أعاد قرار إلغاء اتحاد الناشرين العرب مشاركته في معرض فرانكفورت للكتاب، ثقافة «المقاطعة» إلى الواجهة مجدداً، لتنقسم النُخب بين مؤيد يكيل المديح باعتبار القرار شجاعة مقتدر، وبين متحفظ أو معارض يراه حيلة عاجز، وكان مُدير معرض كتاب فرانكفورت (يورغن بوس) كشف بوصفه أحداث غزة بـ«الحرب الإرهابية الهمجية ضد إسرائيل» أن المعرض يتبنى نهجاً أحادي الجانب تجاه الأحداث، ما أثار حفيظة مثقفين كُثر، ليعلن اتحاد الناشرين العرب، وجمعية الناشرين الإماراتيين، ومعرض الشارقة للكتاب، وجمعية الناشرين الإندنوسية، إلغاء مشاركتهم في معرض فرانكفورت الدولي للكتاب، في دورته الـ75.
إلا أن مدير معرض فرانكفورت للكتاب تراجع عن تصريحاته السابقة، وقال: «يحزننا أن نرى بعض العارضين من المنطقة العربية يسحبون مشاركتهم في معرض فرانكفورت الدولي للكتاب هذا العام. ولتبديد سوء الفهم الذي ربما نشأ في الأيام الماضية، نؤكد أننا نتعاطف مع الأبرياء في فلسطين وإسرائيل المتضررين من هذه الحرب، ونأمل حقّاً أن يتم إيجاد سبل لإخراجهم من هذا العنف». وعدّ معرض فرانكفورت للكتاب لقاءً سلمياً للزوار من جميع أنحاء العالم. يجتمع فيه زوار من أكثر من 100 دولة، مؤكداً أنه معرض يدور حول الإنسانية وتركيزه دائماً على الخطاب السلمي والديموقراطى.
فيما عدّ الروائي علي المقري ما صدر عن إدارة معرض فرانكفورت مؤسفاً، كونه يفترض أن المعرض ساحة لحرية التعبير سواء من خلال الكتب أو الندوات المصاحبة له. ويرى أن موقف القائمين على المعرض تجاه الروائية الفلسطينية (عدنية شبلي) معبّراً عن الانحياز لوجهة سردية واحدة غدت مسيطرة على معظم مؤسسات الثقافة والإعلام دون الاستماع إلى الطرف الآخر الذي ربما يكون لديه ما يقوله، موضحاً أن في قرار المقاطعة للمعرض إعلان موقف تجاه هذا الانحياز، إلا أن المقري، ذهب إلى أن إعلان المقاطعة من منصات معرض الكتاب نفسه كان سيُسمِع الموقف بشكل أفضل.
فيما حيا الشاعر موسى حوامدة اتحاد الناشرين العرب على موقفهم، كون الحكومة الألمانية انحازت انحيازاً مطلقاً لإسرائيل وألغت إدارة المعرض تكريم الكاتبة الفلسطينية عدنية شبلي إرضاء لليمين المتطرف. وقال حوامدة: «للأسف هذه هي العقلية الغربية الصهيونية التي لم ترَ مجازر إسرائيل منذ 75 عاماً، ولم تتصرف وفق القرارات الدولية التي أقرتها بنفسها وتخلت عن كل مبادئ القانون الدولي، وأيدت الاحتلال الصهيوني والتهجير لملايين الفلسطينيين، وصار عملها الثقافي، سواء في مراكزها الثقافية في العالم العربي أو مؤتمراتها ومؤسساتها الثقافية، ينحصر في ضرورة القبول بالتطبيع مع الإسرائيليين، وإجبار العرب على القبول به دون مقابل ودون أن تقدم إسرائيل أي تنازل عن غطرستها واستيطانها وانتهاكاتها لحق الشعب الفلسطيني بالعيش في بلده بكرامة». وأبدى أسفه من قرار نخبة الثقافة الألمانية التي تريد من العرب استساغة التوجه المنحاز، دون اعتبار لحقوق أصحاب الأرض، وعدّ قرار مقاطعة المعرض في محله تماماً، بحكم أن البعض يرى التسامح ضعفاً، والإنسانية استخذاء، ولا يقيمون وزناً للعرب جميعاً ولا يبحثون إلا عن مصالحهم وتفوقهم العنصري وعقلية المركز الحضاري الغربي، تبعاً لسياسات لا تتفق مع المبادئ الثقافية الراقية.
