نعى روائيون وكتاب الكاتب الروائي الفرنسي من أصول تشيكية (ميلان كونديرا) الذي وافته المنية اليوم عن (94 عاماً)، وعُرف عنه مناصرته للحق الفلسطيني والقضايا العادلة في العالم، وغادر صاحب «حفلة التفاهة» عالمنا محتفظاً بالعمل الخالد كائناً لا تُحتمل خفّته.
اشتهر كونديرا بكتاباته السياسية الساخرة، وكانت أعماله ممنوعة زمن دولة تشكوسلوفاكيا علماً بأنه رُشح لجائزة نوبل للآداب مرات عدة. يتقاطع كونديرا مع الروائي الروسي دوستويفسكي في دمج قارئه بشخصيات العمل، وفي عمله «حفلة التفاهة» يسخر كونديرا من الولادة والموت، ومن معايير الجمال والقباحة، ومن سطوات الإغراء ومنابع الفتنة، ومن التاريخ ومن الحروب.
وُلِد كونديرا في الأول من أبريل عام 1929 في برنو، تشيكوسلوفاكيا لعائلة من الطبقة الوسطى، وكان والده لودفيك كونديرا عالم موسيقى وعازف بيانو شهير يعمل رئيساً لأكاديمية (يناتشيك) للموسيقى في برنو منذ عام 1948 وحتى عام 1961، ووالدته ميلادا كونديروفا.
سار كونديرا على خطى والده فدرس علم الموسيقى والمقطوعات العالمية، وتغذى فكره بتجارب الحرب العالمية الثانية، واستاء من الاحتلال الألماني، فالتحق بالحزب الشيوعي في تشيكوسلوفاكيا في شبابه إلا أنه طرد منه بعد وقت وجيز بسبب نشاطاته المناهضة للحزب، فأكمل دراساته العليا في كلية الأفلام في أكاديمية الفنون الأدائية في براغ وأصبح محاضراً عقب تخرجه.
بدأ كونديرا مسيرته المهنية في الكتابة شاعراً ثم أتبع ذلك بكتابة القصص القصيرة والروايات، معظم كتاباته تحتوي على مضامين ساخرة وعناصر سياسية قادت لاعتباره كاتباً سياسياً متمرداً، وأجبر على الذهاب إلى المنفى في فرنسا بسبب طبيعة أعماله ليصبح مواطناً فرنسياً إثر ذلك.
درّس كونديرا مادة الأدب في أكاديمية الموسيقى والفنون الدرامية في براغ عام 1952، كما نشر مجموعات شعرية عدة له في الخمسينات من القرن الماضي من بينها «أيار الأخير عام 1955» وهو ديوان مبايعة لقائد المقاومة الشيوعية يوليوس فوجيك، و«مناجاة عام 1957» وهو مجموعة من قصائد الحب التي نددت بها السلطات التشيكية بسبب نبرتها الساخرة. وتابع مشواره ليؤلف قصصاً عدة، ومسرحية من فصل واحد نجحت نجاحاً كبيراً هي مسرحية «مالكو المفاتيح عام 1962»، ثم أتبعها بروايته الأولى التي تعد واحدة من أعظم أعماله «المزحة عام 1967»، ويقدم فيها نظرة ساخرة للحياة الخاصة ولمصائر العديد من التشيكيين أثناء سنوات حكم ستالين، وترجمت الرواية إلى العديد من اللغات وحققت نجاحاً عالمياً باهراً. و تناولت روايته «الحياة في مكان آخر عام 1969» سيرة بطل رومانسي سيئ الحظ يؤمن بشدة بالاحتلال الشيوعي، ومنعت هذه الرواية من النشر في التشيك، و في عام 1975 سمح لكونديرا بالهجرة مع زوجته فيرا هرابانكوفا من تشيكوسلوفاكيا للتدريس في جامعة رين في فرنسا في الأعوام ما بين 1975-1978، ثم سحبت الحكومة التشيكية جنسيته عام 1979، ونشرت رواياته التي ألفها في السبعينات والثمانينات في فرنسا وفي أماكن أخرى ولكنها ظلت ممنوعة في موطنه الأصلي، ومنها «حفلة الوداع عام 1976» و«كتاب الضحك والنسيان عام 1979».
وكتب كونديرا باللغة الفرنسية في رواية «البطء عام 1994» وتبعتها رواية «الهوية عام 1997» ثم «الجهل عام 2000»، والأخيرة تدور حول المهاجرين التشيك، وقد كتبها بالفرنسية بدايةً ثم نشرها بالإسبانية، كما ألف رواية «حفلة التفاهة عام 2013» وتدور حول مجموعة من الأصدقاء الباريسيين.
نال ميلان كونديرا عام 1985 جائزة القدس، ثم نال عام 1987 جائزة الدولة النمساوية للأدب الأوروبي، وفي عام 2000 نال جائزة هيردر الدولية، أما في عام 2007 فنال جائزة دولة التشيك للأدب.
ومن أقوله: يجب على من يكون هدفه «شيئاً أسمى» أن يتوقع في يوم من الأيام أن يعاني من الدوار، ما هو هذا الدوار؟ هل هو الخوف من الفشل؟ لا، بل هو شيء يختلف عن الخوف من الفشل، إنه صوت الفراغ دوننا، الذي يغرينا ويغوينا، إنه الرغبة في الفشل، التي ندافع عن أنفسنا منها ونحن خائفون.