Connect with us

ثقافة وفن

محمد عبدالرحمن الفريح.. أول ملحق ثقافي سعودي

عائلة الفريح لها تواجد كبير في كل من السعودية والكويت. لكن هناك أكثر من عائلة تحمل الاسم نفسه ويرجعون لعدة قبائل.

عائلة الفريح لها تواجد كبير في كل من السعودية والكويت. لكن هناك أكثر من عائلة تحمل الاسم نفسه ويرجعون لعدة قبائل. وبالرجوع إلى كتب النسابون والأنساب حول أصولها نجد أن عائلة الفريح في البكيرية من العائلات المشهورة والمعروفة في هذه المدينة القصيمية، وأنهم من العناقر من بني سعد بن زيد من قبيلة بني تميم من أشيقر، وانتقل بعض أجدادها إلى مناطق أخرى مثل سدير وعنيزة والكويت والزبير. أما الموجودون منهم في بريدة والزلفي فينتسبون إلى آل مقرن من الأساعدة الروقي العتيبي من قبيلة عنزة.

وقد خصصت السيدة فوزية صالح الرومي في كتابها «تاريخ نزوح العائلات الكويتية» بضع صفحات للحديث عن آل فريح في الكويت فقالت إنهم من الفرحة من بلدة أشيقر، إحدى بلدات الوشم في نجد، وإنهم يتواجدون في السعودية والكويت والعراق، وإن أسباب نزوحهم من نجد إلى الكويت هو القحط الذي أصاب نجد، مضيفة أن جد العائلة هو محمد عثمان إبراهيم محمد علي يوسف الفريح الذي أنجب من زوجته الثانية (ابنة عمه سبيكة) كلا من عثمان وعلي. أما الأول عثمان محمد عثمان الفريح فقد غادر الكويت إلى الزبير والبصرة في العقد الثاني من أوائل القرن العشرين على أثر اختلافه مع بعض تجار الكويت على بيع الأرز، فالتحق هناك بمن كان سبقه من آل فريح في الفترة ما بين 1892 ــ 1893م. وأما علي محمد عثمان الفريح فقد غادر إلى الهند، حيث امتلك مصنع شراكة مع شقيقه عثمان لصناعة غتر الشماغ، وتزوج هناك من سبيكة البسام، قبل أن يغادر الهند نهائيا إلى البصرة.

ما يهمنا هنا هو تناول سيرة الأستاذ محمد بن عبدالرحمن بن عثمان الفريح الذي يعد أول ملحق ثقافي سعودي في الخارج. ونستعين في سرد سيرته بما كتب عنه في الصحافة والمطبوعات، وتحديدا ما كتبه أستاذنا محمد بن عبدالرزاق القشعمي في الجزء الأول من كتابه «أعلام في الظل» (دار الانتشار العربي/ بيروت، الطبعة الأولى، 2018).

مواليد عنيزة

أورد الشيخ محمد العبودي في كتابه «معجم أسر عنيزة» ترجمة قصيرة عن الفريح فقال إنه ولد في عنيزة في عام 1347 للهجرة، بينما نجد في الجزء الثاني من «موسوعة الشخصيات السعودية» التي أصدرتها مؤسسة عكاظ للصحافة، أنه من مواليد عنيزة في عام 1354 للهجرة (1935م). ونعتقد أن التاريخ الأول هو الأصح؛ لأن صاحبنا تلقى تعليمه الأولي على يد الشيخ عبدالعزيز الدامغ، ثم التحق بأولى مدارس عنيزة الابتدائية الحكومية (المدرسة السعودية)، وهذه افتتحت عام 1356 للهجرة، فلو اعتمدنا تاريخ ميلاده المذكور في الموسوعة، فهذا يعني أنه التحق بالمدرسة السعودية في سن الثانية وهذا بطبيعة الحال من المحال. بعد إتمامه لدراسته الابتدائية في المدرسة المذكورة، واصل تعليمه حتى الشهادة الثانوية في المعهد العلمي السعودي (أول مدرسة حكومية نظامية أنشأها الملك عبدالعزيز في مكة وذلك في عام 1927)، ومدرسة تحضير البعثات بمكة المكرمة (افتتحت رسميا في عام 1937م). وعلى إثر تخرجه من المدرسة الأخيرة حصل على بعثة دراسية إلى مصر، حيث درس هناك في كلية الآداب بجامعة فؤاد الأول (القاهرة حاليا) والتي منحته ليسانس الآداب، وكان ضمن من تولوا تدريسه الأديبة المصرية الكبيرة الدكتورة سهير القلماوي.

شغف الصحافة والكتابة

شغف الفريح بالصحافة والكتابة منذ أن كان طالبا في مدرسة تحضير البعثات، بدليل ما ذكره زميله الأديب عبدالله القرعاوي في مذكراته من أن صاحبنا ترأس تحرير مجلة «الشباب» أثناء دراسته بتلك المدرسة سنة 1942م. هذا ناهيك عما ذكره علامة الجزيرة العربية الشيخ حمد الجاسر -رحمه الله- في الجزء الثاني من كتابه «من سوانح الذاكرة» حول صدور مجلته «اليمامة» وطبعها في القاهرة سنة 1953 من أن الطلبة السعوديين الدارسين آنذاك في القاهرة شاركوه في إعداد المقالات ومتابعة عملية طباعة المجلة، آتيا على ذكر أسمائهم ومن ضمنهم محمد بن عبدالرحمن الفريح وزملائه ممن تسنموا لاحقا أعلى المراكز في الدولة مثل ناصر المنقور وصالح الحصين وعبدالرحمن أبا الخيل وحسن المشاري وإبراهيم العنقري وعبدالله الطريقي وعبدالرحمن بن سليمان آل الشيخ وعبدالرزاق الريس.

يقول الأستاذ القشعمي إنه حضر حفلا في مركز حمد الجاسر الثقافي (دارة العرب) بالرياض عام 2014 بمناسبة مرور 63 عاما على صدور مجلة اليمامة، فرأى الفريح متواجدا بين الحضور وهو يتوكأ على عصاه ويمشي بصعوبة، وسمعه يقول بتأثر بالغ: «كأنه اليوم عندما حضرت ولادة العدد الأول من اليمامة بالقاهرة. كنا نسهر مع الشيخ حمد (الجاسر) نصحح المقالات وننقلها بحماس للمطبعة، كأننا نسابق الزمن».

