يوفّر شهر رمضان للمثقفين روحانية، مولّدة للتأمل، وبحكم خصوصية شهر القرآن، تتبوأ القراءة مقاماً أرفع، وفي ظل الانقطاع عن الأكل والشرب، يتمتع المثقف بصفاء ذهن، يحفزه على إنجاز المشاريع، وإعادة النظر في ما هو آيل للطباعة من الأعمال، ويخصص الوقت الأوسع كل مساء لمتابعة الأعمال الدرامية.
وهنا استجلاء لصورة يوميات الكُتّاب، والأدباء، خلال ساعات الشهر الكريم، إذ يعدّ المستشار الثقافي الدكتور عبدالله الكعيد شهر رمضان فسحة للجسد والروح والعقل، بما يمنح من وقت خالٍ من كل الالتزامات، ليغدو الصباح مقتنصاً للقراءة العميقة في كتب الفكر الإسلامي، والفلسفة النورانية، بحكم أنه شهر نزول القرآن الداعي للتدبر وإعمال العقل. ولم يخف الكعيد اهتمامه بالدراما بحكم عشق سابق، ما يحفزه للموازنة بين ما هو غذاء للروح وما هو إشباع للفكر، وما هو انطلاقة للجسد، بتخصيص أوقات للمشي والحديث مع النفس.
فيما تقتصر الناقدة الأكاديمية الدكتورة لمياء باعشن في رمضان على العبادة، وتعدها المشروع الأهم الذي تتمنى من الله توفيقها لإنجازه على خير وجه ليتقبله منها.
ويرى الروائي عبدالعزيز الصقعبي أن شهر رمضان المبارك يعيد صياغة حياته اليومية، ليس بمجرد الصوم في النهار والإفطار في الليل، إلا أنه يجعله مستيقظاً في وقت نكون غالباً في سبات، والعكس كذلك، لافتاً إلى الإحساس الروحاني بالصلاة غالباً بالمسجد، والحرص قدر المستطاع بأداء السنن ومنها صلاة التراويح، وزيادة الوقت لقراءة القرآن الكريم، إذ إن قراءة القرآن عادة يومية لديه، وتنال وقتاً أطول في الشهر الكريم. وأوضح الصقعبي أن مساء رمضان، مخصص للقاءات محدودة مع بعض الأصدقاء، وزيارات أيضاً محدودة لبعض الأقارب، ومتابعة بعض المسلسلات والبرامج التلفزيونية بالذات عندما تجتمع الأسرة لتناول الفطور والعشاء والسحور، وتمنى لو تعود نكهة رمضان في الأحياء الشعبية التي فقدها منذ أن غادر طفولته، مستعيداً شهر الصيام في حارات شعبية بالذات في مدينة الطائف، ويؤكد أن الشعور الداخلي يوحي لنا بوجود رمضان عندما نخرج من منازلنا، لتبقى لرمضان رغم كل شيء نكهة خاصة كما قال. وكشف الصقعبي عن قضاء الوقت الطويل في مكتبته المنزلية، من خلال مساحة زمنية يوزعها بين القراءة والكتابة، ومنذ أكثر من أربعة أعوام، كتب أجزاء من رواية «غفوة ذات ظهيرة» في رمضان، كون الذهن غالباً يكون صافياً، وليس من شاغل سوى أداء الصلاة ثم العودة للمكتب، والكتابة، وليس عنده كتب معينة للقراءة في رمضان، بل يواصل القراءة شأن بقية أيام العام، وزيادة للوقت المخصص للقراءة والكتابة.
وأضاف الصقعبي: عندما كنت على رأس العمل كنت أحرص على أن أستفيد من حضوري للدوام بفرز ما لدي من أوراق ومعاملات وتنظيم مكتبي، مستغلاً هدوء رمضان، وإثر التقاعد شعر أن رمضان فرصة لاقتطاع وقت لتنظيم بعض الملفات المتراكمة لديه، وغالبيتها حالياً إلكترونية، إلا أنه لا يخصص شهر رمضان المبارك لتنفيذ مشاريع معينة، إلا إذا كان هنالك مشروع بدأه وملزم بتنفيذه فيكون شهر الصوم فرصة لسرعة إنجازه.
وتؤكد الشاعرة الدكتورة هند المطيري أنها منذ انخرطت في الحقل الأكاديمي تغير جدولها في رمضان كثيراً، إذ تجد في رمضان فرصة مواتية للعمل والإنجاز، بحكم أن الشهر الفضيل شهر عمل وعبادة، خصوصاً في ظل التزام البيوت لفترة طويلة. ولفتت إلى أن رمضانات مضت صادفت إجازة نهاية العام الدراسي ما يتيح مساحات أوسع للقراءة والكتابة. إضافةً إلى روحانية الشهر التي تُشع بقيمة (عبادة العمل) فنحتسب الأجر في كل ما نقوم به. وأبدى الشاعر المصري سامح محجوب، سعادته الغامرة بحلول شهر رمضان، كونه استراحة المحارب بالنسبة له؛ إذ يتيح له الشهر الفضيل مساحات من الوقت والتأمل لا تتوفر طيلة العام، لذا يشرع في قراءة معظم ما اقتناه من معارض الكتب، وينجز ما أجّله من كتابة، وأضاف: لدي ديوان جديد أعمل عليه وسوف أنجزه في رمضان وسأشارك في بعض الفعاليات الثقافية التي تنظمها وزارة الثقافة. وعدّها فرصة للقاء الأصدقاء ومعايشة روح رمضان التي تشع بشكل خاص جدا في مصر التي ما زالت تحتفظ لنفسها بجملة من التفاصيل والمفردات الفلكورية التي تصحب الشهر الكريم.