Connect with us

ثقافة وفن

الروائي طاهر الزهراني: توقفتُ عن الدفع للناشرين

كان ضيفنا في هذا الحوار شغوفاً بالقصص والحكايات سماعاً وقراءة، يعيد الفضل في هذا الشّغف لجدته التي كانت تحكي له

كان ضيفنا في هذا الحوار شغوفاً بالقصص والحكايات سماعاً وقراءة، يعيد الفضل في هذا الشّغف لجدته التي كانت تحكي له قصص القرية، وقصص السعالي والغيلان، تعلّم منها فنّ القصّ، واكتشف معها توظيف الكلمات.

صقل ضيفنا تجربته بالقراءة الموسعة في الأدب العربي والفرنسي والروسي، وأثرى تجربته بالعيش في الحارة، فكانت تجربته ثرية على الصعيد الإنساني.

كتب ضيفنا القصّة والرواية، وعمل على العديد من المشروعات الثقافية. راضٍ عن نفسه وعن الدراسات الأكاديمية التي درست أعماله الإبداعية، إلاّ أنّ في نفسه شيئاً على الناقد الذي لا يقرأ! فإلى نص الحوار مع الروائي طاهر الزهراني:

• دعنا نبدأ من انعكاسات الكتابة الإبداعي لديك.. إلامَ تعيدها؟

•• دعني أنطلق من تجربتي الخاصة، قبل الكتابة كنت شغوفاً بالقصص والحكايات سماعاً وقراءة، كانت جدتي -رحمها الله- هي أول حكواتي عرفته في حياتي، كانت تحكي لنا قصص القرية، وقصص السعالي والغيلان، وبهذا علمتني فن القص والكشف وتوظيف الكلمات، ثم كانت هناك أشرطة تأتي من بيروت تقص علينا بعض القصص، وكانت بها بعض المؤثرات الصوتية. لكن الأثر الأكبر كان يأتي من تشجيع الوالد -رحمه الله- على القراءة التقليدية، وتوفير الكتب، وكانت عندنا وما زالت مكتبة عظيمة تحوي كل الفنون الإنسانية؛ ألف ليلة وليلة، وأساطير شعبية لعبدالكريم الجهيمان، وقصصاً مترجمة، والكثير من السير والتراجم. كنت في كل مرحلة أقرأ قصصاً تناسب المرحلة العمرية.

ثم كانت قراءة موسعة في الأدب العربي والفرنسي والروسي، وكان الأدب الروسي أدباً عظيماً ومؤثراً جداً. ودلتني القراءة على بعض الكتب التي كانت صعبة المنال؛ بسبب فقر وقلة المكتبات حينها، لكني وجدت الكثير من الكتب النادرة في مكتبة جامعة الملك عبدالعزيز التي كانت حديقة عظيمة للأدب، وأتذكر أنها كانت تحوي الكثير من النتاج الروسي العظيم.

غير الكتب كان العيش في الحارة تجربة ثرية على الصعيد الإنساني، في الحارة كانت الأبواب تفتح بواسطة حبل نازل من ثقب الباب، والأمهات كنّ يصنعن الطعام في قدور كبيرة من أجل الجيران، الأزقة مكان للعب، والعبور للزيارة والصلة، الشرير في الحارة ليس شريراً على الدوام، قد يصنع معروفاً لا يلتفت إليه أحد، والصالح لا يسلم من الخطأ، خلق القصص والحكايات المختلقة لا ينتهي، تعدد الروايات لكل حدث لم يشاهد، لم يكن للناس عمل بعد الرزق إلا الاقتراب، والحديث، (وشوشات) الجارات عبر الأبواب والنوافذ، وأيضاً كانت القهوة الشعبية نقطة جذب للجميع، وكان إنسان الحارة البسيط في القهوة يقصد أي جلسة فيها أناس يعرفهم وقد لا يعرفهم، علمتنا الحارة قراءة أخرى للحياة، غير القراءة التقليدية.

• هل كُتِب الجنوب في الأعمال الإبداعية بشكل حقيقي ومكتمل؟

•• محلياً كُتِب الجنوب بشكل رائع، وذلك عندما نستعرض بعض العناوين مثل (الموت يمر من هنا) و(مدن تأكل العشب) و(ساق الغراب) و(الحزام) وروايات عبدالعزيز مشري -رحمه الله-.

روايات الجنوب مشغولة بعوالم موغلة في الجمال، وتملك المفردات والمناخات والحكايات الخاصة به، ويملك حكاياته الإنسانية الأصيلة القادرة على تجاوز الجغرافيا.

• لديك أعمال روائية كـ(الفيومي) و(آخر حقول التبغ) و(نحو الجنوب)، هل استنفدت هذه الأعمال مخزون القرية لديك؟

•• لقد سمعت حكايات من جدتي، وأحداثاً كبيرة وقعت في قريتنا الصغيرة، وكذلك قرأت في بعض المسودات التي خطها أبي، كل هذه الأمور تدل على أن القرية مكان ثري ومترع بالحكايات، أتحدث معك عن قرية صغيرة تقع في تهامة، فما بالك بالجنوب كله.

كتبت ثلاث روايات عن الجنوب، ولدي المزيد، ذاك أني أتعامل مع القرية كمسرح ثري، يصلح لكل الأحداث والقصص التي ما زالت خاماً، وتنتظر من يبعث فيها الروح.