الناقد الشاعر

وأخبرنا القشعمي أيضا شيئا من مساهمات الفريح المبكرة في مجلة اليمامة زمن دراسته في القاهرة، فقال إنه نشر مقالا نقديا حول ديوان «همسات» للشاعر السعودي طاهر زمخشري في العدد الثاني من مجلة اليمامة في سبتمبر 1953، ثم أكمله في العدد الرابع الصادر في نوفمبر من نفس العام. ومما قاله الفريح في مقالته النقدية هذه: «شيء واحد آمنت به عندما قلبت ديوان همسات للأستاذ الشاعر طاهر زمخشري.. هذا الشيء هو أن هذا الديوان أو أكثره لايساوي شيئا في مجال القيمة الفنية»، مضيفا: «وما هي مهمة النقد إنْ لم يكن تصوير الانطباعات الشعورية التي تنعكس على صفحة النفس أثناء تناول الأثر الفني بالدرس والقراءة؟».

إلى ذلك، قرض الفريح الشعر أثناء سنوات دراسته بجامعة فؤاد الأول، فنظم عددا من القصائد بينها قصيدتان نشرهما صالح جمال الحريري في كتابه «من وحي البعثات السعودية» الصادر سنة 1949م، وكانت الأولى بمناسبة عيد الشباب وحملت عنوان «عيد الشباب»، والثانية بمناسبة حفل أقامته دار البعثات السعودية بالقاهرة بمناسبة زيارة الشيخ محمد المانع مدير المعارف العام بالسعودية إلى مصر في حدود عام 1948م. كما نظم في تلك الفترة قصيدة أخرى وطنية مؤثرة ترحيبا بعودة الجيش السعودي من فلسطين يقول مطلعها: الأرض سكرى والخلائق نومُ.. والشر يفتك في البلاد ويظلمُ.

من المعارف إلى العمل الحر

بعد عودة الفريح إلى السعودية متوجا بشهادته الجامعية التحق للعمل بوزارة المعارف وتدرج في وظائفها. فمن مدير للتحريرات إلى مساعد للمدير العام للإدارة، فإلى ملحق ثقافي لدى سوريا ولبنان ليدخل بذلك تاريخ بلده كأول ملحق ثقافي سعودي في الخارج. وبعد عودته من سوريا ولبنان تمّ تعيينه مديرا عاما لوزارة المعارف، وهو المنصب الذي ظل فيه حتى تاريخ تقاعده. وبعد أن تقاعد خاض غمار العمل الحر فأسس في عام 1969 «المؤسسة الشرقية للتجارة والصناعة والمقاولات» وتولى منصب مديرها العام، وأنشأ في عام 1977 «شركة الخزف السعودية» وتولى رئاسة مجلس إدارتها. كما انتخب عضوا بمجلس إدارة شركة كهرباء الرياض ثم عين مديرا للشركة، وعمل مديرا عاما لشركة أسمنت اليمامة، وانتخب عضوا بمجلس إدارة البنك السعودي الهولندي، ثم تولى رئاسة مجلس إدارة البنك من عام 1980 إلى 1989. إلى ذلك تولى رئاسة مجلس إدارة الغرفة التجارية الصناعية بالرياض في دورتين متتابعتين هما الدورة السادسة والسابعة، أي من عام 1975 إلى 1981. وقد جاء في الكتاب التذكاري لغرفة تجارة الرياض الصادر تحت عنوان «50 عاما من العطاء والريادة» أن المرحلة التي تولى فيها الفريح قيادة الغرفة توافقت مع قيام الدولة بتفيذ خططها التنموية الأولى وتوسع نشاط القطاع الخاص بشكل هائل، فكانت مرحلة البناء الأساسية التي تم فيها إرساء قاعدة مشاركة منتسبي الغرفة في بحث الأمور التي تعنيهم وتطوير أنشطتهم من خلال تشكيل اللجان القطاعية من بعض المنتسبين من ذوي الخبرة مع توسعة الجهاز التنفيذي ممثلاً في الأمانة العامة للغرفة، حيث شهدت تلك الفترة تأسيس العديد من لجان وأقسام وإدارات الغرفة مثل: اللجنة الصناعية ومركز المعلومات وإدارة العلاقات العامة والإدارة الصناعية وإدارة الشؤون القانونية وإدارة البحوث ومركز التدريب والتطوير الإداري ومركز الحاسب الآلي.

مكتبة عامرة بشتى المؤلفات

وجاء في كلمة للفريح نشرت في هذه المطبوعة التاريخية ضمن باب «من ذكريات المعاصرين» النص التالي: «غرفة الرياض هي أول غرفة في المملكة تجري انتخابات حقيقية لاختيار أعضائها، إذ كانت المسائل تتم باتفاق بين المجموعات في كل الغرف والوزير يعين الثلث (…..) وكانت الدورة السادسة هي أول دورة تجري فيها انتخابات حقيقية، وجرت فيها منافسة بين لائحتين تتسابقان على برنامجين لخدمة قطاع الأعمال، وبالتالي أستطيع القول إنني أول رئيس منتخب لغرفة الرياض على مستوى الغرف السعودية على الإطلاق (….) وبدأت الغرفة تتسع أنشطتها بالتدرج واكتساب المهنية حتى أنشئ المبنى القائم الآن الذي كنت أنا من تشرف بتوقيع عقد إنشائه، وكنا وقتها نعمل في المبنى المؤقت الذي كان ملاصقاً لهذا المبنى، وقبل ذلك كنا في شقة بشارع الخزان».

وتتويجا لتخصصه الجامعي وشغفه بالأدب والشعر والصحافة، وتأسيا بالأدباء الكبار، أخلص الفريح للكتاب فعمل على تأسيس مكتبته الخاصة العامرة بشتى المؤلفات. وحول هذا كتب الدكتور عبدالكريم محمد الأسعد (الأستاذ سابقا بكلية الآداب في جامعة الملك سعود) في سياق حديثه عن أشخاص أعجب بهم من أهل عنيزة: «الأستاذ الأديب والعصامي الأريب محمد العبدالرحمن الفريح يقتني مكتبة ليس كمثلها مكتبة، ويخلص للكتب التي تحتويها إخلاصه لأهله وذويه وأصدقائه، ويداوم على الاحتفاء بها ومصادقتها والنظر فيها والاستفادة منها، ويحسن الاستنتاج السليم والدقيق من كل جديد في جميع ألوان المعرفة.. ملكة صافية ولسان حلو وعقل متفتح وبشاشة بلا نظير».

