Connect with us

ثقافة وفن

السمّاح عبدالله: أشرب فتقول لي أمي: «إن الله سقاك»

يملأ مدير بيت الشعر المصري السمّاح عبد الله، المكان الذي يتاح له بالزاد الثقافي، والإبداعي، ومن يقرأ شعره ونثره

يملأ مدير بيت الشعر المصري السمّاح عبد الله، المكان الذي يتاح له بالزاد الثقافي، والإبداعي، ومن يقرأ شعره ونثره يطمئن على مستقبل الكتابة، كونه زاخراً بالمتجدد، ويعتني بكل التفاصيل، ورمضان فرصة للحديث عن الطفولة وتبيئة شرعية الحنين.

• هل تتصفد شياطين الكتابة في رمضان؟

•• أكبر الظن أنها تنطلق، هذا إن شئت «الكتابة» بمعناها المتسع، أما إن شئت الكتابة بمعناها الإبداعي، فربما تتصفد بعض الشيء، الكتابة، بالنسبة لي أكثر من كونها هواية، هي ممارسة دائمة، وهي متنقلة بين الأشكال المتباينة، ومادامت هناك كتابة، فهناك قراءة، والقراءة بطبيعتها كريمة ومعطاءة، فالفكرة تحيلك لمقالة، والمقالة تحيلك لكتاب، والكتاب يحيلك لسفر، وفي ترحالك هذا، قد تنسى الفكرة التي ابتدأت بها، لأن ثمة أفكاراً كثيرة أخرى ستسكن دماغك من هذا الترحال العجائبي، لتبدأ من جديد مطاردة الأفكار التي تحيلك بدورها، مرة أخرى، لحلزون لانهائي، فتجلس في حجرتك الرمضانية في انتظار أذان المغرب، وأنت ناظر لكعوب الكتب في مكتبتك العامرة، مبتهلاً في هذا الشهر الكريم، أن يمنحك الله القدرة والوقت على الانتهاء من قراءة كل هذه الأسفار، أنت تعرف بطبيعة الحال أنك طماع كبير، وأنك تنتهز كرامات الشهر الفضيل فتكثر من الابتهال، وربما، في قرارة نفسك تعرف أنه لن يتاح لك الابتداء، بله الانتهاء، لأن الحلزون دوار، ولأن الأفكار كثيرة، ولأن العمر قليل، فتقبض على فكرتك الفلسفية التي خرجت بها من هذا المأزق الوجودي، كما يليق بمفكر، وتصرح لأقرانك الأقربين:

اعلموا يا أيها الأحباب، أن حياة واحدة.. لا تكفي، وأن اليوم ينبغي أن يكون 48 ساعة.

ضميري يؤنبني

• متى بدأت الصيام؟

•• بدأته متأخراً بعض الشيء، كنت في صباي أعطش كثيراً، ويبدو أن رمضان وقتها كان يأتي في الصيف، فكنت أعمل نفسي صائماً أمام أبوي وإخوتي، وأدخل الحمام بحجة الوضوء للصلاة، وأشرب، ومادام الصيام قد فسد، فلماذا يقتصر فساده على الماء فقط، هكذا كنت أقتنص الخيار والطماطم وأقضم خلسة، كانت الأمور تمر بسلام، فاستسهلت الحالة التي لم تخل من الافتضاح في بعض الأوقات، فأدعي النسيان، فتقول لي أمي: «إن الله سقاك»، كانت ثمة أيام أصومها بالفعل، عندما كان ضميري يؤنبني، فأنوي الصيام، وأصوم بالفعل، وكنت أنسى بالفعل وأشرب، فأعرف أن الله أطعمني وسقاني، لا أتذكر أنني بدأت الصيام الحقيقي بالفعل إلا وأنا كبير نسبياً، ربما في العشرين من عمري، لكن الغريب في الأمر أنني لم أعد أنسى أثناء صيامي على الإطلاق، لا أدري ما الذي حصل لذواكرنا فجعلنا نتذكر دوما أننا صائمون.

قباب المقابر

• ما الذكريات الأثيرة من رمضان؟

•• أكثر هذه الذكريات في القرية، كنا أحياناً نترك المدينة (سوهاج) ونتجه للقرية (العسيرات)، ورمضان في القرى أكثر جمالاً من رمضان في المدن، تشعر وكأن رمضان ينبغي أن يكون قروياً، أو ينبغي علينا أن نسكن القرى في رمضان، إذ كيف يمكنك أن تكون رمضانياً حقيقياً بدون المصطبة والطرمبة وقباب المقابر؟، يكثر القرويون من زيارة القبور في رمضان، يجلسون إلى أهلهم السابقين، ويتحدثون معهم في الأمور كلها، وربما يستشيرونهم في المشكلات، ولا تندهش إذا قلت لك إن أهلهم السابقين كانوا يشيرون عليهم بالكلام المفيد، ونحن الصبية، كنا نتسور سور المقابر، ونمسك في أيادينا سيوفاً من الخشب، ونتبارز، لم نكن نخشى الظلام، فالفوانيس في أيدينا، والشموع في جيوبنا، إن انتهت شمعة الفانوس، ثبتنا شمعة جديدة، وكان أقرباؤنا الأكبر سناً منا يضطرون لحملنا على أكتافهم بالقوة كي نعود للديار، فالسهر في رمضان يمتد لما بعد السحور، لم نكن نريد السحور، وهم كانوا يريدوننا أن نتسحر، لم يعلموا أن حروبنا بالسيوف الخشبية أكثر افتتاناً من الأكل، يا لها من سهرات بعيدة، ويا له من رمضان قروي فريد، ويا لنا من حمقى، إذ إننا لم نتشبث بطفولتنا كما ينبغي، فصحونا، فإذا نحن كبار، وإذا نحن نؤنب أبناءنا لأنهم يفضلون اللعب على السحور.