القرية مسرح نموذجي للكتابة، فهناك فضاء مفتوح، والتصاق بالبيئة والكائنات، وبعث دائم للإرث والحكايات، وعندما أكتب عن القرية فأنا أكتب عن مكان خصب للحكي، وتحضر فيه أغلب العناصر الأساسية للسرد بإذعان شديد.

• يميل كثير من المبدعين السعوديين الشباب إلى استيراد عناصر العمل الإبداعي من خارج البيئة المحلية.. هل هذا مؤشر على افتقاد بيئاتنا المحلية لما يغري بالكتابة، أم أنّ هناك نقصاً في المعرفة بالمكان الذي يكتبون عنه لدى بعض هؤلاء المبدعين الشباب؟

•• قرأت، أخيراً، أعمالاً كل عناصرها مستوردة من بيئات ليست لنا، تصور أن بعض الكتابات وصل بها الحال أن تكون لغتها أشبه ما تكون بلغة الأعمال المترجمة، صحيح أن اللغة وسيلة، لكن لا يعني هذا أن تكون مسخاً، أنا أريد كتابة تشبهنا، تعنينا، وليس هذا حائل دون الأفكار الإنسانية الخلاقة التي نبحث عنها، والتي لها أجنحة لتعبر الحدود، وهذا ما يطالب به أي قارئ للأدب.

في جدة تنوع بشري هائل، وثري، وفي المقابل هناك ارتباط قوي بالقرية تكرسه اللغة والإرث والعادات، وسبق أن أثرت هذا الكلام من قبل، وظن البعض أني أحاول تأطير الكتابة في الشعبي، والقروي، وليس هذا ما أقصده، ما أقصده أن كل كاتب لو انطلق من بيئته لحصل الثراء الإبداعي الذي نسعى إليه، خصوصاً أنني أتحدث عن وطن كبير مثل وطني.

• كيف تنظر كمبدع لقيمة الإبداع الذي تكتبه ويكتبه مبدعون غيرك ودوره في حياة الناس؟

•• أنظر أن وظيفتنا أن نملأ هذا الفضاء كتابة وإبداعاً، ثم يتلقى الناس كل هذا، ثم تنمو حياة أخرى، وتأويلات أجمل تزدهر بها النصوص، فلا يكون الأدب أدباً إلا بمتلقٍ يحتفي بالنص، ويعمله في مخيلته، أجمل الأشياء في الكتابة تلك العلاقة الساحرة بين القارئ والكاتب، جميل عندما تشعر أن أحدهم في مكان ما في هذا الكون يقرأ لك، اقتطع جزءاً من وقته الثمين، لزم زاوية في مكان صاخب، اختار لك وقتاً قبل أحلامه ليكون معك لينصت لك، ثم يكون سحر القراءة فترسم بسمة، أو تذرف دمعة صادقة لشعور إنساني مشترك، ليس هناك أجمل من أن تسكن في مخيلة الناس وقلوبهم، شعور جميل من قارئ هو أعظم ما قد تحصل عليه ويسكنك أثناء القراءة لك.

• في حوار على هامش معتزل الكتابة في عسير، كنتَ تسألني عن المبدعين السعوديين الذين يكتبون الرواية كمشروع.. هل لديك إجابة بصفتك قارئاً وكاتباً في الوقت ذاته؟

•• لم أعد أتذكر السياق الذي كنا نتحدث عنه، ما أريد قوله إنه لا ينبغي لنا أن نتضجر من عدد الأعمال الروائية التي تصدر؛ لأن من تبنى الرواية كمشروع حياة لدينا تستطيع أن تعددهم على الأصابع.

أنا كقارئ أسعد بالنص الجميل لأي زميل، وأحتفي به، حتى نضمن استمرار هذا المشروع، وكوني أكتب فأنا أعزز هذا الفعل بالاستمرار في مشروعي كروائي.

• كتابة المراجع في الأعمال الروائية، لماذا يلجأ إليها كاتب روائي مثلك في عملين من أعمالك؟•• أشعر أن أي مصدر معرفي يلجأ له الروائي أثناء كتابته من الواجب الإشارة إليه، ومن النبل أن تكون هناك تلويحة امتنان لهذه الأعمال، ولا أرى أن ذكر المراجع يقلل من جمال العمل الإبداعي، بل يضيف عليه لمسة وفاء، رغم أن العمل الإبداعي لا يتم التعامل معه بصرامة بخلاف العمل البحثي، لكني في الغالب إن كان هناك مصدر استفدت منه فإني أشير إليه، كما حدث معي في رواية (أطفال السبيل) و(الفيومي).

• في حديثك عن النقاد، انتابني شعور أنك غير راضٍ عن مواقفهم من أعمالك الإبداعية التي تجاوزت 10 روايات، وربما أربع مجموعات قصصية، هل أنا محقّ في هذا الشعور؟

•• لا، على العكس، فالناقد يمارس دوره بشكل جيد في المؤسسة التعليمية، يتواصل معي الكثير من المشتغلين في النقد، وهناك دراسة في كل وقت عن أعمالي، لدرجة أن الأمر أصبح مزعجاً أحياناً، لكن أرى من الواجب أن أقدم كل ما يريده الناقد لإنجاز واجبه، طالما مشروعي في إطار عمله.

أنا غير راضٍ عن ناقد لا يقرأ -وهم بالمناسبة كثر- ثم يأتي ليحاول أن يقلل من تجربتنا السردية، ويتساوى في هذا الناقد وغير الناقد.