فبراير 2022.. الرحيل

مؤخرا، وتحديدا في يوم الخميس الموافق للعاشر من شهر فبراير سنة 2022م أغمض الفريح عينيه مودعا الدنيا بمنزله في حي الربوة بالرياض، فبكاه ونعاه الكثيرون ممن عرفوه أو زاملوه، ومنهم ابن مدينة الرس سليمان الجاسر الحربش المدير العام والرئيس التنفيذي السابق لصندوق أوبك للتنمية (أوفيد) الذي كتب في صحيفة الجزيرة السعودية قائلا إنه سمع به منذ خمسينات القرن العشرين حينما وقع في يده كتاب مصور عن حرب فلسطين احتوى على صورته وقصيدته المشار إليها آنفا عن نكبة العرب في فلسطين، قبل أن يصبح بعد عشرات السنين من رواد الخميسية المعروفة التي كان الفقيد يعقدها كل خميس بمنزله. وأضاف الجاسر مستطردا: «لقد جمعتني بالفقيد هواية الأدب والفن والشعر، كنا زوجتي وأنا عندما نزورهم خارج يوم الخميس، نقضي أمتع الأوقات في نقاش عن الشعراء الذين أحَبّهم مثل: شوقي، وناجي، وعلي محمود طه، وأحمد فتحي، وكان يحتفظ بتسجيلات راقية لقصائدهم الخالدة مثل: كليوبترا، والكرنك، والجندول، والأطلال، وكان -رحمه الله- يجد متعة خاصة عندما يحاول أن يتذكر من هو مؤلف قصيدة مثل (النهر الخالد)، أو (عندما يأتي المساء) وغيرها من روائع النغم. وإلى جانب هذه الخصال الحميدة التي تنقّي الوجدان وتطهر القلب، كان مجمعاً لمكارم الأخلاق، كان صادق النية، سامياً في أخلاقه، أصيلاً في تفكيره، متواضعاً في نقاشه، مراجعاً لنفسه عندما يكتشف أن الصواب إلى جانب من يطارحه الفكرة. كان يقدس الكلمة الصادقة، ويرى أنها مفتاح التفاهم بين الأمم، وكان محباً للشعر الجيد المبني على صدق العاطفة وبلاغة القول، وكان ينأى بنفسه عن الكلام الساقط نثراً أو شعراً».

اللقاء الأخير

وأخبرنا الجاسر أيضا عما حدث بينه وبين الفريح -رحمه الله- في آخر خميسية جمعتهما فكتب: «في آخر خميس استقبل فيه رواد منزله العامر، اقتربت منه وقلت له إن الدكتور صلاح فضل أستاذ الأدب العربي في جامعة عين شمس، أصدر كتاباً بعنوان (صدى الذاكرة)، أرسل لي نسخة منه، وفي الكتاب يروي أن طه حسين كان يبدي اهتماماً خاصاً بسهير القلماوي تلميذته، وعندما ذكرت اسم الدكتورة سهير انفرجت أسارير أبي عبدالرحمن وانتشى ورفع رأسه، وقال بصوت لم تكدره الكمامة: سهير أستاذتي في كلية الآداب، أرسل لي نسخة من الكتاب، وعندما عدت إلى منزلي، هاتفني معقباً على رغبته وقد لبيتها، وقبيل وفاته بأيام هاتفته وكان في جعبتي بعض ما كان يروق له من طُرَفٍ، لكنه لم يكن النديم الذي عهدته، كان صوته يخبو في مسمعي رويداً رويداً، لم ألتقط منه إلا تلك الكلمة التي لا تخطئها الأذن، وقد لازمته في ختام حديثه على الهاتف: تسلم تسلم تسلم».

والمعروف أن الفقيد تزوج في سن متأخرة، فلم ينجب سوى ابن وحيد سماه على اسم والده عبدالرحمن. وعبدالرحمن محمد عبدالرحمن الفريح هذا عمل في البنك السعودي الفرنسي، قبل أن يتفرغ لإدارة أملاك والده بعد أن تقدم السن بأبيه.

ونختتم بأبيات من شعر الفقيد الفريح:

شباب بلادي وأنتم لهـــــــا إذا ما دعت خير فرسانهــا

أزيحوا الغشاوة عن عينها وبثوا الحياة بجثمانهــــــا

وشيدوا لها عمـــــلا خالــدا وأدوا الحقوق لديانهـــــــا

وقولوا لها قد وجدنا الحياة بعلم البلاد وعمرانهـــــــا

ولا تســـــــتكينوا فإقدامكم لأحلامنا سطح برهانهـــــا

شباب تســامى لنيل المنى وقاد المعالي بأرسانهـــــا

مناصب الفريح:

مديرا عاما لوزارة المعارف

رئيس مجلس إدارة شركة الخزف

مديرا عاما لشركة أسمنت اليمامة

رئيس مجلس إدارة «غرفة الرياض»

Continue Reading

ثقافة وفن

الشاعر علي عكور: مؤسف أن يتصدَّر المشهد الأدبي الأقل قيمة !

الحديث مع الشاعر علي عكور في الكتابة الإبداعية حديث ممتع، وممتدّ، له آراؤه الخاصة التي يتمثلها في كتابته الأدبية،

الحديث مع الشاعر علي عكور في الكتابة الإبداعية حديث ممتع، وممتدّ، له آراؤه الخاصة التي يتمثلها في كتابته الأدبية، يعتد كثيراً بتجربته، ويرى أنّه قادر على الاختلاف؛ لأنّ مفاهيمه للكتابة تتغيّر مع الوقت.

لم يولد -كما قال- وإلى جواره من يمتهن أو يحترف الكتابة، ولم يكن الوسط الذي نشأ فيه يُعنى كثيراً بالأدب أو الثقافة بعمومها، ما يتذكره علي أنّه في أواسط عقده الثاني وقع على نسخةٍ من كتاب (المنجد) للويس معلوف، لا يعلم كيف وصلت إليه هذه النسخة العتيقة من الكتاب، لكنه شُغِف بها وبالعوالم التي تَفَتَّحت أمامه في هذا المعجم.

