Connect with us

ثقافة وفن

قنديل في رواية «تيريز ديكيرو» لـ «فرانسوا مورياك»

إنّي لممتنّة على ما خلقهُ (مورياك) في هذه الرواية، لم يكن ذلك مجرّدا عن معاناة المُدرِك أو عشوائيا، ولم تكن بطلته

إنّي لممتنّة على ما خلقهُ (مورياك) في هذه الرواية، لم يكن ذلك مجرّدا عن معاناة المُدرِك أو عشوائيا، ولم تكن بطلته همجية وأمّية أو فوضوية، بل كانت ذكيّة بالفطرة وقارئة جيدة ومصغية بسليقتها للطبيعة البشرية، فهي تغوص في داخلها وتحلّل ما تختاره وتهيئ النتائج التي تريدها، كما تعرف كيف تتعامل مع الآخرين بأمزجتهم، حتى أنّها كانت تعرف ما بين يديها تمام المعرفة، لكنها لا تشعر تجاهه بشيء، إنّها تبحث عن المعنى، ولأنها كانت لا تجده في الحياة فقد ظنّت أنها ستجده في الموت لـ(برنار)، زوجها ووالد طفلتها، لذلك كانت طرفا في ذلك الموت ولم تكن وجهَه، حتى عندما روّضتْ محاولةَ انتحارها وقوطعتْ أثناءها، لقد كانت تبحث عن المشاعر، أيّ نوع من المشاعر، أيّ إحساس يتدفق إلى نفسها غير المحصول وأشجار الصنوبر والصمغ والأراضي التي يتحدث عنها (برنار)، لذلك فقد وجدتْ (تيريز) في (أزفيدو) ذلك التدفق، هذا الصديق الجديد الذي تحبّه شقيقةُ زوجها، والذي ترفضه العائلةُ وتعتبره منحلّا ومريضا ودون نسب قدير ولا يناسب ابنتهم، وحين التقت به (تيريز) لتحدّثه عن رفض العائلة الذين أوصوها بالابتعاد عن ابنتهم؛ أدهشها هذا الشاب الذي لم يكن وسيما بقدر ما كان ذكيا، بقدر ما كان يلامس أبعد نقطة من مخاوفها في حديثه عن الحرية، ويحرّك الراكد في نفسها للهروب من عدمها المفروض، بالفعل إنها لم تكن تشعر تجاهه بالحبّ، لكنّه كان يمثّل روحها التي تحلم بأخذها من يدها إلى عوالمَ لا تعرف عنها شيئا، إلى حرية تسلَم فيها من تآكل ذاتها، إلى أي مكان عدا هنا، (هنا) التي لطالما أرّقتها والتي أثبتتْ لها (حرّية أزفيدو) معنى البعد عنها، لقد تمكّنتْ منها فكرةُ الحرية، وعليها أن تقتل الان، لم تخطط لذلك، لقد أعجبها حادثُ التسمم العارض، وأرادت ألا تجعله حادثا بعد الان، لقد اختارت بطلة (مورياك) أن تقتل رجُلَها، على أنها لم تكن تقتل الرجل، كانت تقتل ما يمثّله هذا الرجل من (هنا)، كان بقاؤه في حياتها هو الدليل الأكيد على أنها (هنا)، إنّها لم تشخّص كلّ ذلك الهمّ والحرمان إلّا متأخرا، بعد أن أخبرتها (آ/‏ شقيقةُ زوجها) بحبّها لـ(أزفيدو)، هذا الحبُّ الذي يجعل من (آن) حية؛ فقط لأنها تتألم، إنّه معنى أن تدرك ما يستحق هذه الحياة المؤلمة، إنه منحُ الألم لقضية مُستحَقة، وإنها مقتنعة بهذا الفناء، لأن فناءها في محبوبها لا يعني أنها قد تلاشتْ، بل يعني أنها فعلتْ كل شيء لأجل ذلك الحبّ، وأنها الآن بريئة أمام نفسها، فتراكمتِ الوساوس في رأس بطلة (مورياك) بعد أن رحل (أزفيدو)، ذلك الصديق الجديد الذي أخبرها دون أن يعرف ما هي فيه؛ أنّ هنالك عالما آخر يجب أن يعاش، حرّية يجب أن تُنال وتُقدّس أكثر من أي شيء آخر، لكن إلى أين تذهب وقد فات الأوان، ها هي اليوم تُحاكم على جريمتها، ويبرّئها المقتول أيضا، فتُحبس -اجتماعيا- في منزلها الذي لم تكن تطمئن إليه، وأمام صورة زوجها -التي تذكّرها بذنبها- وعائلته، تلك الروح المنجرفة وراء أسراب الطيور سجينة الآن، وهي التي تحب السير في الغابة، تطعم الحمام تارة وتقتله تارة، كلّ ذلك في المنزل الذي بناه (مورياك) لأجلها، وجعلها تعيش فيه وترتكب جريمتها فيه وتُسجن فيه وتحاول الانتحار فيه أيضا، إنها تملك من الحياة في الخارج أكثر بكثير مما تملك في هذا المنزل، لقد حرمها القدر من كلّ تلك الحرية، وفي نظرها؛ فإنّ زوجها هو القاتل وأنها ضحية القدر لا المتلاعبة به.