بالنسبة لي الذي يهمني القارئ، كم من الدراسات كتبت حول تجربتي، لكني أبتهج برأي وانطباع القارئ العادي، القارئ الذي بحث عن رواية أو مجموعة قصصية ثم بعث رأيه بكل تجرد وحب في الفضاء ثم وصل لي دون أن أعلم، هذا القارئ هو أعظم الهدايا.

• هل أنت ممن يصغون للنقد؟

•• نعم، وكل تحسن، ونضج في تجربتي -إن لمسه القارئ- أعزوه لإصغائي بكل حب وامتنان للنقد، حتى لو كان نقداً سلبياً، وأحياناً لا أتردد أن أرفعه على حساباتي في وسائل التواصل، فكما أننا نسعد بالانطباعات الجميلة عن أعمالنا، علينا أن نضع الاعتبار لكل نقد سلبي يصلنا، وننصت إليه بكل تواضع، إن أردنا أن نصقل تجربتنا.

• ذهبت العام الماضي، وأيضاً هذا العام إلى عُمان، ما الذي رأيته في الوسط الثقافي في سلطنة عمان؟

•• نعم؛ حضرت العام الماضي فعاليات بيت الزبير، وقدمت ورقة بعنوان: الرواية وسلطة المجتمع رواية «جاهلية» للروائية ليلى الجهني أنموذجاً، وبداية هذا العام شاركت في ندوة بمعرض مسقط الدولي للكتاب، وتحدثت فيها عن مبادرة انثيال، الذي أعجبني في الوسط الثقافي العماني، أنه وسط داعم، بمجرد أن يصدر لأحدهم كتاباً، تجد عشرات الكتابات والمراجعات حوله، كما أنهم يحضرون الندوات المنعقدة حول نتاجهم، وفي حفلات التوقيع تجدهم يصفون من أجل دعم زميلهم، هذا غير الاستضافات في الراديو والتلفاز -بالمناسبة أتعجب كثيراً من تعلق الناس في السلطنة بالمذياع- أمر يا عزيزي في غاية الجمال والود، هنا العلاقة بيننا نحن الكتّاب -وأنا منهم طبعاً- مربكة، نحن بحاجة لندعم بعضنا، ونحتفي بتجربتنا، أما على المستوى المؤسسي، الجميع يشاهد ما تبذله هيئة الأدب والنشر والترجمة من اهتمام بالغ بالنتاج، والترجمة، وإقامة المعتزلات، والإقامات الخارجية، وهنا يظهر دور العمل المؤسسي في دفع الحراك الثقافي وإنعاشه، في معتزل الكتابة الأخير في أبها الذي شارك فيه كتّاب من العالم العربي مما ذكروه لنا، أنهم يتابعون الحراك الثقافي السعودي، ويتقدمون لأي مشاركة ثقافية تقيمها وزارة الثقافة، هذا أمر صحي ومبهج.

• ما بين «جانجي» أولى رواياتك وآخر عمل كتبه في حقل الرواية، هناك حكايات لا يعلمها إلاّ أنت.. حدثنا عنها.

•• أزعم أني بحاجة لكتابة كتاب أسميه (سيرة روائية) كما فعل غازي القصيبي -رحمه الله- عندما كتب (سيرة شعرية). لكل رواية من رواياتي حيثيات غريبة قبل النشر، وحكايات بعد النشر، كتابي الأول نشرته عند ناشر في الحارة، وأمضيت معه عقداً لمدة عامين وحقوق بنسبة 8%، وهو الناشر الوحيد الذي التزم معي بالمدة، وبنسبة الأرباح ليس على المباع، بل على كل المطبوع، فكانت بداية مبشرة، بعد ذلك طبعت (جانجي) فطلب الناشر مبلغاً بالدولار مقابل النشر، وبنسبة 10%، وطبع العديد من الطبعات دون إشارة لطبعة ثانية، وعندما أرسلت له (أطفال السبيل) طلب مبلغاً، ورفضت، فطلب مني التنازل عن حقوقي من الكتاب الأول والثاني، ومن يومها توقفت عن الدفع، وأصبحت أراهن على ما أكتبه!

بعد ذلك كتبت رواية بعثتها لناشر وذكر أنه لا يعترف بالعقود المكتوبة، وأنه يكتفي بالعقد الأخلاقي، لا تسألني هل التزم الناشر بعقده الأخلاقي أم لا.

خذ هذه القصة، طبعت عند ناشر عربي وكان حينها رئيساً لاتحاد الكتاب العرب، بعد النشر، تحدثت معه عن العقد، فقال إنه يكتفي بإعطاء المؤلف 100 نسخة من عمله فقط!

ربما أفضل تجربة في النشر من حيث الحقوق ما كانت تقوم به النوادي الأدبية، من دفع المكافآت، وإعطاء النسخ، وصدقاً كنت كلما طلبت نسخاً منهم كانوا لا يترددون، أيضا تجربتي مع دار أدب أخيراً كانت تجربة رائعة، وكانوا في منتهى الرقي، أتمنى لهم التوفيق.