وجد الشاعر علي عكور نفسه ينجذب كالممسوس إلى الأدب بكل ما فيه من سحر وغموض وجلال، لكنّ الشعر العربي أخذه حتى من ألف ليلة وليلة؛ الذي انجذب إلى الشعر المبثوث في ثنايا الكتاب أكثر من السرد رغم عجائبيته وسحره!

الكثير من رحلة الشاعر علي عكور مع الأدب والكتابة الإبداعية في هذا الحوار:

‏ • حدّثنا عن علاقتك بالشعر والأدب بشكل عام.. كيف بدأت؟

•• بدايةً أودّ القول، أنه لم يكن في محيطي من يمتهن أو يحترف الكتابة، ولم يكن الوسط الذي نشأتُ فيه يُعنى كثيراً بالأدب أو الثقافة بعمومها. أتذكر أنني في أواسط العقد الثاني من عمري وقعتُ على نسخةٍ من كتاب (المنجد) للويس معلوف. لست أعرف كيف وصلت إلينا هذه النسخة العتيقة من الكتاب، لكنني شُغِفتُ بها وبالعوالم التي تَفَتَّحت أمامي بعد الاطلاع على هذا المعجم. وشيئاً فشيئاً، وجدت أنني أنجذب كالممسوس إلى هذا العالم الرحب، بكل ما فيه من سحر وغموض وجلال. وأثناء تجوالي في عوالم الأدب أُخِذْتُ بالشعرِ العربي وبإيقاعيّة الجملة الشعرية فيه. حتى عندما وقع بين يديّ كتاب (ألف ليلة وليلة)، لم أنجذب إلى السرد رغم عجائبيته وسحره، بقدر ما انجذبتُ إلى الشعر المبثوث في ثنايا الكتاب. وأتذكر أنني كنت أتجاوز الصفحات وأقلّبها بحثاً عن بيتٍ أو بيتينِ من الشعر.

• لمن تدين بالفضل في الكتابة؟

•• أودّ أن أدين بالفضل إلى أحدٍ ما، لكنني حين أمَرّر بداياتي على الذاكرة، لا أتذكّر أحداً بذاته، آمن بي أو رأى في ما أقوم به بدايات واعدة لمشروع ما. كل ما هنالك أنني كنتُ أتلقى ثناءً عابراً إذا كتبتُ شيئاً جيداً. على أنني لا أقلّل من هذا الثناء، فقد كان ذا أثرٍ كبير في دافعيتي، وديمومة شغفي بالكتابة. هذا فيما يخص البدايات، أما الآن فأنا أدين بالفضل لأسرتي ولزوجتي خاصة، فهي داعم كبير لي على طول هذا الطريق، وتتحمل عن طيب خاطر الأعباء التي يُخلّفها انشغالي بالكتابة وهمومها.

• شاعر كان تأثيره كبيراً عليك.

•• لا يمكن تتبّع الأثر بسهولة في هذا الشأن؛ لأنه غالباً يكونُ قارّاً في اللاوعي. لكن إذا كان السياب يرى أنه تأثر بأبي تمام والشاعرة الإنجليزية إديث سيتول وأنه مزيج منهما، فأنا أرى أنني تأثرت كثيراً بسعدي يوسف ومحمود درويش، وأشعر أنهما يلتقيان بطريقة ما، في الكثرة الكاثرة مما أكتب.

• كيف للشاعر أن يكتب قصيدته وفق رهان المستقبل وليس للحظة التي يعيش فيها؟

•• في الغالب لا توجد كتابة لا يمكن تجاوزها. وما يُعبّر عنك الآن قد تجد أنه لا يُعبّر عنك غداً. أعتقد أن الرهان الحقيقي هو أن نكتب شيئاً يستطيع أن يصمد أمام عجلة الزمن. ربما إحدى الحيل التي يمكن أن نمارسها هي أن نكتب نصوصاً أكثر تجريداً وانعتاقاً من قيود الزمان والمكان، وأن نتخفّف من الكتابة تحت تأثير اللحظة الراهنة والحدث المُعاش.

• الملاحظ أنّ هناك إصدارات متشابهة في الشعر والقصة لشعراء وكتاب قصّة، وإن تعددت عناوينها، لكنّ التجربة لم تختلف.. ما تأثير هذا على الإبداع والقارئ كذلك؟

•• صحيح، هذا أمر ملاحظ. هناك من يصدر عشرة دواوين، وعند قراءتها لا تجد اختلافاً بينها، لا من حيث الثيمات ولا من حيث طريقة التناول، لتفاجأ أن هذه الدواوين العشرة هي في الحقيقة ديوان واحد طويل. الكاتب أو الشاعر الذي لا يتجدد يخاطر بمقروئيته ويخسر رهانه الشخصي. إما أن تقول شيئاً جديداً أو شيئاً مألوفاً بطريقة جديدة، لكن لا تقل الشيء نفسه بالطريقة نفسها، حتى لا تعطي فكرة أنك لا تأخذ مشروعك بما يستحق من جدية واهتمام.

• تنادي بأهمية تصدّر الأدب الجاد والأصيل المنصات.. أولاً: من يحدد ماهية الأدب الجاد؟ ثانياً: هل المرحلة تساعد في أن يتصدّر الأدب أيّاً كان المنصات التي كثرت وكثر مستخدموها والمؤثرون فيها؟

•• النقّاد والقرّاء النوعيّون، هم من يحددون ماهيّة الأدب الجاد ويُعلون من قيمته. مؤسف أن يتصدر المشهد الأدبي الأقل قيمة، بينما يبقى الأدب الأصيل في الهامش. في الأخير نحن مسؤولون عن تصدير ثقافتنا، وما نتداوله ونجعل له الصدارة في منصاتنا ومشهدنا، هو ما سيُعبّر عنّا وسيكون عنواننا في النهاية. وبالتالي لنا أن نتساءل بصدق: هل ما صُدِّرَ ويُصَدّر الآن، يُعبّر عن حقيقة وواقع الأدب والثقافة في بلادنا؟

• لديك مشكلة مع المألوف والسائد، وتطالب بسيادة الأدب الفريد والمختلف.. هل لدينا اليوم ذائقة خاصة يمكنها إشباع الذائقة العامة؟

•• يمكن الاتفاق في البدء أن تغيير شروط الكتابة هو في المقابل تغيير لشروط التلقي، وأن كل كتابة أصيلة ومختلفة ستصنع قارئاً مختلفاً. كل كتابة جادّة ستصنع قارئها، وهذا هو الرهان الحقيقي. أما المألوف والسائد فإنّ القارئ مصابٌ بتخمة منه. كل كتابة في المألوف والسائد هي ابنٌ بارٌّ للذاكرة لا للمخيّلة؛ الذاكرة بوصفها مستودعاً لكل ما قرَّ واستقرّ فيها وأخذ مكانه المكين. والمخيّلة بوصفها انفتاحاً على المتجدّد واللانهائي.