القهوة.. نعيم الدنيا

• هل تعد برنامجاً رمضانياً للشهر الكريم؟

•• لا، ليس ثمة برنامج خاص، لكن المواقيت تختلف، كل شيء في رمضان يخضع لمواقيت الإفطار والسحور، الامتناع عن التدخين في النهار يربك قدرتك على التركيز، فتؤجل ميقات كتابة مقالك الأسبوعي لليل، وفي الليل تنشغل بأشياء لا ينبغي عليك أن تنشغل بها، فيمر الليل ولا تكتب، ويكلمك رئيس التحرير، أين المقالة؟ وكأنك حنفية وكأن الكتابة مياه، كل هذا مقدور عليه، أما القهوة، فهي الحنين الأكبر، أنا معتاد في الأيام العادية أن أفطر صباحاً، ثم أصنع لي فنجاناً من القهوة، أصنعه على مهل، على السبرتاية، وأستنشق روائحها، للقهوة رائحة أجمل من كل روائح الدنيا، ما أن أصبها في الفنجان، حتى أدخل في نعيم الدنيا، القهوة، كما تعرف، هي نعيم الدنيا، أرشفها ببطء وتلذذ، بعدها أكون مهيأ تماماً لكل شيء، في رمضان الأمر مختلف بعض الشيء، أفعل كل ما ذكرته لك، لكن بعد المغرب، البرنامج كما هو، لكن المواقيت تختلف، المواقيت دائماً هي التي تحكمنا.

سحور الشوارع

• أين تفضّل قضاء شهر الصيام؟

•• نهاراً في البيت، ومساء في مقاهٍ وسط البلد ومقاهي سيدنا الحسين، القاهرة في رمضان تحلو أكثر في المقاهي، وأنا ابن المقاهي، وربيب المسامرات الساهرة، أحياناً كثيرة أتسحر في هذه الجلسات، أو على عربات الفول الجوالة في السيدة زينب أو ميدان رمسيس، مرة سهرنا ومعي الشاعران «فتحي سعيد»، و«محمد أبو دومة»، وقررنا أن نتسحر في أحد المطاعم، كان المطعم مزدحماً جداً، لدرجة أنهم أوقفونا في طابور طويل، وكانوا يدخلون واحداً منا كلما قام واحد من الجالسين، لم يأتِ علينا الدور، وفوجئنا ونحن في الطابور بالمؤذن يؤذن لصلاة الفجر.

أجمل سحور يمكنك أن تتسحره إن كنت في القاهرة، هو سحور الشوارع، أما أجمل إفطار، فهو إفطار البيت.

اصنع قهوتي

• كم رمضان صمته خارج الوطن؟

•• لم يتح لي السفر خارج الوطن غير مرتين فقط؛ مرة للمملكة العربية السعودية، مشاركاً في فعاليات مهرجان الباحة، ومرة للعراق مشاركاً في فعاليات مهرجان المربد، والسفرتان كانتا خارج حدود رمضان، لم أصم على الإطلاق خارج الوطن، وأريد أن أعترف لك بشيء، لا أتمنى أن أصوم خارج الوطن.

• هل تدخل المطبخ، وما الذي تجيده من طبخات؟

•• أنا رجل ديمقراطي جداً، وأؤمن بالمشاركة في الأعمال المنزلية، إذ من غير المنطقي على الإطلاق أن يكون الحمل كله على الزوجة وحدها، لا بد من المشاركة، لا في المطبخ فقط، وإنما في الأعمال المنزلية كلها، وقد قسمت العمل بموضوعية تامة في هذا الشأن، الزوجة تطبخ الأكل، وأنا آكله، الزوجة تهيئ الصالون وتنظفه، وأنا أجلس عليه وألخبطه، الزوجة تغسل ثيابي وتكويها، وأنا ألبسها وأوسخها، الزوجة تنفض التراب من على المكتب، وأنا أجلس عليه لأكتب، الشيء الوحيد الذي لا أسمح لها بالمشاركة فيه نهائياً، هو صنع القهوة، هذا أمر خاص بي وحدي.

• من تدعو لمائدة الإفطار؟

•• إخوتي وأخواتي، وبعض أفراد العائلة الأقربين، رمضان يحب الصحبة، وطعم الأكل مع الأهل يختلف تماماً، ومذاقه يصبح أحلى، والضحكة أصفى.

قلم حبر وورق أبيض

• ما هي الوجبات المفضلة؟

•• البامية على الطريقة الصعيدية، نسميها (البراني)، الغالب على الظن أنها أكلة العظماء، أنا أعرف ثلاثة من الأصدقاء عزمتهم على البامية البراني، فأصبحوا من العظماء.

• كيف تقضي يوم الصيام؟

•• نهاراً بين الكتب، قارئاً، أقرأ على المكتب، وأستغرق في القراءة، أحياناً كثيرة تأخذني القراءة فلا أنتبه إلا على ابني وهو يناديني لأن الإفطار أزف، وليلاً على المكتب أيضاً، ولكن لأكتب، أنا أكتب بالقلم الحبر على الورق الأبيض غير المسطر، لم أتعود بعد على الكتابة على الكيبورد، الجرائد التي أكتب فيها تلزمني بالكتابة الكمبيوترية، فأنزل السبت لصاحب السيبر الذي تحت البيت بالمقالة، فيكتبها، ويرسلها لي على البريد الإلكتروني، فأصححها، وأضع الهمزات والفاصلات، فصاحب السيبر لا يعترف بهذه الأشياء، أحياناً كثيرة تأخذني الكتابة فلا أنتبه إلا على ابني وهو يناديني لأن السحور أزف.

أفتقد أبوي

• من تفتقد في رمضان؟

•• أفتقد أبوي، كانا زينتي وبهجتي وفرحي الخاص، رحمهما الله.

• ما برنامجك التلفزيوني المفضّل؟

•• للأسف، أنا لست كائناً تلفزيونياً، أحياناً أستمع إلى نشرات الأخبار، وبعض الماتشات الكروية، وبما أنني أهلاوي، فقد كنت أحرص على متابعة مبارياته، ولما أصبح دائم الانتصار على الزمالك، أصبحت لا أتفرج على ماتشاته، فالنتيجة معروفة، وأنت تعرف بالتأكيد أن الإنسان خلق أهلوياً، وأهله يزملكونه أو يترسنونه.

