في ليلة سينمائية مميزة، أسدل الستار على فعاليات الدورة السادسة والثلاثين لأيام قرطاج السينمائية، حيث توّج الفيلم الروائي الطويل المصري “القصص” للمخرج أبو بكر شوقي بجائزة المهرجان الكبرى، التانيت الذهبي. أقيم حفل الختام، مساء السبت، على خشبة مسرح الأوبرا بمدينة الثقافة في قلب العاصمة التونسية، وسط حضور كبير من صناع السينما والنقاد والجمهور من مختلف أنحاء العالم العربي وأفريقيا.

تاريخ عريق ومنصة للسينما البديلة

تُعد أيام قرطاج السينمائية، التي تأسست عام 1966، من أعرق المهرجانات في أفريقيا والعالم العربي، وقد لعبت دوراً محورياً على مدى عقود في دعم وتشجيع السينما العربية والأفريقية. انطلق المهرجان بمبادرة من المفكر والسينمائي التونسي الطاهر شريعة، بهدف خلق مساحة عرض بديلة للأفلام التي تناقش قضايا مجتمعاتها بعمق وجرأة، بعيداً عن هيمنة الإنتاج التجاري العالمي. ويحمل الفوز بجائزة التانيت، المستوحاة من رمز الآلهة الفينيقية القديمة، قيمة فنية ومعنوية كبيرة، إذ يضع الفيلم الفائز في مصاف الأعمال السينمائية الهامة في المنطقة.

أهمية الجائزة وتأثيرها الإقليمي

إن فوز فيلم مصري بالجائزة الكبرى يؤكد على الحضور القوي والمستمر للسينما المصرية في المحافل الإقليمية، ويعزز من مكانة المخرج أبو بكر شوقي كأحد الأصوات السينمائية الواعدة. كما يساهم هذا التتويج في لفت الأنظار الدولية إلى الفيلم، مما يفتح له أبواب المشاركة في مهرجانات عالمية أخرى ويزيد من فرصه في التوزيع التجاري خارج نطاقه المحلي. ويعكس تنوع قائمة الفائزين من مختلف البلدان مثل نيجيريا والأردن وتشاد والسنغال، التزام المهرجان برسالته الأساسية في الاحتفاء بالتعددية الثقافية ودعم المواهب السينمائية من كافة أنحاء القارة الأفريقية والعالم العربي.

قائمة الفائزين الكاملة في المسابقات المختلفة

لم تقتصر الجوائز على التانيت الذهبي، حيث شهدت المسابقة الرسمية للأفلام الروائية الطويلة منافسة قوية. فقد ذهبت جائزة التانيت الفضي لفيلم “ظل أبي” من نيجيريا للمخرج أكينولا ديفيز، بينما نال فيلم “غرق” للمخرجة الأردنية زين دريعي جائزة التانيت البرونزي.

ومنحت لجنة التحكيم جائزة شرفية للفيلم التونسي “صوت هند رجب” للمخرجة كوثر بن هنية، كما حصدت بطلته سجا كيلاني جائزة أفضل أداء نسائي. وفاز الفيلم التونسي “وين ياخذنا الريح” بجائزتي أفضل سيناريو والجمهور، بينما حصد الفيلم السعودي “هجرة” جائزة أفضل تصوير وأفضل ممثل لنواف الظفيري. ونال فيلم “ديا” من تشاد جائزتي أفضل موسيقى ومونتاج، وحصل عاصم علي على جائزة أفضل ديكور عن الفيلم المصري “كولونيا”.

جوائز الأفلام الوثائقية والقصيرة

في مسابقة الأفلام الوثائقية الطويلة، فاز الفيلم السنغالي “تعلق” بالتانيت الذهبي، تلاه الفيلم العراقي “الأسود على نهر دجلة” بالتانيت الفضي، ثم الفيلم التونسي “فوق التل” بالتانيت البرونزي.

أما في مسابقة الأفلام القصيرة، فقد حصد الفيلم المصري “32 ب مشاكل داخلية” التانيت الذهبي، ونال الفيلم الفلسطيني “مهدد بالانقراض” التانيت الفضي، بينما ذهب التانيت البرونزي للفيلم اللبناني “عم تسبح”.

أسدل الستار يوم السبت على فعاليات “معرض جدة للكتاب 2025″، مختتماً عشرة أيام حافلة بالأنشطة الثقافية والمعرفية التي استقطبت إقبالاً جماهيرياً واسعاً من مختلف شرائح المجتمع. وشكّل المعرض، الذي نظمته هيئة الأدب والنشر والترجمة تحت شعار “جدة تقرأ”، منصة ثقافية رائدة عززت من مكانة جدة كوجهة ثقافية بارزة في المنطقة.

خلفية تاريخية وسياق ثقافي أوسع

يأتي معرض جدة للكتاب كجزء من استراتيجية شاملة تقودها المملكة العربية السعودية، ممثلة في وزارة الثقافة وهيئة الأدب والنشر والترجمة، لتطوير المشهد الثقافي المحلي ضمن مستهدفات رؤية 2030. وتعد معارض الكتاب في المملكة، التي تقام في مدن رئيسية مثل الرياض وجدة والمدينة المنورة والمنطقة الشرقية، ركائز أساسية في هذه الاستراتيجية. تهدف هذه الفعاليات إلى دعم صناعة النشر، وتشجيع المؤلفين السعوديين، وتعزيز عادة القراءة لدى الأجيال الجديدة، وبناء جسور من التواصل الثقافي مع العالم. وقد نجح معرض جدة على مدى دوراته السابقة في ترسيخ مكانته كحدث سنوي ينتظره المثقفون والقراء على حد سواء.

