Connect with us

ثقافة وفن

فانتازيا المسلم بين سحرية التراث ورفض النخبة

يخيل إليك في البداية أنك تقرأ إحدى الأساطير الإغريقية كالأوديسة والإلياذة، ولكن سرعان ما تدرك أنك هنا في قلب إرثك

يخيل إليك في البداية أنك تقرأ إحدى الأساطير الإغريقية كالأوديسة والإلياذة، ولكن سرعان ما تدرك أنك هنا في قلب إرثك العربي، مع زرقاء اليمامة والجن الأزرق، وغابات تزحف برجالها صوب أسوار العدو. تتساءل إن كانت نبوءة الساحرات لمكبث بأنه لن يُهزم إلا إذا «تحركت غابة بيرنام» نحو قصره، ما هي إلا صدى لصيحة زرقاء اليمامة: «أرى شجراً يتحرك»!

يعيدنا أسامة المسلم إلى جذورنا العربية التي لطالما كانت منبع الفانتازيا والخيال. في زمن بات فيه الأدب يُستورد من الغرب، يصر المسلم على استعادة هويتنا الأدبية عبر قصص تستند إلى أساطيرنا العربية وأبطالنا، بعيداً عن روايات الغرب التي لا تشبهنا ولا تنتمي لبيئتنا.

هكذا، يجد القارئ نفسه غارقاً في عالم من الجنيات والمخلوقات العجيبة والقوى الخارقة، يصدق بوجود خاتم يخفي مارداً وثلاث أمنيات، وحيوانات ناطقة، ورؤوس تُجزّ، وألسنة تُقطع، وفتيات يضحّين بأصواتهن لاستعادة رشاقتهن. ويجاري البطل عندما يحمله جنيّ طيب إلى بلاد بعيدة في لمح البصر. وتأسره فكرة أن تعشقه جنية فاتنة. إنه عالم يبتلع قارئه، حيث الماضي والحاضر يلتقيان في لا واقعية سحرية تأسر الخيال وتجعلنا نستسلم لفتنتها.

في «بساتين عربستان»، نشهد صراعاً بين ساحرتين. تسعى كل منهما لتكوين عصبة من الساحرات وتدريبهن لتحقيق أهدافها. وبينما تخوض كل ساحرة مغامرتها، يكشف السرد عن قصص الساحرات المنضمات إلى عصبتيهما، بأسلوب متداخل يُشبه «لعبة ماتريوشكا» الروسية، حيث تنفتح الحكايات واحدة تلو الأخرى، مكوّنة شبكة غنية من القصص المتداخلة. هذه التقنية السردية، التي استلهمها الأدب الأوروبي من ألف ليلة وليلة، تتجلى هنا في أسلوب معاصر يُعيد إحياء روح القصة داخل القصة، مما يضفي عمقاً وتشويقاً على الرواية.

وفي رواية «خوف» نجد الخوف وقد تحول من شعور عابر إلى تجربة وجودية عميقة ودافعاً لاستكشاف الذات. من منا لم يفكر في لحظات الخطر الاستعانة بـ«الجن الأزرق»؟ أو ربما يدفعه طموحه وفضوله لعقد صفقة مع الشيطان. لكن الخوف هنا لا يقود إلى الهلاك، بل يصبح أداة لفهم النفس وإعادة تشكيلها.

يبحث القراء الشباب في الأدب عن متنفس لرغبتهم في التمرد على سلطة تنتقص منهم، في مجتمعات تمنح الكتب قدسية مفرطة، يتحول الكتاب إلى رمز للتعقيد والغموض، مما يثير رهبة القارئ وتردده، وكأن الأدب حكر على النخب المثقفة. فيأتي المسلم ليكسر هذه الصورة النمطية، مستقطباً جمهوراً واسعاً، وممهداً الطريق لأدب أكثر قرباً من القارئ العادي، متحدياً بذلك هيمنة كبار الأدباء وسلطتهم الثقافية التقليدية.

على عكس الواقع العربي، شهد الأدب الغربي انفتاحاً أزال عنه هالة القدسية. فنجد تصنيفات جديدة تظهر كل يوم في أدب الأطفال والخيال العلمي والرومانسي والسيرة، مما يتيح للكتّاب حرية الإبداع دون خوف من تهم التسطيح، وللقرّاء حرية اختيار ما يمتعهم دون وصاية من أحد. أعمال بسيطة مثل «يوميات الفتى المشاغب»، وسلسلة «الشفق»، جذبت ملايين القراء وأكدت أهمية وجود بيئة أدبية تحتفي بالتنوع وتمنح لكل صوت مكانه، بعيداً عن قيود الأحكام المسبقة أو التصنيفات النخبوية.

تُتهم روايات أسامة المسلم بالتركيز على التسلية والخيال أكثر من الرسائل العميقة، لكن متى كان الترفيه تهمة؟ كتب مثل «كليلة ودمنة» وأساطير عنترة لم تكن فلسفية معقدة، بل ممتعة وملهمة. وقصص خيالية مثل «الأمير الصغير» قدمت رؤية إنسانية عميقة تجمع بين الانتشار الجماهيري والعمق الأدبي. فالأدب، في جوهره جسر يربط الكاتب بالقارئ، لا اختبار لصبره أو قدرته على فك الشفرات.

وقول إن الفانتازيا تمثل هروباً من الواقع أو ترسيخاً للغيبيات يتجاهل طبيعتها الحقيقية كفن أدبي، شأنها شأن الخيال العلمي، ليست انعزالاً عن الواقع، بل هي إعادة صياغة له في قالب خيالي يسمح باستكشاف أفكار معقدة بطريقة غير تقليدية.