• كم ساعة تقرأ، وما أبرز الكتب المفضّلة؟

•• حياتي كلها قراءة، وبعضها كتابة، لذلك لا أستطيع أن أحدد لك عدد الساعات، يمكنك أن تقول إنني أقرأ طوال الوقت، أما أبرز الكتب المفضلة، فكثير من نثر العصر العباسي، وكثير من الكتب المؤرخة لمصر في العصر المملوكي، وكثير من روايات يوسا وماركيز وساراماجو والليندي ومحفوظ والكوني، وكثير من طه حسين والمازني وزكي مبارك، وكثير من أحمد عبدالمعطي حجازي وصلاح عبد الصبور وأمل دنقل، أنا صديق كل هؤلاء، وصديق غيرهم.

مندرة العائلة

• عادة رمضانية تتمنى عودتها؟

•• سهرات المنادر في صعيد مصر، كل بيت كان له مندرة، يلتف فيها الرجال، ويرتبون مقرئاً للقرآن الكريم يأتي راكباً حمارته، ويفطر مع رجال البيت، ويصلي معهم العشاء والتراويح، بعدها مباشرة يبتدئ التلاوة، وتأتي أفواج السميعة من القرى لتسهر في مندرة عائلة فلان الذي يستضيف الشيخ «محمود صديق المنشاوي» والمنشاة جوار قريتنا، وعائلة المنشاوي كلهم يقرأون القرآن، الأب «صديق المنشاوي» وأبناؤه الثلاثة «أحمد» و«محمد» و«محمود»، السهرة تمتد للسحور، والتلاوة تمتد للسماء، والسعادة تمتد لعام كامل.

• دعاء رمضاني لا تمل من تكراره؟

•• اللهم ارزقني في رمضان الذهن والتنبيه، وباعدني فيه عن السفاهة والتمويه، واجعل لي نصيباً من كل خير تنزل فيه، بجودك يا كريم.

• كاتب تحب تقرأ له؟

•• كثيرون جدا، أهمهم: «طه حسين».

• قارئ تؤثر سماع تلاوته؟

•• الشيخ محمد رفعت.

• هل تصوم عن مواقع التواصل الاجتماعي في رمضان؟

•• لقد نجحت مواقع التواصل الاجتماعي في أن تكون رقماً صعباً في حياتنا، فهي وسيلة نافعة لمن أراد الانتفاع، وهي تافهة لمن أراد التفاهة ومضيعة الوقت، حتى في رمضان، لا غنى عنها.

«آلو.. أهلا.. تمام»

• تطبيق في هاتفك تعيش فيه وقتاً أكثر من جيرانه على شاشة الهاتف؟

•• أنا كلاسيكي بعض الشيء في هذا الأمر، وعلاقتي بالهاتف هي العلاقة الطبيعية بالهواتف، آلو.. أهلاً.. تمام.. اتفقنا.. لا لن أفعل واخبط رأسك في الحيط.. سعدت بسماع صوتك، أما أن يتحول الهاتف إلى تلفزيون وكمبيوتر ومدونة وصور ملونة وواتس، فهذا ما لا أتعاطاه نهائياً.

• عادة رمضانية تود الإقلاع عنها؟

•• التفكير الكثير في القهوة والسجائر أثناء النهار.

• خلق رمضاني تود لو أنه يستمر طيلة الـ ١١ شهراً الباقية؟

•• فكرة التكافل الاجتماعي، وهي فكرة تظهر بقوة خلال هذا الشهر، فتجد موائد الرحمن ممتدة، وتجد من يوزع على الناس التمر والمشروبات، وتجد من يمنح العابرين والمسافرين وجبات جاهزة، ليت ذلك يكون سمتنا العام طوال الوقت.

قصيدة لأمي

• ما الطبق الرمضاني الذي أعدته والدتك وتود أن تذوقه بذات الطعم؟

•• كل ما كانت تعده أمي له مذاق خاص، حتى الشاي، في أغسطس عام 1983 عندما كنت مجنداًُ بالقوات المسلحة، كتبت قصيدة لأمي نشرتها في جريدة الأخبار، هذا نصها:

أقولُ لكِ الحقَّ

كل نساء المدينة يعجزن يصنعن لي كوبَ شايٍّ كما تصنعين

فشوفي إذن للمصيبةِ حلاً

أنا – بعد – عطشان للشاي

والليلُ رتّبَ لي ظلماتٍ تدور على مهلٍ

تمنع الضوء أن يستوي ويُطِلا

ولا أستطيع الرجوعَ إليكِ ولا أستطيع إلى هدأة القلبِ قولاً

فقد كبّلتني البنادقُ والخوذة الضيقةْ

هنا

النساء يفضلن يصنعه باردًا وخفيفًا وحلوًا

يعاندنني

وأنا مثلما تعلمين عنيدٌ وأركبُ رأسي

فشوفي إذن للمصيبةِ حلاً.

القلب يعشق كل جميل

• ماذا تردد عادة بينك وبين نفسك (بيت شعر، أغنية، مثل)؟

•• إنها السيدة التي تركت الأرض لتمشي على السحاب، «أم كلثوم»، وإنهما السيدان اللذان هبطا من السحاب ليمشيا على الأرض «رياض السنباطي»، و«بيرم التونسي»:

القلب يعشق كل جميل وياما شفت جمال يا عين

واللي صدق في الحب قليل وإن دام يدوم يوم ولا يومين

واللي هويته اليوم دايم وصاله دوم

لا يعاتب اللي يتوب ولا في طبعه اللوم

واحد مافيش غيره ملا الوجود نوره

دعاني لبيته لحد باب بيته

واما تجلى لي بالدمع ناجيته.

Continue Reading

ثقافة وفن

الشاعر علي عكور: مؤسف أن يتصدَّر المشهد الأدبي الأقل قيمة !

الحديث مع الشاعر علي عكور في الكتابة الإبداعية حديث ممتع، وممتدّ، له آراؤه الخاصة التي يتمثلها في كتابته الأدبية،

الحديث مع الشاعر علي عكور في الكتابة الإبداعية حديث ممتع، وممتدّ، له آراؤه الخاصة التي يتمثلها في كتابته الأدبية، يعتد كثيراً بتجربته، ويرى أنّه قادر على الاختلاف؛ لأنّ مفاهيمه للكتابة تتغيّر مع الوقت.

لم يولد -كما قال- وإلى جواره من يمتهن أو يحترف الكتابة، ولم يكن الوسط الذي نشأ فيه يُعنى كثيراً بالأدب أو الثقافة بعمومها، ما يتذكره علي أنّه في أواسط عقده الثاني وقع على نسخةٍ من كتاب (المنجد) للويس معلوف، لا يعلم كيف وصلت إليه هذه النسخة العتيقة من الكتاب، لكنه شُغِف بها وبالعوالم التي تَفَتَّحت أمامه في هذا المعجم.

