اختبأ تحت جسر معلّق، نظر نظرةً في السماء التي تلبّدت بالغيوم!
وقف متأملاً تلك السماء وذاك الجسر، ارتمى في كرتونة بجانبه، تأبطها جيّدا، حاول أن ينام دون جدوى، رغم تعوده على أبواق السيارات من فوقه، مال قليلا على بضعة أعواد، جمعها بالكاد أشعل فيها، وجلس يغنّي أغنيته القديمة:
سافر يا غرابي وارجع
والبيض بيتفقع
والحال فيّه مولّع
والبرق بيتسصقع
غلطان يا صاحبي
والرمش يبقى يدمع
تستاهل يا علي
كلامك كله يوجع
انطفأت النار، تنثّر الرماد، نام أخيرا على موسيقى الجاز
من سيارة فارهةٍ، خرج منها اثنان؛ الأول طويل بسلاسل في رقبته، والثاني يحرسه وفي فمه سيجارة كوبية بالكاد يلتقطعها بشفته الغليظه!
دارا دورة حوله، تلك التي تشبه الهنود الحمر وذالك الفَارِه في يده قارورة تقترب من رأس النائم، ثم تعود إلى فم صاحب السعادة، القطرات التي تخرج منه من قوتها أفاقت النائم!
صحى، وعيونه حمراء كتلك الليلة؛ ماذا تريدون من نائم، لحافه السماء وأرض مجرد زائر فيها سيرحل منها على مقبرة النسيان، ويدفن كأي كلبٍ ميّت!
تعالت الأصوات بالضحكات، وزاد من جنون الليلة تلك الموسيقى الصاخبة، وهذا الرقص الغجري!
سحبه الحارس كأنه فارس من قدميه كما تجرّ الذبيحة إلى مسلخها مستسلمة، الفَارِه يغني ويتمايل كالنساء!
حاول أن يفلت من قبضة الحارس حتى يئس، وارتحل بفكره أن حياته كموته، تركهم يفعلون به ما يشاؤون، حتى ملّوا، عند ذهابهم ترك الفَارِه بضع دراهم عند رأسه مختلطة بدمه!