• ماذا يعني لك فوزك بالمركز الأول في مسابقة التأليف المسرحي في مسار الشعر؟ وماذا تعني لك كتابة الشعر المسرحي؟

•• سعدت كثيراً بالفوز، سيما أن المسرحية تتحدث عن شخصية أحبها كثيراً: شخصية ابن عربي؛ تلك الشخصية التي عشت معها طيلة ثلاثة أشهر (وهي مدة كتابة العمل)، تجربة روحية وروحانية بالغة الرهافة، فقد استدعت الكتابة عن ابن عربي، العودة إلى قراءة سيرته وأجزاء من أعماله التي حملت جوهر فكره وعمق تجربته الصوفية. وبالانتقال إلى الجزء الثاني من السؤال، أقول إن كتابة الشعر المسرحي عمّقت من مفهومي للشعر وإيماني به وبقدرته على التحرك في مناطق جديدة، يمكن استثمارها على نحو جيد ومثرٍ، إذا ما تعاملنا معها بجدية.

• أما زلت تبحث عن دار نشر تطبع لك ديوانك الجديد دون مقابل مادي تدفعه؟

•• استطعت التواصل مع أكثر من دار، وقد رحبوا بالديوان والتعاون من أجله. لا ضير في كون دور النشر تبحث عن الربح، فهذا من حقها، وهذه هي طبيعة عملها. كل ما أنادي به أن تكون هناك جهة حكومية تشرف عليها وزارة الثقافة، تقوم بطبع الأعمال الجادة التي تعبّر عن حقيقة الأدب السعودي وواقعه.

• جاسم الصحيح قال عنك إنك لست شاعراً عابراً، وإنما شاعر ذو موهبة كبرى تتجاوز المألوف والسائد.. ماذا تعني لك هذه الشهادة؟•• جاسم اسم كبير في المشهد الثقافي وتجربة مرجعية في الشعرية العربية الحديثة، وأن تأتي الشهادة من قامة كقامة جاسم الصحيح لا شك أنها شهادة تدعو للابتهاج والنشوة، إضافة إلى ما تلقيه عليّ من عبء ومسؤولية كبيرة.

• كيف يكون المؤلف الجاد والرصين رأس مال لدور النشر؟

•• تمهيداً للإجابة عن السؤال، لا بد من القول إن الرساميل الرمزية أحياناً تكون أهم وأكثر مردوداً من القيمة المادية. بالنسبة لدور النشر، يُعد الكاتب الجاد رأس مال رمزياً مهمّاً؛ لأنه يبني لها سمعة في الوسط الثقافي. إذا أرادت دور النشر أن تستثمر في سمعتها، فإن أسرع طريقة هي استقطاب كتاب أصحاب مشاريع جادة، مقابل أن تطبع لهم بمبالغ رمزية على الأقل.

• كتبتَ الشعر بأشكاله الثلاثة ومع ذلك ما زلت ترى أنّ الوزن ليس شيئاً جوهرياً في القصيدة.. ما البديل من وجهة نظرك؟

•• نعم الوزن ليس شيئاً جوهريّاً في الشعر. ونحن حين نقول الوزن نقصد بطبيعة الحال الأوزان التي أقرها الخليل بن أحمد. الحقيقة أن الأوزان جزء من الإيقاع، أو بمعنى آخر، هي إحدى إمكانات الإيقاع وليس الإمكانية الوحيدة، وما دامت إحدى تجليات الإيقاع وليس التجلي الوحيد، فمعنى ذلك أن الإيقاع أعم وأشمل وأقدم. وعليه فإن الإيقاع هو الجوهري وليس الوزن. والإيقاع يمكن أن يتحقق في قصيدة النثر مثلاً، عبر حركة الأصوات داخل الجملة الشعرية. وهناك حادثة دالة وكاشفة أنهم حتى في القديم كانوا يدركون أن الشعر بما فيه من إيقاع يوجد أيضاً خارج أوزان الخليل، إذ يُروى أن عبدالرحمن بن حسان بن ثابت دخل على أبيه وهو يبكي، وكان حينها طفلاً، فقال له: ما يبكيك؟ فقال: لسعني طائر، فقال: صفه، فقال: كأنه ملتف في بردي حبرة. فصاح حسان: قال ابني الشعر ورب الكعبة. هذه القصة المروية في كتب الأدب تكشف بجلاء أن الشعر أوسع من مجرد الوزن والتفاعيل.

• أنت تقول: لا شيء يسعدني ككتابة الشعر الجيّد.. ما مواصفات الشعر الجيّد؟

•• لا أملك ولا يحق لي ربما الحديث عن الشعر الجيد بإطلاق؛ لأن في هذا ادعاءً كبيراً، لكن يمكن الحديث عما أراه أنا أنه شعر جيد؛ أي في حدود رؤيتي فقط. كل شاعر يكتب الشعر بناءً على ما يعتقد أنه شعر، وعليه فإن الشعر الجيد -كما أراه- خرق لنمطية اللغة وبحث جاد عن اللامرئي في المرئي، ومن مواصفات النص الجيد أن يتقاطع فيه الفكري بالوجداني، وأن يكون نتاج الحالة البرزخية بين الوعي واللاوعي. طبعاً إضافة إلى ضرورة أن يتخلص من المقولات السابقة، وأن يعمل في تضاد مع الذاكرة والثقافة؛ لأنهما يفرضان السائد والمألوف وكل ما هو قارّ في الذهن.