أنا أتمنى أن أطبع كل أعمالي محلياً، لكن المعضلة الكبرى دائماً تكمن في الرقابة، جاءني ناشر محلي يرغب في طباعة كل نتاجي، عندما رفع روايتي (أطفال السبيل) للرقابة، أصبنا بإحباط، صحيح لم تمنعها الرقابة لكنها رفعت العديد من الملاحظات حول العمل من ضمن تلك الملاحظات صياغة بعض الفصول مرة أخرى، تخيل أن تعيد صياغة رواية لك من أجل الطبعة الثانية، أتفهم ذلك في الطبعة الأولى لكن أن أغير رواية فقط من أجل الرقابة أمر في غاية الصعوبة؛ لذا لم تنجح محاولة طبع النتاج مرة أخرى محلياً، وعلى سيرة الرقابة في عام 2009م ترجمت (جانجي) للغة الإنجليزية، وفسحت، بينما النسخة العربية ممنوعة، ونشر الصديق محمود تراوري حينها خبراً بعنوان: «الرقابة تمنع ووكيل الوزارة يترجم» بعد ذلك فسحت النسخة العربية.

من الأشياء الجميلة أيضاً أن رواية (نحو الجنوب) تحولت إلى فيلم سينمائي 2017م من إخراج عبدالرحمن عايل، وسيناريو نهلة محمد، وصُوّر الفيلم في نفس المكان الذي كانت فيه أحداث الرواية، وكانت تجربة رائعة بالنسبة لي، حتى بالنسبة لعبدالرحمن الذي أنتج الفيلم أكثر من مرة حتى يخرج في أفضل صورة، الفيلم عرض في المغرب في 2018م، في العام نفسه تواصلت معي قناة مشهورة بخصوص نقل روايتي (الفيومي) للشاشة، لأكتشف بعد ذلك بسنتين أنها قامت بإنتاجه عبر فريق قام بتشويه العمل بحيث لا يظهرون للعالم بأنها جناية، وكان الفعل مؤذياً جدّاً، فلو أخبروني لتعاونت معهم كما تعاونت مع الصديق عبدالرحمن عايل، الذي طلب مني إذناً خطياً بموافقتي على نقل العمل للسينما ووافقت مباشرة.

هذه بعض الحكايات الصغيرة حول أعمالي، وهناك الكثير لكن المساحة هنا تحكمنا.

• لديك مشروعات إبداعية غير كتابة القصة والرواية، لديك «روى» ومبادرة «انثيال» حدثنا عن هذه المشروعات، ولماذا تعمل عليها رغم التعب وقلّة المردود؟

•• بعد أكثر من عقد ونصف في الكتابة الإبداعية، انتابتني رغبة أصبحت مُلّحة مع الوقت، وهي رغبة تتعلق بما بعد مشروعي الخاص بالكتابة.

لا شك أن الكتابة في حد ذاتها منحة عظيمة، ومجد يكلل رؤوس الكتّاب، لكن إلى متى يتعامل الكاتب مع الكتابة بشكل فيه نوع من الأنانية، الكاتب الذي أمضى عقوداً من عمره في الكتابة، واكتسب منها الخبرة والأدوات، واستطاع أن يملك المهارة، والاحترافية التي قد تؤهله إلى نقل مهارة الكتابة إلى الآخرين، لماذا لا يفعل ذلك؟

صدقاً كان لدي هذه الرغبة الملحة والمضمرة في نقل هذه المهارة للناس الذين يرغبون في الكتابة، كان هذا النداء يتكرر صداه في نفسي كثيراً، لكن لم أتوصل للوسيلة التي تمكنني من ذلك.

في عام 2018م تحدث معي الصديق فؤاد الفرحان عن رغبته في أن نشترك في عمل يخص السرد، اجتمعنا تناقشنا أياماً عدة، ثم خرجنا بإطلاق مبادرة (انثيال) التي تعنى بمساعدة من يرغب في الكتابة الإبداعية، ولم يسبق له أن أصدر كتاباً من قبل، بحيث نصحب المشارك من لحظة انقداح فكرته إلى لحظة إصدار كتابه.

اتفقنا أن أقوم ومعي بعض الأصدقاء المعنيين بالكتابة بالمبادرة السردية، ويقوم الأصدقاء فؤاد الفرحان وعبدالعزيز الغامدي -رحمه الله- بالعناية بالجانب التقني الذي يخص المنصة الإلكترونية التي قررنا أن تكون هي مخيمنا الرقمي الذي منه ننطلق لعمل هذه المبادرة السردية التطوعية.

عملنا على نسختين؛ الأولى في 2019، وكانت مخرجاتها خمسة أعمال روائية، والثانية في 2020 وكانت مخرجاتها خمسة أعمال أيضاً، وما زلنا نبحث عن جهة تتبنى هذا المشروع الواعد.

بالنسبة لـ(روى) في البداية كانت الفكرة مجلة شهرية ورقية باشتراك سنوي، يتكون العدد من ثلاثة أقسام: بروفايل عن الكاتب، ثم النص، ثم حوار مع الكاتب حول النص المنشور، اجتمع الفريق، واتقفنا على اسم المجلة، وناقشنا التفاصيل ثم وجدنا أنّ تكلفة البريد أكثر من تكلفة طباعة المجلة، فقررنا أن تكون المجلة رقمية، عملنا على الهوية، وحددنا المنصة، ثم قمنا بالإعلان عن المشروع، بدأنا مراسلة كتّاب السرد في المملكة وفي جميع العالم العربي، ووجدنا إعجاباً شديداً بفكرة المشروع، وشاركت معنا أسماء كبيرة في عالم السرد.

ثم نشرنا أول نص للروائية السورية شهلا العجيلي تحت عنوان: (إلى تشيخوف) عبر منصة (إكليل) واشترك عدد لا بأس به من القراء في المجلة، وصنعنا مجتمعاً عبر المنصة لمناقشة الأعمال المنشورة، ثم استضافة الكاتبة افتراضياً وقمنا بعمل حوار معها بحضور القراء.

