة، فخرج الجنود المختَبئون منه، واستولوا عليها بهذه الحيلة. وهناك حصان طروادة بشريّ من لحمٍ ودمٍ، يمكنكَ برمجته عقليّاً عن طريق الترهيب أو الترغيب ليكون رهنَ إشارتك. وهناك حصان طروادة إلكترونيّ يمكنكَ زرْعه في الهواتف وأجهزة الكمبيوتر ليمنحكَ كلّ الأسرار.

أخبار ذات صلة

Continue Reading

ثقافة وفن

«ضريبة البعد».. أصالة تكشف اسم الألبوم الجديد بعد تصويت الجمهور

كشفت الفنانة السورية أصالة نصري، عن عنوان ألبومها الغنائي الجديد الذي اختاره الجمهور بعد التصويت وهو «ضريبة البعد»،

كشفت الفنانة السورية أصالة نصري، عن عنوان ألبومها الغنائي الجديد الذي اختاره الجمهور بعد التصويت وهو «ضريبة البعد»، مشوقة جمهورها للألبوم عبر مقطع فيديو نشرته شركة «روتانا» على حسابها الرسمي بمنصة «إنستغرام».

ووجهت أصالة في المقطع رسالة لجمهورها، قالت فيها:«حبايبي مرحبا، بناء على تصويتكم أنتم اخترتم عني، أنا ارتحت وأتمنى أن تكونوا مبسوطين.. اسم الألبوم سيكون ضريبة البعد بناء على طلبكم وشكراً».

ومن جانبه، علّقت “روتانا” على الفيديو بالقول: «أنتم اخترتوا وأصالة قالت تم، ضريبة البعد اسم ألبومها الجديد.. ترقبوا التفاصيل وخلّوا عيونكم علينا، الجاي مختلف مع أيقونة الشرق».

أخبار ذات صلة

يذكر أن نقابة الفنانين السوريين برئاسة مازن الناطور، منحت مؤخراً الفنانة أصالة نصري عضوية النقابة بمرتبة الشرف، تقديرًا لمسيرتها الفنية، وموقفها من قضايا شعبها ووطنها.

وعلقت أصالة نصري، على قرار نقابة الفنانين السوريين، حيث قالت في منشور بصفحتها على موقع انستجرام: «أتشرّف بها الهديّة الغالية من نقابة وطني الغالي الأول اللي مشتاقتله قدّ مو مشتاقة لأبي وبحبه قدّ ما بحبّ أبي وأخلصت له قدّ ما أخلصت لأبي».

Continue Reading

ثقافة وفن

عمّا وراء ديوانية القلم الذهبي نتحدث

في حوار دار بيننا، أجدني على اتفاق تام مع الكاتب والسيناريست الأستاذ ياسر مدخلي عضو لجنة التحكيم لجائزة ديوانية

في حوار دار بيننا، أجدني على اتفاق تام مع الكاتب والسيناريست الأستاذ ياسر مدخلي عضو لجنة التحكيم لجائزة ديوانية القلم الذهبي في وصفه لها بأنها أكثر من جائزة، وإنما مؤسسة تنويرية عالمية.

فجائزة (القلم الذهبي) كما قال يتعدى أثرها الاهتمام بالأدب العربي والأدباء لمجالات وأسماء عديدة.

وبالفعل من يتأمل للحظة في أمر هذه الجائزة، سيكتشف بداهة أن خريطة تأثيراتها تلامس فضاءات إبداعية عديدة ومتنوعة، فعندما نتحدث عن جائزة الرواية، وعن عدد واسع من الروايات على مستوى العالم العربي والروايات المترجمة إلى العربية، وهو احتفاء باللغة العربية والأدب العربي، فإننا ننتقل مباشرة للحديث عن إثراء صناعة السينما، ما يقودنا إلى الحديث عن عدد كبير من المهن داخل هذه الصناعة، وهذا في نهاياته يقودنا إلى الاستنتاج المنطقي بأننا في واقع الأمر نتحدث عن منظومة مترابطة لإعادة تشكيل عملية البناء الثقافي السعودي في مجمله.

