ثقافة وفن

يوم التأسيس يفتح عين الدراما على تاريخنا

تعد الفنون البصرية من أسرع الوسائط في نقل الرسائل، والوصول لذهنية المتابع، وترسيخ الفكرة بالصورة، ولعل تاريخنا

تعد الفنون البصرية من أسرع الوسائط في نقل الرسائل، والوصول لذهنية المتابع، وترسيخ الفكرة بالصورة، ولعل تاريخنا السعودي لم ينل طيلة عقود ما يستحق من أعمال درامية تسلّط الضوء على المنجز الوحدوي الكبير، وتراكمية تاريخ الدولة السعودية منذ ما يزيد على ثلاثة قرون، وباعتماد وإقرار يوم التأسيس يعلّق متخصصون على الدراما والسينما والمسرح آمالاً عراضاً لتقديم الصورة الناصعة عن تاريخنا المشرّف والاكتفاء من استيراد سِيَر وتواريخ الآخرين، إذ فتح يوم التأسيس عين الدراما على محليّتنا؛ والتاريخ ليس رؤية بصرية بل ذاكرة تسكن وجدان كل سعودي، وهنا نطرح قضية دور الدراما والسينما والمسرح على نخبة، بالتزامن مع اقتراب الاحتفال بيوم التأسيس.

يعدّ الناقد السينمائي الدكتور فهد اليحيا التاريخ القريب أو البعيد أحد المصادر المهمة للدراما، إلا أن التناول والإنتاج ليس بالأمر السهل، كما يرى، ويذهب اليحيا إلى أن الدراما ليست نقلاً للواقع، كون مقاربة الحقيقة في الوقائع التاريخية صعبة في كثير من الأحيان ما يُحتّم على من يكتب العمل الدرامي أن يكون مطّلعاً على عدد من المصادر كي لا يبتعد تناوله عن الوقائع التاريخية. ويؤكد أن إنتاج الأعمال التاريخية مكلف بحكم هندسة المناظر، والديكور والملابس وتصفيف الشعر والأدوات والآلات المستخدمة والإكسسوار، لتكون قريبة قدر الإمكان من الواقع التاريخي، ولفت إلى أن الدراما في مغرب الأرض ومشرقها استلهمت التاريخ في كثير من الأعمال ليس من باب «التوثيق» التاريخي فحسب ولكن في أحيان كثيرة لتعزيز الروح الوطنية وتعميق حس الانتماء.

وأضاف اليحيا إذا كانت الدراما السورية اعتنت بالفتوة والقبضاي، وسينما اليابان بمثال الساموراي، فإن رؤية 2030 اعتنت بالدراما سواء مصورة (سينما وتلفزيون) أو مسرحاً ما يعني أنه آن الأوان للاهتمام بالتاريخ السعودي خصوصاً ما يعرف بالدولة السعودية الأولى التي كانت مفصلاً مهماً في تاريخ الجزيرة العربية وامتدادها باسم المملكة العربية السعودية، وطالب المُستلهم التاريخي بأن يضع في حسبانه كل العوامل الثقافية والاجتماعية والتاريخية ولا يكتفي بالصورة المبتسرة المدونة في المناهج التاريخية، بل توظيف الإنسان بالروايات الشفاهية وتقديم العمل الدرامي البحت، أو الدرامي الوثائقي Deco-drama.

فيما يرى الكاتب المهندس منصور البكر أن يوم التأسيس يفتح عين الدراما السعودية لتأخذ مكانتها في محيطها العربي درامياً، موضحاً أن المسلسلات العربية السورية والمصرية والتركية احتلت مساحة من فضائنا وكرسّت نفسها وبات المواطن السعودي يعرف عن تاريخ هذه الدول وتاريخها الدرامي أكثر من معرفته لتاريخ بلده.