وجد الشاعر علي عكور نفسه ينجذب كالممسوس إلى الأدب بكل ما فيه من سحر وغموض وجلال، لكنّ الشعر العربي أخذه حتى من ألف ليلة وليلة؛ الذي انجذب إلى الشعر المبثوث في ثنايا الكتاب أكثر من السرد رغم عجائبيته وسحره!

الكثير من رحلة الشاعر علي عكور مع الأدب والكتابة الإبداعية في هذا الحوار:

‏ • حدّثنا عن علاقتك بالشعر والأدب بشكل عام.. كيف بدأت؟

•• بدايةً أودّ القول، أنه لم يكن في محيطي من يمتهن أو يحترف الكتابة، ولم يكن الوسط الذي نشأتُ فيه يُعنى كثيراً بالأدب أو الثقافة بعمومها. أتذكر أنني في أواسط العقد الثاني من عمري وقعتُ على نسخةٍ من كتاب (المنجد) للويس معلوف. لست أعرف كيف وصلت إلينا هذه النسخة العتيقة من الكتاب، لكنني شُغِفتُ بها وبالعوالم التي تَفَتَّحت أمامي بعد الاطلاع على هذا المعجم. وشيئاً فشيئاً، وجدت أنني أنجذب كالممسوس إلى هذا العالم الرحب، بكل ما فيه من سحر وغموض وجلال. وأثناء تجوالي في عوالم الأدب أُخِذْتُ بالشعرِ العربي وبإيقاعيّة الجملة الشعرية فيه. حتى عندما وقع بين يديّ كتاب (ألف ليلة وليلة)، لم أنجذب إلى السرد رغم عجائبيته وسحره، بقدر ما انجذبتُ إلى الشعر المبثوث في ثنايا الكتاب. وأتذكر أنني كنت أتجاوز الصفحات وأقلّبها بحثاً عن بيتٍ أو بيتينِ من الشعر.

• لمن تدين بالفضل في الكتابة؟

•• أودّ أن أدين بالفضل إلى أحدٍ ما، لكنني حين أمَرّر بداياتي على الذاكرة، لا أتذكّر أحداً بذاته، آمن بي أو رأى في ما أقوم به بدايات واعدة لمشروع ما. كل ما هنالك أنني كنتُ أتلقى ثناءً عابراً إذا كتبتُ شيئاً جيداً. على أنني لا أقلّل من هذا الثناء، فقد كان ذا أثرٍ كبير في دافعيتي، وديمومة شغفي بالكتابة. هذا فيما يخص البدايات، أما الآن فأنا أدين بالفضل لأسرتي ولزوجتي خاصة، فهي داعم كبير لي على طول هذا الطريق، وتتحمل عن طيب خاطر الأعباء التي يُخلّفها انشغالي بالكتابة وهمومها.

• شاعر كان تأثيره كبيراً عليك.

•• لا يمكن تتبّع الأثر بسهولة في هذا الشأن؛ لأنه غالباً يكونُ قارّاً في اللاوعي. لكن إذا كان السياب يرى أنه تأثر بأبي تمام والشاعرة الإنجليزية إديث سيتول وأنه مزيج منهما، فأنا أرى أنني تأثرت كثيراً بسعدي يوسف ومحمود درويش، وأشعر أنهما يلتقيان بطريقة ما، في الكثرة الكاثرة مما أكتب.

• كيف للشاعر أن يكتب قصيدته وفق رهان المستقبل وليس للحظة التي يعيش فيها؟

•• في الغالب لا توجد كتابة لا يمكن تجاوزها. وما يُعبّر عنك الآن قد تجد أنه لا يُعبّر عنك غداً. أعتقد أن الرهان الحقيقي هو أن نكتب شيئاً يستطيع أن يصمد أمام عجلة الزمن. ربما إحدى الحيل التي يمكن أن نمارسها هي أن نكتب نصوصاً أكثر تجريداً وانعتاقاً من قيود الزمان والمكان، وأن نتخفّف من الكتابة تحت تأثير اللحظة الراهنة والحدث المُعاش.

• الملاحظ أنّ هناك إصدارات متشابهة في الشعر والقصة لشعراء وكتاب قصّة، وإن تعددت عناوينها، لكنّ التجربة لم تختلف.. ما تأثير هذا على الإبداع والقارئ كذلك؟

•• صحيح، هذا أمر ملاحظ. هناك من يصدر عشرة دواوين، وعند قراءتها لا تجد اختلافاً بينها، لا من حيث الثيمات ولا من حيث طريقة التناول، لتفاجأ أن هذه الدواوين العشرة هي في الحقيقة ديوان واحد طويل. الكاتب أو الشاعر الذي لا يتجدد يخاطر بمقروئيته ويخسر رهانه الشخصي. إما أن تقول شيئاً جديداً أو شيئاً مألوفاً بطريقة جديدة، لكن لا تقل الشيء نفسه بالطريقة نفسها، حتى لا تعطي فكرة أنك لا تأخذ مشروعك بما يستحق من جدية واهتمام.

• تنادي بأهمية تصدّر الأدب الجاد والأصيل المنصات.. أولاً: من يحدد ماهية الأدب الجاد؟ ثانياً: هل المرحلة تساعد في أن يتصدّر الأدب أيّاً كان المنصات التي كثرت وكثر مستخدموها والمؤثرون فيها؟

•• النقّاد والقرّاء النوعيّون، هم من يحددون ماهيّة الأدب الجاد ويُعلون من قيمته. مؤسف أن يتصدر المشهد الأدبي الأقل قيمة، بينما يبقى الأدب الأصيل في الهامش. في الأخير نحن مسؤولون عن تصدير ثقافتنا، وما نتداوله ونجعل له الصدارة في منصاتنا ومشهدنا، هو ما سيُعبّر عنّا وسيكون عنواننا في النهاية. وبالتالي لنا أن نتساءل بصدق: هل ما صُدِّرَ ويُصَدّر الآن، يُعبّر عن حقيقة وواقع الأدب والثقافة في بلادنا؟

