ثقافة وفن

محمد شكري.. انتصر لليل ووثق مواجعه بأدب التسخط

لم أتطلع أن تعبر بي حفاوة الحظ إلى عروس الشمال، وتكرمني سانحة الفرص بزيارة البرتقالة، أو أميرة البحر، أو حارسة

لم أتطلع أن تعبر بي حفاوة الحظ إلى عروس الشمال، وتكرمني سانحة الفرص بزيارة البرتقالة، أو أميرة البحر، أو حارسة ذاكرة الرحالة، وها أنا أتهجى ما تبقى من عبق التاريخ، وهندسة الجغرافيا، فانطلقت صبيحة الجمعة الماضية بمعيّة الزميلة المذيعة اللبقة اعتماد سلّام، وكانت تستعجل سيري بجوار سور المعكازين، فيما أنا منشغلٌ برصد الوجوه، ظناً بأن محمد شكري سيخرج عليّ من إحدى الزنقات، صعدنا لباب البحر، ووقفنا بنافذة السور الكبير، وحملنا بين أيدينا ما تبقى من آثار خبزه الحافي، وتلاقينا مع الشطار، وصافحنا الوجوه، وتهجينا زمن الأخطاء، ودخلنا السوق الداخلي، وتبضعنا من الخيمة، واحتضن مجنون الورد حنين مشاعرنا وأودعنا طرقات طنجة العامرة بأوراد وأذكار المتبتلين، في تلك المدينة المُلْهِمة والمتجاورة البيوت، ذات الهيبة، والوقار، والبُعد الروحي، كان يخامرني شعور في كل منعطف بأن هنا مقام ولي من الأولياء، فيجب إلقاء السلام، وخفض الرأس، احتراماً لأحباب الله.

استوقفني على جدار من جدرانها رخامات أثيرة تبنى تثبيتها الروائي يوسف شبعة الحضري، واستبد بي شغف الشعر عند كل منارة خِلْتُها معلّقة شعرية كتبها أحمد الحريشي.

كان محمد شكري آية من آيات الإبداع، وإن تحفظ البعض على لغته المتسخطة من الأهل وذوي القربى والأصدقاء، إلا أنه يكفيه شرفاً أنه قاوم الظروف الشرسة، وتصدى لواقعه المُزري بكتابته للتطهر منه والخلاص من ثقله.

التقينا كبار السن، فحدثونا عنه حديث المتحفظ، وسألنا عنه في المقاهي؛ فقالوا هنا كان شكري يشرب قهوته الكحلا، وذهبنا لمقهى الحافة فلم نجد سوى نخلته والبحر، ونادل معمّر قال لا أجمل من شكري ولا أرقى إن كان مزاجه رائقاً.

محمد شكري أنصف بسيرته الذاتية في (الخبز الحافي) نفسه بقدر ما سلّط الضوء على الأوضاع المعيشية البائسة لمواطن عربي في ظل ظروف اقتصادية واجتماعية وسياسية غير إنسانية.

تعتقت كؤوس طلاه، في انتظار عائد لا يعودُ، واستطالت زهرة سيجارته أملاً في ملامسة أنامل غائب لا يغيب، نجح شكري، في كتابته، وربما فشل في حياته الاجتماعية، إلا أن سابقته في أدب الاعترافات ستترك بصمة لا تُمحى.

وبرغم ما اعترى الوجدان ونحن نجوب المساريب، ونتعقّب (غواية الشحرور الأبيض) من مشاعر متضاربة، إلا أنه كان معنا وإن لم يكن هناك.

Trending

Exit mobile version