ويتعدى أثر الجائزة تكريم الفائزين والتنوية بالأعمال المميزة إلى تنمية قطاعات عديدة مثل النشر الذي بدأ يهتم بالروايات العربية، ومهدت الطريق للأسماء الجديدة ودعمت العديد من القطاعات الثقافية، وتأتي ديوانية القلم الذهبي -برغم استقلالها عن الجائزة- لتكون مساحة لتلاقي الأدباء والمثقفين من مختلف الأجيال والمجالات تعبيراً واضحاً عن تقدير الدولة للمثقف السعودي المبدع، إذ يصفها معالي المستشار تركي آل الشيخ بهدية للأدباء فهو بذلك يقدمها تكريماً مستديما للإبداع الوطني.

جودة الحياة مفهوم محوري

وهنا نستحضر فقرة في رؤية المملكة 2030، جاء فيها نصاً:

تأتي سعادة المواطنين والمقيمين على رأس أولويات المملكة، وسعادتهم لا تتم دون اكتمال صحتهم البدنية والنفسية والاجتماعية. سوف يتمتع المجتمع بنوعية حياة جيدة ونمط حياة صحي ومحيط يتيح العيش في بيئة إيجابية إنها تتحدث عن جودة الحياة.

والحديث عن جودة الحياة أصبح مفهوماً محورياً في البحوث والدراسات، واستُخدم بمعان متعددة في سياقات مختلفة في العلوم الطبيعية والإنسانية، وفي هذا الإطار، دخل مفهوم جودة الحياة -كمؤشر ومعيار قياسي- إلى مجالات عدة. ومن وجهة النظر الاجتماعية والاقتصادية والسياسية ينصب الاهتمام على هناء المجتمع ورفاهته، وما يتوفر لأفراده من وسائل الترفيه.

هكذا يمكننا أن نستعير كوجيتو ديكارت من فضاء الفلسفة إذا أردت أن تضيف كلمة (سعيد) إلى حالة الإنسان الوجودية!

فالنشاط الترفيهي قديم قدم الاجتماع البشري على الأرض، وهو حاجة تكاد ترقى أهميتها لمستوى حاجاته البيولوجية، وهي بالفعل ترقى بالنسبة للفرد والجماعة. والترفيه في التعريف العام، شكل من أشكال النشاط الذي يثير انتباه واهتمام الأفراد والجمهور، ويثير المتعة والسرور والشعور بالبهجة والإثارة. وهو يتخلل حياة الناس على مدى ساعات اليوم، ولا تكاد تخلو لحظات منه دون فاصل ترفيهي، أيّاً كان شكله، وتكاد أغلب أشكال أنشطة الترفيه وأحدثها مغرقة في القدم وتطورت على مدى آلاف السنين وتم تحديثها بشكل أو آخر، ويمارس الناس في مجتمعنا النشاط الترفيهي بشكل يومي. وإلا ما الذي يفعله الناس حين يتركون منازلهم ويذهبون إلى الحدائق؟ وما الذي يفعله الكبار في قصور الأفراح والاستراحات؟

ماذا نسمى منافسات الدومينو والشطرنج والبلوت، والرقص والغناء في الأفراح والمناسبات الاجتماعية والوطنية والمهرجانات والعروض المسرحية والسينمائية، وسباقات الخيول والهجن، إن لم تكن ترفيهاً؟

في العصر الحديث تم تسريع العملية من خلال صناعة الترفيه التي تسجل وتبيع المنتجات الترفيهية. على وجه التحديد لغرض كسب وجذب الجمهور على أوسع نطاق، وتنوعت منتجات الترفيه لإشباع رغبات الناس المتنوعة، لأن الأفراد لديهم تفضيلات مختلفة.

ويتطور الترفيه ويمكن تكييفه ليلائم أي نطاق، بدءاً من الفرد الذي يختار وسيلة ترفيه خاصة به، من مجموعة هائلة وهذا ما يمنح صناعة الترفيه مرونة وقدرة على التطور لا تتمتع بها القطاعات الأخرى. إذ تتمتع الأشكال المألوفة للترفيه بالقدرة على تجاوز الوسائط المختلفة، كما أظهرت إمكانات غير محدودة على إعادة المزج الإبداعي.

فُتحت النوافذ والأبواب المغلقة في وجه مختلف شرائح المجتمع السعودي صغاراً وكباراً من الجنسين ليعيشوا حياة مبهجة يستشعرون فيها السعادة، لتفعيل طاقات المواطنين وإطلاق قدراتهم على العطاء المثمر على كافة المستويات، حتى على مستوى إنتاجية الفرد وأدائه العملي، أيّاً كان موقعه في منظومة التنمية الشاملة.