• لديك مشكلة مع المألوف والسائد، وتطالب بسيادة الأدب الفريد والمختلف.. هل لدينا اليوم ذائقة خاصة يمكنها إشباع الذائقة العامة؟

•• يمكن الاتفاق في البدء أن تغيير شروط الكتابة هو في المقابل تغيير لشروط التلقي، وأن كل كتابة أصيلة ومختلفة ستصنع قارئاً مختلفاً. كل كتابة جادّة ستصنع قارئها، وهذا هو الرهان الحقيقي. أما المألوف والسائد فإنّ القارئ مصابٌ بتخمة منه. كل كتابة في المألوف والسائد هي ابنٌ بارٌّ للذاكرة لا للمخيّلة؛ الذاكرة بوصفها مستودعاً لكل ما قرَّ واستقرّ فيها وأخذ مكانه المكين. والمخيّلة بوصفها انفتاحاً على المتجدّد واللانهائي.

• ماذا يعني لك فوزك بالمركز الأول في مسابقة التأليف المسرحي في مسار الشعر؟ وماذا تعني لك كتابة الشعر المسرحي؟

•• سعدت كثيراً بالفوز، سيما أن المسرحية تتحدث عن شخصية أحبها كثيراً: شخصية ابن عربي؛ تلك الشخصية التي عشت معها طيلة ثلاثة أشهر (وهي مدة كتابة العمل)، تجربة روحية وروحانية بالغة الرهافة، فقد استدعت الكتابة عن ابن عربي، العودة إلى قراءة سيرته وأجزاء من أعماله التي حملت جوهر فكره وعمق تجربته الصوفية. وبالانتقال إلى الجزء الثاني من السؤال، أقول إن كتابة الشعر المسرحي عمّقت من مفهومي للشعر وإيماني به وبقدرته على التحرك في مناطق جديدة، يمكن استثمارها على نحو جيد ومثرٍ، إذا ما تعاملنا معها بجدية.

• أما زلت تبحث عن دار نشر تطبع لك ديوانك الجديد دون مقابل مادي تدفعه؟

•• استطعت التواصل مع أكثر من دار، وقد رحبوا بالديوان والتعاون من أجله. لا ضير في كون دور النشر تبحث عن الربح، فهذا من حقها، وهذه هي طبيعة عملها. كل ما أنادي به أن تكون هناك جهة حكومية تشرف عليها وزارة الثقافة، تقوم بطبع الأعمال الجادة التي تعبّر عن حقيقة الأدب السعودي وواقعه.

• جاسم الصحيح قال عنك إنك لست شاعراً عابراً، وإنما شاعر ذو موهبة كبرى تتجاوز المألوف والسائد.. ماذا تعني لك هذه الشهادة؟•• جاسم اسم كبير في المشهد الثقافي وتجربة مرجعية في الشعرية العربية الحديثة، وأن تأتي الشهادة من قامة كقامة جاسم الصحيح لا شك أنها شهادة تدعو للابتهاج والنشوة، إضافة إلى ما تلقيه عليّ من عبء ومسؤولية كبيرة.

• كيف يكون المؤلف الجاد والرصين رأس مال لدور النشر؟

•• تمهيداً للإجابة عن السؤال، لا بد من القول إن الرساميل الرمزية أحياناً تكون أهم وأكثر مردوداً من القيمة المادية. بالنسبة لدور النشر، يُعد الكاتب الجاد رأس مال رمزياً مهمّاً؛ لأنه يبني لها سمعة في الوسط الثقافي. إذا أرادت دور النشر أن تستثمر في سمعتها، فإن أسرع طريقة هي استقطاب كتاب أصحاب مشاريع جادة، مقابل أن تطبع لهم بمبالغ رمزية على الأقل.

• كتبتَ الشعر بأشكاله الثلاثة ومع ذلك ما زلت ترى أنّ الوزن ليس شيئاً جوهرياً في القصيدة.. ما البديل من وجهة نظرك؟

•• نعم الوزن ليس شيئاً جوهريّاً في الشعر. ونحن حين نقول الوزن نقصد بطبيعة الحال الأوزان التي أقرها الخليل بن أحمد. الحقيقة أن الأوزان جزء من الإيقاع، أو بمعنى آخر، هي إحدى إمكانات الإيقاع وليس الإمكانية الوحيدة، وما دامت إحدى تجليات الإيقاع وليس التجلي الوحيد، فمعنى ذلك أن الإيقاع أعم وأشمل وأقدم. وعليه فإن الإيقاع هو الجوهري وليس الوزن. والإيقاع يمكن أن يتحقق في قصيدة النثر مثلاً، عبر حركة الأصوات داخل الجملة الشعرية. وهناك حادثة دالة وكاشفة أنهم حتى في القديم كانوا يدركون أن الشعر بما فيه من إيقاع يوجد أيضاً خارج أوزان الخليل، إذ يُروى أن عبدالرحمن بن حسان بن ثابت دخل على أبيه وهو يبكي، وكان حينها طفلاً، فقال له: ما يبكيك؟ فقال: لسعني طائر، فقال: صفه، فقال: كأنه ملتف في بردي حبرة. فصاح حسان: قال ابني الشعر ورب الكعبة. هذه القصة المروية في كتب الأدب تكشف بجلاء أن الشعر أوسع من مجرد الوزن والتفاعيل.

• أنت تقول: لا شيء يسعدني ككتابة الشعر الجيّد.. ما مواصفات الشعر الجيّد؟

•• لا أملك ولا يحق لي ربما الحديث عن الشعر الجيد بإطلاق؛ لأن في هذا ادعاءً كبيراً، لكن يمكن الحديث عما أراه أنا أنه شعر جيد؛ أي في حدود رؤيتي فقط. كل شاعر يكتب الشعر بناءً على ما يعتقد أنه شعر، وعليه فإن الشعر الجيد -كما أراه- خرق لنمطية اللغة وبحث جاد عن اللامرئي في المرئي، ومن مواصفات النص الجيد أن يتقاطع فيه الفكري بالوجداني، وأن يكون نتاج الحالة البرزخية بين الوعي واللاوعي. طبعاً إضافة إلى ضرورة أن يتخلص من المقولات السابقة، وأن يعمل في تضاد مع الذاكرة والثقافة؛ لأنهما يفرضان السائد والمألوف وكل ما هو قارّ في الذهن.