تتطلب الفانتازيا من كاتبها جهداً فائقاً لابتكار عوالم جديدة مليئة بالتفاصيل والقوانين المتكاملة، مما يجعلها فناً إبداعياً من الدرجة الأولى. وقد استطاع المسلم، على غرار أحمد خالد توفيق وجرجي زيدان، عبر أدب يوازن بين الترفيه والإبداع، ويعيد تشكيل الموروث بلغة معاصرة، أن يكون صوتاً لجيله، متجاوزاً قيود النخب الثقافية، ومتجاهلاً رضا النقاد الذين اعتبرهم «شلة تتبادل المجاملات النقدية».

في النهاية، ليست كل رواية درساً فلسفياً، لكنها يمكن أن تكون مغامرة تأخذ القارئ إلى عوالم جديدة، لتظل الرواية فضاءً يمزج بين الخيال والواقع، وبين الماضي والحاضر.

Continue Reading

ثقافة وفن

«هوبال» تأكيد على خلق الفيلم السينمائي السعودي

بين السكون والحركة جرت أحداث الفيلم، وكلما غاب المتجمد سالت الحياة..المخرج والسينارست والممثلون صنعوا لنا عالماً

بين السكون والحركة جرت أحداث الفيلم، وكلما غاب المتجمد سالت الحياة..

المخرج والسينارست والممثلون صنعوا لنا عالماً موازياً حقيقياً أمام الأسطورة..

لدينا كنز من الممثلين الأفذاذ.. وفي كل خطوة يثبتون أنهم جواهر تمثيلية..

أي حالة فنية تدهشك يصعب عليك الوقوف على مثيرات إعجابك، ودهشتك.. وهذه حقيقة نقفز عليها بتثبيت الكلمات لمحاولة استنطاق حالة الإعجاب التي انتابتك.

فيلم (هوبال) من الحالات الفنية المضيئة التي تصب في داخل من يشاهد الفيلم، إلا أن لكل مشاهد حالته الخاصة في كيفية إعجابه بفيلم (هوبال)، ولو وقفت على بوابة الخروج من صالة العرض حاملاً سؤالاً محدداً:

– ما رأيك في الفيلم؟

لنقل إن الإجابة جاءت من معجب بالفيلم، ستكون إجابته إجابة قلقة، وقلقها قادم من تشتت المشاهد التي أبهرته، ولا يجد حيالها سوى الإعجاب بجزئيات عديدة، وذلك الإعجاب تأتي إجابته بمفردات الاستحسان كـ(جميل، رائع، مدهش، وهكذا). ومفردات الإعجاب تلك تجعل مقاطع الفيلم قد استطاعت الاستحواذ على المشاهد في اختلاف مواقعها وحواراتها وأفكارها الخاصة بها، فتقطيع المشاهد (كل مشهد يقودك إلى عوالم خاصة بك كمشاهد تتوحد مع انتهاء الفيلم).. ربما تكون مفردة (هوبال) مفردة غامضة ومع بحثك عنها لاحقاً يحدث مراجعة الفيلم مراجعة ذاتية بأن هناك لغتين أو لهجتين مدمجتين (لغة الإنسان، ولغة الحيوان ممثلة في الإبل)، فهوبال لغة تبادلية بين الإبل وصاحبها، فتكون الصحراء فضاء سردياً يتلاءم مع الحكاية، وطريقة سردها ليس قولاً، وإنما سردية بصرية يساهم المشاهد في ملء تقطع المشاهد، وهي تقنية سردية أمسك بها كاتب السيناريو (مفرج المجفل) إمساكاً متقناً.

وفي اتساع الصحراء (كفضاء سردي) التي لا تحدها الكلمات جاءت الصورة حاوية لذلك الاتساع، وهنا يأتي دور المخرج (عبدالعزيز الشلاحي)، وبعمدية المقصودة كانت كل صورة (في ثباتها وحركيتها) حكاية داخل حكاية، فالعين أكثر اتساعاً من السماع، كما أن الكلمات تتلاشي في الفضاء المتسع، فكان الممثلون والتصوير والموسيقى التصورية في تناغم من العزف الراقص يمثل المخرج (الشلاحي) المايسترو الذي وزع أدوار كل نغمة متى ترتفع ومتى تنخفض.

والكاتب (السيناريست) الرائع فرج المجفل سبق له الإجادة في عالم الإبل من خلال فيلم (هجان) وهي لغة مشفرة بين كائنين ومن لم يعيش تلك البيئة، ربما يجد عينيه تتنقلان مع الصورة، وهو في حالة تجميع للمشاهد ودلالاتها، وفيلم (هوبال) كانت المشاهد تغزل عوالم بصرية تتحد مع الكلمات المختصرة الخارجة من أفواه الممثلين؛ لكي تتكامل الحالة السردية والبصرية.. والحوار في الفيلم عميق ومتقن أدى دور الرابط والمعمق لما تشاهد، واختيار عبدالعزيز الشلاحي لموقع التصوير كبيئة مكثفة لتصديق الحدث كان موفقاً أيضاً، فالبيئات المغلقة (وإن كانت متسعة باتساع الصحراء) تمكن الحكاية من التغلغل في ذهنية المشاهد والتصديق بما يحدث كواقع حياتي يؤديه الممثلون، فتلتصق الصورة مع عين المشاهد ويتحدان في بناء الفيلم كحقيقة وليس حكاية.

