نظمت هيئة الأدب والنشر والترجمة في معرض الرياض الدولي للكتاب 2022م بالرياض أمس (الخميس) 30 سبتمبر ندوة بعنوان (تحديات أمن الخليج بين الواقع والمستقبل) شارك فيها الأستاذ جاسر الجاسر، والسير سايمون مايال، والأستاذ مشاري الزايدي، وشارك في مداخلاتها عدد من الوجوه الدبلوماسية والإعلامية والثقافية. وأدار الندوة الأستاذ جميل الذيابي رئيس تحرير صحيفة «عكاظ».
وكان المتحدث الأول هو الأستاذ جاسر الجاسر، والذي ذكر أن طموحات المستقبل لدول مجلس التعاون اليوم تمر بمرحلة مصيرية من ناحية الموقع والقدرة النفطية، وهناك تزايد في التهديدات التي تتعرض لها دول التعاون، ففي السابق كان التهديد في السبعينيات قاصراً على إسرائيل وإيران ثم جاءت التهديدات الإرهابية الموجودة، والآن التهديدات الإيرانية في تغلغلها في المنطقة العربية والتهديدات السايبرانية.
وقال الجاسر: «إذن دول مجلس التعاون أمام تحدٍ خطير ولا بد أن تؤكد قدرتها على البقاء والصمود وتجاوز الأزمات ومعالجتها، وفي الفترات السابقة لم تنجح كثيرا دول مجلس التعاون حقيقة. وجاء إنشاء مجلس التعاون بظروف سياسية من الحرب العراقية الإيرانية لكن لم يحقق خطوات عملية بطموحاته المعلنة على الأقل ولم يستطع أن يصل إلى الشريحة الكبيرة من الناس ولم يستطع أن يتطور لأسباب بيروقراطية وإجرائية وخلافات وجهات النظر وتجاذبات في الداخل لكن أعتقد أن هناك اليوم إدراكاً كاملاً لدول مجلس التعاون بنوعية المخاطر».
واستذكر الجاسر أنه في عام 2009 عانت كل دول مجلس التعاون من عجز في ميزانياتها بسبب انخفاض حاد في أسعار النفط، حيث عاشت عقوداً طويلة على النفط والاتكاء على الحماية الأمريكية بشكل أساسي ولم يكن هنالك تطوير داخلي وظلت أقرب إلى الاقتصاد الريعي بشكل كامل.. إذا تحسن النفط انتعشت، وإذا تراجع تضررت وعانت من الانكماش والركود.
وواصل الجاسر: «إذا كان هنالك تهديدات تمت الاستعانة بدول غربية وأمريكا بشكل أساسي. ومنذ 2016 أسهمت رؤية المملكة 2030 في تغيير الذهنية الخليجية، واليوم نشهد تنافس جميع دول الخليج، فلديها رؤية وأدركت أنها لن تستطيع الصمود في الداخل إلا إذا كان لديها أدوات معينة. التوجه الحقيقي نحو التنمية يتطلب استقراراً والاستقرار يتطلب عملاً. لتصل دول الخليج إلى ان تكون يدا واحدة إذا مس التهديد واحدة فهو يمسنا كلنا بحكم تكوينها الجغرافي والاجتماعي والسياسي. واليوم كيف تواجه دول الخليج هذه التحديات وكيف تتعامل معها وكيف تحقق القدرة على معالجة هذا الحزام الناري الذي يحيط بها ويهددها منذ2011 منذ الربيع العربي وإلى اليوم متزايد، وكيف من الممكن أن تتعامل مع ايران وهي تهدد الاستقرار وتتدخل في التفاصيل، وكيف تستطيع أن تحقق هذا النمو؟»