تتالت الأعداد بعد ذلك، ووجدنا بعد ذلك أننا سنضطر مع الاشتراك السنوي أن ننشر أعمالاً جودتها أقل من المعايير التي وضعناها لقبول النص؛ لذا قررنا أن نوقف الاشتراك، وننشر النصوص متى توفر فيها الشرط، حتى لو دعا الأمر أن ننشر نصّاً في العام. قمنا بإعادة الاشتراكات لأصحابها كاملة، وهنا أتذكر موقفاً نبيلاً من الدكتورة الكويتية سعاد العنزي، إذ لم تقبل إعادة الاشتراك، وأخبرتنا أنه دعم للمشروع.

ربما موقف الدكتورة سعاد هو الذي حفزنا طيلة سنة كاملة على نشر عمل كل شهر.

نشر خلال ذلك العام 12 نصّاً عبر منصة (إكليل) ثم توقفنا بعد ذلك لرغبتنا في منصة مستقلة. ثم توقفنا.

خلال فترة التوقف كانت هناك العديد من النصوص التي تأتي لبريد المشروع، لكنها لم ترقَ للمعايير التي وضعناها؛ لذا لم ننشر، وأيضاً لكوننا في مرحلة انتقالية مهمة للمشروع، بعد ذلك انتقلنا لمنصة جديدة مستقلة هي منصة (روى للنشر) ونشرنا نص الكاتبة نجوى العتيبي بعنوان (أسئلة اليدين).

المنصة سهلة الاستخدام، وتتيح النص بصيغة رقمية، ذات تصميم موحد.

نسعى من خلال روى أن نحتفي بالنص الفريد، أن نبعث رسالة أن العمل ليس بعدد الصفحات وإنما بطريقة التناول، وهذا هو ما نحرص عليه، ونطمح في المستقبل أن نصدر الأعمال العربية بلغات العالم، من خلال الرهان على الكلمة والإيمان بها.

Continue Reading

ثقافة وفن

هيئة الأفلام تطلق ملتقيات النقد السينمائي من حائل

أعلنت هيئة الأفلام عن انطلاق سلسلة ملتقيات النقد السينمائي لعام 2024، بدءًا من ملتقى حائل الذي سيُعقد في 27 سبتمبر

أعلنت هيئة الأفلام عن انطلاق سلسلة ملتقيات النقد السينمائي لعام 2024، بدءًا من ملتقى حائل الذي سيُعقد في 27 سبتمبر الجاري، يتبعه ملتقى الأحساء يوم 25 أكتوبر، ويختتم بمؤتمر النقد السينمائي الدولي في الرياض بدروته الثانية خلال الفترة من 6 إلى 10 نوفمبر 2024م.

ستقام فعاليات ملتقى النقد السينمائي بحائل في قصر القشلة التاريخي؛ ليقدم تجربة تجمع بين تراث المنطقة وفنون النقد السينمائي، متناولاً عدة محاور، أبرزها نقد الأفلام الوثائقية وأعمال الرسوم المتحركة، وذلك من خلال ندوات وعروض حية تستضيف نخبة من المختصين في هذا المجال، إلى جانب مجموعة من الفعاليات المصاحبة، حيث يمثل الملتقى منصة للتبادل الثقافي في المنطقة، تستهدف تحفيز الحركة النقدية والبحثية في قطاع السينما، وإثراء المعرفة السينمائية، وتقديم فرصة فريدة لإعادة تجربة مشاهدة الأفلام بأنماط مختلفة.

تُقدَّم في الملتقيات عروض سينمائية مختارة، ندوات، ورش عمل، وحلقات نقاش، يثريها مجموعة من النقاد والمهتمين بمجال صناعة الأفلام، وتهدف إلى تمكين الحضور من تعميق معرفتهم في مجالات النقد وتحليل الأفلام.

تعد هذه الملتقيات منصة للتبادل الثقافي وتعزيز الحركة النقدية في القطاع السينمائي، وتأتي ضمن جهود هيئة الأفلام لدعم وتعزيز الحراك السينمائي في المملكة والمنطقة، ولرفع مستوى الوعي السينمائي في المنطقة.

Continue Reading

ثقافة وفن

محمد القشعمي: أنا لستُ مقاول كتابة.. ويوم الأحد لا أردّ على أحد

للمثقف التنويري محمد بن عبدالرزاق في كل مدينة من مدن بلادنا صديق، وفي كل صحيفة أثر، وفي كل وطن عربي معرفة وأواصر،

للمثقف التنويري محمد بن عبدالرزاق في كل مدينة من مدن بلادنا صديق، وفي كل صحيفة أثر، وفي كل وطن عربي معرفة وأواصر، وعندما شرّفتني الأقدارُ بمعرفته، ظننته من منسوبي شركة أرامكو، فالوقت لديه للإنتاج، وليس للاستهلاك، وعندما تلتقيه ينفتح القلب والوعي على ذاكرة ثقافية وتاريخية لم تنجح العقود المديدة في النيل منها، وأنّى لها ذلك وهي ذاكرة محبة وسلام وصداقات مع العمالقة، هنا حديث ذكريات، وقراءة معاصرة، نتسلل عبرها لوجدان النبيل (أبو يعرب) الذي غلبت كُنيته اسمه.. فإلى نصّ الحوار:

• لمن ما زلت تكتب؟

•• سؤال غريب «ما جاوبش عليه» زي ما قال المطرب محمد عبدالمطلب.