لذا كان برنامج (جودة الحياة) في رؤية المملكة 2030 هو المفتاح الذهبي لباب التطور المجتمعي، وتهيئة المناخ الملائم، معرفياً ووجدانياً ونفسياً للفرد السعودي ليلعب دوره الإيجابي في إنفاذ محاور الرؤية التي ستدعم تنافسية دولته عالمياً، لتحتل مقعدها بين الكبار، ما سينعكس على حياته جودةً، ويرتفع بمستواها لآفاق الرفاهية.

ومن هذا المنظور السعودي تلعب برامج وفعاليات الترفيه دوراً مزدوجاً للارتقاء بجودة الحياة.

لا ينكر عاقل أهمية وفعالية الترفيه في تحقيق مشروع رؤية المملكة النهضوية الطموحة ومواكبة خطى الدولة المتسارعة للارتقاء والتقدم.

فإلى جانب ما للترفيه من أثر إيجابي في تحسين شعور الإنسان بالسعادة وبجودة حياته، إذ تُساعد وسائل الترفيه الجيدة الإنسان على التخلص من التوتر والإجهاد، وتمنح العقل مساحة ضافية للتفكير، تُطلق هرمون الإندروفين أو هرمون السعادة والرضا بعيداً عما يُسبب له التوتر.

وتُساعد وسائل الترفيه، على الاسترخاء، من خلال البعد عن توتر الأنشطة اليومية الروتينية، إذ إنّ ذلك يُعزز الصحة النفسية والعقلية ويرفع من الروح المعنوية، ويجدد نشاط العقل والحالة الذهنية للفرد. فأداء الإنسان الذي يغمره الشعور بالرضا عن حياته في العمل، يختلف بلا شك عن سواه.

هندسة المجتمع وانفتاحه على العصر، على نحو لا يسمح لتربته أن تكون مهيأة لنمو بذور الفكر الضال، وذلك بتحديث المجتمع وفتح نوافذه، وإفساح المجال أمام جميع شرائحه للمشاركة والمساهمة في حركة التنمية في إطار مشروع نهضوي متكامل وشامل تطلعاً لمستقبل مزدهر تتحقق فيه قوة الدولة ورفاه مواطنيها يحتاج دون شك إلى إرادة سياسية نافذة قوية وقرارات شجاعة وعزم، لتحصين المجتمع ببرامج ثقافية وترفيهية متنوعة ستكون ترياقاً مضاداً لفيروسات الفكر الضال.

دعم تنافسية الدولة عالمياً

لقد وضع معالي المستشار تركي آل الشيخ بصمته المتميزة الخاصة على البرنامج الذي كُلف بتنفيذه وفي إطار الرؤية الكلية لمملكة المستقبل، فانطلق من قناعة راسخة ترفدها تجاربه الحافلة، وتتمثل هذه القناعة في فهم ووعي متطور معاصر للترفيه ورسالته بأنه استثمار اقتصادي ذو مردود معنوي أيضاً فعمل على عدة مسارات أشبه ما تكون بأنهار متعددة تصب في محيط الوطن.

أهمية مأسسة النشاطات الإبداعية

إذا كنت تبحث عن الاستدامة فعليك بالمأسسة؛ بمعنى آخر، دون مأسسة برامج الثقافة والفنون والترفيه، والاكتفاء بشكل مطلق على ما يوحيه الخيال وملكة الإبداع للمبدع وحده، تصير البرامج كجزر متقطعة منفصلة، كل فعالية منها عبارة عن جزيرة، لا يربطها رابط بالفعاليات الأخرى، فلكل فعالية رؤيتها ومنطلقاتها الخاصة المنفردة.

بينما أهداف رؤية المملكة هي في الواقع عبارة عن كلّ متكامل مترابط البرامج، ينتظمها جميعاً خيط نهضوي يهدف إلى تغيير الواقع الاقتصادي بنفس قدر التغيير الذي يستهدف الواقع الاجتماعي، وكل محور وبرنامج منها، على صلة بالمحاور والبرامج الأخرى. من هنا، فإن كل مبادرة فردية خلاقة لن يكتب لها البقاء والاستدامة إلا إذا هي انتظمت في السياق المؤسسي. ففيه -أي في السياق المؤسسي- يكتب لها البقاء والاستدامة وتتحقق قيمتها.

وديوانية القلم الذهبي تقف شاهداً على تحقيق هذه القيمة.