• العودة الملاحظة للشذرات كتابة وطباعة.. إلام تعيدها؟

•• الشذرة في رأيي هي رأس الشعرية. حَشْد كل هذا العالم بمستوياته وتناقضاته ورؤاه في بضع كلمات أمر بالغ الصعوبة على مستوى التكنيك، لكنه مثير وممتع حين تدخله كمساحة للتجريب وتحدي إمكانياتك. أيضاً جزء من اهتمامي بالشذرة يعود إلى افتتاني بالمشهدية وتأمل الفضاءات البصرية واستنطاقها. إضافةً إلى ما في الشذرة من تداخل أجناسي يزيدها ثراءً وغنى. وعلى مستوى آخر أعتقد أن الشذرة بحجمها وبنيتها أكثر تمثيلاً لحياتنا المعاصرة التي أشبه ما تكون بلقطات متتابعة ومنفصلة في فضاء بصري، يجمعها سياق عام. وأخيراً لا أنسى أن منصة (إكس) بما كانت تفرضه من قيود تقنية قد أسست لتجربتي في الكتابة الشذرية وصقلتها.

• الشاعر أحمد السيد عطيف اختلف معك في شكل القصيدة، ورأى أنّ الشكل لا يجعل الكلام جميلاً ومؤثراً.. فيما ترى أنت أنّ الكتابة على نمط القصيدة القديمة تقليد وليس إبداعاً.. هل المشكلة في الشّكل أم في أشياء أخرى؟

•• نعم، كان الحديث في هذه الجزئية عن القصيدة العمودية، وعن كتابتها بصياغة تقليدية مغرقة في القدامة. النقد الحديث على عكس القديم، لا يفصل بين الشكل والمضمون، ولكتابة نص حديث لا بد من تحديث الشكل؛ لأننا لا يمكن أن نتحدث عن مضمون ما بمعزل عن الشكل، إذ إن الشكل يخلق مضمونه أيضاً. طبعاً لا أقصد بتحديث الشكل استبدال القصيدة العمودية بشكل آخر، بل أقصد التحديث من داخل الشكل نفسه. تجديد الصياغة وتحديث الجملة الشعرية ذاتها لتكون قادرة على التعبير عن الرؤى الجديدة.

• لماذا ترى أنّ كتابة قصيدة النثر أصعب من كتابة قصيدة عمودية أو تفعيلة؟

•• السبب في رأيي أن النص العمودي والنص التفعيلي لديهما قوالب إيقاعية جاهزة تجعل من مهمة الخلق الشعري مهمة أقل صعوبة. بينما في قصيدة النثر أنت تعمل في منطقة أقرب ما تكون إلى الشكل الهلامي. قصيدة النثر ملامحها أقل حدة ووضوحاً من الشكلين السابقين، وعليه فإن كتابتها تحمل صعوبة أكبر؛ لأن لكل نصٍّ قالبه الخاص الذي عليك أن تخلقه من العدم.

• كيف يمكن للشاعر أن يكون رائعاً؟

•• يكون كذلك إذا كان أصيلاً؛ أي معبراً عن صوته الخاص، ولحظته الراهنة، ومنغمساً بالكامل في تفاصيل عالمه، طبعاً دون أن يفقد قدرته على الاتصال بالوجود والكون.

• النصوص القصيرة التفعيلية التي كتبتها وترغب في نشرها مرفقة برسوم إبداعية.. ماذا عنها؟

•• هي أربعون نصّاً، تحمل خلاصة تجربتي في كتابة الشذرة الشعرية، وهو تنويعٌ على تجربتي الشعرية عموماً. تعاونت في هذا المشروع مع الرسامة السورية القديرة راما الدقاق. والعمل الآن في مرحلته الأخيرة، وسيُنشر خلال الشهرين القادمين.

Continue Reading

ثقافة وفن

رواء الجصاني يلتقط سيرة عراقيين من ذاكرة «بـراغ»

أصدر رئيس مركز الجواهري الثقافي، رواء الجصاني، كتاباً توثيقياً عن (شخصيات وشؤون ثقافية عراقية في ذاكرة وتاريخ

أصدر رئيس مركز الجواهري الثقافي، رواء الجصاني، كتاباً توثيقياً عن (شخصيات وشؤون ثقافية عراقية في ذاكرة وتاريخ براغ) طيلة 65 عاماً، وتضمن التوثيق 22 عنواناً فرعياً.

وسلّط المصدر الببلوغرافي الضوء على إقامة خال الجصاني الشاعر العربي محمد مهدي الجواهري، في التشيك قرابة 30 عاماً (1961-1991)؛ منها سبعة متصلة (1961-1968)، و كتب الجواهري خلال إقامته في (براغ) نحو 30 قصيدة ومقطوعة؛ عشر منها، وفيها، عن التشيك وجمال وعطاء بلدهم الذي أطال من عمر الجواهري كما يثبت ذلك في قصيدته:

أطلتِ الشوطَ من عمري، اطالَ الله من عمركْ

ولا بلّغتُ بالشرّ، ولا بالسوءِ من خبـركْ..

ألا يا مزهرَ الخلدِ تغنى الدهرُ في وتركْ.

واحتفظ المثقفون التشيك، باعتزاز بذكرى إقامة الجواهري معهم، وهم يدركون تميّزه الشعري، إضافة لكونه رمزاً عراقياً وعربياً، وإنسانياً، وجسراً وطيداً بين ثقافتي البلدين، وتم وضع نصب (معلم) تذكاري له جوار شقته التي عاش فيها أزيد من ربع قرن بمنطقة براغ السادسة.

كما تناول الكتاب، الفنان والمفكر الرائد محمود صبري، ذو العطاءات التشكيلية وصاحب نظرية (واقعية الكم) الذي أقام في براغ فناناً ومفكراً وطنياً، وباحثاً إنسانياً نصف قرن (1963-2013).. وكذلك الباحث والكاتب والمترجم القدير مصطفى عبود الذي أقام بها من أواخر السبعينيات إلى 1985. والكاتب والصحفي شمران الياسري (أبو كاطع) منذ النصف الثاني من السبعينيات إلى عام 1981.. والكاتب والروائي يحيى بابان – جيان، من منتصف الستينيات إلى عام 2023. والفنان الكردي العراقي البارز قادر ديلان؛ الذي أقام وعمل في براغ لنحو عقدين إلى وفاته عام 1999. والباحث الجدير فالح عبد الجبار من عام 1979 إلى 1981.. وبشرى برتو، وذنون أيوب، وفاروق رضاعة، وفيصل السامر، ونوري عبد الرزاق، ومجيد الونداوي، ومهدي الحافظ..