• وماذا تكتب؟

•• أكتب في الأعوام الأخيرة عما يعجبني مما يهدى لي من الأصدقاء.

• لماذا تعتني برموز الظل؟

•• اهتمامي بتراجم بعض الرواد تحت عنوان (أعلام في الظل) ينطلق من كونهم لا يعرفهم الا القلة إذ لم يشتهروا إعلامياً، ولكن لهم دور تطوعي في المجتمع لا يمكن نسيانه ولا تناسيه.

• كم صدر من هذه السلسلة؟

•• صدر ثلاثة أجزاء في أندية الباحة وجازان والمدينة والرابع لدى نادي جدة الأدبي، والخامس ينتظر من يطلبه للنشر.

• ألا تعتقد أن هناك من ينتظر أن يطبع لك؟

•• أشك في ذلك لانحسار الرغبة في النشر والتوزيع لانشغال الجميع بوسائل التواصل الحديثة.

• ما الذي خسرته بسبب الكتابة؟

•• خسرت كثيراً من علاقاتي ببعض المعارف والوجهاء لطلبهم الكتابة عنهم أو عن ذويهم، وأنا أقول لهم مع كامل الاحترام «أنا لست مقاولاً» بل كاتب أعتني بمن عرف بخدمة وطنه ومجتمعه ومن أحبهم.

• وإذا أحرجك أحد؟

•• إذا أُحرجت قلت: «سوف أكتب عنك بعد وفاتك!»، وأذكره بما قاله الراحل محمد علي مغربي في كتابه (أعلام الحجاز) عندما ألح عليه أصدقاؤه بقولهم: «لماذا تكتب عن والد فلان ولا تكتب عن والدي؟»، فرد عليهم: «إنني أكتب عن الأعلام وليس عن الأعيان»، ومع ذلك توقف مغربي عن الكتابة لأعوام وعاد بعد هدوء العاصفة واستكمل الأجزاء الأربعة من موسوعته (أعلام الحجاز).

• ماذا لو لم تجد من يقرأ لك؟

•• أكتب لنفسي كي لا يحرقني الفراغ ولكي لا أنصرف كغيري إلى وسائل التواصل الاجتماعي التي تعمي وتتعب وتتلف وتلهي ولهذا أخذت إجازة يوماً في الأسبوع وهو يوم الأحد الذي لا أستعمل فيه الهاتف.

• كم كتاباً أصدرت إلى اليوم؟

•• آخر كتاب صدر ووصل قبل أيام من جدة تناولت فيه سيرة الوالد (الشيخ عبدالرزاق بن محمد القشعمي) والفنان عبدالجبار اليحيا؛ الذي لا يعرف إلا أنه تشكيلي وهو شاعر ومترجم وأول من أشرف على صفحة للفنون التشكيلية في جريدة المدينة قبل 65 عاماً وبعد أيام قليلة وخلال معرض الكتاب الدولي سيصدر كتابي (مئة عام صحافة) عن دار تراث الوشم بمناسبة مرور 100 عام على صدور جريدة أم القرى وكُتب عليه رقم 52 قبل الكتابين السابقين، ومع الجزء الرابع من أعلام في الظل صدر لي إلى الآن 55 كتاباً كلها في التاريخ الثقافي من الصحافة في بداياتها ومن سير الرواد وغيرها.

• متى شعرت بانتصار التنوير على التقليدية؟

•• أعتقد أن قصر المنابر على فئة دون أخرى يعزز حضورها، وعندما تتاح المنابر للفئة الأخرى سيكون للإنسان الخيار، خصوصاً إذا كان قادراً على التمييز بين الجيد والرديء وأعتقد أن هذا العصر انتصر للأولى على الثانية أو كاد.

• ما نظامك القرائي والكتابي؟

•• جرت العادة أن أنام مبكراً وأصحو مبكراً ومع الفجر أدخل مكتبتي المنزلية من السابعة الى العاشرة ومن بعد صلاة العصر إلى أذان العشاء أقضي ما بين سبع إلى ثماني ساعات يومياً بين القراءة والكتابة وإن كنت أقرأ عشرة أضعاف ما أكتب هذا برنامجي الثابت منذ سبعة أعوام ومن قبل كنت أقضي الفترة الصباحية في العمل قبل التقاعد.

• ما سر علاقتك الوطيدة بمعارض الكتاب؟ •• أول معرض سافرت إليه هو معرض الشارقة قبل 40 عاماً وعند عودتي منه بما نجحت في اقتنائه خصصت غرفة في منزلي للمكتبة، ومن عام 1990 واصلت حضور معرض القاهرة الدولي حتى الآن وبعض المعارض العربية في أوقات متقطعة منها دمشق، بيروت، الدار البيضاء، دبي وبعد انتظام معرض الرياض للكتاب أصبح يغنيني إلى حد ما إنما يظل معرض القاهرة للكتاب الأكثر إغراء.

• هل تحتفظ بكل ما جمعت من كتب طيلة 40 عاماً؟

•• مع الأسف، كثير من كتب مكتبتي ضاع بين السرقة والإعارة دون ضمانات.

• ما العاصمة الثقافية التي ترى أنه طواها النسيان؟

•• تاريخياً، أعتقد أن هناك أكثر من عاصمة حاول البعض أن يقنعنا بتناسيها منها بغداد، وصنعاء، وفاس، أما بيروت فكان لها شأن.