• العودة الملاحظة للشذرات كتابة وطباعة.. إلام تعيدها؟

•• الشذرة في رأيي هي رأس الشعرية. حَشْد كل هذا العالم بمستوياته وتناقضاته ورؤاه في بضع كلمات أمر بالغ الصعوبة على مستوى التكنيك، لكنه مثير وممتع حين تدخله كمساحة للتجريب وتحدي إمكانياتك. أيضاً جزء من اهتمامي بالشذرة يعود إلى افتتاني بالمشهدية وتأمل الفضاءات البصرية واستنطاقها. إضافةً إلى ما في الشذرة من تداخل أجناسي يزيدها ثراءً وغنى. وعلى مستوى آخر أعتقد أن الشذرة بحجمها وبنيتها أكثر تمثيلاً لحياتنا المعاصرة التي أشبه ما تكون بلقطات متتابعة ومنفصلة في فضاء بصري، يجمعها سياق عام. وأخيراً لا أنسى أن منصة (إكس) بما كانت تفرضه من قيود تقنية قد أسست لتجربتي في الكتابة الشذرية وصقلتها.

• الشاعر أحمد السيد عطيف اختلف معك في شكل القصيدة، ورأى أنّ الشكل لا يجعل الكلام جميلاً ومؤثراً.. فيما ترى أنت أنّ الكتابة على نمط القصيدة القديمة تقليد وليس إبداعاً.. هل المشكلة في الشّكل أم في أشياء أخرى؟

•• نعم، كان الحديث في هذه الجزئية عن القصيدة العمودية، وعن كتابتها بصياغة تقليدية مغرقة في القدامة. النقد الحديث على عكس القديم، لا يفصل بين الشكل والمضمون، ولكتابة نص حديث لا بد من تحديث الشكل؛ لأننا لا يمكن أن نتحدث عن مضمون ما بمعزل عن الشكل، إذ إن الشكل يخلق مضمونه أيضاً. طبعاً لا أقصد بتحديث الشكل استبدال القصيدة العمودية بشكل آخر، بل أقصد التحديث من داخل الشكل نفسه. تجديد الصياغة وتحديث الجملة الشعرية ذاتها لتكون قادرة على التعبير عن الرؤى الجديدة.

• لماذا ترى أنّ كتابة قصيدة النثر أصعب من كتابة قصيدة عمودية أو تفعيلة؟

•• السبب في رأيي أن النص العمودي والنص التفعيلي لديهما قوالب إيقاعية جاهزة تجعل من مهمة الخلق الشعري مهمة أقل صعوبة. بينما في قصيدة النثر أنت تعمل في منطقة أقرب ما تكون إلى الشكل الهلامي. قصيدة النثر ملامحها أقل حدة ووضوحاً من الشكلين السابقين، وعليه فإن كتابتها تحمل صعوبة أكبر؛ لأن لكل نصٍّ قالبه الخاص الذي عليك أن تخلقه من العدم.

• كيف يمكن للشاعر أن يكون رائعاً؟

•• يكون كذلك إذا كان أصيلاً؛ أي معبراً عن صوته الخاص، ولحظته الراهنة، ومنغمساً بالكامل في تفاصيل عالمه، طبعاً دون أن يفقد قدرته على الاتصال بالوجود والكون.

• النصوص القصيرة التفعيلية التي كتبتها وترغب في نشرها مرفقة برسوم إبداعية.. ماذا عنها؟

•• هي أربعون نصّاً، تحمل خلاصة تجربتي في كتابة الشذرة الشعرية، وهو تنويعٌ على تجربتي الشعرية عموماً. تعاونت في هذا المشروع مع الرسامة السورية القديرة راما الدقاق. والعمل الآن في مرحلته الأخيرة، وسيُنشر خلال الشهرين القادمين.

Continue Reading

ثقافة وفن

رواء الجصاني يلتقط سيرة عراقيين من ذاكرة «بـراغ»

أصدر رئيس مركز الجواهري الثقافي، رواء الجصاني، كتاباً توثيقياً عن (شخصيات وشؤون ثقافية عراقية في ذاكرة وتاريخ

أصدر رئيس مركز الجواهري الثقافي، رواء الجصاني، كتاباً توثيقياً عن (شخصيات وشؤون ثقافية عراقية في ذاكرة وتاريخ براغ) طيلة 65 عاماً، وتضمن التوثيق 22 عنواناً فرعياً.

وسلّط المصدر الببلوغرافي الضوء على إقامة خال الجصاني الشاعر العربي محمد مهدي الجواهري، في التشيك قرابة 30 عاماً (1961-1991)؛ منها سبعة متصلة (1961-1968)، و كتب الجواهري خلال إقامته في (براغ) نحو 30 قصيدة ومقطوعة؛ عشر منها، وفيها، عن التشيك وجمال وعطاء بلدهم الذي أطال من عمر الجواهري كما يثبت ذلك في قصيدته:

أطلتِ الشوطَ من عمري، اطالَ الله من عمركْ

ولا بلّغتُ بالشرّ، ولا بالسوءِ من خبـركْ..

ألا يا مزهرَ الخلدِ تغنى الدهرُ في وتركْ.

واحتفظ المثقفون التشيك، باعتزاز بذكرى إقامة الجواهري معهم، وهم يدركون تميّزه الشعري، إضافة لكونه رمزاً عراقياً وعربياً، وإنسانياً، وجسراً وطيداً بين ثقافتي البلدين، وتم وضع نصب (معلم) تذكاري له جوار شقته التي عاش فيها أزيد من ربع قرن بمنطقة براغ السادسة.

كما تناول الكتاب، الفنان والمفكر الرائد محمود صبري، ذو العطاءات التشكيلية وصاحب نظرية (واقعية الكم) الذي أقام في براغ فناناً ومفكراً وطنياً، وباحثاً إنسانياً نصف قرن (1963-2013).. وكذلك الباحث والكاتب والمترجم القدير مصطفى عبود الذي أقام بها من أواخر السبعينيات إلى 1985. والكاتب والصحفي شمران الياسري (أبو كاطع) منذ النصف الثاني من السبعينيات إلى عام 1981.. والكاتب والروائي يحيى بابان – جيان، من منتصف الستينيات إلى عام 2023. والفنان الكردي العراقي البارز قادر ديلان؛ الذي أقام وعمل في براغ لنحو عقدين إلى وفاته عام 1999. والباحث الجدير فالح عبد الجبار من عام 1979 إلى 1981.. وبشرى برتو، وذنون أيوب، وفاروق رضاعة، وفيصل السامر، ونوري عبد الرزاق، ومجيد الونداوي، ومهدي الحافظ..

