كان جيرانه يحذرونه في كل مرة من هذا الطريق الترابي الذي تكثر من على جانبيه ورش لتجميل ما عطب بالسيارات، وأخرى لترقيع الإطارات ومحلات قطع الغيار الأصلية متناثرة كقطع الشطرنج بعد أن قلب من خسر الرهان الطاولة!
وهو يشعر بسعادة تشفي قلبه الوهن، والممتلئ بالأفكار البايتة وقع طرق الحديد في أذنيه تذكره بأغنية طلال مداح ولكن على طريقته
كم تذكرتك سويعات الأصيل ** وصدى الهمسات ما بين النخيل
هذا الضرب المتواصل تتشابك في رأسه سيمفونية زوجته التي تحتاج على الدوام لهذا الطرق وبالأخص لسانها الذي يشبه لسان حرباء قرب بركة آسنة وهي مفنجلة العينين تنتظر اصطياد فريستها لا تلتقطها عيون ساهر!
يقف مرة عند مزين السيارات ومرات عند السمكري وطويلا عند البنشري، وكم تمنى في قرارة نفسه أن يسرق منفاخ الهواء ويدخله في فم زوجته بعد أن ينزع السياج الحديدي الذي شيده لها الطبيب المسكين حظه التعيس أن يستروح في كل زيارة، رائحة فمها التي تشبه قطعا من اللحم في ثلاجة انقطع عنها الكهرباء مدة طويلة!
تأخذه قدماه قسرا إلى مقهى عم هاني الذي يتذكر أول ما رآه كأن الأعور الدجال يقف أمامه، ذو عينين بينهما خصومة إذا حادثه عم هاني يدهشه فمه كبئر جفت ماؤه، وتساقطت بعض أجزائه، يتحدث كأنه فيلسوف كأفلاطون أو منظّر كأرسطو طاليس يفتي في كل شيء، تأتيه النارجيله كعروس تفوح منها كل العطور في صباحية يومها الأول، يأخذ نفسا عميقا ويتفنن في إخراجه من منخريه اللذين يشبهان غابة مليئة بالأشجار اليابسة حينها يبدأ بالغناء، والطامة الكبرى يشاركه عم هاني فتسمع أوبرى دوي انفجار فيقول ضاحكا:
– ايش رايك يا عم هاني في صوتي؟
يلملم بقايا أغراضه، الجوال تحت الطاولة، خاتمه مندس داخل حاوية السجائر، شماغه الذي تتدلى من أطرافه أمعاء قطة قضى عليها سائق متهور، هنا يقفز عم هاني ليقول له مازحا:
– تعال يا…. خذ الباقي يخرب بيتك.
ويعود أدراجه على نفس الطريق كسيارة معطوبة اختلط ماؤها بزيتها!
وحدث ما لم يكن بالحسبان رأى مشاجرة عنيفة بين تركي ذي شعر أشقر وسعودي اختلفا على مبلغ من المال واقترب كعادته فما كان من أحدهما أن رمى بمطرقة كبيرة لتستقر في رأسه فسقط مغمى عليه وتأتي سيارة مسرعة لتكمل يومه التعس فيحاول المتجمهرون إسعافه في لحظات احتضاره فيقول:
– أخبروا زوجتي هي طالق بالثلاثة.