فرمزية الجد بما يمثله من ماضٍ يرى صحة آرائه، وخضوع الأبناء والأحفاد لتلك الآراء، وسريان الحكاية في بوتقة الأسطورة مكنت أحداث الفيلم من التكاملية وخلق بناء حكائي ملفت، وجاءت الصورة مكملة لسرقة اهتمام المشاهد، فسكون البيئة، وبطء الأحداث منحا الفيلم ثقلاً وجوديّاً داخل المشاهد.

ومن البدء تم تأسيس أن الجد هو العمود الفقري لبقية الأحداث، ومع وجوده رسمت أدوار بقية الشخصيات، فبوجوده ليس هناك سوى رأيه، ومع اعتكافه تتحرك بقية الأحداث التي تتجاوز الساكن من فعل إلى حركة، وإن كانت تلك الحركة هي متوازية مع الشهب الخالقة لبقع (الدحل)، اذ تبدأ حركية الخروج من أوامر الجد بمرض الحفيدة (ريفة) بالحصبة.

تلك الحالة تكون منطلقاً لنزاع الآراء، يحدث ذلك في تغيب الجد، فغياب الماضي مكّن جيل الحاضر من الاحتداد حيال آراء الجد المتعصبة الواثقة من صحتها، فجيل الأحفاد امتلك الآراء الرافضة لأي حركة خارج عقلية الجد حتى ولو كانت الحركة هي الانتقال إلى المستشفى، وهنا مثلت المدينة دوراً رئيساً في كشف لزيف الماضي (الذي يمثله الجد)، ومع إصرار جيل الأحفاد على المغامرة والانعتاق من وصايا الجد بالوصول إلى المدينة (بحثاً عن الشفاء لمريضة الحصبة) كانت رحلة (الأحفاد) هي الكاشفة لما يدور خارج البيئة المنغلقة.

ومثلت شخصية (ليام) القفل الذي وضع لإغلاق عقلية الناس في تلك البيئة التي احتفت بالدعوات، ودور الداعي على من يخالف آراء الجد إلى أسهم تصيب المخالف للمقولات الراسخة في أذهان الأبناء والأحفاد.

فالمخالفة لها سهم، والمخالف تصيبه نازلة من نوازل القدر بمجرد الدعوة عليه، وأصبح أي فعل يغاير رأي (ليام) مدعاة للاستغفار.. ثمة مفاتيح متعددة حملها الجوار لفتح القفل المثبت في ذهنية أفراد الأسرة التي اختار لها الجد هذا المكان الذي لا ينهض فيه إلا رأي الجد، ومثل أفراد الأسرة طبائع بشرية (رافضة، وخاضعة، وشريرة، ووصولية، ومغامرة) كل شخصية حملت جملاً حوارية استطاعت فتح مغاليق القفل مع تنامي الحكاية.

والدحل (مهبط الشهب المتتبعة لشياطين المسترقة لسمع) كان مهبطاً للجد، وهي دلالة أن الالتقاء الأسطورة مع الواقع ينتصر فيها العالم المتحرك، عالم الحاضر.. وبين البيئة المتسعة المنغلقة جمعت الحكاية عالمين متناقضين حين ظهرت حرب استقلال الكويت، فعلى حدود الصحراء كانت الدنيا تمور بالدبابات والصواريخ وإشارات استعداد الناس للمغادرة من أجل اللجوء، صور الدبابات والصواريخ والجنود مكنت الفيلم من خلق المقارنة بين الساكن والمتحرك، وهنا جزئية علينا المبادرة للجهات المعنية التي أسهمت بمد أصحاب الفيلم بكل تلك المعدات الضخمة، وهذا دور يمكن صناع الأفلام من تجويد أعمالهم.

مقالتي هذه لا تبحث عن تفصيل تفاصيل حكاية الفيلم، وإنما تمثلت دور أحد الخارجين من صالة العرض ووجد أمامه سائراً يسأله:

– ما رأيك في الفيلم ؟

وإن بقى شيء من قول فهو الشكر لجميع من صنع هذا الفيلم الرائع، الذي يمكننا القول إن لدينا فيلماً سينمائياً..

وإن كان هناك التفاتة يمكن الكتابة عن روعة وجودة الممثلين، فقبل سنتين شاهدت فيلم (طريق الوادي)، وصفقت إعجابا بالممثل الصغير سنّاً الكبير أداء الفنان حمد فرحان، وحمد أدى دور عساف في فيلم (هوبال) كان ممثلاً فذاً بحق، وإن كان من حاجة للالتفات للممثلين، فحقيقة الأمر أثبتت الأفلام والمسلسلات السعودية أن لدينا ثروة من الممثلين كل منهم يجيد الدور الذي يؤديه..

وفي فيلم (هوبال) بزغت وجوه معظم من شارك في التمثيل، فإبراهيم الحساوي أصبح نجمنا الذي يضيء في أي عمل يؤديه، وميلا الزهراني أشعرتك بأنها تؤدي دورها الطبيعي والعفوي في تلك البيئة الخانقة، تركت بصرها يمثل حالات الرضا والرفض والإغراء، مشعل المطيري شاهدته في أكثر من عمل، وتستطيع القول إنه في حالة ترقٍّ من دور إلى دور، وحمدي الفريدي خلق في داخل المشاهد نوازع الإقبال والركون للساكن، ومن ثرواتنا التمثيلة الذين ظهروا في هذا الفيلم راوية أحمد، ريم فهد، وباختصار كان الممثلون قوة إضافية لجمال الفيلم.