واستعاد الجصاني مسيرة إذاعة براغ العربية، ومن أسهموا فيها، ومنهم: أحمد كريم، وأناهيد بوغوصيان، وحسين العامل، وزاهد محمد، وصادق الصايغ، وعادل مصري، وفائزة حلمي، ومفيد الجزائري، وموسى أسـد، ونضال وصفي طاهر.

كما تناول الجصاني المجلات الثقافية التي صدرت، وكذلك المتخصصة في شؤون سياسية واقتصادية، والسفراء، والدبلوماسيين، وأمسيات شعرية، وندوات أدبية وفكرية، ومعارض فنيّة، وحفلات موسيقية، ومؤلفات وتراجم، وأفلام ومخرجين، ومترجمين ومحررين، وكتب ومكتبات، ومحطات إعلامية، ومركز الجواهري، الذي أطلقه رواء الجصاني والدكتور محمد حسين الأعرجي، والمستعرب التشيكي (يارومير هايسكي)، وبدأ نشاطاته في منتصف عام 2002: و(بابيلون للإعلام والنشر)، كما تناول الكتاب باحثين وأكاديميين وعلماء.

Continue Reading

ثقافة وفن

«آثارنا حضارة تدلّ علينا»

كادت الآثار التاريخية الأبرز في بلادنا تندثر، في ظل ثقافة تعمدت تغييب الوعي بأهمية التراث والأثر في حياة الشعوب،

كادت الآثار التاريخية الأبرز في بلادنا تندثر، في ظل ثقافة تعمدت تغييب الوعي بأهمية التراث والأثر في حياة الشعوب، ودورها في التنمية الاقتصادية، والتقدير الإنساني، وأبرمت هيئة التراث، مؤخراً، اتفاقية مع الهيئة الوطنية للتراث الثقافي في الصين، للتنقيب عن الآثار بموقع السرين الأثري بمحافظة الليث بمنطقة مكة المكرمة، وتستهدف الاتفاقية التوسع في أعمال التنقيب الأثري الميداني بالمملكة، وتعزيز الشراكات العلمية مع الجامعات والمراكز الدولية المتخصصة في التراث. وتواصل هيئة التراث جهودها لاستكشاف الفرص الممكنة لتحقيق عوائد ثقافية، واقتصادية، واجتماعية من التراث الوطني بما يتماشى مع مستهدفات رؤية السعودية 2030. وسبق أن كشفت (هيئة التراث السعودية) عن اكتشاف أكثر من 1556 موقعاً أثرياً و1900 منشأة حجرية و7600 واجهة صخرية تحتوي على رسوم ونقوش تاريخية في مختلف أرجاء البلاد عقب 72 مشروعاً بحثياً بالشراكة مع عدد من الجامعات والمراكز العلمية المتخصصة في مجال المسح والتنقيب الأثري.

وهنا نطرح محور قضيتنا الأسبوعية حول التراث والآثار؛ من خلال رؤية ثقافية وعلميّة، وإبداعية، مستأنسين برأي عدد من الباحثين المتخصصين، فيرى الأكاديمي الدكتور إبراهيم أبو هادي النعمي أنه حين نتجه إلى الاهتمام بالماضي؛ باعتباره مكتسباً، فإننا نعي تماما أنها «عودة» إلى الخلف في الإطار الإيجابي، إذ تعني تجذير المعرفة واصطحاب تطورها وتشكلاتها في الحقب الزمنية؛ وفق تاريخيّة الزمكان وتأثيره على المنتج الثقافي واستثمارها في الحاضر بكل حمولاته الثقافية والاجتماعية والسياسية. وعدّ ما الدولة بصدد رعايته موروثاً يجمع بين الابستمولوجيا والانطولوجيا وتجلياتهما في الآداب والفنون والطقوس الاجتماعية والتعبير عن الهويّة الثقافية المستمرة والمتغيرة والمتطورة، مؤكداً أهمية دراسة الوجود والكيانات المتعلقة بالآثار والتراث وكيفية تفسيرها في سياق الهوية والتاريخية، فالهوية تسهم في تعزيز شعور الانتماء والاعتزاز بالثقافة المحلية والقيم والتقاليد التي تشكلت عبر العصور؛ ويكون ذلك من خلال الحفاظ على التراث والآثار لضمان رفد الهوية للأجيال القادمة. وأوضح أبو هادي أننا اليوم في المملكة، وعبر برامج الرؤية الملهمة، نرى أن الاهتمام بالتراث المعرفي والمادي؛ باعتباره ذاكرة الأمة وهويتها، يحقق للمواطن السعودي تحسين جودة الحياة والتقدم نحو المستقبل بوعي وثقة المنافس، معتمداً على تاريخ عريض من الحضارات المتتابعة والثقافات المتنوعة التي تتماشى مع توجهات الدولة الحديثة وتعاطيها مع ثقافات العالم؛ كونها لاعباً رئيساً في مجالات الاقتصاد والسياسة والحضور الاجتماعي والثقافي، كل هذا يقودنا نحو بناء مستقبل مستدام مستنداً إلى الماضي، متماهياً مع الحاضر، متطلعاً للمستقبل. ولفت أبو هادي إلى أن الحفاظ على الموروث؛ سواء أكان مادياً أو معرفياً؛ واجب تجاه المجتمعات المحلية والإنسانية، ما يلزمنا بنقله بكل أمانة واحترافية واهتمام تدويناً وتوثيقاً وصيانةً وتمكيناً للبعثات المتخصصة في استكناه أسراره وإتاحة المادي منه للدرس والتنقيب والمعرفي للتدوين والتداول وإعادة انتاج كل ذلك من خلال الفنون بكل أطيافها، مضيفاً بأن المملكة من أغنى دول العالم تراثاً وموروثاً ثقافياً، ويحمل ترابها آثاراً وتاريخاً يعكس حضارات قديمة كان الحفاظ عليه واجباً وطنياً يستوجب تضافر الجهود للعناية به وتحمل مسؤوليته. وقال أبو هادي: «إن فلسفة الحفاظ على التراث تدور حول استدامته والاحتفاظ بتلك الذاكرة الجماعية التي تستعيد تجارب وتحديات المجتمعات السابقة؛ التي هي في حقيقتها جزء من وجودنا، كما أن فهمنا العميق لهذا التراث يساعدنا على تقدير تنوع الثقافات ويعزز الحوار بين الأجيال».

