Connect with us

ثقافة وفن

فيلم هوبال: صلابة النموذج الزهدي وهشاشته

مجالات الكتابة عن السينما ليست محصورة على النقد السينمائي. فمن المنطقي أن تستهوي السينما، كفضاء جمالي ومجال تعبيري

مجالات الكتابة عن السينما ليست محصورة على النقد السينمائي. فمن المنطقي أن تستهوي السينما، كفضاء جمالي ومجال تعبيري مكثّف، مهتمين من مجالات شتّى للكتابة عنها وحولها. لذلك، فإن هذه المقالة عن فيلم «هوبال» لن تكون نقداً سينمائياً صرفاً. وتحديداً، أحاول في هذه المقالة مداخلة الفيلم من زاوية التاريخ الاجتماعي لمجتمعنا. بالتحديد، من زاوية عدم صمود النموذج الزهدي المحلي في وجه التحديث، مقارنة بصلابة نظيره الأمريكي مثلاً.

باختصار، قصة الفيلم عن عائلة تعيش في الصحراء حياة البدو الرحّل، خيام وجمال وأساليب إنتاج (رعي الماشية) وألبسة ولهجة. غير أنهم ليسوا بدواً رحّلاً، بالمعنى التقني للمفهوم. بداوتهم مصطنعة. بتعبير أدق، بداوة دونكيشوتية. فالعائلة، لا تعيش حياة البداوة كجزء من قبيلة بدوية. إذ لو أطل أحد على المكان من علٍ فلن يرى مضارب بدو. بل فقط عائلة وحيدة اختارت عمداً أسلوب عيش في طور الزوال (القصة تحدث مطلع التسعينات. وقتها، مثّل السكان الرحل 2% من مجمل سكان المملكة، كما أظهرت نتائج تعداد 1992، مقابل نصف سكان المملكة في تعداد 1974). والمدينة لدى العائلة ليست فقط مرذولة أخلاقياً، كما كانت لأسلاف العائلة من البدو الرحّل. بل محرّمة دينياً. والصرامة الدينية بالغة مما لا تتسم به أساليب عيش البدو في الأزمان الغابرة، فتكيف البدو مع البيئة القاسية كان يستلزم نظاماً دينياً مرناً. نحن، إذاً، بإزاء بداوة مصطنعة. وهذا الاصطناع هو مدخلي لقراءة الفيلم. ففيلم (هوبال) ليس عن البداوة. بل عن الأزمة الوجودية للإنسان. عن ضياع اليقين في وجود تتضارب فيه مظاهر الحقيقة. وهذا ما تبدى في نهاية الفيلم، فالذي أخلص للأب في رحلته الأبدية داخل الدحل لم يكن أحد أبنائه الذين التزموا برؤيته. بل كان الأبن المنبوذ لأكله تفاحة المدينة. فيما رحل الابن الأصغر للمدينة المتحررة توّاً وورث شنار عن أبيه الرحيل في مجاهل البريّة.

ثيمة الفيلم صِيغت بلغة سينمائية رفيعة، من خلال ظاهرة بشرية متكررة، خاصة في الثقافات ذات الطابع الديني الزهدي. ظاهرة رفض العالم واعتزاله. أو ما يمكن تسميته بالانسلاخ عن المجتمع المحيط ومحاولة إنشاء مجتمع متطهر. الذي حدث في «هوبال» أن وقائع هذا الرفض جرت في بيئة بدوية، وكان نجاح الفيلم باهراً في تقديم حياة الجماعة في المعتزل البري. لكن كثيمة، كان يمكن أن تحدث وقائع القصة من خلال أي شكل اجتماعي، بدو رحّل أو مزارعين مستقرين.

الصورة التقليدية للانعزال لأسباب تعبدية عن العالم المنغمس في المشاغل الدنيوية، بخيرها وشرها، هي ظاهرة المعابد والصوامع والأديرة المنعزلة في أماكن تخلو من البشر، سواء صحاري أو غابات. وهناك نماذج لهذه الصورة في مختلف الديانات، السماوية والآسيوية والأفريقية. إنهم أشخاص صرفوا حياتهم للعبادة الصرفة. إنما المثير هو الانعزال لجماعات بأكملها، برجالها ونسائها وأطفالها، لأسباب يتداخل فيها الديني مع الهوياتي والأخلاقي. وهذه ظاهرة نادرة، وقد يخلو تاريخ مجتمعات منها بشكل تام. تلعب عوامل عدة في تكّون مثل هذه الجماعات. قد يكون الانعزال بسبب الذاكرة السلبية للجماعة مع الاضطهاد الديني من المجتمع المحيط. وقد يرجع «الانشقاق» أصلا لوجود قادة قرروا أخذ الجماعة إلى اعتزال المجتمع وآثامه. وكثيرا ما يحدث الانعزال كرفض للتغيرات الاجتماعية أو الدينية، خاصة مع التحديث، أو لكليهما سوياً.

