Connect with us

ثقافة وفن

الناقد الأعور

«العور الثقافي» عاهة مجازية؛ تنتقل من العين الباصرة، إلى كلِّ ما يقوم بوظيفتها، كالقلب، والعقل، والمشاعر؛ حيث

«العور الثقافي» عاهة مجازية؛ تنتقل من العين الباصرة، إلى كلِّ ما يقوم بوظيفتها، كالقلب، والعقل، والمشاعر؛ حيث تصيب أكثر ما تصيبُ «الناقد»، فتُعمي إحدى عينيه، وتُغلقها عن رؤية الإبداع، فيتخبَّط في أحكامه، ويختلطُ حابلُه بنابلِه، وتكون النتيجة؛ امتدادَ الضرر إلى مُجمل البيئة الأدبية الثقافِية.

يصبح الشاعر محط اهتمام الناس؛ بسبب قدرته على تكثيف وتمثيل مشاعرهم ورغباتهم وأمنياتهم، وما الأُعطيات التي يحصلُ عليها؛ إلا نظير قيامه بفعل التكثيف والتعبير، بأفضل صورة ممكنة، لكنَّ أهم وأثمنَ مكافأة ينالها؛ تتمثل في استقبال الجماهير، واحتشادها لاستماعه، والتغني بأبياته وقصائده، فحينها يمتلئ بشعور التفوق، وتتضخم لديه «الأنا الشعورية»، بفعل المديح المفرط؛ حيث التصفيقُ يلهب الحواس، فيميل إلى تكرار ما يصنع، ومع انتشائه النفسي، وانتشاره الجماهيري؛ تترسخ صورة ذهنية محددة ومقبولة عن شعره، سيُعرف بها في حياته وبعد مماته، مثلما هو حاصل من ارتباط المتنبي بالمديح، والخنساء بالرثاء، وعمر بن أبي ربيعة بالغزل، وزهير بالحكمة، وهلمَّ جرا.

البحث عن «تحقيق الأنا»، عبر إشهارها وانتشارها؛ أدَّى لتضخمها وانتفاخها، ولذا لا غرابة أن يُرى الشاعر متباهياً بفنه وأشعاره، مُقلِّلاً صنيع غيره، مُهاجماً من لا ينظر إليه بعين العظمة والسمو والرفعة.

ما يبدو طبيعياً واعتياديًّا، بل ويراه الشعراء حقًّا من الحقوق، ينقلب إلى نقيضه لدى الناقد، فتضخُّم الأنا لديه؛ أكبرُ عيوبه، وألدُّ أعدائه، إذ سيصيبهُ بعاهة دائمة، لا يتمكن بعدها من التفرقة بين الأشعار، وتمييز مستوياتها ومراتبها ودرجاتها.

الناقد في صراع دائم مع الأشعار؛ يمسكها، فيتفحصها ويستكشفها، وإن وجد انحرافاً وخللاً ينبغي تقويمه، أو الحديث عنه، وإبداء الرأي تجاهه، سارع إلى القيام بـ«واجبـــه»؛ الذي يتلخص في الاهتمام بالشعر، أمَّا الشاعر، فلديه جماهير تصفِّق، وتمدح، وتتناقل أشعاره.

الناقد لا ينظر إلى ذات الشاعر، ومكانته، ونسبه، وحسبه، وقربه، وانتمائه، وإنما ينظر إلى أبياته وقصائده، يختار منها الأجود والأروع، فيبين مواطن جمالها وإدهاشها، أو يختار منها الأدنى والأقل، فيبين سبب قبحها وسوئها، ذاكراً رأيه بـ«صدق وأمانة»، مهما كان رأيه صادماً، ومخالفاً لآراء الجماهير.

الأمانةُ العلمية، والإخلاصُ للفن، والصدقُ في الطرح؛ سلاحُ الناقد، يُشهره بوجه الجماهير عامة، والبيئة الثقافية خاصة، فحينما يعمل على شرح أشعار الشاعر، عليه أن يبيِّن جمالها أو قُبحها، فإن خالف مبادئ عمله، وأُسس وظيفته؛ ستكون النتيجة إصابته بعاهة ثقافية؛ تتمثل في عدم قدرته على رؤية الحقيقة، وحينئذٍ لن يتبقَّى أمامه سوى «الزيف والكذب».