لقد راسلتْ (تيريز) صديقها (أزفيدو) من سجنها المنزليّ، لكنه لم يُجب على رسالتها، وقد شعرتْ في عدم ردّه بأنه لا يراها، إنها لا شيء عنده، وإنها لا يجب أن تبقى في ظل حريته، عليها أن تكون هي (أزفيدو)، ورغم نواياها الحسنة في رسالتها وفي صداقتهم القصيرة للقائه إلّا أن (الطريق إلى الجحيم معبّد بالنوايا الحسنة) كما يقول المثل القديم وها هي اليوم في درب الحيرة.

لقد غمر (مورياك) بطلته بالحسّ العميق والتدفق المتدرّج المثالي لانفعالات النفس الجريحة، فهي (تسير إلى مدينة سان كلير مهما كان الطقس)، لذلك كانت بطلته تعيش مواسمَها الخاصة تحت كل ظرف، وتتقلّب فيها الفصول بتقلّب الظروف حولها، فهي تعرف المطر قبل أن يجيء لكنها تسير على أيّ حال.

وحين قرّرتِ العائلة أن تخفي (تيريز) عن الناس وتجعلها نسيا منسيّا؛ لم يكونوا يبعدونها لتُنسى جريمتها فقط، بل لتُنسى هي، المرأةُ التي تمثل العار في العائلة، والقاتلة التي يجب أن تُنفى، إنّهم يرسلونها الى حرّيتها كعقوبة على جريمتها، حيث لا يعرفها أحدٌ غيرها، كما حصل مع جدّتها، الجدّة التي لا تذكر عنها (تيريز ) الكثير والتي أُرسِلتْ بعيدا وأُحرقتْ صورها كي لا يتذكرها أحد.

كانت بطلة (مورياك) تستغرق في مخيّلتها بشكل كبير بعد انتكاستها الصحية، لقد أمرَضها (مورياك) لتعرف ما تريده، لقد كسرها ليرى حتى أيّ مدى تتمسّك بقصّتها وتتمكّن من غصّتها وتقف باحثة عن الحرية من جديد، وإلى أي حدّ تستطيع رسم طريقها الخاص، أو كيف ستنجو من فخاخ ذاتها ومحنتها.

الحقيقة أن أحدا لم يعرف لماذا ارتكبت (تيريز) جريمتها، غير اثنين؛ مورياك والقارئ التيريزي -إنْ صحّ التعبير-، نستطيع معرفته حين نشخّص سبب فعلتِها وقت أنكرتْ هي معرفة السبب، إنّها لا تدري، ما تدريه أنه كان عليها ذلك!

فقالت حين بدأتْ تبرر سبب فعلتها (لا أعرف، ربما كان ذلك بداعي الفضول)، إنّها كانت تريد أن ترى ردّ فعله، إنّها تريده أن يشعر فقط، ولو كان ذلك بالموت؛ فليشعر أنه يموت!