ويؤكد الكاتب عادل السنهوري، أن معرض فرانكفورت أكبر تظاهرة دولية ثقافية تُعنى بالكتاب والأدب عموماً، وعدّه الأهم في العالم والأقدم، إذ يبلغ عمره الآن أكثر من خمسة قرون، ويلتقى فيه كل عام عشرات الآلاف من المثقفين والكتاب والباحثين والناشرين من كل البلدان، علاوة على عشرات الألوف من عناوين الكتب من كل الثقافات، وثمَّن مواقف اتحادات الناشرين العربية وهيئات الكتب، وتطلّع لدعوة الكاتبة الفلسطينية عدنية شبلى وتكريمها في أقرب معرض عربي للكتاب في الشارقة أو معرض القاهرة الدولي للكتاب أو إقامة احتفالية خاصة بها برعاية جامعة الدول العربية والتكفل بطباعة روايتها وتوزيعها في الدول العربية كافة بأسعار رمزية.
الرميحي: الاشتباك الإيجابي أولى من المقاطعة
أوضح أستاذ علم الاجتماع السياسي الدكتور محمد الرميحي، أنه يذهب عكس ما ذهب إليه المُقاطعون، مؤكداً أن مقاطعة مناسبة، أو منتج، أو دولة، بسبب موقفها من القضايا العادلة، ربما لا يحقق النتائج المرجوّة، وربما جاء بالمزيد من النتائج السلبية. ودعا إلى استثمار المناسبات الثقافية لشرح قضيتنا ومواقفنا وإثبات الحقائق لمن يُصغي إلينا عبر منصة اشتباك إيجابي، مؤكداً أن غياب الناشرين العرب عن معرض فرانكفورت يحرمهم من إيصال رسالتهم للجمهور العام، وعد المقاطعة اختفاء من المشهد وحينها لن يرانا أحد، وربما لا يسأل عنّا، بينما الحضور يفتح باب النقاش ويلفت الانتباه و يعزز فرص عرض وجهة نظرنا.
الأنصاري: ليست كل مقاطعة إيجابية
يرى العميد السابق لكلية الشريعة والقانون في جامعة قطر الدكتور عبدالحميد إسماعيل الأنصاري، أن قرار المقاطعة حق مشروع، ووسيلة للتعبير عن موقف، إلا أنه لا يمكن القطع بجدواها، ولا الحكم بإيجابيتها، إذ يتفاوت الأثر باختلاف الزمان والمكان. وقال: «لا أدري هل تحقق مثل هذه المقاطعة الهدف والغاية المرجوة، فتكون وسيلة إيجابية، أم لا تحقق شيئاً من أهدافها فتغدو سلبية». مشيراً إلى أنه يتعذر التقييم ما لم تكتمل الصورة ونعرف الأثر الناجم عنها.
وكانت لجنة تحكيم جائزة «ليبراتور» أعلنت منذ يونيو الماضي منح جائزتها هذا العام للكاتبة الفلسطينية عدنية شبلي عن روايتها «تفصيل ثانوي» الصادرة عن دار الآداب في 2017، عقب ترجمتها إلى الألمانية، وثمّنت اللجنة رواية شبلي باعتبارها عملاً فنيّاً محكماً يتناول سطوة الحدود، وما تفعله الصراعات الدموية في البشر. وأكدت اللجنة أن الكاتبة «تلتفت بيقظة كبيرة إلى تفاصيل ثانوية تتيح لنا أن ننظر إلى جراح وندوب قديمة تتوارى خلف السطح.
وكان من المقرر أن تتسلم عدنية شبلي الجائزة، اليوم الجمعة، ضمن فعاليات معرض فرانكفورت للكتاب الذي فتح أبوابه منذ أيام، وتشارك الكاتبة في ندوات بالمعرض.
فيما انتصر مثقفون للكاتبة الإنسانية ولروايتها «تفصيل ثانوي» التي تبوأت عام 2021 بترجمتها الإنجليزية، مراتب متقدمة من قوائم جائزة البوكر الدولية، وفي عام 2022 نافست في القائمة القصيرة لجائزة الأدب الدولية التي تمنحها دار ثقافات العالم في برلين.