وصف الناقد سعيد السريحي كتاب «فتنة الثقافة» لمؤلفه الأديب علي فايع الألمعي بأنه كتاب يجمع بين اللغة الأدبية ولغة الصحافة، وهو بذلك يستقطب القارئ العادي، والقارئ المتخصص الذي يعنى بثقافة الهامش ويهتم بآليات إدارة الثقافة فيها وكيفية استثمارها لتدعيم ثقافة وطنية مستدامة تعنی بالهامش قدر عنايتها بالمتن. وأضاف السريحي في الكتاب الصادر حديثاً عن دار «تشكيل» في 80 صفحة من القطع المتوسط أن الكتاب يكشف عن قدر من الصراع المعلن والمسكوت عنه بين مثقفي مناطق الهامش، وهو صراع يفرضه اختلاف الرؤية لطبيعة العمل الثقافي وإدارته حينا، وحينا آخر تفرضه المصالح الشخصية، وطبيعة العلاقة بالمؤسسات الرسمية الثقافية والإدارية، غير أنه الصراع الذي يؤكد على ما يبذله مثقفو تلك المناطق من جهد في سبيل الارتقاء بالعمل الثقافي في مناطقهم، وسد الفراغ الناشئ من عدم رعاية مؤسسات المدن الكبرى لنشاطاتهم وفعالياتهم.
الألمعي قال في مقدمة الكتاب إن الكتابة عن العمل الثقافي جميلة وممتعة، وستكون أكثر متعة وجمالاً حينما يكتب الأديب عن أشياء كان له فيها جهود كبيرة، وتضحيات، وأكد أن كتابه هذا يخرج من باب (الأنا) ويدخل في باب التدوين المستحب لتجربة أدبية وثقافية تحولت مع الأيام إلى شغف.
الكتاب رصد في عناوين بارزة العديد من التحولات الثقافية في حياة الأديب، التي ابتدأت بحصة التعبير في المرحلة المتوسطة ومتابعة كتّاب الرياضة في الصحف السعودية وانتهت بتجارب عديدة أدبية وثقافية في المؤسسات الثقافية والمعاقل التربوية.
لم تخل صفحات الكتاب من نقد لاذع لدور المثقف، وقصور أداء المؤسسات الثقافية إضافة إلى مواقف ذاتية كان الكاتب محورها، والعمل الثقافي مصدراً من مصادرها، لكنها في المجمل تحولت بفعل الشغف من تجارب ذاتية إلى أفعال مجتمعية خاضها الكاتب بنفسه، ومع أصدقائه، ودونها في كتابه هذا خوفاً عليها من النسيان.
الكتاب لم يكن موجهاً بشكل كلّي للنقد والعتاب، لكنه استعرض العديد من الممارسات الثقافية المجتمعية، مسلطاً الضوء على ما لم يكن بارزاً في تلك المناشط والأعمال، إضافة إلى النقد المبطّن لمواقف بعض المثقفين والمتعاطين مع الثقافة في المجتمع ومن خلال بعض المؤسسات الثقافية التي كانت مجزءاً لا يتجزأ من الكتاب.
أما العنوان فقد ألمح الألمعي في مقدمة كتابه إلى أن الفتنة هنا تحمل وجهين أحدهما حسن، والآخر قبيح، ودلّل عليهما في الكتاب من خلال شواهد، وأحداث، وقصص، ومواقف لم يختلقها كما قال بل أعاد كتابتها للتأريخ.
الكتاب استعرض رحلة الألمعي وأصدقائه المثقفين في المنطقة التي لم يكن المال وحده الذي ينقص هذه التجربة بل مواقف الأدباء البينية والممانعة المجتمعية التي برغم قلتها إلا أنها كانت تضفي على نفسها صفة الأغلبية، إضافة إلى نظرة المثقفين للنشاط الثقافي الذي لا يخصهم بالدعوة أو المشاركة ودور وسائل التواصل الاجتماعي في تكثيف الحملات على هذا المنشط أو ذاك.
الكتاب قدّم رصداً دقيقاً لتجربة المؤلف مع الأدب والثقافة التي بدأت ذاتية، وتحوّلت مع الوقت إلى شغف اجتماعي وصفها الألمعي بأنها حكاية انتهت ورحلة مازالت مستمرة.