وعدّ استيراد تواريخ الآخرين وإهمال تاريخناً خللاً كبيراً، وخطراً على الشباب في السعودية الذي تربى ‏لفترة طويلة على المسلسلات الوافدة، مؤمّلاً تفادي الإهمال في توظيف الفنون لخدمة تاريخنا وتكريس وتنمية الحس الوطني لدى الشباب السعودي، ووجّه دعوةً للمبدعين من كُتّاب الدراما لكتابة ‏تاريخ السعودية وربطه بيوم التأسيس إلى يومنا الحاضر ‏لتنمية الحس الوطني لهذه الأجيال، وأضاف البكر: أعتقد أننا مقصرون في إبراز الدور التاريخي الوطني لبلدنا وتاريخه المشرف في التنمية والتطور والاستقرار الذي تشهده المملكة، ما يفرض التناول ‏وربطه درامياً بيوم التأسيس، لتعزيز وعي المواطنين خصوصاً الشباب، وأرجع تفوق الدراما السورية على نظيراتها العربية إلى ما تملكه من عناصر قوية في مستوى الأداء والممثلين والمخرجين والإنتاج الكبير، وتطلّع لإنجاز أعمال ملحمية سعودية بدعم من الدولة خصوصاً في بداية مسيرتها الدرامية والإنتاجية ‏لإخراج أعمال كبيرة ومتميزة وإبراز الدور التاريخي للمملكة، وطالب البكر بالاستعانة بكفاءات عالية من الكتّاب والمبدعين ذوي الخبرة من الدول الأخرى سواء كانت عربية أم غيرها لإخراج أعمال ملحمية مهمة عن ‏المملكة العربية السعودية، وتدريب الشباب السعودي على الأعمال الإبداعية والفكرية المتميزة بخلق ورش عمل حقيقية لتنمية وتطوير الدراما السعودية بشكل خلّاق.

ويؤكد الشاعر السينمائي أحمد المُلا أن الإنتاج الدرامي الوطني، مرسخ لهوية جمعية، وتأصيل لوجود عميق.. ويحتاج إلى قوة إنتاجية وتناول إبداعي خلّاق، يعتمد على المخيلة التاريخية البعيدة عن المعتاد والمستهلك. وعزا إمكانية النجاح إلى مستوى الإنتاج، وحرية المخيلة. خصوصاً في تشخيص الرموز المتفق عليها في بطون الكتب التاريخية وتحويلها إلى أفراد في سردية واقعية، لافتاً إلى أنه بحكم الصعوبة البالغة، يتجنب الكثيرون من صنّاع الدراما التطرق لمثل هذه الموضوعات بالغة الحساسية.

وتحفّظ الشاعر الإعلامي عبدالوهاب العريّض على عرض قصص تاريخية مستوردة تبثها قنواتنا الفضائية دون ملامسة لتاريخنا الذي لن ينتجه أحد غيرنا أو مثلنا، ويرى أننا أمام معضلة رئيسية تتمثل في توفّر النص الدرامي المتناول حقبة مهمة من تاريخ التأسيس في المملكة العربية السعودية. وأبدى أسفه أن مغرمين بالدراما تعلّقوا بمسلسلات استعرضت تأسيس الدولة العثمانية والانتقالات في تركيا من خلال حلقات بلغت مشاهداتها في السعودية بالملايين، إضافةً إلى قصص الإخوان، وتأسيس الدولة المصرية (الملك فاروق، عبدالناصر، السادات)، فجميعها بثّتها قنواتنا الرسمية، وعشنا مع الدراما السورية بكل تفاصيلها وتأسيس الدولة ومحاربة الاستعمار ونشأة الحكم وتكوين الدولة وأنظمتها من خلال الدراما السورية، وأضاف العريّض: اليوم نحن أمام تحدٍّ كبير للكتّاب ومؤسسات الإنتاج السعودية لصناعة دراما خاصة بالدولة السعودية عبر مراحلها الثلاث مستمدةً روحها من حقبة التأسيس، وتطلّع لإسهام دارة الملك عبدالعزيز، ومكتبة الملك فهد الوطنية، في صناعة روايتنا التاريخية الخاصة، والصادقة عن تلك المرحلة كي نقول للأجيال كيف تأسست المملكة التي أصبحت اليوم منافسة عالمية، ورقماً صعباً على المستوى الاقتصادي الدولي، ولها وزنها وثقلها عربياً وعالمياً، وعدّ العريّض الإنسان السعودي ثمرة النجاح والتأسيس كون أبناء الوطن متخصصين في كافة المجالات وشركاء في كافة القطاعات العلمية والفكرية، مؤملاً أن نشاهد في رمضان المقبل مسلسلاً من 30 حلقة يحكي ويحاكي سيرة التأسيس ومراحل البناء، لنتجاوز الدراما المستوردة عن تاريخ الوطن العربي دون ذكر تاريخ العزيزة.

وتطلّع مدير فرع جمعية الثقافة والفنون في منطقة الباحة علي البيضاني لتبني المنتجين السعوديين المواهب الكتابية والفنيّة وعقد ورش عمل في جميع المناطق لتأليف نصوص درامية تروي للأجيال حكاية الوطن من منشئه إلى رؤيته مروراً بوحدته ليتعرّف المواطنون على سيرة وطنهم وتغذي وجدان أجيال بما يعزز روح الانتماء بالفنون المرئية مسرحاً ودراما وسينما.

Trending

Exit mobile version