• هل تؤمن بمقولة «من أدركته حرفة الأدب أدركه الفقر»؟

•• أؤمن بمقولة «على قد فراشك مد رجليك» ومهنة الأدب لا تؤمن حياة كريمة، بل تستنزف عاشقها وممتهنها إلا أنه استنزاف شغف ومحبة.

• بماذا ترد على من يقول «إنك تنعم برفاهية»؟ •• من قال إنني مرفّه؟ وما مواصفات المرفّه؟ وأيام وزارة الثقافة والإعلام وبالذات عندما تولى الصديقان الدكتور عبدالعزيزالسبيل والدكتور ناصر الحجيلان، مسؤوليات ومهمات كانا يشجعاني بطلب تأمين بعض الكتب بما يساوي تكاليف إعدادها وطبعاتها، أما الآن فإنني قررت التوقف في ظل اضطلاع الأندية الأدبية بهذا الدور، علماً بأنه طالها انحسار المدد وربما كما أسمع أنها تلفظ أنفاسها الأخيرة.

• من أين اكتسبت كل هذا الجلد ورباطة الجأش؟

•• هذا من حسن ظنك ومحبة الناس، والوقت مبارك إن لم تضيعه باللعب أو بوسائل التواصل، تقاعدت منذ سبعة أعوام ولا أخرج من البيت إلا نادراً عندما تتضاءل حركة السيارات في الشوارع يومي الجمعة والسبت، وأخرج لمشوار واحد، بينما أقضي أغلب وقتي في المكتبة وحضور المناسبات المتباعدة والمهمة لي، أما الصداقات فالحمد لله باقية عدا بعض من لديهم حساسية ومن تزعجه صراحتي أحياناً ومن يكرر السؤال متى تكتب عني؟

• ما أبرز الشخصيات التي طبعت بصمة في وجدانك؟

•• الراحل الوالد عبدالكريم الجهيمان الذي رافقته في الـ20 عاماً الأخيرة من حياته رحمه الله، وأصدرت عنه ثلاثة كتب، ولا أنسى الصديق الدكتور يحيى بن جنيد فهو صديق منذ 50 عاماً، ودعاني للعمل بمكتبة الملك فهد الوطنية، عقب تقاعدي من العمل في الرئاسة العامة لرعاية الشباب، وكان الدكتور يحيى أميناً عاماً للمكتبة، وألزمني بتسجيل التاريخ الشفوي للمملكة، على مدى 25 عاماً ودعوة الرواد والمثقفين للتسجيل معهم بالصوت والصورة، وتم تسجيل حوارات مع أكثر من 400 شخصية وكتبت عن ذلك كتاب (تجربتي مع التاريخ الشفوي) وأهديته للدكتور يحيى بن جنيد وصدر عن نادي الطائف الأدبي.

• كيف توطدت علاقتك بالحداثيين وأنت كلاسيكي؟ •• صداقتي وأحمد الله مع الجميع، ومع كل الطيبين من الرعيل الأول ومن الحداثيين وأحسبني كالرياضيين مشجعاً لا لاعباً.

• ما انطباعك عن المشهد الثقافي؟ •• المشهد الثقافي يذكرني بالصفحة المخصصة للأستاذين أحمد وعبد الرحمن السعيد في جريدة القصيم نصف الشهرية عام 1960 التي كانت بعنوان (سلطات فكرية) وإلى الآن لم أستسغ أو أهضم استبدال الأندية الأدبية بالمقاهي عقب عمر امتد لنصف قرن والمفروض أن نقيم نشاطها وتحاكم وتستبدل بالأفضل، ومثلها إلغاء المكتبات العامة في المملكة.

• من الذين فاتتك الكتابة عنهم؟ •• لم أكتب عن كثير ممن لم أجد لهم تراجم أو معلومات وافية كما لم أكتب عن (أمي) -رحمها الله- ومهما أكتب فهناك من ينتقد لأتفه الأسباب منها طلب الكتابة عن والده أو عنه، وممكن أن أعطيه أرقام من يكتب (السيرة الغيرية).

• من أطلق عليك كنية «أبو الأمة»؟ •• أطلقها المرحوم الروائي عبدالعزيز مشري عندما زرته وكان منوماً في مستشفى الملك فيصل التخصصي، وطلب مني أن يرى الأستاذ عبدالكريم الجهيمان، ورحب الجهيمان وزرناه (الجهيمان وعبدالله العبدالمحسن، وزوجته الدكتورة نادية الهواشم) والتقطت لنا صورة بالمناسبة فشكرني المشري، وقال: أنت لست أبو يعرب فقط أنت أبو الأمة وذهبت مثلاً وتناقلها الركبان.

• من المثقف الذي لم يأخذ حقه؟•• الذي «لا يترزز» في كل موقع ومناسبة، والذي يعمل دون ضجيج، والذي لا يقدره مجتمعه إلا بعد رحيله، وتظل الشللية والواسطة لهما النصيب الأوفى.

Continue Reading

ثقافة وفن

جمعية النشر.. بين تنظيم المهنة والمخالفات النظامية المحتملة

تأسست جمعية النشر المهنية ضمن منظومة الجمعيات المهنية التي أتاحها المركز الوطني لتنمية القطاع غير الربحي، وتخضع

تأسست جمعية النشر المهنية ضمن منظومة الجمعيات المهنية التي أتاحها المركز الوطني لتنمية القطاع غير الربحي، وتخضع لإشراف وزارة الثقافة. تهدف الجمعية إلى تنظيم مهنة النشر وتطويرها من خلال تشجيع الناشرين على الانخراط في العمل الجماعي المهني. ومع ذلك، يثير هذا الإطار التنظيمي عدة تساؤلات تتعلق بتطبيق الأنظمة والقوانين التي تحكم هذه الجمعيات، مما قد يؤدي إلى ظهور مخالفات نظامية في بعض أعمال الجمعية.