Continue Reading

ثقافة وفن

عرّافة الرمال لجاسم الصحيّح

تعد قصيدة «سيرةٌ إنسانيَّةٌ للرِّمال» للشاعر السعودي جاسم الصحيّح واحدة من أبرز الأعمال الأدبية، ليس في منجز

تعد قصيدة «سيرةٌ إنسانيَّةٌ للرِّمال» للشاعر السعودي جاسم الصحيّح واحدة من أبرز الأعمال الأدبية، ليس في منجز الصحيّح فحسب، بل وفي الشعر العربي الحديث. تعكس القصيدة بعمقها وثرائها التعبيري قوة الشاعر في نقل المشاعر والأفكار المتعددة بأسلوب شعري راقٍ ومؤثر. يلامس الصحيّح قلوب القراء من خلال استخدامه للصور الذهنية المتنوعة والمبدعة، ويثير فيهم مشاعر الانتماء والفخر والحب للوطن، لتحتل هذه القصيدة مكانة مرموقة في الأدب العربي بفضل عمقها الفني، وقدرتها على التعبير عن التحديات والصمود والتفاني في خدمة الوطن.

أولا: أهمية القصيدة الفنية

1.التعبير عن الوطن

فتعد القصيدة لوحة فنية تعبر عن حب الوطن والتفاني من أجله، إذ قدّم الشاعر صورة مدهشة للوطن ككيان حي ينبض بالحياة، يواجه التحديات ويصنع المجد. في هذا السياق، يعبر الشاعر عن الوطن بكلمات ملهمة:

«فتَجَلَّى في مداها وَطَنٌ

يُلْهِمُ الحاضِرَ أنْ يغدو حَضَارَةْ»..

كما يشبّه الشاعر الوطن بالبحر، الذي يحتوي على حيتان كثيرة دون أن تُفسد محاره، مما يعكس غنى الوطن وتنوعه مع الحفاظ على نقائه وجوهره:

«وَطَنٌ كالبحرِ في سِيرتِهِ..

كثرةُ الحيتانِ لم تُفسِدْ مَحَارَهْ!»

2. الصور الذهنية المبتكرة

يعكس تشبيه النهارات بخيول مستثارة والليالي كغارات متتابعة، حركة الزمن والتحديات المستمرة، مما يُضفي على القصيدة ديناميكية وقوة تعبيرية:

«النهاراتُ خيولٌ مُسْتَثارَةْ

والليالي غارةٌ تتبعُ غارَةْ»..

كما يُضيف استخدام الشاعر لصورة الرّمال بعدًا فلسفيًا للقصيدة، وذلك بوصف الرّمال عرّافة تقرأ الوقت وتستجلي مداره، إذ تصبح الطبيعة جزءًا من حكاية الإنسان وتاريخه:

«والرمالُ ابْتَدَأَتْ عَرَّافَةً

تقرأُ الوقتَ وتستجلي مَدارَهْ»..

3. الجمال الأسلوبي

تتميز القصيدة بلغة شعرية رصينة وموسيقى داخلية متناغمة، مما يعكس براعة الشاعر في استخدام اللغة العربية وتطويعها لتناسب موضوع القصيدة:

«وطني.. إنَّ رصيدًا من هَوًى

عاشَهُ الأجدادُ، ضَاعَفْنَا ادِّخارَهْ»..

ويستخدم الشاعر التكرار بشكل فني يعزز من تأثير القصيدة على المستمع والقارئ، مما يجعلها أكثر تذكرًا وتأثيرًا:

«كلَّما اصْفَرَّ المدى لاذَ بنا

فـهَزَزْنَاهُ وأَسْقَطْنَا اصفرارَهْ»..

ثانيا: الأهمية الأدبية للقصيدة:

1. التعبير عن الهوية والانتماء

يبرز الشاعر الهويّة الثقافية والجغرافيّة للوطن، من خلال استخدام الصور التي تمثل الصحراء والرمال والنخيل، مما يعزز من إحساس الانتماء لدى القراء:

بيننا يسعَى غرامٌ زاجلٌ

في سقوفِ النخلِ رَبَّينَا هَزارَهْ..

كما يشير الشاعر إلى تضحيات الأجداد وبطولاتهم، مما يزيد ارتباط الحاضر بالماضي ويخلق جسراً من الفخر والتواصل بين الأجيال:

في ثراهُ انْصَهَرَتْ أزمنةٌ

مِنْ رجالٍ رَوَّضُوا قلبَ الحجارَةْ..

2. الدلالات الرمزية

ترمز الرمال والبراري في القصيدة إلى الصمود والتحدي، حيث تتحول الصحراء القاسية إلى مصدر إلهام وعطاء بفضل تضحيات الإنسان وجهوده:

الرمالُ احْتَرَقَتْ فائْتَلَقَتْ

فإذا الصحراءُ تزدادُ نَضَارَةْ..

ويعكس التوتر بين الخوف والسلام وكيف يمكن للإيمان أن يجلب الطمأنينة، مما يضفي على القصيدة بعدًا روحانيًا وفلسفيًا:

وَطَنٌ سَهَّدَهُ الخوفُ، وما

نامَ حتَّى سَكَنَ اللهُ جوارَهْ..

3. التفاعل مع القارئ

يضفي استخدام بحر الكامل على القصيدة إيقاعًا موسيقيًا جذابًا يسهل حفظها وترديدها، مما يجعلها أكثر قربًا من قلوب القراء:

نحنُ لم نرفعْ شِعارًا، إنَّما

رَفَعَ اللهُ بأيدينا شِعارَهْ..