أخبار ذات صلة

تعد جماعة الآميش في أمريكا تجسيدا لمجتمع كامل يعتزل المجتمع الأكبر، وليس فقط عبّاداً يعتزلون لأسباب دينية. الأساس التاريخي للجماعة هو رفض أي «تأويل» للكتاب المقدس، واتباع تعاليمه حرفياً. إذ ظهرت الجماعة ضمن عصر الإصلاح الديني في أوروبا، في القرنين السادس والسابع عشر، والذي تمخض عنه ظهور المذهب البروتستانتي. قبل ثلاثة قرون، فرّت الجماعة بدينها إلى أمريكا، حيث توجد إلى اليوم. من سماتها: العيش في مستوطنات منعزلة عن المجتمع الأكبر، ورفض واسع للتكنولوجيا الحديثة، بما في ذلك السيارات، الاعتماد على العمل اليدوي مع احترام قيمة العمل (منتجاتهم مشهود لها بالجودة)، وأدوار تقليدية للمرأة، العائلة والمزرعة، وأخلاق زهدية، وسماحة، وتواضع. في قرى الآميش، لا كهرباء ولا سيارات ولا مكائن. الأسر تهجع إلى النوم باكراً جداً وتستيقظ قبيل الفجر للعمل طوال اليوم. تعليم الأطفال ديني وبسيط. إذا بلغ الشاب لديهم التاسعة عشرة من العمر أرسلوه للمدينة لسنة، ويقرر بعدها إن كان سيكمل حياته في المدينة، أم يعود إلى حضن جماعته. والغريب أن أكثر شبانهم يهجرون المدينة ويعودون إلى الجماعة التي نشأوا فيها.

لم يخلُ تاريخنا المحلي من جماعات حاولت أن تعتزل المجتمع الأكبر لأسباب دينية. حدث هذا مع مجموعات متفرقة وأكثر من مرة. وحدث لجماعات ذات أصول حضرية أو بدوية. وفي تاريخنا الاجتماعي، ينتج عن تفاعل المرجعية الدينية التطهرية مع تجربة المجتمع في التحديث المتسارع ظهور جماعات تختار اعتزال المدينة. يذكر ناصر الحزيمي، في كتابه «أيام مع جيهمان»، اختيار ثلاثة من أعضاء الجماعة السلفية المحتسبة الهجرة الطوعية إلى البر بُعداً عن خطايا المدينة وفتنها. ولأنها بداوة مصطنعة، حيث لا مراعي ولا «حلال» فقد تهاوت التجربة سريعاً. قبل ذلك بأكثر من عقد، اعتزل ثلاثة من سكان بريدة المدينة، وللأسباب ذاتها، مهاجرين إلى قرية بعيدة على أطراف منطقة المدينة المنورة. وأيضا لم تدم التجربة طويلاً. التجارب التي كانت لها استدامة أكثر كانت إنشاء أحياء خاصة ذات مظهر تطهري متقشف في بعض المدن، كما في حي الخبيبية غربي بريدة.