العور الثقافي؛ أكبرُ عاهة تصيب الناقد، فبعدها لا يعود قادراً على (أو راغباً في) التمييز بين الجيد والرديء؛ إذ سيتساوى مع الجماهير، كما تتساوى أمامه أشعار الشعراء، التي لن يفرِّق بينها إلا عبر انتسابها لهذا، أو لذاك، فالحكم يُبنى على الاسم، لا على الفن والإبداع.

ثمَّة عاهةٌ أخرى مرافقة للعورِ الثقافي، وملازمة لها، فكأنهما توأم؛ إذا حضرت إحداهما جاءت في إثرها الأخرى؛ تتمثلُ في «تضخُّم الأنا»، أو النظر إلى الذات، كما يفعل الشاعر، فالناقد بشرٌ، يتأثر كما يتأثرون، ويطلبُ ما يطلبون، وحين يُكال المديح لشاعر، قد يستهويه الأمر، ويحاول جهده الحصول على رضاه، فيخسر تبعاً لذلك مصداقيته وحياده.

عاهتان قاتلتان لوظيفة الناقدِ ودوره، بل لمجمل البيئة الثقافية حين تنموان داخلها؛ فالعورُ يؤدي إلى عدم رؤية الفرق بين الجيد والرديء، وتضخُّم الأنا يقود إلى الرغبة في إبرازها على حساب الفن والإبداع، فالثانية وإن كانت أخفَّ وطأة من الأولى؛ إلا أنَّ ضررها يزداد حين تتحول إلى «هوس مرضيٍّ»، فيأخذ الناقد بملاحقة الأضواء و(المايكات)، لاهثاً خلف الفضائيات والصحف، وفي خضم ذلك؛ يبيع شرفه وأمانته.

Continue Reading

ثقافة وفن

تكرار

‏تمرُّ القصيدةُ‏مثل الأميراتِ في الحُللِ الباهرةْ‏تُنادي عليَّ‏- لقد جئتُ‏فانتبذي بي‏مكاناً قصياً‏على

‏تمرُّ القصيدةُ

‏مثل الأميراتِ في الحُللِ الباهرةْ

‏تُنادي عليَّ

‏- لقد جئتُ

‏فانتبذي بي

‏مكاناً قصياً

‏على عجلٍ أنا كالغيمةِ الماطرةْ

‏أقولُ:

‏امهليني قليلاً

‏ سأنشرُ هذا الغسيلَ

‏أُرتِّبُ فوضى المكانِ

‏أردُّ على هاتفي

‏وأعودُ

‏حنانَيكِ أيَّتُها الآسرةْ

‏تذكّرتُ أيضاً

‏فبعضُ الضيوفِ سيأتوننا للغداءِ

‏وأحتاجُ وقتاً

‏كطبَّاخةٍ ماهرةْ

‏قفي

‏سأُذاكرُ درسين لابني

‏عن (الجبرِ واللافلزاتِ)

‏فانتظريني

‏سأحضرُ حالاً

‏رويدكِ سيدتي الساحرةْ

‏قفي لي قليلاً

‏ولا تُعجليني

‏لعلي سأسمعُ

‏عن هذه الأرضِ

‏شيئاً يسرُّ

‏فنشرةُ أخبارِنا العاشرة

‏ويُسلمني كلُّ شيءٍ إلى كلِّ شيءٍ

‏فأغرقُ في الواجباتِ المُلحّةِ والآمرةْ

‏وأركضُ بين المهام العصيّةِ والقاهرةْ

‏وحين أعودُ إليها

‏وقد أنهكتني التفاصيلُ

‏ألمحُ رقعتَها

‏فوق مكتبتي

‏-وداعاً

‏مللتُ فغادرتُ

‏أيتُّها الشاعرةْ !!