أخبار ذات صلة

Continue Reading

ثقافة وفن

نسبة الآثار لأزمنة وعصور تحتاج إلى أدلّة علميّة

ينسب عدد من الباحثين والمؤرخين بعض آثار بلادنا لأزمنة تاريخية، وعصور موغلة في القِدم، دون فحص علمي، وإشعاعي للنقوش

ينسب عدد من الباحثين والمؤرخين بعض آثار بلادنا لأزمنة تاريخية، وعصور موغلة في القِدم، دون فحص علمي، وإشعاعي للنقوش والرسوم، وبلا قراءة متخصصة للخطوط، وربما كان لعاطفة الانتماء الجيّاشة دورٌ في ذلك، إضافة للمرويات الشفاهية، وهنا نحرر القضية عبر محاور، يفكك من خلالها متخصصون الإشكال، ويقدم نقاد مقترحات بشأن دراسة الآثار وتفادي المبالغة؛ كي لا يقع الباحث في ما أطلق عليه البعض «هياط تاريخي»..

الباحث الأنثروبولوجي إبراهيم يحيى الزهراني يؤكد أن هناك قرائن تعرف بما قبل الإسلام، بواسطة معرفة اتجاه الدفن في المقابر التي لا تتجه إلى القبلة، فهذه تعود إلى ما قبل 610 ميلادي وهو تاريخ بداية البعثة النبوية، موضحاً أن هذا الترجيح غير دقيق، رغم توفّر قرينة قوية، إلا أن الباحثين يلجأون إلى الحفريات والبحث عن قطع الفخاريات، ومادة الجص إن وجدت، والعظام أو قطع خشبية، مدفونة تحت الأرض لم تتعرض كثيراً للأكسجين؛ لقياسها بكربون-14، مشيراً إلى مقاربة البعض للتاريخ الفعلي عبر الكربون المشع (كربون-14 أو C-14) وعدّها تقنية تُستخدم لتحديد عمر المواد العضوية القديمة؛ مثل العظام، الأخشاب، والأنسجة النباتية، وتعتمد على خاصية الإشعاع الطبيعي لعنصر الكربون-14. ولفت الزهراني إلى أن الكربون-14 متوفر في غلافنا الجوي، وعندما تصطدم الأشعة الكونية بذرات النيتروجين (N-14)، تتحول إلى كربون مشع (C-14)، والكربون المشع يختلط بثاني أكسيد الكربون، وتمتصه الكائنات الحية أثناء التنفس أو التغذية. مضيفاً أنه طالما الكائن حي، فهو يحافظ على توازن نسبي بين كربون-14 والكربون، إلا أن الجسم يتوقف عن امتصاص الكربون عقب الموت، ويبدأ الكربون-14 في التحلل الإشعاعي، ثم يتحلل ببطء إلى نيتروجين-14، بمعدل معروف نصف عمره حوالى 5,730 عاماً، ما يعني أنه إثر 5,730 عاماً، يبقى فقط نصف كمية الكربون-14 الأصلية في العينة، وبقياس كمية الكربون-14 المتبقية في العينة، وبمعرفة معدل التحلل، يمكن للعلماء حساب متى مات الكائن الحي؛ أي عمر العينة، وعدّها إحدى أبرز العمليات الكشفية الدقيقة لتأريخ القرى أو القطع من الأخشاب والعظام والنباتات وحتى المتحجرات، ويرى أن التخمين لتحديد عمر زمني استخفاف بعقول البشر ولا يعتمد عليه.

فيما ذهب الباحث ناصر الشدوي، إلى أنه لاحظ في الآونة الأخيرة جرأة من متخصصين وباحثين لهم حضورهم في الساحة التاريخية، مؤكداً أنه ضد إطلاق الأحكام، على قدم بعض الكتابات والرسوم التاريخية عن طريق التخمين الاجتهادي دون أي دليل علمي أو أسس منهجية أو دلالات وقرائن تشفع لتلك التقديرات. وأرجع اجتهادات بعض الباحثين إلى الحماس الزائد والانبهار البعيدين عن الموضوعية وعن الأسس المنهجية في تحديد العمر الزمني لتلك النقوش أو الرسوم، وأوضح الشدوي أن البعض بالغ في قراءة بعض النقوش أو الرسوم التي تنقش على بعض عتبات الأبواب وفتحاتها، والشبابيك، علماً أنها قد تكون تزييناً من النجار للعتاب والأخشاب المنزلية برسوم وأشكال ليبرز مهارته في الرسم، وليكون نقشه توقيعاً وبصمة تدل عليه، وأحياناً تكون أشكالاً دائرية أو خطوطاً متقاطعة أو أي شكل هندسي يتخيله البناء، دون قصد. وتعجّب ممن ينسب بعض النقوش والرسوم التي وصفها بـ«الشخبطات» غير المؤرخة إلى تواريخ قديمة جدّاً، بينما يتضح من بياض النقش وعدم ميلانه إلى اللون الأسود جراء التأكسد خصوصاً في الصخور الجرانيتية ما يدل على أنه حديث عهد.