وواصل: «في جولة الأمير محمد بن سلمان الأخيرة في دول مجلس التعاون ظهر خلفها بيان أعتقد أنه للمرة الأولى يجسد وحدة خليجية ورؤية خليجية في التعاملات المختلفة على المستويات الداخلية والخارجية، وصار هناك نزوع للتنمية، وتطوير للأدوات والإمكانيات البشرية. هناك سعي للخروج من الاقتصاد الريعي وبناء الشركات وتعزيز دور الاقتصاد الخليجي في أن يكون حاضراً.. هناك توجه يتنامى بشكل قوي لأن يكون هنالك صوت خليجي واحد سياسيا واقتصاديا، وهنالك استقلالية في العمل. ولو شهدنا قمة جدة للأمن والتنمية لم نعد تلك الدول التي تتكئ على الجانب الأمريكي، نحن اليوم نتحدث عن رؤية وكيف يمكن تشكيل البناء الخليجي وتشكيل النظام الامني الذي يحقق الاستقرار إذا اعتبرنا الخليج هو محور الدائرة وأن هنالك دوائر محيطة به هذه تشكل الأمن العربي والاقليمي ولذلك التحركات في التواصل والتعاون في مختلف المجالات وإذا جاز القول نستطيع إلى حد كبير أن نقول هناك تشكيل لقوى عربية مستقلة تشكل خط طول دول مجلس التعاون مصر والأردن وتعزيز دور العراق اليوم فأوضاع العراق تشكل خطراً على منطقة الخليج بالكامل».
وتحدث السير سايمون مايال، قائلا: «بريطانيا دولة تفهم بقعة أرضكم بشكل يفوق دولا كثيرة في العالم، ومما سرني العودة إلى السعودية ومشاهدة ما يحدث فيها الآن من تغير، فأنتم الآن تقودون الدفة ودول الخليج أيضا في نفس المسار. إنه تغير كبير يحدث والمملكة وهي الآن ليست أقل من أي دولة بل هي في الحقيقة قد تكون الأفضل».
وواصل: «لا يهم كم عدد المتفائلين بما يخص الطاقة الخضراء والمتجددة، والحقيقة الآن أن 80% من الطاقة في العالم هي من النفط والغاز، 50 % منها تأتي من منطقة الخليج، وسوف نرى زيادة 2 مليار نسمة على هذا الكوكب في السنين القادمة ولا يمكننا أن نحافظ على نفس القدر من الوفرة لهؤلاء البشر من دون ضمان الوصول إلى سعر منطقي للنفط والغاز».
وتحدث الأستاذ مشاري الزايدي في الندوة قائلا: «أعتقد ان موضوع الخليج وأمنه مهم، وهو جزء لا يتجزأ من أمن الشرق الأوسط، وبخاصة في العقود الأخيرة، وبشكل أخص منذ قيام الثورة الإيرانية».
وقال: «وقد كان قيام مجلس التعاون الخليجي عام 1981 استجابة خليجية لهذا التحدي الأمني الخليجي. وأريد القول إن هذه المنطقة والتي يشكل الخليج ذراعها الطرفي تتشابه منذ القدم، ففيها أمتان عظيمتان أمة الفرس أو الأمة الإيرانية، والأمة العربية في شتى التشكلات السياسية عبر التاريخ وهي تشكل مفتاحاً جوهرياً لصندوق الأمن في الشرق الاوسط وحركة التجارة حتى من قبل افتتاح قناة السويس».
وقال الزايدي: «أذكر بهذا الصدد، مع حضور السير سايمون، أن الدولة السعودية الأولى كان لديها طموح كبير جدا في إعادة تشكيل الجزيرة العربية بعد أن كانت آخر سلطة سياسية كبرى في الجزيرة العربية في عهد الخليفة الرابع علي بن ابي طالب، فلم يقم كيان سياسي حتى تكوّن على يد محمد بن سعود مؤسس الدولة الأولى، وبعدها جاء ابنه الإمام عبد العزيز الذي حكم 30 عاماً. وفي عهد هذا الإمام الذي توفي عام 1814 كانت الدولة الأولى، والتي شهدت قيام سياسي بريطاني يدعى كابتن رينو بزيارته في الدرعية لإجراء مباحثات لتأمين حركة التجارة من البصرة إلى شواطئ البحر الأبيض المتوسط حيث كانت وكالة شركة الهند الشرقية تقيم في البصرة وكانت حركة التجارة تأتي من الهند وآسيا مروراً بمضيق هرمز ثم الخليج العربي ثم تصل إلى الوكالة البريطانية في البصرة. وكانت قد حدثت احتكاكات بين القوافل التجارية فأرسل هذا الممثل التجاري هذا الرجل لملاقاة الإمام عبدالعزيز».