تتشابه التجربتين المحلية والأمريكية في أمور وتختلف في أمور؛ يتشابهان في صدورهما عن محاولة التطبيق الحرفي للتعاليم الدينية، وهذه منطقة تشابه بين السلفية الخالصة والتطهرية السلفية. ويختلفان في السياقات التاريخية لظهور هذا المنظور للدين ومدى استدامته. فإن كان المنظور النصي ذا أبعاد تاريخية عميقة في الدين الإسلامي، إذ هو أحد أوجه المدرسة السلفية، فإنه جديد نسبياً على التجربة المسيحية. فلم تعرف المسيحية هذا المنظور النصي للكتاب المقدس إلا مع حركات الإصلاح الديني في أوروبا خلال القرن السادس عشر؛ أي بعد أكثر من خمسة عشر قرناً من ظهور المسيح. لقد أفضت الفتوى اللوثرية بجواز ترجمة الكتاب المقدس إلى اللغات المحلية الأوروبية إلى تعميم القدرة على قراءة الإنجيل، بعد أن كان محصوراً على الكهنوت الكاثوليكي الحالي للكتاب المقدس داخل اللغة اللاتينية فقط، حارماً عموم المسيحيين من التواصل مباشرة مع خطاب الرب ومراده. نتج عن ترجمة الكتاب المقدس إلى اللغات المحلية وقراءته من قبل عموم الناس ظهور جماعات تريد أن تتبع الإنجيل حرفياً، كرد منطقي على تحريف الكنيسة الكاثوليكية وفسادها. وأحد نتاجات هذ التمثل الحرفي للكتاب المقدس كانت جماعة الآميش، التي ظلت، كجماعة وأسلوب حياة، قائمة لأكثر من أربعة قرون. في المقابل، لم يعرف عالم الإسلام جماعة بهذا «العناد». ففي سياقنا المحلي انمحى الرفض سريعاً وذابت الجماعات الصغيرة وسط المجتمع. الجماعات الانعزالية في تجربتنا المحلية هشة وغير قادرة على مقاومة الزمن. ويحدث التغير فيها خلال جيل واحد فقط.

جسّد فيلم هوبال هذه الهشاشة ببراعة. فالجماعة/‏‏‏‏الأسرة منعزلة بناء على قرار الأب، الذي ضرب حول المدينة سوار الخطيئة وحرّم ورودها على ذريته. الأسرة منشدة إلى الأب/‏‏‏‏ كلي القدرة ومنصاعة لتعاليمه بواعز من نظام أخلاقي قوي نجح الأبوان في زرعه داخل نفوس الأبناء والأحفاد، بلا استثناء. حتى الخارجين على تعاليم الأب فعلوا ذلك دون «قتل» للأب داخل النفوس. مع ذلك، فإن البناء الاجتماعي للأسرة هش. ثنائية حب الأب، ليام، وتهاوي تعاليمه تسري طوال الفيلم. اثنان من الأبناء قررّا تحدي تعاليمه صراحة. آخر، أي شنار، كومة من النفاق والثنائية، فهو أكثر من أطاع الأب وأكثر من تنعّم برفاه المدينة وطراوتها، محولاً تزلفه للأب إلى رأسمال للّهو واللذة. للابن الأصغر، بتّال، مخازيه الصغيرة (شرب التنباك) وتوقه للتحرر من أسر الأب. أما الابن المتّبع لأبيه بقلب سليم، أي نهار، فاستحال كومة من روح عذبتها آثام القتل في سبيل حراسة تعاليم الأب. وباستثناء الأم، صنو الأب وتابعته بإخلاص، فإن نساء العائلة مغتربات عن رؤية الأب وخياراته، مطمورات بالخوف والتعاسة ورغبة الانعتاق. حلّت الجائحة بالجماعة المنعزلة لتكشف عن هشاشتها، بنائها، وإمكانيات تهاوي نمطها تحت مطارق الموت، الموت الذي تقف شاهدا له السيارات المعطوبة والألبسة وشواهد القبور. ثمة تصدّع في خيار هجران الحياة الحديثة يحدث في الفيلم، مثلما حدث لتجارب هجران المدينة في تاريخنا الاجتماعي. هذا التصدع لم يلحق جماعة الآميش مثلاً، فصمد نموذجها في وجه التحديث والمدنية على مدى قرون! ولئن توسل الفيلم بعجز الطب التقليدي عن مقاومة الجائحة كثيمة للانهيار الكلي لخيار هجران المدينة، فإنه جسّد عدم ثبات أيديولوجيا الانعزال زهداً في نفوس جماعة ليام وعدم قدرة خيار الزهد على الاستمرار في صد مغريات المدنية، وهذا بالضبط ما حدث لنموذجنا المحلي في هجران المدينة زهداً وورعاً.

Continue Reading

ثقافة وفن

مصر.. انهيار عمارة «نور الشريف».. وسقوط ضحايا

شهدت منطقة السيدة زينب بمدينة القاهرة، في الساعات الأولى صباح اليوم (الأربعاء)، حادثاً مأساوياً عقب انهيار عقار

شهدت منطقة السيدة زينب بمدينة القاهرة، في الساعات الأولى صباح اليوم (الأربعاء)، حادثاً مأساوياً عقب انهيار عقار سكني مكون من 7 طوابق، وهو عقار قضي فيه الفنان الراحل نور الشريف سنوات طفولته.