لكنّ أوان التفسير قد فات، إنّها في قطار باريس، سوف تُترك هناك، مُنكَرة ومنفيّة وبلا عودة، دون أن تودّع ابنتها، غير أنّها الآن بجناحين، لقد قرر (مورياك) أخيرا أنْ يطلق سراح بطلته، التي كانت أمنيتها أن ترى (الأحياء) كما تسمّيهم، (أولئك الذين من لحم ودم)، لا أشجار صنوبر بعد اليوم، ولا صمغها الذي يربطها بـ(هنا) القديمة، إنّها (هناك) الآن، (قدّيسة تضع مساحيق التجميل وتدخّن وتشرب الخمر)، قدماها حرّتان أخيرا، لا وجه يطاردها في المدن، ولا (أزفيدو) الذي لم تذكره في مدينة الحريّة، لقد أصبحتِ الآن بطلةَ قصّتها.

ربّما كانت دوافعها تشير إلى الحقيقة/‏ المعنى، وقد تكون دلالاته أبسط من هدوء الليل وأهون على النفس من قصبةٍ تكسرها الريح، نحن أبطال قصصنا السعيدة والمُرّة، نحن أكثر من (تيريز) في أكثر من (هنا)، لكننا لا ندسّ السمّ لخيالنا ولا نلغّم دربه بالممكنات القاتلة، بل نقتله دفعة واحدة، نجد فجأة شيبة لا تدري من أين جاءت أو تجعيدة لا تقول حكايتها فتقولان (لا ندري، كان علينا فعل ذلك)، لقد جعلَنا (فرانسوا مورياك) نشعر بقاتلة بريئة، أو بضحيّة مجرمة -الأمر يعتمد على ما إن كنا سنعطيها ثوبا جديدا أو حبلا للرقبة-، بل جعل منّا مَن يحاول معرفة أسبابها أو تمنى ألا تُحاكم، إنّ له القدرة على التحكّم بأدقّ المشاعر الإنسانية فينا ومنحنا شرعية البحث في أسبابها، فيشكّكنا بالمطلق من الخطأ والصواب لأجلها ومعها فقط، بل إنّه يكاد يقول: إذا كانت الحرّية امرأة فهي (تيريز)، وإنْ أردتم تلك الحرية؛ خذوها، لكن ثمنها ليس سهلا أبداً.

Continue Reading

ثقافة وفن

وزير الثقافة يهنئ القيادة بمناسبة عيد الأضحى

رفع وزير الثقافة الأمير بدر بن عبدالله بن فرحان، التهاني والتبريكات إلى خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز،

رفع وزير الثقافة الأمير بدر بن عبدالله بن فرحان، التهاني والتبريكات إلى خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، وإلى ولي العهد رئيس مجلس الوزراء الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز، وإلى الشعب السعودي كافة والأمتين العربية والإسلامية، بمناسبة حلول عيد الأضحى.

وثمن وزير الثقافة ما تبذله جميع قطاعات الدولة في خدمة ضيوف الرحمن وتسخير جميع الخدمات والتسهيلات ليؤدوا مناسكهم بيسر وطمأنينة، بتوجيهات ومتابعة من خادم الحرمين الشريفين وولي العهد رئيس مجلس الوزراء، سائلاً الله أن يديم الأمن والازدهار على المملكة العربية السعودية والأمتين العربية والإسلامية.

أخبار ذات صلة

Continue Reading

ثقافة وفن

أحمد سعد يشارك جمهوره تعلّمه تجويد القرآن داخل المسجد النبوي

وثّق الفنان المصري أحمد سعد من خلال مقطع فيديو تعلّمه تجويد القرآن الكريم داخل أروقة المسجد النبوي الشريف، وذلك

وثّق الفنان المصري أحمد سعد من خلال مقطع فيديو تعلّمه تجويد القرآن الكريم داخل أروقة المسجد النبوي الشريف، وذلك خلال زيارته إلى الديار المقدسة؛ لأداء مناسك الحج.

وشارك الفنان المصري جمهوره مقطع الفيديو عبر منصة «إنستغرام»، وظهر وهو يتلو آيات من سورة «الغاشية» بصوته العذب، متقناً أحكام التجويد.