وتنجح القصيدة في إثارة مشاعر متنوعة لدى القارئ، من الفخر والانتماء إلى التأمل والحنين، مما يجعلها تجربة شعرية غنية ومؤثرة:

كوكبٌ من لهفةٍ وَحَّدَنَا..

كوكبٌ.. لا كَتَبَ اللهُ انشطارَهْ!

ثالثاً: الصور الذهنية وأدوارها وقيمها في القصيدة

1. «النهاراتُ خيولٌ مُستثارة»

فالصورة الذهنية هنا تعبر عن الحركة المستمرة والنشاط الدؤوب، بما يعزز قيمة العمل الجاد، الحيوية، والمثابرة.

2. «والليالي غارة تتبع غارة»

فالصورة الذهنية تعبر عن التحديات والمصاعب التي تأتي تباعاً. لتحقق قيم الصبر، القوة في مواجهة الصعاب، والاستعداد الدائم.

3. «والبراري دفتر من وهج»

فالصورة الذهنية تمثل البيئة الصعبة التي تُكتب فيها حكايات الشجاعة والنضال، مما تعزّز قيم التضحية، الشجاعة، وتسجيل التاريخ البطولي.

4. «والرمالُ ابْتَدَأَتْ عَرَّافَةً

تقرأُ الوقتَ وتستجلي مَدارَهْ»..

فالرمال كعرافة تقرأ الوقت، لتمثل الحكمة والمعرفة المتجذرة في الطبيعة، محققة قيم الحكمة، الفطنة، والقدرة على التنبؤ بالمستقبل.

5. «وَطَنٌ كالبحرِ في سِيرتِهِ..

كثرةُ الحيتانِ لم تُفسِدْ مَحَارَهْ!»..

رسمت الصورة الذهنية الوطن كالبحر، تعبيرا عن غنى الوطن وتنوعه، مع الحفاظ على نقائه وجوهره، مما تضفي قيم الوفرة، الاستمرارية، والتناغم بين التنوع والوحدة.

6. «وَطَنٌ كالشِّعرِ إلَّا أَنَّهُ

لم يَجِيء من كُوَّةِ الغيبِ (استعارَةْ)»

فالوطن كالشعر، بما يشير إلى الإلهام والجمال الذي ينبع من الوطن، لترفل في ظلها قيم الإبداع، الجمال، والإلهام.

7. «وَطَنٌ سَهَّدَهُ الخوفُ، وما

نامَ حتَّى سَكَنَ اللهُ جواره»

إذ يسهد الوطن بالخوف حتى يُسْكِن الله جواره، وقد يعكس التداخل بين الخوف والأمان المستمد من الإيمان، مظهرة قيم الإيمان، السلام الداخلي، والتوكل على الله.

8. «في ثراهُ انْصَهَرَتْ أزمنةٌ

مِنْ رجالٍ رَوَّضُوا قلبَ الحجارَةْ»

انصهرت في ثرى الوطن أزمنة الرجال الذين روضوا قلب الحجارة، بما يمثّل القوة والعزم في مواجهة التحديات، عبر قيم الشجاعة، الصمود، والإرادة الصلبة.

9. «الرمالُ احْتَرَقَتْ فائْتَلَقَتْ

فإذا الصحراءُ تزدادُ نَضَارَةْ»

تحمل الصورة الذهنية هنا مقابلة بلاغية، فالرمال التي احترقت، زادت القفر نضارةن بما تفيد التجدد والنهوض من جديد بعد الصعاب، مرددة قيم التجدد، الأمل، والتفاؤل.

10. «إِنَّما التَّمرُ لنا (تأشيرةٌ)

ولنا النخلةُ في الدنيا (سفارَةْ)»..

ترسم الصورة الذهنية التمر تأشيرةً والنخلة سِفارةً، تمثيلا بليغا عن التراث والهوية الثقافية الراسخة، وأهمية العطاء المستمر للوجود.

11. «أيُّها الأجدادُ.. طيبوا خاطرًا..

ذلك السندسُ ما خانَ اخضرارَهْ!»..

تعبّر صورة الأجداد والسندس الذي لم يخن اخضراره، عن الاستمرارية والثبات في القيم والمبادئ، بما توظّفت به قيم الوفاء، الثبات، والتراث المستمر.

الخلاصة

قصيدة «سيرةٌ إنسانيَّةٌ للرِّمال» لجاسم الصحيح تعد من أبرز الأعمال الشعرية التي تعكس حب الوطن والارتباط بالأرض والهوية. من خلال الصور الذهنية المبتكرة واللغة الشعرية الراقية، يقدم الشاعر لوحة فنية تعبر عن التحديات والصمود والتفاني في خدمة الوطن. هذه القصيدة ليست مجرد عمل شعري بل هي تجربة شعورية عميقة تلامس القلوب وتثير مشاعر الفخر والانتماء لدى كل من يقرأها. باستخدام الصور الذهنية المتنوعة، يعبر الشاعر عن الأمل، التجدد، الوحدة، والقيم الروحية والاجتماعية التي تجعل القصيدة تجربة فريدة ومؤثرة.