وتلقت الأجهزة الأمنية بمديرية أمن القاهرة بلاغاً من الأهالي يفيد بحدوث انهيار كامل لعقار مأهول بالسكان في شارع محمد عنايت بمنطقة السيدة زينب.

وعلى الفور انتقلت الأجهزة الأمنية وسيارات الدفاع المدني والإسعاف إلى مكان الحادث لإزالة الحطام والركام الناتج، وتم فرض طوق أمني حول مكان الواقعة، ونقل المصابين إلى المستشفى وانتشال جثامين الضحايا.

وكشفت المعاينة الأولية عن وجود ضحايا تحت الأنقاض، ونجحت قوات الحماية المدنية في استخراج 7 بينهم وفيات من أسفل العقار، وتم نقل المصابين إلى المستشفى لتلقي العلاج، وانتشال جثامين المتوفين ونقلهم إلى ثلاجة المستشفى، وتواصل فرق الإنقاذ عمليات البحث لانتشال بقية المفقودين تحت الأنقاض.

وتبيّن أن العقار شهد طفولة الفنان الراحل نور الشريف، الذي فقد والده في سن مبكرة ونشأ تحت رعاية أعمامه في هذا المنزل العريق، وفي عام 2021 طالب المخرج محسن أحمد بإطلاق اسم «نور الشريف» على المبنى تكريماً وتوثيقاً لمسيرته وتراثه الفني.

ومن جانب آخر، انتقل محافظ القاهرة الدكتور إبراهيم صابر إلى الموقع لتفقد عمليات إنقاذ المصابين واستخراج المتوفين، وإزالة الحطام والركام الناتج عن الانهيار.

أخبار ذات صلة

Continue Reading

ثقافة وفن

ما سبب المطالبات بسحب الجنسية المصرية من هند صبري؟

حالة من الجدل وموجة انتقادات أثيرت حول الفنانة التونسية هند صبري خلال الأيام القليلة الماضية، بعدما تداول البعض

حالة من الجدل وموجة انتقادات أثيرت حول الفنانة التونسية هند صبري خلال الأيام القليلة الماضية، بعدما تداول البعض منشورات لها تدعم من خلالها قافلة الصمود المتجهة من تونس إلى قطاع غزة عبر الأراضي المصرية، ما اعتبره البعض تجاوزاً للموقف الرسمي المصري وأصبح الأمر حديث «السوشال ميديا».

واشتعلت الأزمة عندما تم تداول منشور لهند صبري عبر حسابها الشخصي بمنصة «إنستغرام» تؤيد فيه قافلة كسر الحصار المتجهة من تونس إلى غزة تحت عنوان قافلة الصمود، تلك المبادرة التي لاقت تفاعلاً واسعاً في العالم العربي وانقسمت الآراء فيها بين مؤيد ومعارض للفكرة.

وإثر انتشار تصريحات هند صبري حول تأييدها قافلة الصمود، هاجمها عدد كبير من الجمهور المصري، إذ اعتبر البعض تصريحاتها تجاوزاً واضحاً للموقف الرسمي المصري، ووصل الأمر إلى مطالبات بسحب الجنسية المصرية منها، وشطبها من نقابة المهن التمثيلية في مصر.

وفي منشور مثير للجدل على منصة «فيسبوك»، انتقد الدكتور أشرف صبري والد الفنانة ياسمين صبري، تصرفات هند صبري، وكتب: «تخيلوا أن الممثلة التونسية التي اشتُهرت في مصر تدعم القافلة ضد رأي الشعب المصري وحكومته، هؤلاء هم الأشخاص الذين نرفعهم، بينما يحقرون آراء المصريين».

وطالب أشرف صبري، بسحب الجنسية المصرية منها وترحيلها من مصر، موضحاً في منشوره: «أطالب بترحيلها وفصلها من نقابة الممثلين»، كما اعتبر دعمها للقافلة «جحوداً واضحاً» تجاه الدولة المصرية التي احتضنتها فنياً ومنحتها الفرصة للظهور، لافتاً إلى أن ما قامت به يعد إخلالاً بالاحترام الواجب للدولة التي تعيش وتعمل فيها.