واستطرد الزايدي بالقول: «نريد أن نقول إن الحركة التجارية والمصالح السياسية متجذرة في المنطقة، وما حضور بريطانيا العظمى إلى مياه الخليج والتمثيل التجاري الذي عملته إلا استشعارا منها بأهمية الخليج الذي كان لديه تسميات قديمة مثل خليج فارس أو خليج البصرة أو خليج القطيف أو الخليج العربي، فهي منطقة إستراتيجية وحيوية لحركة التجارة».
وفيما يخص ملف الإرهاب ذكر الزايدي أن دول العالم لا تستطيع أن تكافح الإرهاب بشكل حقيقي ما لم تحصل على عمق روحي وإسلامي ممثل في المملكة العربية السعودية وأشقائها العرب.
وحول ما يخص الموقف من التصالح مع إيران أو إدماج إيران في النظام العالمي قال الزايدي: لقد جرب أوباما أن يقوم بذلك الاتفاق دون دول الخليج فكان اتفاقاً سيئاً انتهى بما ترونه اليوم من محاولات لإعطاء قبلة الحياة لهذا الجسد الذي يصارع خلجات المرض الشديد. وإيران اليوم تحت وطأة ثورات شعبية كبيرة جدا.
وقال مدير الندوة رئيس تحرير صحيفة عكاظ جميل الذيابي: أستاذ مشاري.. مرة أخرى أعود إلى السؤال: هل يمكن الحديث مرة أخرى أو يعود إلى الواجهة تشكيل ناتو دولي لمواجهة السلوكيات الإيرانية أو العصابات المسلحة والتنظيمات التي أنشأتها إيران في عدد من الدول العربية وغيرها، خصوصا أن هناك إخفاقا في موضوع الملف النووي الإيراني أو ما يسمى 5+1؟
وأضاف: «أعتقد من الصعوبة بمكان أن يقوم هذا الأمر عطفا على الانقسامات الموجودة الآن في العالم. فقبل أيام أعلن عن نجاح القوات الأوكرانية في إسقاط مسيّرات إيرانية الصنع استخدمها الجيش الروسي. إيران في معسكرها تصطف قوى كبرى روسيا اليوم، وتصطف الصين، وأيضا قوى أصغر منها تصطف مع إيران، ليس حبا في إيران ولكن كرها في التحالف الغربي. وفي داخل التحالف الغربي أيضا هناك اختلافات في المقاربات فيما بين بعض هذه المجموعات تجاه الأمور السياسية، فالمجر مثلا، وهي دولة صغيرة لكنها في قلب أوروبا، لديها موقف مختلف تماما عن الموقف الأمريكي بقيادة الحزب الديمقراطي، وأيضا عن الموقف الأوروبي أو غرب الأوروبي. في الجانب الشرقي لا يوجد أيضا دولة تملك رؤية واضحة وقدرة سوى السعودية والإمارات العربية المتحدة والسلطنة ومملكة البحرين هي التي تملك مقاربات متشابهة تماما حيال الأمن الإستراتيجي العالمي.. وما يمكن بناؤه من الدول العربية والدول الخليجية بشكل خاص هو الدفع بالمزيد من المواقف المتشددة تجاه إيران وعلى سبيل المثال مقتل الفتاة الكردية مهسا أميني أحدث زلزالا وصدمة عاطفية.. ونحن ضعفاء في الإعلام، وكان بالإمكان خلق مواقف تجبر أصحاب القرار في هذه الدول على الاستجابة للشارع».