Continue Reading

ثقافة وفن

رئيس اتحاد الناشرين العرب: نسبة النشر العربي 1 % والقرصنة تهدد الكتاب بالانقراض

اكتسب هذا الحوار أهمية، وحظي باهتمام كبير، لتزامنه مع معرض القاهرة الدولي للكتاب، ولكون الضيف ناشراً محترفاً

اكتسب هذا الحوار أهمية، وحظي باهتمام كبير، لتزامنه مع معرض القاهرة الدولي للكتاب، ولكون الضيف ناشراً محترفاً وخبيراً بكل شؤون وشجون صناعة النشر، كما أنه يشغل حالياً منصب رئيس اتحاد الناشرين العرب، وتولى رئاسة اتحاد الناشرين المصريين، وأسس الدار المصرية اللبنانية. ضيفنا الناشر محمد محمد رشاد أحمد حسن، شخصية موسوعية، ولا ريب أن حرفة (الورّاق) أكسبته أدباً ووعياً وحسن خُلق، يتجلى في تفاعله مع محاور اللقاء، وسرعة الردّ، وهو حاصل على ليسانس المحاسبة من كلية التجارة جامعة القاهرة عام 1977، اشتغل بمهنة النشر منذ 1970 انطلاقاً من إحدى دور النشر الكبرى في لبنان، وعاد إلى مصر عام 1975، وعمل مديراً مسؤولاً لدار الكتاب المصري اللبناني حتى عام 1985، وفي عام 1988 أسس مكتبة الدار العربية للكتاب، وأسس مع آخرين في العاصمة اللبنانية بيروت دار (أوراق شرقية) عام 1993م لنشر نوادر الكتب والاضطلاع بنشر الموسوعات، وفي عام 2020 أسس شركة مكتبات المصرية اللبنانية.. وهنا نصّ حوارنا معه:

• لماذا تأخرت انتخابات اتحاد الناشرين العرب؟

•• يفترض أن تجري الانتخابات هذا العام، يوم الـ25 من يناير، كون الدورة في الاتحاد لثلاثة أعوام، والدورة الـ10 بدأت في 2022، وتنتهي بنهاية 2024، ونظراً لكون معرض القاهرة الدولي للكتاب هو أكبر تجمّع للناشرين العرب، بخلاف أي معرض آخر، ففيه تنعقد الجمعية العمومية، وتتم الانتخابات، إلا أن تخوّف بعض الزملاء أعضاء مجلس الإدارة، من الأوضاع التي تحيط بالمنطقة، والإشكالات القائمة في أكثر من بلد عربي، وعدم الاستقرار في دول أعضاء في الاتحاد منها سورية، ولبنان، واليمن، وليبيا، والسودان، والاتحاد أنشئ بقرار من اللجنة الثقافية في الجامعة العربية عام 1962، وهذا الاتحاد أُعيد إحياؤه عام 1994، وأنا كنت ضمن الخمسة الذين أسهموا في إعادة الإحياء، واستمررت فيه إلى عام 2006 أميناً عاماً، ولم أجدد عضويتي إلى 2016، رئيساً للدورة الثامنة، والتاسعة، والحالية، بناءً على طلب الزملاء الناشرين، فتم اقتراح طلب تأجيل موعد انعقاد الجمعية والانتخابات؛ تفادياً لحرمان زملائنا من الدول العربية من الحضور، ورغم أني كنت معترضاً على هذا إلا أنه لوجاهة المقترح وافقت، ونزولي على رأي الأغلبية؛ كون الذين اقترحوا وصوتوا على التأجيل 32 عضواً، ومن الضروري احترام رأي الأغلبية، ووافقت على تأجيل الانتخابات لمدة ستة أشهر كون قانون الاتحاد يجيز ذلك، وتمدد لستة أشهر إذا لم يكتمل حضور الأعضاء، ولأن شهر يونيو سيكون في فترة صيف ولا يقام به معرض كتاب، فغالباً ستكون الانتخابات مؤجلة إلى يناير 2026.

• بماذا يمكننا حفظ حقوق المؤلف والناشر؟

•• مع عودة الاتحاد لنشاطه، قام مجلس إدارة الاتحاد بجولة على كافة الدول الأعضاء في سبيل إصدار قوانين حماية حقوق الملكية الفكرية، وفي تلك الفترة من 1995 إلى 1998 غالبية الدول لم يكن لديها جمعيات ولا قوانين خاصة بحماية حقوق الملكية الفكرية، عدا دولة أو دولتين، منها مصر، والعبرة ليست بسنّ القوانين بل تحديثها وتعديلها لتغليظ عقوبة المخالفين ومنتهكي الحقوق، ما يمكن معها حماية حقوق المؤلف والناشر.

• ما سبب تدني مستوى احترام الملكية الفكرية في وطننا العربي؟

•• انعدام الوعي، بأهمية الملكية الفكرية، ولجنة حماية الملكية الفكرية في اتحاد الناشرين العرب من أقوى اللجان، وهي أشبه بمحكمة، تضم ناشرين وخبراء قانونيين، والمستشار القانوني للاتحاد، وتأخذ توصيات وقرارات تعرض على مجلس الإدارة لإقرارها، من ضمن القرارات، منع المصنف المعتدى عليه من العرض، ويمنع المزوّر من المشاركة في المعارض، وتُفرض عليه غرامة مالية، والمشكلة ليست في توفير القوانين بل في تطبيقها وتنفيذها، لذا لا غنى للاتحاد عن الشراكة مع وزارات العدل والداخلية والنيابة، لتكتسب القوانين هيبة، ويسهل تطبيق العقوبات بحقهم، فالمُنتهك والمزوّر لصَّان يجب الأخذ على يديهما.

• هل من دور توعوي؟

•• دائماً نعقد ورش عمل وندوات للتوعية، وأقمنا مؤتمراً عن حقوق الملكية الفكرية في زمن الذكاء الاصطناعي، ونتمنى أن تنشأ محاكم ونيابات متخصصة في الملكية الفكرية، والمحاولات جادة في تطوير نظام الحقوق الفكرية، ولوسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية دور فاعل في توعية المجتمع العربي بضرورة حفظ وحماية حقوق الملكية الفكرية والتحذير من انتهاكها، وتكامل الأدوار مطلوب.