مشاركة دولية وبرنامج ثقافي ثري

تميزت دورة هذا العام بمشاركة استثنائية لأكثر من 1000 دار نشر ووكالة محلية ودولية من 24 دولة، توزعت على 400 جناح عرضت أحدث الإصدارات في مختلف المجالات. ولم يقتصر المعرض على كونه سوقاً للكتاب، بل كان ملتقى فكرياً حيوياً من خلال برنامجه الثقافي الذي تجاوز 170 فعالية متنوعة. شمل البرنامج ندوات فكرية عميقة، وأمسيات شعرية وأدبية، وجلسات حوارية استضافت نخبة من الأدباء والمفكرين والمثقفين من داخل المملكة وخارجها، بالإضافة إلى ورش عمل متخصصة في الكتابة الإبداعية والترجمة والنشر، مما أتاح فرصة ثمينة لتبادل الخبرات والأفكار.

الأهمية والتأثير المحلي والإقليمي

تكمن أهمية معرض جدة للكتاب في تأثيره متعدد الأبعاد. فعلى الصعيد المحلي، أسهم المعرض في إثراء الحراك الثقافي في مدينة جدة، وتوفير منصة للمؤلفين السعوديين لعرض أعمالهم والتفاعل المباشر مع الجمهور. كما لعبت منطقة الطفل دوراً محورياً في غرس حب القراءة لدى الصغار من خلال أنشطة تفاعلية ومسابقات تعليمية وترفيهية. أما على الصعيدين الإقليمي والدولي، فيعزز المعرض مكانة المملكة كمركز ثقافي رائد في الشرق الأوسط، ويفتح آفاقاً جديدة للتعاون بين الناشرين العرب والأجانب، مساهماً بذلك في تعزيز الحوار الثقافي العالمي ودعم حركة الترجمة من وإلى اللغة العربية.

وباختتام فعالياته، يكون معرض جدة للكتاب 2025 قد نجح مرة أخرى في تحقيق أهدافه المتمثلة في دعم صناعة الكتاب، وتوسيع قاعدة القراء، وإتاحة المعرفة للجميع، مؤكداً على الدور الحيوي الذي تلعبه الثقافة في مسيرة التنمية الشاملة التي تشهدها المملكة.

غيب الموت الفنانة المصرية القديرة سمية الألفي، التي وافتها المنية يوم السبت عن عمر يناهز 72 عاماً، بعد رحلة طويلة وحافلة بالعطاء الفني وصراع شجاع مع المرض، لتترك خلفها إرثاً فنياً غنياً ومحبة كبيرة في قلوب جمهورها بالوطن العربي.

وأعلنت نقابة المهن التمثيلية في مصر نبأ الوفاة، ونعتها في بيان رسمي، مؤكدة على مكانتها الكبيرة في تاريخ الفن المصري. كما نعاها وزير الثقافة، أحمد فؤاد هنو، في بيان رسمي جاء فيه: “كانت من الفنانات ‌اللاتي قدمن مسيرة فنية متميزة، وأسهمت بأعمالها المتنوعة في إثراء المشهد الفني المصري، ونجحت ‍في ترك بصمة خاصة لدى الجمهور من خلال ما قدمته من أدوار مختلفة”.

مسيرة فنية انطلقت في العصر الذهبي

ولدت سمية الألفي في يوليو 1953، وتخرجت في كلية الآداب قسم الاجتماع بجامعة القاهرة. انطلقت مسيرتها الفنية في فترة السبعينيات، وهي فترة كانت تمثل العصر الذهبي للإنتاج التلفزيوني والسينمائي في مصر. بدأت خطواتها الأولى على خشبة المسرح ومن ثم انتقلت إلى شاشة التلفزيون التي كانت بوابتها الحقيقية نحو الشهرة والنجومية. تميزت بجمالها الهادئ وحضورها الراقي، مما جعلها خياراً مثالياً للمخرجين في تلك الفترة لأداء أدوار الفتاة الرومانسية والأرستقراطية، لكنها سرعان ما أثبتت قدرتها على تجسيد أدوار أكثر تعقيداً وعمقاً.

أعمال خالدة وتأثير في الدراما العربية

تعد سمية الألفي واحدة من أبرز نجمات جيلها، حيث قدمت أدواراً لا تزال محفورة في ذاكرة المشاهدين. من أبرز أعمالها التلفزيونية مسلسلات أيقونية مثل “ليالي الحلمية” بأجزائه، حيث جسدت شخصية “عليّة” ببراعة، و”الراية البيضا” أمام الفنان الراحل جميل راتب، و”بوابة الحلواني”. كما شاركت في أعمال كوميدية ناجحة مثل “رحلة المليون” مع النجم محمد صبحي. وفي السينما، قدمت أفلاماً هامة مثل “علي بيه مظهر و40 حرامي” مع عادل إمام، و”القرداتي” و”حد السيف”. هذا التنوع في الأدوار عكس موهبتها الكبيرة وقدرتها على التنقل بسلاسة بين التراجيديا والكوميديا.

حياة شخصية تحت الأضواء

على الصعيد الشخصي، ارتبط اسم سمية الألفي بالفنان الراحل فاروق الفيشاوي، حيث شكلا معاً واحداً من أشهر الثنائيات الفنية في الوسط الفني المصري. استمر زواجهما لسنوات وأثمر عن ابنهما الوحيد الفنان أحمد الفيشاوي، الذي سار على خطى والديه في عالم التمثيل. ورغم انفصالهما، ظلت علاقتهما قائمة على الود والاحترام المتبادل حتى رحيل الفيشاوي عام 2019. وقد واجهت الألفي في سنواتها الأخيرة تحديات صحية كبيرة، حيث خاضت معركة طويلة مع مرض السرطان، أظهرت خلالها قوة وصموداً كبيرين.