في المقابل، دافع آخرون عن الفنانة هند صبري، مشيرين إلى أن دعمها يعد تحركاً إنسانياً وليس سياسياً، وكان من بين المدافعين عنها المخرج يسري نصرالله، وكتب عبر حسابه الشخصي على «فيسبوك»: «هند صبري حبها لمصر وللمصريين صعب جداً أي حد يشكك فيه، جوّ إرهاب كل من يختلف معك، هو أكبر إساءة ممكن توجهها لمصر وللمصريين».

ووصف الناقد المصري طارق الشناوي الحملة على الفنانة بقصة وهمية، مضيفاً أنها محاولة لاغتيالها معنوياً، معلقاً عبر منصة «فيسبوك»: «واثق أن كل الأوراق سيتم فضحها».

ومن جانبها، لم تُصدر هند صبري حتى الآن أي رد مباشر على الهجوم ومطالبات ترحيلها من مصر التي أصبحت حديث «السوشال ميديا».

أخبار ذات صلة

Continue Reading

ثقافة وفن

ميلا الزهراني هل تراهن على الاستمرارية أم يخدعها توهج المرحلة؟

منذ بروزها في المشهد الفني قبل نحو سبع سنوات، تواصل ميلا الزهراني، شقّ طريقها مُمَثِّلةً تحفر مكانها بهدوء، بعيداً

منذ بروزها في المشهد الفني قبل نحو سبع سنوات، تواصل ميلا الزهراني، شقّ طريقها مُمَثِّلةً تحفر مكانها بهدوء، بعيداً عن المبالغات الإعلامية أو الاندفاع نحو الأضواء. ما يميزها برأيي ليس فقط عدد الأعمال التي شاركت بها، بل الأسلوب الذي تؤدي به أدوارها: حضور فني ينتمي إلى ما يمكن وصفه بـ«السهل الممتنع»، إذ تبدو الشخصيات التي تؤديها قريبة، صادقة، غير مفتعلة، لكنها في العمق تحمل طبقات من التعبير والانفعال تلامس جوهر الموقف الدرامي دون أن تصرخ فيه.

هذا الأسلوب، جعلها تحظى بثقة عدد من أبرز المخرجين السعوديين، وفي مقدمتهم هيفاء المنصور التي منحتها بطولة فيلم «المرشحة المثالية»، وهو أول فيلم سعودي يُنافس في المسابقة الرسمية لمهرجان فينيسيا 2019م.

تجربة كهذه لم تكن مجرد محطة دولية لميلا، بل فتحت أمامها أفقاً احترافيّاً عزّز من وعيها السينمائي، وجعل النقاد يلتفتون إلى إمكانات ممثلة لا تزال في طور التكوين رغم السنوات الماضية، لكنها تعرف كيف توظّف تلقائيتها في خدمة الدور وتتقدم بشكل محسوب.

في فيلم «هوبال» مثلاً، وضمن تركيبة بطولة جماعية، أثبتت ميلا، أن وجودها لا يحتاج إلى مركزية الشاشة لتُرى، بل يكفي أن تدخل المشهد حتى تستقر في الذاكرة. هذا النوع من الحضور الناضج فنّاً يشي بموهبة لديها أكثر، ولم تقل كلمتها بعد، لكنها تقولها كل مرة بطريقتها الخاصة: دون صخب، ودون اصطناع.

رغم توهجها النسبي في الفترة الأخيرة، تظل ميلا ممثلةً في طور التشكُّل، ويبدو أن ما حققته حتى الآن ليس سوى بدايات ناضجة. ولعل الرهان الأكبر عليها لا يكمن في ما قدمته، بل فيما يمكن أن تقدمه إذا ما حافظت على وتيرة استمرارية مدروسة، وإذا ما واصلت صقل نجاحاتها عبر الاحتكاك بخبرات عالمية، واختارت أدوارها بعناية لا تقلّ عن صدق أدائها.

في هذه الحالة فقط، لن تكون ميلا مجرد وجه مألوف في المشهد السعودي، بل قد تصبح واحداً من ملامحه الرئيسية نحو سينما سعودية أكثر نضجاً وامتداداً.

أخبار ذات صلة

Continue Reading

Trending

جميع الحقوق محفوظة لدى أخبار السعودية © 2022 .