الأمسية الشِّعريَّة تعدُّ نافذةً ثقافيَّة مهمَّة، تتيح التَّواصل المباشر بين الشَّاعر والمتلقِّي، وهي فرصة أدبيَّة رائعة للشَّاعر، تمنح الضَّوء الأدبيَّ لجوانب إبداعيَّة في تجربته؛ وذلك من خلال القصائد الَّتي يبعثها محلِّقةً فيها.
والأمسية الشِّعريَّة لا تعني الشَّاعرَ وحده، بل يشاركه طقوسَها مقدِّمُ -مديرُ- الأمسية، إضافة إلى أطراف آخرين يقفون خلف كواليسها، وهؤلاء جميعًا هم ركائزها.
والشعر حاجة إنسانيَّة، لا تفنى ولا تبلى، تتجدَّد بتجدُّد الحياة، وهذه الحاجة تنشد الإصغاء إلى الجمال، فلا يليق به -أيْ: بالشعر- إلَّا أن يتوشَّح بتقديمٍ لشاعر الأمسيةِ يتوافق مع جمال الشِّعر، ويسير مُؤانسًا في ركابه.
في الأمسية الشِّعريَّة، قد يحضر المقدِّمُ بمقدِّمته مرسومةً في ذهنه أو موضوعةً على ورقة خارجيَّة، في أحسن الأحوال. ومقدِّمته تلك إمَّا أن تكون تقليديَّةً تستدعي أسلوبًا روتينيًّا، باهتًا، باردًا، وإمَّا أن تكون تجديديَّةً تستدعي أسلوبًا جماليًّا أخَّاذًا.
إنَّ بعض مقدِّمي الأمسيات الشِّعريَّة يحملون في دواخلهم إعجابًا بالشعر، لكنَّ إعجابهم هذا لا يكفي وحده لتقديم أمسيةٍ شعريَّةٍ؛ فقد يُلْمَحُ لدى هؤلاء شيء من الضَّعف اللغويِّ والتَّقديميِّ والحواريِّ مع الشَّاعر، زِدْ على ذلك احتماليَّة ظهور التَّلعثم والتَّردُّد المتكرِّر، الَّذي يفسد أجواء الأمسية برمَّـتها.
وتقديم الأمسية الشِّعريَّة -أو أيِّ أمسية ثقافيَّة أخرى- قد تكون مهارةً في حدِّ ذاتها ابتداءً، لكنَّ مقدِّم الأمسية الشِّعريَّة ينبغي أنْ يتوافر فيه -إجمالًا-: الإلمام والوعي بالشِّعر ولغته وجماليَّاته، والاطِّلاع على تجربة الشاعر أو جزء منها على أقلِّ تقدير، ووجود لغة سليمة واثقة لديه، والجنوح إلى جماليَّة التَّقديم للأمسيات الشِّعريَّة، ونبذ الأسلوب الباهت الَّذي ربَّما يدخل في العلميَّة المتعارضة مع روح الشعر الحقيقيِّ، والتَّحلِّي بالحكمة والتزام التَّصرُّف السَّليم عند مواجهة المواقف والأحداث والمداخلات الخارجة عن السِّياق.
ولا حرج في أن يكون مقدِّم الأمسية الشِّعريَّة شاعرًا أو قَاصًّا أو روائيًّا، فهذا يرفع من نسبة عذوبتها وقبولها ونجاحها، لدى المتلقِّي.