• ماذا يترتب على تطبيق العقوبات على منتهكي حقوق الملكية الفكرية؟

•• هناك عائدات اقتصادية يستفيد منها اليوم العالم المتقدم، وهناك دول عائداتها بالملايين من حماية الملكية الفكرية، ومما يطلق عليه الصناعات الثقافية. لو تم التطبيق الفعلي لقوانين حماية حقوق الملكية الفكرية، في مصر فقط، فيمكن أن يتجاوز الدخل عائدات قناة السويس.

• ماذا عن حقوق القارئ؟

•• قانون حماية حقوق الملكية الفكرية (للمؤلف والناشر) بالنسبة للقارئ، له حق المحتوى الجيّد، والسعر المناسب لإمكاناته، وهذا حقّ أدبي، كونه لا سلطة لقارئ على مؤلف أو ناشر، وعليه واجبات، منها عدم اقتناء الكتاب المقرصن، ويهتم بحفظ حق المؤلف والناشر.

• ما أبرز مزايا الانضمام لاتحاد الناشرين العرب، والدخول تحت مظلته؟•• أي عضو ينضم لاتحاد الناشرين العرب لابد أن يكون أصلاً عضواً في الاتحاد المحلّي في بلده، ومنها جمعية الناشرين السعوديين، فهذا شرط لدخوله اتحاد الناشرين العرب، ويتم التوقيع على ميثاق شرف للالتزام بقواعد حماية حقوق الملكية الفكرية، وكل الأنظمة المعمول بها في الاتحاد، وحينها له الحق في الحصول على خصومات في معارض الكتب أو إعفاء من الإيجار، وتذليل كافة العقبات التي تعترض مشاركته، وللأعضاء أولوية المشاركة، ونحن نتدخل حين تقع مشكلة، طالما هو ملتزم بنظام الاتحاد وله حق حضور الندوات والورش المهنية التي يقيمها الاتحاد لتنمية مهنيته، ويظل على صلة بمركز البحوث والدراسات في الاتحاد فيمكنه الاستفادة من هذه الدراسات.

• كيف تتعاملون مع ناشر تعرضت كتبه للقرصنة؟

•• نحن نتدخل فوراً بحفظ حقوقه من خلال لجنة حماية الحقوق الفكرية، نمنع المُصَنّف المعتدى عليه، ونفرض عليه غرامة مالية، وننبه على كل المعارض بعدم عرضه، ويحرم المزوّر من المشاركة في أي معرض، وفي معرض القاهرة للكتاب تمثيل للاتحاد في اللجنة العليا المنظّمة، نرفع المطالب وندافع عن الناشرين، ونقدم سعراً خاصاً لعضو الاتحاد، من 130 إلى 140 دولاراً في المتر، بينما ربما يصل المبلغ للضعف لغير الأعضاء.

• لماذا يرفض البعض الانتماء للاتحاد؟

•• هذا أمر راجع للناشر، ليس شرطاً أن يكون الجميع أعضاء في الاتحاد، إلا أنه يحرم نفسه من المزايا التي يوفرها الاتحاد ويتمتع بها كافة الأعضاء، والاشتراك لدينا رمزي 150 دولاراً في العام، وعندما ينضم يدفع رسماً 300 دولار.

• بماذا يمكن الحد من قرصنة الكتب؟

•• هناك قوانين ملكية فكرية، واتحاد الناشرين العرب يحرص على التذكير بضرورة إنفاذ القوانين والأنظمة ليكون هناك ردع، والحماية بالرهبة.

• ما الذي يهدد صناعة النشر في العالم العربي؟

•• أكبر مهدد وأعظم آفة للنشر في عالمنا العربي الاعتداء على الملكية الفكرية، والموضوع كبير جداً، فالناشر والمؤلف أصحاب حق، وعندما تنتهك شركة أو مؤسسة هذا الحق تضعف النشر، ولو بالذكاء الاصطناعي، وربما من مهددات النشر سعر الورق والأحبار، وضعف التسويق، كون الناشر لا يود رفع تكلفة الكتاب، ويفترض على كل جامعة أو كلية أو مؤسسة أن تحذر من اقتناء الكتب المقرصنة، بل من ناشرها الأصلي.

• ما رؤية الاتحاد للمكتبات العامة؟

•• لا نزال دون مستوى المأمول، وتعزيز صناعة النشر يحتاج لمزيد عناية بالمكتبات العامة، وعدد المكتبات العامة في عالمنا العربي لا يتناسب مع عدد السكان؛ ففي الإحصاءات الدولية، المجتمعات الأكثر رفاهية، لكل 10 آلاف نسمة مكتبة عامة، تبدأ بـ10 آلاف نسخة ثم تزاد، ويتم الاشتراك بمبلغ رمزي، إضافة للشراكات، ما يعزز صناعة النشر.