إغلاق جمعية الناشرين

السابقين بدون وجه حق

من الضروري الإشارة إلى إغلاق جمعية الناشرين السابقة، والتي خدمت الناشرين في المملكة لأكثر من 14 عاماً، بطريقة غير مبررة. تضم الجمعية ما يزيد على 400 ناشر مسجل بشكل رسمي، بعضهم كتّاب وناشرون في الوقت ذاته. جميع الأعضاء المؤسسين كانوا يحملون سجلات تجارية وتراخيص إعلامية سارية، ومع ذلك تم تشكيل لجان لتسيير أعمال الجمعية، تلتها لجنة أخرى، ثم ظهرت فجأة جمعية النشر الجديدة دون توضيح الأسباب أو حماية حقوق الناشرين السابقين. هذا الإغلاق ترك الناشرين في حالة من الغموض وأدى إلى تجاهل واضح لحقوقهم.

عدم الشفافية

في بيانات الأعضاء

وفقاً لما ورد في اللائحة التنفيذية، يجب على الجمعية نشر بيانات أعضائها، بما في ذلك أسماء ودور النشر التي يمتلكونها. ومع ذلك، تثار شكوك حول مدى التزام جمعية النشر بهذا الإجراء. الغموض المحيط ببيانات الأعضاء، خصوصاً فيما يتعلق بأعضاء مجلس الإدارة والجمعية العمومية، يشكّل مخالفة صريحة للنظام، ويعيق الناشرين والمهتمين من التحقق من نزاهة وشفافية عمل الجمعية.عضوية الموظفين الحكوميين

تواجه جمعية النشر مشكلة واضحة فيما يتعلق بقبول عضوية الموظفين الحكوميين، إذ تتطلب اللائحة الحصول على ترخيص نشر من هيئة الإعلام، وهو ما يتطلب سجلاً تجارياً، ما يمنع الموظفين الحكوميين من الحصول عليه بشكل قانوني. إلا أن هناك تقارير تشير إلى انتساب بعض الموظفين الحكوميين للجمعية، وهو ما يعد انتهاكاً للأنظمة المنظمة لعمل الجمعية والتي تمنع الجمع بين الوظيفة الحكومية وإدارة الأعمال التجارية. هذا الخلط في الأدوار يضعف مهنية الجمعية ويؤثر على أداء أعضاء مجلس الإدارة.التلاعب بأهداف الجمعية

يعد استخدام الجمعية لأهدافها بشكل لا يتفق مع الأهداف الأصلية التي أُسّست من أجلها إحدى المخالفات النظامية البارزة. تشير المادة (14) من اللائحة إلى ضرورة أن تمارس الجمعيات أنشطتها ضمن الأهداف المحددة في لائحتها الأساسية. ومع ذلك، يبدو أن الجمعية قد انحرفت عن هذه الأهداف من خلال عدم إتاحة مشاريع الوزارة والهيئات بشكل شفاف للجميع، وغياب منصة تتيح المناقصات والمنافسات بشكل علني، مما يشير إلى وجود مخالفات في إدارة هذه الفرص بما يخدم مصالح فئة محددة من الأعضاء.إغفال دور الشفافية في برامج الدعم المالي

تشكّل البرامج التي يقدمها صندوق التنمية الثقافي أحد العناصر الرئيسية لدعم قطاع النشر، ولكن يبدو أن جمعية النشر لا تعمل على استغلال هذه البرامج بشكل شفاف. فغياب التقارير والإفصاحات عن كيفية استخدام هذه الموارد يضع علامات استفهام حول التزام الجمعية باللوائح المالية المنصوص عليها في اللائحة التنفيذية، مما قد يؤدي إلى مخالفات مالية تتعلق بكيفية إدارة الموارد وتوزيعها.

غياب الربط بمنصة النفاذ الوطني

تشير اللائحة إلى أهمية ربط عضوية الجمعيات المهنية المغلقة بمنصة النفاذ الوطني لضمان صحة بيانات الأعضاء ومنع التداخل مع الوظائف الحكومية. غياب هذه الآلية يعرض الجمعية لمخالفة نظامية، إذ إن عدم تطبيق هذه الشروط يعرض الجمعية إلى قبول أعضاء غير مرخصين أو غير مؤهلين قانونياً. لضمان الاحترافية ومنع تسلل غير المرخصين، يتطلب النظام الحصول على السجل التجاري ورخصة النشر، مما يضمن توافق العضوية مع الأنظمة المعمول بها.

ختاماً: تحتاج جمعية النشر إلى إعادة النظر في آلياتها التنظيمية والإدارية، خصوصا فيما يتعلق بالشفافية والتزامها الصارم باللوائح النظامية. من المهم أن تقوم الجمعية بتطوير سياسات واضحة تضمن نزاهة عملها وتمنع وقوعها في مخالفات قد تضر بمصالح الناشرين والمهنة بشكل عام. يتطلب هذا إصلاحاً داخلياً جاداً يشمل تدقيق العضويات، تحسين الشفافية في إدارة المشاريع والموارد المالية، وضمان الالتزام التام بالنظام الذي يحكم الجمعيات المهنية في المملكة.

Continue Reading

Trending

جميع الحقوق محفوظة لدى أخبار السعودية © 2022 .