أخبار ذات صلة

Continue Reading

ثقافة وفن

الرهانُ على الياسمين

أحدِّق فيك وأنثر الياسمين في الطرقاتأتحدّثُ عنكِ، عن استهتار شعرك المتطاير في الريح، عن بُرقعكِ الجبان وهو يغرقُ

أحدِّق فيك وأنثر الياسمين في الطرقات

أتحدّثُ عنكِ، عن استهتار شعرك المتطاير في الريح، عن بُرقعكِ الجبان وهو يغرقُ بلجّتي، لكن قبل كلِّ شيء، انظري للبجعة كيف تُصفرُ؟ انظري هناك حيث الياسمين يراهن عليكِ، وأنا أقف كما ترين أحملُ معولي وأترك الحقل ورائي تحرسه عيونك الخائنة، لم أر من أنوثتكِ غير انهياري، غير لسانكِ الذي استبدل المتعةَ بالمتعةِ والأنس بالجحود، غير الليالي التي نستلقي فيها على السطوح التي رسمتْها أحلامُنا، حيثُ أقفُ أمامكِ كطائر الرُّخ، أُصفِرُ وتحملنُي جناحاي إلى النار، أيّتها القبلاتُ، يا مداري الضيّق، لم تكوني غير زوبعةٍ قاتمة، غير بلاءٍ أمسكَ ياقتي، كيف أخلعُ قميصاً قدّ من دُبرٍ، وما زلتُ أسمّي الأشياء بأسمائها وأنثر في البحر بقايا أنوثتكِ، ليَ القوامةُ عليكِ في الأحلام فقط، لذا تركتُ الياسمين يتلبسني وخلعتُ بُرقعَكِ ورميتُه في الفضاء، مثل الياسمين ومثلي، يا حظّي العاثر بدرجات السلّم الذي يقودني لأزقة تكثر فيها الكمثرى وحان حصادها، أيّتها الشيء الذي يتكسّر أمامي وأعيد صياغتَه ثم أتركه يتحدرج، كيف تُكثرين من شرابي ولم أتذوقكِ بعد؟ أيّتها الأنوثة القائمةُ بنفسها، أيّتها الأقراطُ التي تزيّن أذني، كيف أسمعُ منكِ ولم يزل صوتُك بعيداً، أنا طائر الرُّخ الذي يقفُ أمامك، يا باقة أزهار الوله، هل تعرفين شيئاً عنها؟ أنا لا أعرف أزهار الوله حتى رأيتكِ فحملتها إليكِ!! ثُّم ألقيتها من النافذة التي تُطِّل على أنوثتكِ!! أيّتها الحرجُ الذي يعترضُ الطريق!! يا شجرة التين التي أزرعها وأستحرمُ ثمرها، خُضتُ عُباب أمواجكِ بسفينتي الورقيّة التي تمزّقت قبل الوصول إلى سواحلك النائية، فتركتُها محمّلة بفاكهتي المحرمة، تلك أنوتثُكِ التي أشتاقُ اليها وتبعدني بعصا زوارق غليظة، أمسكُ بأردانكِ التي خيطتْ من وجعي، حيثُ تقذفني الحسراتُ إلى سواحل جحودكِ، الى بُرقعكِ الذي يبتزّ رجولتي ويأنسُ بها، اذهبي إلى الأنهار البعيدة واتركي شيئا من توريتكِ، أستحمُّ به وأعلّقه على الزجاج المتساقط من إهابك، وأنتِ تمرين بخاطري كقصّة الجدّات القديمة، هكذا أُصغي لبوحكِ الذي يستنفذُّ رجولتي ويعبثُ بها، تركتكِ تهزميني حين تدثّرتُ بأنوثتكِ ونسيت غطائي، وانتصرتِ عليّ، لأنني خِطّتُ رايتي قفازاً لأصابعكِ المضرّجة بدمائي، وها أنا أحفرُ قبري بأسناني التي كانت شفاهُك تستحمّ بها، وأنتِ تعصرين لوعتي وتنشرينها في العراء، أرى شقائي في عيونكِ الماكرة وكلماتكِ التي لا تطاق، أراكِ تفترسين حيرتي ولا أملكُ سواها، شاهدي بُرقعك الجبانُ وثوبُك الذي تظلل نخيلَه توريتي، كنتُ أصنعُ من قصائدي سفناً تُقِّلني إليكِ، وأرتقي حقولَ صدركِ وأقطف فاكهتها، أرى كبريائي يتدحرجُ في ممراتها الضيقة وقطوفها دانية، رأيتكِ في الفيافي نسيماً بارداً يؤنس وحشتي، ويأخذُ بلحيتي، لم أبحثْ عنكِ بداخلي، ولم أهزّ شجرَ الوقتِ كي تتساقطي ساعاتٍ من ملل، بل اتكّأتُ عليكِ ونسيتِ إهابي بأزقّة شعرك وهو يضع لمساتهِ الأخيرة حين يطبقُ عليّ كجرحٍ قديم، دعيني أحدّق فيك كلّما أسقي نخيل ثوبك بقصائدي التي تستفزّ أنوثتَكِ وتعبثُ بها، فأنا لا أعيشُ الزمنَ بل أحملُه فوق كتفي وألقيه بأحضانكِ، ثُمّ أحدِّق فيك وأنثر الياسمين في الطرقات.