•• ما انطباعك عن صناعة النشر في العالم العربي؟• صناعة النشر في العالم العربي ضعيفة، ليست بالموقع المؤمل وتتأرجح بين صعود وهبوط، وتتراجع، ليس بسبب الكتاب الإلكتروني، وربما تكون مهددة بالانقراض، والتوقف نتيجة ازدياد تفشي ظاهرة تزوير الكتب ورقيّاً وإلكترونيّاً وزيادة أعداد المقرصنين الذين يسرقون حقوق المؤلف والناشر، فالتزوير ورقيّاً تسبب في خسائر فادحة للعشرات من دور النشر، ما أدى لغلق بعضها بسبب ما تتكبده من خسائر، فلا تستطيع الوفاء بالتزاماتها المالية تجاه الدولة من ضرائب وتأمينات وخلافه، وحتى المصروفات الأساسية والمرتبات اللازمة لاستمرار نشاطها، مما يعود بالخسارة على الاقتصاد القومي.

• لماذا تكون ضعيفة ونحن أمة اقرأ؟

•• لأننا لم نُرسّخ عادة القراءة في الأجيال منذ الطفولة، ولو اعتنينا بكتاب الطفل، وعودنا أطفالنا على القراءة نحن نخلق شعوباً واعية.

• ألا يهدد الكتاب الإلكتروني الكتاب الورقي؟

•• لا يزال حجم نشر الكتاب الإلكتروني في حدود 25%، مقابل 75% لصالح الورقي، والدول المتقدمة تتعامل مع الورقي أكثر، خصوصاً الإنسانية والأدبية، وما يجب علينا ترسيخ عادة القراءة باعتبارها واجباً قومياً.

• ماذا عن معايير النشر المُلزمة للناشر والمؤلف؟

•• يفترض أن قانون حماية الملكية (قانون الكتاب) معمول به في الجزائر فقط، وهو يحفظ حقوق الجميع، ويضبط المعايير.

• ما الفرق بين معارض الكتب العربية والعالمية؟

•• هناك معارض عالمية منها معرض فرانكفورت للكتاب، وهو معرض للمحترفين في صناعة النشر، على مستوى الكتاب والطباعة والتسويق، ومعارض العربية سوق، والقارئ ينتظر الكتاب من عام إلى عام وهذا مهدد لصناعة النشر، فالمفروض أن يتوفر الكتاب طيلة العام.

• ما حجم النشر في العالم العربي؟

•• يمثل نسبة 1% من النسبة العالمية، عدد عناوين إصدارات عالمنا العربي لا يتجاوز 80 ألف عنوان، ويمكن لدولة مثل إسبانيا أن تتساوى مع إصدارات 22 دولة عربية، والدول العربية ما زالت تنظر للنشر على أنه نشاط خدمي لا صناعة.

• من أين تبدأ المعالجة؟

•• من المكتبات العامة، والمكتبات المدرسية، وتخصيص ميزانيات كافية لبيوت وقصور الثقافة، ما يسهم في تعزيز صناعة النشر، فالكميات المنشورة تتراجع والطباعة تتضاءل، وهذا شيء محزن، كون 400 مليون إنسان عربي بحاجة لزيادة في عدد الكتب.

• ماذا عن القوة الناعمة؟

•• يفترض على الدول العربية الحفاظ على قوتها الناعمة، كتّاباً ومؤلفين وناشرين، لأن لهم ثقلاً كبيراً وتأثيراً على مستوى العالم.

• هل كثرة عدد معارض الكتب مؤشر قوة وحضور قارئ؟

•• يمكن أن نعدها إشارة إلى أن شغف القراءة لا يزال حاضراً.

• كيف نرد على إحصاءات تؤكد أن الإنسان العربي لا يقرأ أكثر من نصف صفحة؟

•• هذه إحصاءات غير دقيقة، ومؤسسة محمد بن راشد قدمت إحصاءات تنفي صحة ما يرد في الإحصاءات الأجنبية، لا تزال القراءة ساكنة وجدان العرب، وأنتم في المملكة في ظل رؤية ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، لديكم مبادرات تعزز القراءة والنشر.

• كم عدد الناشرين السعوديين المنضمين لاتحاد الناشرين العرب؟

•• أكثر من 60 ناشراً سعودياً أعضاء في الاتحاد. وهناك دعم للترجمة، ودعم لوجستي، ونحن متفائلون بالحضور السعودي نشراً وترجمة وثقافة.

• كيف نخفف على القارئ سعر الكتاب؟

•• بزيادة عدد الكتب المطبوعة، ولأننا لسنا دولاً منتجة لأدوات وعناصر طباعة الكتب، نضطر لاستيرادها ونخضع للأسعار العالمية، بينما الناشر الأجنبي يطبع كميات كبيرة.

• متى يمكنكم إلغاء الرقابة على الكتب؟

•• الكتاب العربي يخضع لرقابة 20 رقيباً على مستوى الوطن العربي، فكل دولة لها أجهزة رسمية معنية بالرقابة على الكتب والمصنفات، وهذا حق سيادي للمحافظة على سياسة وأمن الوطن، وعادات وتقاليد المجتمع، ونحن نؤمن بحق كل دولة في وضع سياستها الرقابية، وبعض الدول الأوروبية لديها رقابة بما فيها فرنسا، فالتطرف والإرهاب والنزعات الطائفية مرفوضة، ونحن ضد أي إصدار يتضمن إساءة، ولا ننكر أن الرقابة تضيق وتتسع من مكان لآخر ومن موسم لموسم، ونتطلع لرقابة موضوعية دون مبالغات، ومن الصعب الإلغاء، لكن نحتاج مرونة، وإن كنتُ شخصياً ضد الرقابة، والمفترض أن المؤلف والناشر لديهما رقابة ذاتية بنشر وكتابة ما ينفع الناس، دون تجاوز أخلاقي أو عقدي.

Continue Reading

Trending

جميع الحقوق محفوظة لدى أخبار السعودية © 2022 .