وعلق سعد على الفيديو قائلاً: كل التعليم في حتة وتعليم القرآن في حتة لوحده، ويا سلام لما يكون في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم. اللهم اجعلنا من أهل القرآن.

أخبار ذات صلة

يعيش أحمد سعد، بالفترة الحالية، حالة روحانية جديدة، إذ حرص على زيارة المسجد النبوي، وسط تفاعل واسع من الجمهور عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ما جعل البعض يخمن نيته في قرار اعتزال الفن نهائياً.

ولم تمضِ أيام قليلة، حتى خرجت علياء بسيوني زوجة ومديرة أعمال الفنان المصري أحمد سعد في تصريحات صحفية، تنفي بشكل قاطع كل ما تردد أخيراً حول اعتزال زوجها الفن، مؤكدة أنه يستعد لأجندة حفلات مزدحمة خلال الفترة القادمة؛ مما يؤكد استمراره في مسيرته الفنية بكل قوة ونشاط.

Continue Reading

ثقافة وفن

انتهاء تصوير 90% من «أسد» محمد رمضان في «56 يومًا»

يقترب صناع فيلم «أسد» بطولة الفنان المصري محمد رمضان من إنهاء التصوير، إذ تمّ إنجاز 90% من المشاهد خلال 56 يومًا،

يقترب صناع فيلم «أسد» بطولة الفنان المصري محمد رمضان من إنهاء التصوير، إذ تمّ إنجاز 90% من المشاهد خلال 56 يومًا، على أن يتمّ استكمال تصوير المشاهد المتبقية بعد إجازة عيد الأضحى.

ويبدأ المخرج المصري خالد دياب بعد انتهاء التصوير كامل مشاهد الفيلم في مرحلة ما بعد الإنتاج، التي تشمل المونتاج والمكساج ووضع الموسيقى التصويرية وغيرها من التفاصيل ليكون بعدها الفيلم جاهزًا للعرض محليًا وعربيًا وعالميًا، وذلك حسب ما أعلن منتج العمل موسى أبوطالب.

ومن جانب آخر، أكد منتج الفيلم موسى أبوطالب في بيان صحفي، أن العمل سيخرج بأفضل صورة ممكنة، من خلال توفير جميع الإمكانات التي يحتاجها، قائلًا:«فيلم أسد من الأعمال الضخمة إنتاجيًّا، ويتطلب وقتًا طويلًا للتحضير خصوصاً أنه يعود بنا إلى عام 1800 وما بعدها، وهي مرحلة تاريخية لها تفاصيلها الخاصة من ملابس وديكورات وإكسسوارات، ونسعى لتقديمها سينمائيًا بطريقة دقيقة وصحيحة».

وحول موعد عرض الفيلم، حسم منتج العمل تلك التكهنات والجدل، وقال: «حتى الآن لا يمكن تحديد موعد نهائي للعرض، لحين الانتهاء من جميع مراحل الفيلم المهمة، لذلك سيتخذ القرار بعد الانتهاء من تصوير الفيلم بالكامل».

أخبار ذات صلة

وتم تصوير فيلم «أسد» في 15 موقع تصوير متنوعًا بين القاهرة وضواحيها وعدد من المحافظات، واستغرق تنفيذ بعض الديكورات نحو 3 أشهر، كما شملت التحضيرات تجهيز الملابس والإكسسوارات لما يقرب من 2,000 شخص، خصوصًا أن الفيلم يشارك في بطولته نحو 70 ممثلًا، بينهم 12 بطلًا، وضيوف شرف من مصر وفلسطين ولبنان والسودان.

يشار إلى أن فيلم «أسد» من إخراج محمد دياب، تأليف شيرين دياب، ومحمد دياب، وخالد دياب، ويتولى الموسيقى التصويرية للفيلم هشام نزيه، ويشارك في بطولة الفيلم محمد رمضان واللبنانية رزان جمال وعلى قاسم وماجد الكدواني، والسودانية إسلام مبارك، أحمد داش، والفلسطيني كامل الباشا وغيرهم.

Continue Reading

Trending

جميع الحقوق محفوظة لدى أخبار السعودية © 2022 .