أخبار ذات صلة

Continue Reading

ثقافة وفن

ماذا أقولُ لغيمةٍ

زافَ الحمامُ، وكلُّ أنثى فتنةٌ زافَ الحمامُماذا أخبّئُ من كلامٍ في ضفافٍ لا تنامُ؟ماذا أقولُ لضحكةٍ رنّتْ وعينٍ

زافَ الحمامُ، وكلُّ أنثى فتنةٌ زافَ الحمامُ

ماذا أخبّئُ من كلامٍ في ضفافٍ لا تنامُ؟

ماذا أقولُ لضحكةٍ رنّتْ وعينٍ تكتبُ الخطواتِ من نغمٍ لينزلقَ الرخامُ

ماذا أقولُ لغيمةٍ نسجَتْ خرافتَها من الأحلام، حتى أدمنَتْ في الليلِ

وحشتَها ومزّقها الهُيامُ؟

جسَدي هنا، وأنايَ تركضُ في الزمانِ المرّ، أعشقُ أم أمرّرُ وحشتي للمُدنَفين، وكلّهم في الحبّ هاموا.

ماذا أقولُ لعاشقٍ يرثُ الرمادَ -كأنهُ وطنٌ هوَى-

لو أنني منفَى وذاكرَتي انتقامُ؟

أمشي على جسرِ الكلامِ مراوِغاً وطنَينِ من تعبٍ يُبعثرُني الكلامُ.

صقراً أطيرُ مع الحمامِ وليس يُنصفُني الحمامُ.

وأنا فراغُ الأرض يشربُني، فأمضي حالماً، ثملاً، بأن يحتلَّني فجرٌ،

وأن تغتالَني امرأةٌ الندَى في اللامكان، لكي أكونَ حكايةً منسيةً، تصحو ويجرحُها الغرامُ.

ويحفّني قلبٌ يطيرُ بزهرةٍ ظمِئتْ، وقلبٌ مستهامُ.

كونانِ لن يتجاوَرا، وطنٌ يطاردُ نجمةً، ومشردٌ نسيَ المكانَ، سماؤه

فرسٌ كبَتْ في هوَةٍ سوداء، وابتعدَتْ عن الشمسِ الخيامُ.

قلِقاً أُهرّبُ ما عشقتُ من النخيلِ، وأُوهِمُ الكلماتِ في ماكنتُهُ، ولداً

من الصحراءِ يهذي كلّما عرّتْ ملامحَهُ المضاربُ، يحتمي في ما

يُخلّفهُ الركامُ.

معذورةٌ عيناي، إذ رأَتا ازْرقاقَ البحرِ دفئاً، حين أغرتْني السفائنُ

وارتمَى فيّ الظلامُ.

كيفَ التلاقي بين منعطفَينِ مبتعدَينِ، قبّرتَينِ نافرتَينِ، مفردتَينِ جافلتَينِ، أخشَى أن أبارزَ نظرةً جذلَى فتكسرني السهامُ!

مِزَقاً أطيرُ وأنثني، وألومُ فوق الغيمِ من لا ينْثَني.

من ذا يُحبّ فلا يلومُ ولا يُلامُ.

أخبار ذات صلة

Continue Reading

Trending

جميع الحقوق محفوظة لدى أخبار السعودية © 2022 .