معجب الزهراني: الثقافة الشفهيّة «صبّه ردّه»

دعا الناقد الدكتور معجب سعيد الزهراني المشتغلين على الآثار إلى التواضع، كون ما يتحدثون عنه من تواريخ، وعصور، موغلة في القدم، ولا تعتمد على معلومة، ولا تعدو كونها روايات شفهية نطلق عليها «صُبّه رُدّه». لافتاً إلى أهمية الثقافة الريفية جمالياً، إلا أنه لا ينبغي التوسع والجزم بصحة «التهاويل»، مؤكداً أن هناك جينات ثقافية متوارثة، إلا أن بعض الأمم لا تعتمدها، ولا تبني عليها مفاهيم ونظريات.

سليمان الذييب: ما زاد عن حده ينقلب إلى ضده

أوضح أستاذ الكتابات العربية القديمة وعالم الآثار واللغات الدكتور سليمان الذييب، أنّ المبالغة تجعلنا نستحضر المثل القائل «إذا زاد الأمر عن حده انقلب لضده»، ويرى أن المبالغة غير صحيّة ولا صحيحة وضد الواقعية، ما يجعلها مضرة ولا تخدم الهدف المراد. مشيراً إلى أن العاشق أشبه بالأعمى والأسير الذي لا يرى ما حوله ولا يريد أن يرى أو يقتنع بغير قوله. وأضاف: رغم حلاوة العشق وجماله إلا أن المبالغة تسيء إلى موضوعك أو معشوقك، ومنهم العشاق الذين يسيئون إلى معشوقتهم (الآثار)، فيبالغون في استنتاجاتهم، كأن يجد أحدهم نقشاً أو معثورة فيبالغ في تأريخها اعتقاداً منه أنها تزيده رونقاً وجمالاً، مشيراً إلى أنها -عند العقلاء- مبالغة سيئة وضارة، فلن تجد قبولاً وتصديقاً من الآخرين، وينقلب الأمر تحديداً في علم الآثار إلى ما يعرف عند شباب اليوم «طقطقة».

وأوضح الذييب أن أساليب التأريخ العلمية وطرقه، وهي طرق تعطي تاريخاً مُرجّحاً عند المختصين، منها: التأريخ النسبي، والتأريخ المطلق، فالأول يعتمد على المقارنة، والثاني على أساليب ومناهج علمية من أبرزها التأريخ بالكربون 14، ناهيك عن أجهزة وطرق تبين مدة تعرض المعثورة إلى الشمس أو إلى الماء وغيرهما، ولفت إلى أنّ التحليل والترجيح عند المختص أسهل وأيسر منه عند العاشق، فالمتخصص يبحث عن الحقيقة، والعاشق يبالغ في وصفه ويغلو فيه فيصبح غير ممكن لا عقلاً ولا عادة.

وعدّ «الهوى والتعصب» لمذهب أو منطقة أو قبيلة من أسباب المبالغة، وطالب بالتخلي عن المبالغات والتعصب والهوى. مؤكداً ضرورة الإيمان بالآخر، وأن البشر يتبادلون الأدوار والمهام في الجدار الحضاري، فلا فضل لآخر إلا بما قدمه. وأضاف: إن شجرة الحضارة يرويها الإنسان أينما كان، وعدّ المبالغة في الآثار وغيرها ديدن المجتمع المتخلّف والضعيف حضاريّاً وثقافيّاً، فالمجتمع أو الإنسان الذي يتبنّى هذا النهج مجتمع ناقص، وليس لديه ثقة بنفسه ولا منهجه وأسلوبه وانجازاته، فيجنح لما يفسد حاضره ومستقبله، ويسيء إلى ماضيه وتاريخه بالأكاذيب والمبالغات.

أخبار ذات صلة

Continue Reading

Trending

جميع الحقوق محفوظة لدى أخبار السعودية © 2022 .