واستعاد الجصاني مسيرة إذاعة براغ العربية، ومن أسهموا فيها، ومنهم: أحمد كريم، وأناهيد بوغوصيان، وحسين العامل، وزاهد محمد، وصادق الصايغ، وعادل مصري، وفائزة حلمي، ومفيد الجزائري، وموسى أسـد، ونضال وصفي طاهر.

كما تناول الجصاني المجلات الثقافية التي صدرت، وكذلك المتخصصة في شؤون سياسية واقتصادية، والسفراء، والدبلوماسيين، وأمسيات شعرية، وندوات أدبية وفكرية، ومعارض فنيّة، وحفلات موسيقية، ومؤلفات وتراجم، وأفلام ومخرجين، ومترجمين ومحررين، وكتب ومكتبات، ومحطات إعلامية، ومركز الجواهري، الذي أطلقه رواء الجصاني والدكتور محمد حسين الأعرجي، والمستعرب التشيكي (يارومير هايسكي)، وبدأ نشاطاته في منتصف عام 2002: و(بابيلون للإعلام والنشر)، كما تناول الكتاب باحثين وأكاديميين وعلماء.

Continue Reading

ثقافة وفن

«آثارنا حضارة تدلّ علينا»

كادت الآثار التاريخية الأبرز في بلادنا تندثر، في ظل ثقافة تعمدت تغييب الوعي بأهمية التراث والأثر في حياة الشعوب،

كادت الآثار التاريخية الأبرز في بلادنا تندثر، في ظل ثقافة تعمدت تغييب الوعي بأهمية التراث والأثر في حياة الشعوب، ودورها في التنمية الاقتصادية، والتقدير الإنساني، وأبرمت هيئة التراث، مؤخراً، اتفاقية مع الهيئة الوطنية للتراث الثقافي في الصين، للتنقيب عن الآثار بموقع السرين الأثري بمحافظة الليث بمنطقة مكة المكرمة، وتستهدف الاتفاقية التوسع في أعمال التنقيب الأثري الميداني بالمملكة، وتعزيز الشراكات العلمية مع الجامعات والمراكز الدولية المتخصصة في التراث. وتواصل هيئة التراث جهودها لاستكشاف الفرص الممكنة لتحقيق عوائد ثقافية، واقتصادية، واجتماعية من التراث الوطني بما يتماشى مع مستهدفات رؤية السعودية 2030. وسبق أن كشفت (هيئة التراث السعودية) عن اكتشاف أكثر من 1556 موقعاً أثرياً و1900 منشأة حجرية و7600 واجهة صخرية تحتوي على رسوم ونقوش تاريخية في مختلف أرجاء البلاد عقب 72 مشروعاً بحثياً بالشراكة مع عدد من الجامعات والمراكز العلمية المتخصصة في مجال المسح والتنقيب الأثري.

وهنا نطرح محور قضيتنا الأسبوعية حول التراث والآثار؛ من خلال رؤية ثقافية وعلميّة، وإبداعية، مستأنسين برأي عدد من الباحثين المتخصصين، فيرى الأكاديمي الدكتور إبراهيم أبو هادي النعمي أنه حين نتجه إلى الاهتمام بالماضي؛ باعتباره مكتسباً، فإننا نعي تماما أنها «عودة» إلى الخلف في الإطار الإيجابي، إذ تعني تجذير المعرفة واصطحاب تطورها وتشكلاتها في الحقب الزمنية؛ وفق تاريخيّة الزمكان وتأثيره على المنتج الثقافي واستثمارها في الحاضر بكل حمولاته الثقافية والاجتماعية والسياسية. وعدّ ما الدولة بصدد رعايته موروثاً يجمع بين الابستمولوجيا والانطولوجيا وتجلياتهما في الآداب والفنون والطقوس الاجتماعية والتعبير عن الهويّة الثقافية المستمرة والمتغيرة والمتطورة، مؤكداً أهمية دراسة الوجود والكيانات المتعلقة بالآثار والتراث وكيفية تفسيرها في سياق الهوية والتاريخية، فالهوية تسهم في تعزيز شعور الانتماء والاعتزاز بالثقافة المحلية والقيم والتقاليد التي تشكلت عبر العصور؛ ويكون ذلك من خلال الحفاظ على التراث والآثار لضمان رفد الهوية للأجيال القادمة. وأوضح أبو هادي أننا اليوم في المملكة، وعبر برامج الرؤية الملهمة، نرى أن الاهتمام بالتراث المعرفي والمادي؛ باعتباره ذاكرة الأمة وهويتها، يحقق للمواطن السعودي تحسين جودة الحياة والتقدم نحو المستقبل بوعي وثقة المنافس، معتمداً على تاريخ عريض من الحضارات المتتابعة والثقافات المتنوعة التي تتماشى مع توجهات الدولة الحديثة وتعاطيها مع ثقافات العالم؛ كونها لاعباً رئيساً في مجالات الاقتصاد والسياسة والحضور الاجتماعي والثقافي، كل هذا يقودنا نحو بناء مستقبل مستدام مستنداً إلى الماضي، متماهياً مع الحاضر، متطلعاً للمستقبل. ولفت أبو هادي إلى أن الحفاظ على الموروث؛ سواء أكان مادياً أو معرفياً؛ واجب تجاه المجتمعات المحلية والإنسانية، ما يلزمنا بنقله بكل أمانة واحترافية واهتمام تدويناً وتوثيقاً وصيانةً وتمكيناً للبعثات المتخصصة في استكناه أسراره وإتاحة المادي منه للدرس والتنقيب والمعرفي للتدوين والتداول وإعادة انتاج كل ذلك من خلال الفنون بكل أطيافها، مضيفاً بأن المملكة من أغنى دول العالم تراثاً وموروثاً ثقافياً، ويحمل ترابها آثاراً وتاريخاً يعكس حضارات قديمة كان الحفاظ عليه واجباً وطنياً يستوجب تضافر الجهود للعناية به وتحمل مسؤوليته. وقال أبو هادي: «إن فلسفة الحفاظ على التراث تدور حول استدامته والاحتفاظ بتلك الذاكرة الجماعية التي تستعيد تجارب وتحديات المجتمعات السابقة؛ التي هي في حقيقتها جزء من وجودنا، كما أن فهمنا العميق لهذا التراث يساعدنا على تقدير تنوع الثقافات ويعزز الحوار بين الأجيال».