فيما يرى الباحث في العلوم الإنسانية عبدالهادي صالح الشهري أن كل ما هو قابل للاندثار سيندثر ما لم يتم تداركه؛ سواء أكان ذلك في التراث المادي أم غير المادي، مشيراً إلى أنه لا يمكن التعرف على تاريخ البشرية إلا من خلال ما خلفوه من آثار ملموسة أو غير ملموسة؛ واعتبارها هوية تاريخيّة تعكس قيمة الإنسان وحضوره وأمجاده على هذه الأرض.

وأوضح أن في محافظة النماص -على سبيل المثال- الكثير من التراث المادي الذي حاول فيه الأسلاف رفع الهوية الجبلية بكامل تفاصيلها التاريخية والثقافية على حد سواء، كما هو أيضاً على مستوى التراث غير المادي، إذ لا تزال العادات والتقاليد متوارثة إلى يومنا هذا، وتكشف طريقة تعايش الإنسان مع الطبيعة الجبلية التي تشير إليهم وتميزهم عن غيرهم، ولا يمكن للزائر لمحافظة النماص إلا أن يستشعر هيبة الجبال والأودية والشعاب ويشتم رائحة التاريخ وهي تخرج من بين حصونها وقلاعها الكثيرة ويبتهج من ضيافة أهلها الكرام. وأكد الشهري أننا ونحن نتجه جميعاً وفق رؤية السعودية 2030 للحفاظ على هذا الإرث الكبير؛ الذي تمتلكه المملكة في جهاتها الأربع ورفع الوعي بأهمية الحفاظ عليه وعرضه أمام السائح الذي ستدهشه ولا ريب القيمة التاريخية لهذه الأرض والممتدة منذ آلاف الأعوام إلى يومنا هذا، ما يحتّم على الجميع السعي الحثيث نحو المحافظة على كل ما يخلد تاريخ هذه الأرض وتقديم الهوية والحضارة العربية العظيمة للآخر المتشوق لمعرفة تاريخنا وفروعه المتعددة بكل اعتزاز وفخر وجلال.

الذييب: إشراك المواطن في حفظ الآثار ضرورة

فيما ذهب مستشار مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية الدكتور سليمان بن عبدالرحمن الذييب، إلى أن الآثار شاهد على إنجازات أي مجتمع، ولا أبالغ إن قلتُ إن الآثار هي حامل الصبغة الوراثية التي توثق نسب المجتمع بما خلفه من إنجازات، وعلامة الهوية الوطنية، لافتاً إلى أهمية أن يولي المجتمع ليس فقط الاهتمام والرعاية اللازمتين، بل المحافظة على الآثار وجعلها أحد أسس الانطلاق إلى الأمام، موضحاً أن قيادتنا الرشيدة تبنّت -شأن مجتمعات متقدمة- المحافظة على الآثار والاستفادة منها في خططها المستقبلية الواعدة عن طريق استلهامها في قضاياها والاستفادة منها اقتصادياً واجتماعياً ووطنياً، في ظل ما تبذله الجهات المعنية في هذا الجانب ما يخلق تفاؤلاً طيباً في حاضر الوطن ومستقبله.

وأكد الذييب أن دولتنا اعتمدت خططاً للمحافظة على هذا الإرث العظيم والعمل على توظيفه سياحياً وثقافياً واقتصادياً في إطار الاستراتيجية الوطنية للثقافة ورؤية 2030م، مشيراً إلى أنه إذ أخذنا جانب المحافظة على هذه الآثار فإن أبرز ما يجب تبنيه والسعي لتنفيذه هو توثيق هذه المواقع الأثرية والتراثية، وتسجيل المهم منها لدى منظمة اليونسكو باعتباره تراثاً عالمياً، مع ترميم هذه المواقع وتهيئتها بشكل صحيح، إضافة إلى تفعيل البحث العلمي في المؤسسات العلمية المعنية في هذا الأمر، مضيفاً بأن للجانب الاقتصادي دوراً متى ما تم العمل على التهيئة الجيدة للمواقع، وتسهيل الوصول إليها وتحقيق العوامل المساعدة على زيارتها، كي يتمكن الزائر من استنطاق التاريخ من خلالها. وعدّ من الأهمية مراعاة أن تكون هذه المواقع صديقة للبيئة بإمداد هذه المواقع التراثية والأثرية بأحدث وسائل التنمية المستدامة، وحظر استخدام وسائل من شأنها الإضرار بالبيئة. والاستعاضة عنها بالوسائل الحديثة لجذب الزائر، المتمثلة في الذكاء الاصطناعي في مجال الآثار والتقنية الحديثة التي تؤدي دوراً واضحاً في الترويج وتعزيز الاهتمام بها من خلال تقنية المحتوى الرقمي وتطبيقاته المختلفة، وتطوير قدرات الكوادر البشرية الوطنية عن طريق الابتعاث والدورات والمشاركات، مع جهات عالمية ذات خبرة طويلة في هذا الجانب، ومنح هذه الكوادر ثقة تولي مهمات التعامل مع آثار هذا الوطن العريق وتراثه.

ويرى الذييب أن كل هذه الخطط والآمال لا يمكن أن تحقق هدفها المنشود دون إيمان المواطن بهذه الأهمية، فدوره هو الأساس في الحفاظ على الآثار. ودعا الذييب إلى إشراك الجهات ذات العلاقة (المواطن) في الاستفادة الاقتصادية، وتخطيط مستقبل مدينته، وقال: «دون ذلك فمهما صُرفَ وبذل فلن نلمس نتائجه التي نتوخاها».

Continue Reading

Trending

جميع الحقوق محفوظة لدى أخبار السعودية © 2022 .