عرفنا محمد رضا نصرالله كاتب زاوية في صحيفة الرياض، ومحاوراً تلفزيونياً على شاشة الفضائيات، وعضواً شورياً وطنياً، ثم انزوى عن الضوء لأعوام، وخلال استراحة المُسالم، لم يتوقف العطاء، فعاد إلى المشهد بمرجع نخبويّ لعشاق سِيَر المثقفين، وحضر في معرض الكتاب، بأحدث إصداراته (أصوات في الأدب والفكر والاجتماع).
كأنما كان أبو فراس يلمح الأفق الذي سيبلغه وهو الطفل، الصاعد للدور الرابع من منزلهم، فإذا بواحات النخيل تمتد على يمينه كجناح يحلّق به في فضاء سماوي لا حدّ له، وعلى اليسار كان البحر ينفتح على آماد واسعة، أخذته مبكراً لشغف السفر والترحال ومحاورة النخب.
استلهم صاحب (حوارات القرن) ذكريات مع شعراء وأدباء، وأعاد رسم الذكريات في 444 صفحة، لنقرأ كاتباً أكثر مما نسمع ونُشاهد مُعدّ ومُقدّم برامج ثقافية، صال وجال بأحرفه، وحاور مهادناً تارةً ومشاكساً تارات، والتقى واحتوى النرجسيين والنزقين وحادي المزاج، والكبار بتواضعهم، فجاد علينا بمرجع حريّ بالاقتناء؛ لأنه وإن كان يتناول شخصيات، إلا أنه يقرأ ويحلل مراحل وأمزجة وانطباعات وتحولات.
في الكتاب المعبّر بصدق عن عوالم القوة الناعمة «عواصم، ومدن، ومقاهٍ، وفنادق، وطرقات، وحكايات، ووجوه، وتوجهات، وضحك، وبكاء، ومناوشات»، تسرح مع سطوره دون كلل ولا ملل، فنزار قباني تصدّر وكان صدر الكتاب له أرحب، ولم يغب الفخم غازي القصيبي، وبينهما عمالقة انتموا بصدق إلى عروبتهم وعبّروا برضا وبسُخط عن مشاعرهم.
صدر (أصوات) عن دار سطور للنشر والتوزيع في بغداد، وكتب مقدمته وزير الدولة للشؤون الخارجيّة السعودي السابق الدكتور نزار عبيد مدني، أطرى فيها بحقّ المؤلف، وقال: «منذ أن عَرَفْتُهُ وجدتُه مثقّفاً، واعياً صبوراً، ذا تفكير عقلاني، وطبيعة هادئة، قوي الحجة، سديد الرأي».