فيما يرى الباحث في العلوم الإنسانية عبدالهادي صالح الشهري أن كل ما هو قابل للاندثار سيندثر ما لم يتم تداركه؛ سواء أكان ذلك في التراث المادي أم غير المادي، مشيراً إلى أنه لا يمكن التعرف على تاريخ البشرية إلا من خلال ما خلفوه من آثار ملموسة أو غير ملموسة؛ واعتبارها هوية تاريخيّة تعكس قيمة الإنسان وحضوره وأمجاده على هذه الأرض.

وأوضح أن في محافظة النماص -على سبيل المثال- الكثير من التراث المادي الذي حاول فيه الأسلاف رفع الهوية الجبلية بكامل تفاصيلها التاريخية والثقافية على حد سواء، كما هو أيضاً على مستوى التراث غير المادي، إذ لا تزال العادات والتقاليد متوارثة إلى يومنا هذا، وتكشف طريقة تعايش الإنسان مع الطبيعة الجبلية التي تشير إليهم وتميزهم عن غيرهم، ولا يمكن للزائر لمحافظة النماص إلا أن يستشعر هيبة الجبال والأودية والشعاب ويشتم رائحة التاريخ وهي تخرج من بين حصونها وقلاعها الكثيرة ويبتهج من ضيافة أهلها الكرام. وأكد الشهري أننا ونحن نتجه جميعاً وفق رؤية السعودية 2030 للحفاظ على هذا الإرث الكبير؛ الذي تمتلكه المملكة في جهاتها الأربع ورفع الوعي بأهمية الحفاظ عليه وعرضه أمام السائح الذي ستدهشه ولا ريب القيمة التاريخية لهذه الأرض والممتدة منذ آلاف الأعوام إلى يومنا هذا، ما يحتّم على الجميع السعي الحثيث نحو المحافظة على كل ما يخلد تاريخ هذه الأرض وتقديم الهوية والحضارة العربية العظيمة للآخر المتشوق لمعرفة تاريخنا وفروعه المتعددة بكل اعتزاز وفخر وجلال.

الذييب: إشراك المواطن في حفظ الآثار ضرورة

فيما ذهب مستشار مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية الدكتور سليمان بن عبدالرحمن الذييب، إلى أن الآثار شاهد على إنجازات أي مجتمع، ولا أبالغ إن قلتُ إن الآثار هي حامل الصبغة الوراثية التي توثق نسب المجتمع بما خلفه من إنجازات، وعلامة الهوية الوطنية، لافتاً إلى أهمية أن يولي المجتمع ليس فقط الاهتمام والرعاية اللازمتين، بل المحافظة على الآثار وجعلها أحد أسس الانطلاق إلى الأمام، موضحاً أن قيادتنا الرشيدة تبنّت -شأن مجتمعات متقدمة- المحافظة على الآثار والاستفادة منها في خططها المستقبلية الواعدة عن طريق استلهامها في قضاياها والاستفادة منها اقتصادياً واجتماعياً ووطنياً، في ظل ما تبذله الجهات المعنية في هذا الجانب ما يخلق تفاؤلاً طيباً في حاضر الوطن ومستقبله.

وأكد الذييب أن دولتنا اعتمدت خططاً للمحافظة على هذا الإرث العظيم والعمل على توظيفه سياحياً وثقافياً واقتصادياً في إطار الاستراتيجية الوطنية للثقافة ورؤية 2030م، مشيراً إلى أنه إذ أخذنا جانب المحافظة على هذه الآثار فإن أبرز ما يجب تبنيه والسعي لتنفيذه هو توثيق هذه المواقع الأثرية والتراثية، وتسجيل المهم منها لدى منظمة اليونسكو باعتباره تراثاً عالمياً، مع ترميم هذه المواقع وتهيئتها بشكل صحيح، إضافة إلى تفعيل البحث العلمي في المؤسسات العلمية المعنية في هذا الأمر، مضيفاً بأن للجانب الاقتصادي دوراً متى ما تم العمل على التهيئة الجيدة للمواقع، وتسهيل الوصول إليها وتحقيق العوامل المساعدة على زيارتها، كي يتمكن الزائر من استنطاق التاريخ من خلالها. وعدّ من الأهمية مراعاة أن تكون هذه المواقع صديقة للبيئة بإمداد هذه المواقع التراثية والأثرية بأحدث وسائل التنمية المستدامة، وحظر استخدام وسائل من شأنها الإضرار بالبيئة. والاستعاضة عنها بالوسائل الحديثة لجذب الزائر، المتمثلة في الذكاء الاصطناعي في مجال الآثار والتقنية الحديثة التي تؤدي دوراً واضحاً في الترويج وتعزيز الاهتمام بها من خلال تقنية المحتوى الرقمي وتطبيقاته المختلفة، وتطوير قدرات الكوادر البشرية الوطنية عن طريق الابتعاث والدورات والمشاركات، مع جهات عالمية ذات خبرة طويلة في هذا الجانب، ومنح هذه الكوادر ثقة تولي مهمات التعامل مع آثار هذا الوطن العريق وتراثه.

ويرى الذييب أن كل هذه الخطط والآمال لا يمكن أن تحقق هدفها المنشود دون إيمان المواطن بهذه الأهمية، فدوره هو الأساس في الحفاظ على الآثار. ودعا الذييب إلى إشراك الجهات ذات العلاقة (المواطن) في الاستفادة الاقتصادية، وتخطيط مستقبل مدينته، وقال: «دون ذلك فمهما صُرفَ وبذل فلن نلمس نتائجه التي نتوخاها».

Continue Reading

Trending

جميع الحقوق محفوظة لدى أخبار السعودية © 2022 .